الموضوع: الله جل جلاله
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-10-2020, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,464
الدولة : Egypt
افتراضي الله جل جلاله

الله جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان








(الله):



هو الاسمُ المفرَد العلَم الدالُّ على الذات المُقدَّسة، بل الدالُّ على سائر الأسماء الحسنى والصفات العُلى، فالأسماءُ الحُسنى كلها مَنسوبة إليه وفرعٌ عليه، ولهذا يُضيف الله تعالى سائرَ الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8].







ولهذا يقال: الرحمن مِن أسماء الله، الرحيم مِن أسماء الله، الرقيب مِن أسماء الله، ولا يُقال عكس ذلك، ونجد ذلك واضحًا في الآيات التي تتحدث عن الأسماء الحسنى والصفات العلا؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 23]، فلمَّا أراد عز وجل أن يَصِفَ نفسه بعلم الغائب والحاضر ما وصف إلا الله، ولَمَّا أراد أن يصفَ نفسه بأنه الملك القدوس السلام... إلخ؛ قال مرة أخرى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 23، 24][1].







(الله):



عندما نجد شيئًا جميلًا نقول: الله، وعندما نرى دِقة في صناعةٍ نقول: الله، وعندما نَتَعَرَّض لمواقفَ صعبةٍ نقول: يا الله! إننا نجد كلَّ الناس - أكابرهم، وعُظماءهم، وأغنياءهم، ومُلوكهم، ورؤساءهم - يُضطرُّون إلى الله، حتى أولئك الذين ربما مَرَّتْ بهم لحظات تَنَكَّروا فيها لوجود الله، أو قضى الواحد منهم زمنًا طويلًا يُحاضر ويُناظر على إنكار وجود الله، فما هو إلا أنْ يقَعَ في كُربةٍ، ويَشْعُر بالضعف البشري الإنسانيِّ، فإذا هو يصيح بوعي أو بغير وعي ليُنادي على (الله).







فها هو فرعونُ سيَّدُهم الأول الذي تَبَجَّحَ قائلًا: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات:24]، ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]!







قادته الضرورة في آخر أمره وهو في وسط البحر بعد أن أدركه الغرق إلى أنْ يقولَ: ﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس:90]، ولكن بعد فوات الأوان؛ فقال سبحانه: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 91، 92][2]، حتى إنَّ المشركين الذين عبدوا الأصنام عبدوها لتقربهم إلى الله.







(الله): أحقُّ مَن عُبِد، وأحقُّ مَن حُمِد، وأحقُّ مَن ذُكِر، وأحقُّ مَن شُكِر.



(الله): هو الاسمُ الذي ما ذُكر في قليلٍ إلا كثَّره، ولا في ضيقٍ إلا وسَّعه، ولا عند خوفٍ إلا أزاله وأمَّنه، ولا عند كربٍ إلا كشَفَهُ، ولا عند غمٍّ إلا فَرَّجَه.



(الله): هو الاسمُ الذي ما تعلَّق به فقيرٌ إلا أغناه، ولا ذليلٌ إلا أَعَزَّه وآواه.



(الله): هو الاسمُ الذي تُسْتَنْزَل به البركات، وتُجاب به الدعوات، وتُقال به العثرات، وتُسْتَدْفَع به الآفات.



(الله ): هو الاسمُ الذي انقسمتْ به الخلائق إلى سُعداء وأشقياء، سعد مَن عرَفه، وراعى حقه، وشقي مَن جهله وترك حقَّه.



لَمَّا سُئِل الإمامُ جعفر الصادق رحمه الله عن الله: فقال للسائل: هل ركبتَ البحر يومًا؟



قال: نعم.



قال: هل هاج بكم البحر حتى أيقنتَ الهلاك؟



قال: نعم.



قال: أما خطر ببالك عندها أن هناك مَن يستطيع أن ينجيك إذا أراد؟



قال: بلى، قال: فذاك هو الله.



قطرةٌ مِن فيض جُودِه تملأ الأرض رِيًّا، ونظرة بعين رضاه تَجعل الكافر وليًّا.









