عرض مشاركة واحدة
  #714  
قديم 27-06-2008, 07:52 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ


ويتضح مما تقدم أن للقرآن الكريم مثل، يماثله في تمام الحقيقة والماهية، وأن هذا المثل معلوم بنصِّ هذه الآية الكريمة. وهذا المثل هو الذي أخبر الله تعالى بعجز الثقلين مجتمعين عن الإتيان به، رغم تظاهرهم على ذلك.
ومما ينبغي الإشارة إليه- هنا- أن لكل شيء مِثلاً، يماثله في تمام الحقيقة والماهية إلا الله سبحانه وتعالى، فلا شبه له ولا مثل.. وأن مِثْل الشيء يؤخذ من الشيء نفسه، إذا ما تعذر وجود مِثْل له في الواقع. وأن المأخوذ فرعٌ، والمأخوذ منه أصل، وأن لفظ المِثْل يطلق على كل من الأصل، والفرع.
وهذا يعني- كما ذكرنا- أن للقرآن الكريم مِثلٌ معلوم، وأن ذلك المثل المعلوم هو الأصل، وهذا القرآن، الذي بين أيدينا هو فرع مأخوذ من ذلك الأصل.
ولمعرفة ذلك المثل، الذي هو أصل للقرآن، الذي بين أيدينا اقرؤوا، إن شئتم قول الله تعالى:
﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾(البروج: 21- 22)
فماذا تجدون ؟ تجدون: قرآنًا مجيدًا، في لوح محفوظ.
والمجيد هو العظيم وهو الكريم، وهو من صفات الباري جل وعلا. وفي لسان العرب:يريد بالمجيد: الرفيع العالي. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ناوليني المجيد أي المصحف. وهو من قوله تعالى:﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾. ولفظ المجيد ورد في القرآن في أربعة مواضع، هذا أحدها.
والموضع الثاني في قوله تعالى:﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾(ق: 2)
والثالث في قوله تعالى:﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴾(هود: 73)
والرابع في قوله تعالى:﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾(البروج: 15)
فجعل سبحانه وتعالى صفة القرآن من صفته جل وعلا:
﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾(الروم: 27)
أما اللوح- كما جاء في لسان العرب- فـهو مستودع مشيئات الله تعالى. وكل عظم عريض لوح، والجمع منهما: ألواح. وقال أبو إسحق: القرآن في لوح محفوظ، وهو أم الكتاب عند الله عز وجل. وقيل: هو في الهواء فوق السماء السابعة، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وهو من درة بيضاء. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقوله تعالى:﴿ مَّحْفُوظٍ ﴾يعني: مُصَانٌ، لا يمكن للشياطين أن تتنزَّل بشيء منه، أو تغيِّر منه شيئًا .
﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 210- 212)
فهل ذلك القرآن المجيد في ذلك اللوح المحفوظ من الشياطين هو قرآننا، الذي بين أيدينا، أم هو قرآن غيره ؟! وإن لم يكن هو، ولا غيره، فما قرآننا- إذًا- إن لم يكن مِثلاً مأخوذًا منه ؟
ثم اقرؤوا، إن شئتم، قول الله تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ*إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *في كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾(الواقعة: 75- 79)
وتأملوا، كيف نفى الله تبارك وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم على أن القرآن كريم، وكيف أقسم سبحانه بالقرآن في قوله:
﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾(ص: 1)، وقوله:﴿ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾(ق: 1)
على ثبوت هذا القرآن نفسه وصدقه، وأنه حق من عنده ؟!
فإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن القرآن المقسم به، والموصوف بذي الذكر، وبالمجيد، هو غير القرآن، الذي نفى سبحانه وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم على أنه قرآن كريم.
ويدل على ذلك- أيضًا- أن الله عز وجل وصف هذا القرآن، الذي نفى حاجته إلى القسم عليه بمواقع النجوم، بقوله:
﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾(الواقعة: 78- 79)
كما وصفه بقوله:
﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾(البروج: 21- 22)
وفي تفسير قوله تعالى:﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍقال ابن قيِّم الجوزيَّة:اختلف المفسرون في هذا، فقيل: هو اللوح المحفوظ . ثم قال:والصحيح: أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة؛ وهو المذكور في قوله:﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ*مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ*كِرَامٍ بَرَرَةٍ(عبس: 13- 16).
ويدل على أنه الكتاب، الذي بأيدي الملائكة قوله:﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾. فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسُّونه. وهذا هو الصحيح في معنى الآية .
وأضاف ابن قيِّم الجوزيَّة قائلاً:ومن المفسرين من قال: إن المراد به أن المصحف لا يمسُّه إلا طاهر، والأول أرجح لوجوه:
أحدها:أن الآية سيقت تنزيهًا للقرآن أن تنزل به الشياطين، وأن محله لا يصل إليه، فلا يمسُّه إلا المطهرون، فيستحيل على أخابث خلق الله وأنجسهم أن يصلوا إليه، أو يمسُّوه؛ كما قال تعالى:
﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 210- 212)
فنفى الفعل، وتأتِّيه منهم، وقدرتهم عليه. فما فعلوا ذلك، ولا يليق بهم، ولا يقدرون عليه؛ فإن الفعل قد ينتفي عمَّن يحسُن منه، وقد يليق بمن لا يقدر عليه، فنفى عنهم الأمور الثلاثة.
وكذلك قوله تعالى في سورة عبس:﴿ِفي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ*مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ*كِرَامٍ بَرَرَةٍ (عبس: 13- 16)
فوصف محلَّه بهذه الصفات بيانًا أن الشيطان لا يمكنه أن يتنزل به. وتقرير هذا المعنى أهم وأجمل وأنفع من بيان كون المصحف، لا يمسُّه إلا طاهر.
