عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 15-04-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]


تفسير الربع السادس عشر من سورة البقرة بأسلوب بسيط


رامي حنفي محمود


الآية 243: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾: يعني: ألم تعلم قصة الذين فرُّوا من أرضهم ومنازلهم؟ ﴿ وَهُمْ أُلُوفٌ كثيرة، ﴿ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾؛ أي: خشية الموت، وهنا وقع خلاف بين المفسِّرين؛ "فمنهم من قال: إنهم فرُّوا من ديارهم خوفًا من القتال؛ أي: إن عدوهم نزل بأرضهم، وقد كان الواجب عليهم أن يثبتوا ويدافعوا عن أرضهم، ولكنهم تركوا ديارهم للعدو، وفرُّوا جُبنًا من القتال، وخوفًا من الموت"، "ومنهم من قال: إنهم فروا خوفًا من مرض الطاعون الذي نزل بأرضهم، ففروا - اعتقادًا منهم - أن المرض سوف يُميتُهم بذاته، وليس بقدر الله تعالى، فاعتقدوا أن السبب هو الذي ينفع ويضر، ولم يعتقدوا في أن كل شيء بيد مسبب الأسباب - سبحانه وتعالى - الذي بيده ملكوت كل شيء"، ﴿ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ﴾ فماتوا دفعة واحدة؛ "عقوبةً لهم على فرارهم﴿ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ الله تعالى بعد مدة، ليستوفواآجالهم - المكتوبة في اللوح المحفوظ - وليتَّعظوا ويتوبوا، وليبين سبحانه لخلقه آياته بقدرته على إحياء الموتى، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ بنعمِه الكثيرة عليهم، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ فضل الله عليهم، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعترف بالنعمة، ويصرفها في طاعة المنعم - جل وعلا.



وبمناسبة ذكر الفرار من المرض: فإنه قد يسأل سائل ويقول:كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: ((لا عدوى))، وبين قوله في نفس الحديث: ((وفرَّ من المجذوم - وهو الذي أصابه مرض الجذام - كما تفرُّ من الأسد))؟ وخلاصة أقوال العلماء في ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لاعدوى))؛أي: لا عدوى مؤثرة بذاتها - يعني لا تنتقل بذاتها - إنما ينقلها الله - سبحانه وتعالى - إذا شاء، واعلم أن هذا يكون من باب الاعتقاد بأن الله سبحانه هو الذي يصيبنا، وأنه هو الذي يصرف عنا السوء، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد))، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون - كما في صحيح البخاري -(إذا سمعتم به بأرض:فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها: فلا تخرجوا فرارًا منه))، فإنه منباب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى، وجعلها سببًا للهلاك أو الأذى،والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء؛ مثل اجتناب مقاربة المريض، أو القدومعلى بلد الطاعون، أو غير ذلك، ولكن مع الاعتقاد الجازم أن السبب لا ينفع ولا يضر بذاته، وإنما كل شيء بيد الله سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [الحجر: 21]؛ وقال تعالى: ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [يس: 83]، وكذلك نعتقد أننا لا نصاب بمجرد مخالطة المرضى، وإنما جعل الله - سبحانه وتعالى - مخالطةالمريض للصحيح سببًا لإعدائه، وقد يشاء الله أن يخالطه ولا تحدث عدوى، فالأمر يرجع في ذلك إلى قدر الله تعالى، ومن لطيف ما يُذكَر هنا "أنعمر بن الخطاب رضي الله عنه - حينما كان أميرًا للمؤمنين - خرج إلىالشام، فلقيهأبو عبيدة بن الجراحوأصحابه رضي الله عنهم، فأخبروه أن الوباء قد وقعبأرض الشام، فقرر عمر الرجوع إلى المدينة، فقال له أبو عبيدة: "فرارًا من قدر الله"؟ فقال لهعمر: "نعم؛ نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله"، "وهذا يدل على أن الأخذ بالأسباب إنما هو جزء من القدر"؛ فعلى سبيل المثال: إذا أصاب العبد مرضًا ما، فعليه أن يأخذ بالأسباب التي أمره الله تعالى بها، كالذهاب إلى الطبيب، وأخذ الدواء، ولكن مع عدم تعلق قلبه بالطبيب ولا بالدواء، وإنما عليه أن يعلق قلبه بالله الشافي، الذي يوفق الإنسان لأخذ الدواء المناسب للداء، والذي يُعلِّمه ما لم يكن يعلم، وهذه نقطة هامة جدًّا؛ لأن تعلق القلب بغير الله تعالى هو من أعظم مفسدات القلب، وهو بداية الشرك.