اللهُ ربي لا أُريدُ سِواه

هل في الوُجودِ حقيقةٌ إلا هو؟



الطَّيْرُ سبَّحَهُ والوَحْشُ مَجَّدَهُ

وَالمَوْجُ كَبَّرَهُ والحُوتُ نَاجَاهُ



والنَّمْلُ تحت الصَّخورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ

والنَّحْلُ يَهتِفُ حَمْدًا في خَلايَاهُ



والناسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فيَسْتُرُهُم

العبدُ يَنْسَى ورَبي ليس يَنساهُ










معنى "الله":



أصل كلمة (الله): الإله، حُذفت الهمزةُ الوسطى، وأُدغمت اللامان، فأصبح (الله)؛ ليكونَ علمًا على ذات الرب سبحانه وتعالى[3].



والإله في لغة العرب له معانٍ أربعة:



1- المعبود بحقٍّ.



2- المُلْتَجَأ والمفزوع إليه.



3- المحبوب الحب الأعظم.



4- الذي تحتار العقول فيه.







وكلُّ هذه المعاني ثابتةٌ في حقِّ الله تعالى، وباطلة في حق غيره، وإليك التوضيحَ:



المعنى الأول: المعبود بحق:



فالله وحدَه المستحقُّ للعبادة دون سواه، والعبادةُ: كلُّ قول وعمل ظاهر وباطن يُحبه الله مِن عباده؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ [الزخرف: 84]؛ أي: هو سبحانه وتعالى المعبود في السماء والمعبود في الأرض.



وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:3].







المعنى الثاني: الملتجأ إليه:



قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس:22، 23].







فهؤلاء المشركون مِن العرب كانوا يدعون الله، ويلتجئون إليه وحده إذا أحاط بهم الكرب في البحر، لكنهم في البر يشركون معه غيره؛ ولذلك جاء الإسلامُ بإخلاص العبادة لله وحده، والالتجاء إليه وحده، فهو الذي بِيَدِه العزُّ والذلُّ والإحياء والإماتة والنصر؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران:160].







المعنى الثالث المحبوب الحب الأعظم:



فالعربُ كانتْ تُحب آلهتها وتُعظمها وتُجلُّها وتُقدِّسها؛ ولذلك وضعوا أصنامَهم في أشرف الأماكن: فوق الكعبة وفي وسَطِها، وكانوا يحلفون بها، ويُقاتلون في سبيلها، وحاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ذو رحمٍ لأنه عابَها وسبَّها؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]؛ والمعنى: أن المؤمنين أشد حبًّا وتعظيمًا لإلههم الحق.







المعنى الرابع: الذي تحتار العقول فيه:



لِما له مِن أسرار خفية، وأعمال عظيمة، وصفات جليلة، وليست الحيرةُ هنا بمعنى الشك، لكن بمعنى التعظيم والإجلال؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، فلا يحيط أحدٌ بالله علمًا، لا نبيٌّ مرسَلٌ، ولا مَلَكٌ مقرَّبٌ؛ فاللهُ أعظم مِن أنْ تُدرِكَه العقول إدراك إحاطة وعلم كامل؛ قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام:103]؛ أي: الله أجلُّ وأعلى وأعظم مِن أن يُحيطَ به البصر، أو يحيط به العلم.







والخلاصةُ أن الله أصله الإله، ومعنى الإله: المعبودُ والمحبوب الحب الأعظم، والمفزوع إليه، والملاذ والملجأ إليه، والذي تحتار العقول في إدراك عظمته ومعرفة قدرته[4].







مِن خصائص لفظ الجلالة (الله):



اختص هذا الاسم بخصائص، منها:



1- أنه لا يُسمَّى به أحدٌ غير الله، ولا يجوز إطلاقُه على غير الله، وهو أحدُ تأويلَيْ قول الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم:65]؛ أي: هل تعلم مَن تَسَمَّى باسمه الذي هو الله؟[5]







2- أن سائر الأسماء إذا دَخَل عليها النداء أُسْقِطَتْ عنها الألف واللام، ولهذا يجوز أن نقولَ: يا الله، ولا يجوز أن نقول: يا الرحمن، وهنا إشارة لطيفة وهي: أن الألف واللام للتعريف، فعدمُ سُقُوطها عن هذا الاسم يدُلُّ على أن المعرفة لا تَزول عنه ألبتة[6].