الوجه الثاني:أن السورة مكية، والاعتناء في السور المكية؛ إنما هو بأصول الدين من تقرير التوحيد والمعاد والنبوة. وأما تقرير الأحكام والشرائع فمظنة السور المدنية.
الوجه الثالث:أن القرآن لم يكن في مصحف عند نزول هذه الآية، ولا في حياة رسول الله؛ وإنما جمع في المصحف في خلافة أبي بكر. وهذا، وإن جاز أن يكون اعتبار ما يأتي، فالظاهر أنه إخبار بالواقع حال الإخبار.
الوجه الرابع:وهو قوله تعالى:﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾. والمكنون: المصون المستور عن الأعين، الذي لا تناله أيدي البشر؛ كما قال تعالى:﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (الصافات: 49)
وهكذا قال السلف. قال الكلبي: مكنون من الشياطين. وقال مقاتل: مستور. وقال مجاهد: لا يصيبه تراب ولا غبار. وقال أبو إسحاق: مصون في السماء.
الوجه الخامس:أن وصفه بكونه مكنونًا، نظير وصفه بكونه محفوظًا. فقوله تعالى:﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ؛ كقوله تعالى:﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ .
الوجه السادس:أن هذا أبلغ في الرد على المكذبين، وأبلغ في تعظيم القرآن من كون المصحف، لا يمسَّه محدث.
الوجه السابع:قوله تعالى:﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، بالرفع، فهذا خبر لفظًا ومعنى. ولو كان نهيًا، لكان مفتوحًا. ومن حمل الآية على النهي، احتاج إلى صرف الخبر عن ظاهره إلى معنى النهي. والأصل في الخبر، والنهي حملُ كلٍّ منهما على حقيقته. وليس- ههنا- موجب يوجب صرف الكلام عن الخبر إلى النهي.
الوجه الثامن:أنه قال:﴿إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، ولم يقل:﴿إِلَّا المُتَطَهِّرُونَ. ولو أراد به منع المحدث من مسِّه، لقال: إلا المتطهرون؛ كما قال تعالى:
﴿ِإنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾(البقرة: 222)
وفي الحديث:«اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين».
فالمتطهِّر فاعل التطهير. والمطهَّر الذي طهَّره غيرُه. فالمتوضئ متطهِّر، والملائكة مطهَّرون.
الوجه التاسع:أنه لو أريد به المصحف، الذي بأيدينا، لم يكن في الإخبار عن كونه مكنونًا كبيرُ فائدةٍ؛ إذ مجرد كون الكلام مكنونًا في كتاب، لا يستلزم ثبوته، فكيف يمدح القرآن بكونه مكنونًا في كتاب ؟ وهذا أمر مشترك، والآية إنما سيقت لبيان مدحه وتشريفه، وما اختص به من الخصائص، التي تدل على أنه منزل من عند الله، وأنه محفوظ مضمون، لا يصل إليه شيطان بوجه مَّا، ولا يمسُّ محلَّه إلا المطهَّرون، وهم السفرة الكرام البررة.
الوجه العاشر:ما رواه سعيد بن منصور في سننه:حدثنا أبو الأحوص، حدثنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك في قوله:﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، قال: المطهرون: الملائكة. وهذا عند طائفة من أهل الحديث في حكم المرفوع.
وقال حرب في مسائله: سمعت إسحق في قوله:﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾قال: النسخة التي في السماء، لا يمسها إلا المطهرون. قال: الملائكة .
وأنت إذا تأملت قوله تعالى:
﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرآن جاء من عند الله، وأن الذي جاء به روح مطهر، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل، ووجدت الآية أخت قوله تعالى:
﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾
وثبت لك أن القرآن الموصوف بقوله تعالى:
﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾، وقوله تعالى:﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾
ليس هو القرآن الكريم الموجود﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، والقرآن المجيد الموجود﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾؛ وإنما هو فرعمنه، وذاك أصل. والفرع مأخوذ من الأصل. وذلك الأصل هو المراد:﴿بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِفي قول الله جل وعلا:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.
فإذا عرفت ذلك، تبين لك أنه ليس المراد بالمِثلية في هذه الآية ما فهمه علماء التفسير منها، وأنها ليست مثلية مفروضة على قول الأكثرين، أو غير مفروضة على قول من قال إن المراد بالمثل: كلام العرب، الذي هو من جنسه؛ بل المراد بها: أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته، وأن هذا المثل معلوم، وهو الذي أخبر الله تعالى أولاً بعجز الإنس والجن عن الإتيان به، ثم أخبر ثانيًا بعجز الخلق أجمعهم عن الإتيان بسورة منه في قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(البقرة: 23).
ولهذا فقد ذهب المفسرون بعيدًا حين زعموا أن المراد بهذه المثلية: مثلية في البلاغة، أو الفصاحة، أو حسن النظم.. أو أنها مثلية وحي وتنزيل كما زعم بعضهم، أو غير ذلك من الأقوال، التي لا تفسِّر أسلوبًا، ولا توضح معنى.
ولو كان المراد بهذه المثلية شيئًا مما ذكروا، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مِثْلَهَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَقولونَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
كما حكي عنهم قولهم:
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَهَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (الأنفال: 31 )
فتأمل، وتدبر، واعتبر الأمور بأمثالها، تصب خيرًا، وتنطق صوابًا، إن شاء الله ، ولا يغرَّنَّك بالله الغَرور !!!
بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.92 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]