الآية 245، 244: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بنياتكم وأعمالكم، فأحسنوا النية، واقصدوا بها وجه الله تعالى، واعلموا أن القعود عن القتال لا يفيدكم شيئًا، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم، فليس الأمر كذلك، فإنكم لا تُمتَّعون بعد القعود عنه إلا قليلاً، ولهذا ذكر الله تعالى هذه القصة السابقة تمهيدًا لهذا الأمر، فكما لم ينفعهم خروجهم من ديارهم - بل أتاهم ما كانوا يحذرون (وهو الموت) - من غير أن يحتسبوا، فاعلموا أنكم كذلك، ولما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذل، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغَّب فيه، وسماه قرضًا، فقال: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾؛ أي: ينفق إنفاقًا حسنًا - يعني من مال حلال - طالبًا للأجر، وذلك في جميع طرق الخير، وخصوصًا في الجهاد، ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ لا تُحصى من الثواب وحسن الجزاء، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وذلك بحسب حال المنفق مع الله، وبحسب نيته، ونفع نفقته، والحاجة إليها، ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر: دفع الله تعالى هذا الوهم بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ ﴾؛ أي: يضيِّق على من يشاء من عباده في الرزق ابتلاءً لهم، ﴿ وَيَبْسُطُ ﴾؛ أي: ويوسِّعه علىآخرين امتحانًا لهم، فالتصرف كله بيديه سبحانه،وله الحكمة البالغة في تضييق الرزق وتوسعته؛ لأنه - سبحانه - الأعلم بما يُصلِح عباده من الفقر والغنى، فأنفقوا ولاتبالوا فإنه هو الرزاق، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾)، وقد سمى الله تعالى ذلك الإنفاق قرضًا؛ حثًّا للنفوس على البذل؛ لأن المقرض متى علم أن ماله كله سيعود إليه، مع مضاعفة حسناته، سهل عليه إخراجه، ومجيء لفظ الجلالة(اللَّهُ) في قوله: ﴿ يُقْرِضُ اللَّهَ فيه غاية الطمأنة للمنفق، وضمان التعويض له؛ لأنه يعلم أن قرضه سيعطيه لغني كريم قادر.



الآية 246: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ ﴾ وهم الأشراف والرؤساء ﴿ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ زمان ﴿ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾؛ أي: ولِّ علينا ملكًا نجتمع تحت قيادته، ونُقاتلأعداءنا في سبيل الله، ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾؛ يعني: هل الأمر - كما أتوقعه - إن فرض عليكمالقتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون؟ فإني أتوقع جُبْنَكم وفراركم من القتال، ﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ ﴾ يعني: وأيُّ مانع يمنعنا عنالقتال ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾؛ أي: وقدأخرجنا عدونا من ديارنا، وأبعدنا عن أولادنا بالقتل والأَسْر؟ ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوا ﴾؛ أي: جبنوا وفروا عن القتال ﴿ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ﴾ ثبَتوا بفضل الله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ الناكثين لعهودهم).



الآية 248: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ؛ أي: علامة ملك طالوت - الذي اختاره الله ليكون ملكًا عليكم -: ﴿ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ وهو الصندوق الذي كان بنو إسرائيل يضعون فيه التوراة - وكانأعداؤهم قد انتزعوه منهم - ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ ﴾: أي طمأنينة ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ تثبِّت قلوب المخلصين، ﴿ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾: والبقية هي ما تبقى من الشيء بعد ذهاب أكثره، وهي هنا: عصا موسى، وفتات من الألواح التي تكسَّرت، وشيء من آثار أنبيائهم ﴿ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ من أرض أعدائهم العمالقة، فتضعه بين أيديهم في مخيماتهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَلَآيَةً لَكُمْ ﴾؛ أي: إن في ذلك لأعظم برهان لكم على اختيار طالوت ملكًا، فعليكم بأمرالله ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ بالله ورسله، فأتت به الملائكة تحمله، وهم يرونه بأعينهم).



الآية 249: (﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ﴾؛ أي: فلما خرج بجنوده لقتال العمالقة: ﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ﴾؛ أي: ممتحنكم - على الصبر - بنهرأمامكم تعبرونه، ليتميز المؤمن من المنافق، ﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ﴾؛ أي: من ماء النهر ﴿ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾ ولا يصلح للجهاد معي، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ فلا لوم عليه، ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ ﴾؛ أي: فلما وصلوا إلىالنهر انكبوا على الماء، وأفرطوا في الشرب منه ﴿ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ﴾ صبَروا علىالعطش والحر، وحينئذ تخلف العصاة، ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لملاقاة العدو - وكان عدد المؤمنين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً - فلما رأوا كثرةعدد العدو، وكثرة عدته وسلاحه: ﴿ قَالُوا لَا طَاقَةَ ﴾؛ أي: لا قدرة ﴿ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ- قائد العمالقة - ﴿ وَجُنُودِهِ ﴾ الأشداء، ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾؛ أي: فأجاب الذينيوقنون بلقاء الله - مذكرين إخوانهم بالله وقدرته - قائلين لهم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ مؤمنة صابرة ﴿ غَلَبَتْ فِئةً كَثِيرَةً ﴾ كافرة باغية ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وإرادته، ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ بتوفيقه ونصره).



الآية 250: (﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا ﴾؛ أي: ولما ظهروا ﴿ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ورأوا الخطرَ رَأيَ العين: فزعوا إلى الله بالدعاءوالضَرَاعة، فـ ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾؛ أي: يا ربنا أنزل على قلوبنا صبرًا عظيمًا، ﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾: واجعلها راسخة في قتال العدو، لا تَفِرُّ مِن هَوْل الحرب، ﴿ وَانْصُرْنَا ﴾ بعَونِكَ وتأييدِكَ ﴿ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾).




الآية 251: (﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ عليه السلام ﴿ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ﴾؛ أي: المُلك والنبوة، ﴿ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ مِنالعلوم، ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾؛ أي: ولولا أن يَدفعَ اللهُ ببعض الناس - وهم أهل الطاعةِ له والإيمان به - بعضًا، وَهُم أهل الشِّرك؛ وذلك بالجهاد والقتال في سبيله ﴿ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ بغَلَبَةِ الكُفر، وتَمَكُّن الطُغْيان،وأهل المعاصي، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).




[*] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من كتاب: (التفسير المُيَسَّر (بإشراف التركي)، وأيضًا من تفسير السعدي) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]