3- لا تنعقد صلاةُ أحدٍ مِن الناس إلا بالتلفظ به، فلو قال أحدٌ: الرحمن أكبر، لَم تنعقدْ صلاته، فلابد مِن قول: الله أكبر.







4- غالب الأذكار مُقترنةٌ به تقول: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله ، لاحول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل.







5- لفظُ الجلالة هو أكثرُ الأسماء ورودًا في القرآن؛ فقد وَرَدَ في القرآن أكثرُ مِن ألفين وسبعمائة مرة، وافتتح به عز وجل ثلاثًا وثلاثين آية.







6- وعمومًا لا يستطيع أحدٌ أن يُحصي خصائص وعظمةَ هذا الاسم، فكيف نُحصي خصائص اسمٍ لمسماه كلُّ كمالٍ مطلق، وكل جلال مطلق، وكل جمال مطلق، وكل حمد مطلق، وكل مدح مطلق، وكل إحسان مُطْلَق[7].







اسم الله الأعظم:



ولهذه الخصائص وغيرها ذهَب أكثر العلماء كالطحاوي والقرطبي وابن القيم وغيرهم إلى أنَّ لفظ الجلالة (الله) هو اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئِلَ به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، وقد وَرَدَ ذلك في أحاديث كثيرة:



عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رجلًا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَد، ولم يكنْ له كفوًا أحد، فقال: ((لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى))[8].







عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى))[9].







عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اسم الله الأعظم في سور مِن القرآن ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه))[10].



ويُلاحَظ أن الاسم الذي تكرر في هذه الأحاديث هو (الله)؛ فقد وَرَدَ في الحديث الأول صريحًا، وفي الثاني بلفظ: ((اللهم))، وأصلُها: (يا الله)، حذَفوا أدا النداء، وزادوا ميمًا في آخره، وفي الحديث الثالث كذلك، ففي سور البقرة: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [البقرة: 255]، وفي آل عمران في أولها: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2]، وفي طه في أولها ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، فاسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئِلَ به أعطى (الله).







ويجب التنبيه على أنه لا يلزم أن تُجاب كل دعوة دعا بها أحدٌ بالاسم الأعظم؛ لأنَّ لإجابة الدعاء شروطًا يجب أن تتوافَرَ، مِن أهمِّها الإخلاص، وأكل الحلال، ومتابعة الرسول، والثقة بالله تعالى، واليقين بالإجابة، وحضور القلب، والتضرُّع، كما أنَّ هناك موانعَ لا بد أن تزول؛ كأكل الحرام، والاستعجال، وترك الواجبات، وارتكاب المحرَّمات، فمَنْ توافرتْ فيه الشروط، وانتفتْ عنه الموانع - فهو ممن يُرجى قبول دعائه[11].







أفي الله شك؟



كلمة قالَتْها سائر الرسل لأقوامهم، حينما جادلوهم في الله؛ قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [إبراهيم:10].



ومعنى قول الرسل: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ﴾؟ أي أفي وُجود الله شك؟ أفي تدبير الله وحده لهذا الكون شك؟ أفي استحقاق الله وحده للعبادة شك؟ "فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمَن شَكَّ في الله فاطر السماوات والأرض الذي وجود الأشياء مستندٌ إلى وُجودِه، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات حتى الأمور المحسوسة؛ ولهذا خاطَبَتْهم الرسلُ خطاب مَن لا يشك فيه، ولا يصلح الريب فيه..."[12].







هل الله يحتاج إلى برهان؟



وجود الله تعالى وتدبيره وحده لهذا الكون واستحقاقه وحده للعبادة - لا يحتاج إلى دليل أصلًا، لكنها حُججٌ يُقيمها العلماء على الخلق، وقاعدة ينبني عليها ما بعدها، وفي نفس الوقت هذا مما يثبت الإيمان، ويُقوِّي اليقين في قلوب المؤمنين.







المخلوقات الكثيرة والكائنات المتعددة وسَيْرُها في نظام دقيق عجيب مِن أعظم الأدلة على وجود الله وتدبيره لهذا الكون واستحقاقه وحده للعبادة، فالعقلُ البشري لا يتخيل أبدًا وجود صنعة بدون صانع، فهل توجد سيارة بلا مخترع، أو طائرة بدون مبتكر؟ فهذا العالم وهذه المخلوقاتُ مُحال أن تكونَ موجودةً بدون خالق، ولم يَدَّعِ أحد أبدًا على مَرِّ الزمان أنه خَلَق السماوات والأرض والإنس والجن وسائر الخلق!







سُئِل أحدُ العلماء: لماذا لا يُقال: إن هذا العالَم وُجد صدفة؟ وكان أمام العالِم سَبُّورة عليها كتابات، فقال: انظُرْ إلى هذه السَّبُّورة التي أمامك، لو قال إنسان: إنَّ هذه الأسطُر لم يكتبها كاتب، وإنما حدثتْ صدفة بأن حملت الرياح ذرَّات التراب، ودخلتْ بها مِن نوافذ الغرفة، وأسقطتها على السَّبُّورة، فظَهَرَتْ بشكل كلام مفهوم، مكوِّنًا هذه الأسطر! أيمكن لعاقل أن يُصدِّقَ هذا القول؟ قال السائل: لا، فقال العالم: فكيف لعاقلٍ أن يُصدِّق أن هذا الكون العظيم خُلِقَ بلا خالق؟! قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35].







حين سمع هذه الآية جُبير بن مُطعِم من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ بها في صلاة المغرب قال: "كاد قلبي أن يطير"[13]، وكان إذ ذاك مشركًا لأنه فَهِم قوةَ الحجة.







التقى زنديق يومًا بالشافعي، فقال له: ما الدليل على وجود الله؟ فقال الشافعيُّ: ورقة التوت، قال الزنديق: كيف ذلك؟ قال الشافعيُّ: أليس لونها واحدًا وريحها واحدًا؟ قال الزنديق: بلى، فقال الشافعي: تأكلها دودة القز فتخرج حريرًا ناعمًا، وتأكلها النحلة فتخرج عسلًا صافيًا، وتأكلها الظباء فتُخرج مِسكًا طيِّبًا، وتأكلها الحيوانات فتُخرج بَعْرًا منتنًا[14]، مَن الذي أوجد هذه المصانع في تلك الحيوانات؟! فبُهتَ الذي كفر.







قيل لأعرابيٍّ: بِم عرفتَ ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، وأثرُ السيرِ يَدُلُّ على المسير، سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟[15].







ومِن أعظم ما ردَّ به موسى عليه السلام على تَهوُّر فرعون وعجرفته لَمَّا سأله: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:49 - 50]، فبُهِتَ الفاجر العنيد، وهذا جوابٌ سديد، ولم يَدَّع أحد مِن البشر مهما بلغ عُتُوُّه أنه شارك الله في الخَلْق والهداية.









للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلْ

لَ أقلَّها هو ما إليه هَدَاكا



ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتِه

عَجَبٌ عُجابٌ لو ترى عَيْناكَا



الكونُ مَشْحونٌ بأسرارٍ إذا

حاولتَ تفسيرًا لها أَعْيَاكَا



قُلْ للطبيبِ تَخَطَّفَتْهُ يدُ الرَّدَى

مَن يا طبيبُ بطِبِّه أرْدَاكَا



قُل للمريضِ نَجَا وعُوفِي بعدَما

عَجَزَتْ فُنونُ الطبِّ مَن عافاكا



قُل للصحيحِ يَمُوتُ لا مِن عِلَّةٍ

مَن يا صحيحُ بالمنايا دَهَاكَا



قُلْ للبصيرِ وكان يَحْذَرُ حُفرةً

فهَوَى بها مَن ذا الَّذِي أَهْوَاكَا



قُل للجنينِ يَعيشُ مَعْزولًا بلا

راعٍ ومَرْعى مَا الذي يَرْعَاكَا

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]