عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-01-2020, 03:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ودعوته السلفية

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ودعوته السلفية (2) المشروع الفكري التجديدي

أحمد الشحات


لقد امتاز عصر شيخ الإسلام بكثرة الحوادث والنوازل التي اجتاحت بلاد الإسلام؛ فقد تشرذمت دولة الإسلام إلى دويلات صغيرة، وصار بأسها بينها شديدًا، ورماها الأعداء عن قوسٍ واحدة، وابتليت الأمة بغزوين ماكرين حاقِدَين، تمثل الأول في الغزو الصليبي لعُقر دار الإسلام، ولم تستفق الأمّة من توابع هذا الغزو حتى اجتاح التتارُ بلاد المسلمين وانتشروا فيها كالسيل العرمرم.
هذه الخصوصية التي اختص بها عصر شيخ الإسلام، جعلت منه فقيهًا نادرًا؛ فقد اختلط بالواقع، وفهم تلك النوازل، واجتهد في مُعالَجة الواقع من خلال الشرع؛ فأصبح تراثه الفقهي ثريًا من ناحية الغزارة العلمية واقعيًا؛ ومن حيث استيعابه لظروف العصر ومستجداته؛ فعندما تقرأ هذا التراث، تشعر كأنه وليد البيئة المعاصرة؛ فلا تشعر معه بالغُربة ولا بالفجوة الزمانية؛ لأنَّ القضايا التي عالَجَها ابن تيمية في زمانه، ما زلنا نعاني نظائرها وأشباهها في واقعنا المُعاصِر.
أولًا: حاجتنا العصرية إلى تراث شيخ الإسلام

جمع الله لابن تيمية صفاتٍ قلَّما تجتمع في شخصٍ واحدٍ؛ فهو العالم النحرير، والباحث المدقق، والمُناظِر الذكي، والخطيب المفوَّه، والمُنَظِّر العميق، والمدرِّس القدير، والمفتي الأمين، مع ما امتاز به من دَوام المُطالَعة، والحرص على القراءة والتأليف، ثم الحركة بهذا العلم تعليمًا وتدريسًا، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، ودعوةً في المجامع والأسواق، وحرصًا على توريث العلم، وتأسيس الدعوة، وتدريب التلاميذ.
باعث النهضة الإسلامية

هذه العوامل جعلته بحقٍ باعثَ النهضة الإسلامية، ومؤسِّس الدعوة السلفية؛ فلم تمُتْ دعوتُه بموته، ولم تنقطع بسجنه، ولم تتقيد بمكانٍ ولا بعصرٍ، ولكن تحولت على يد تلامذته إلى تجربةٍ حيةٍ وثريةٍ، استفاد منها رواد الحركة الإسلامية في بلدانهم وأوطانهم، ولنتأمَّل في بعض الملامح الفكرية التي اتَّسَمت بها هذه التجربة، لعلنا نستطيع من خلالها أن نستنبط الفقه الكامن في تلك التجربة المُلهِمة.
المواجهة مع الفرق الكلامية

خاض ابن تيمية حربًا ضروسًا مع الفِرَق الاعتقادية التي وجدها مخالفةً لما عليه السلف -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم-؛ فتعقَّب الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فضلًا عن الفلاسفة والمناطقة وغيرهم من الفرق التي تحدثت في أمور العقيدة، ورغم أن الأشاعرة يُعدون من أقرب الفرق الكلامية إلى معتقد أهل السُنَّة -كما شهد ابن تيمية بذلك- إلا أنَّ المواجهة مع الأشاعرة، كانت من أشرس المواجهات التي خاضها ابن تيمية وأعنفها، وقد ظَلَّت آثار هذه المواجهة باقيةً إلى يومنا هذا، والسر في ذلك أنه مع اتِّساع رقعة الدولة الإسلامية، دخل في الإسلام كثيرٌ من أبناء الديانات الأخرى، وقد حملوا معهم بعض الأفكار والمعتقدات القديمة، واحتاج المسلمون إلى تعلم فن الجدل والمُناظَرة والمحَاجَّة بالعقل والمنطق؛ فاضطُروا إلى الدخول في علم الكلام وتوابعه؛ فانتشرت على إثر ذلك فرقة المعتزلة.
أبو الحسن الأشعري

وجاء أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- محاولًا أن يردَّ على المعتزلة بطريقتهم؛ فلم يسلم من مُخالَفة عقيدة السلف متأثرًا بهم، إلا أنَّ الله -عز وجل- قيَّض للأشعري رجال الملكِ والسُلطان فنصَروا مذهبه، وأيَّدوا طريقته، واعتمدوها ووثَّقوها، ظنًّا منهم أنها عقيدة السلف الصافية، ولاسيما وأنها تُواجِه بدعة المعتزلة، وكاد مذهب السلف أن يندثر؛ فلم يعد يتكلم به إلا بقايا من علماء الحنابلة على خوفٍ من السلاطين والعلماء، أن يكشفوا أمرهم ويعرفوا حقيقتهم.
الفتوى الحموية

إلى أن جاء ابن تيمية بعد أربعة قرونٍ من رسوخ مذهب الأشعري وثباته حتى نشأ عليه الصغير، وشابَ عليه الكبير؛ فإذا به يخرج على الناس بما عُرِف بعد ذلك بالفتوى الحموية، وكأنه ألقى حجرًا كبيرًا في الماء الراكد، بل أحدث زلزالًا مُدَوِّيًا، لم يكن ليقدر عليه إلا رجلٌ وَهَبَه الله جرأةً في الحق، وشجاعةً في المواجهة، وهيبةً في قلوب الناس، تمكَّن من خلالها أن يواجه الدولة بسلاطينها وأمرائها، والفقهاء بأتباعهم، والمدارس العلمية، والفرق الإسلامية وما اعتادت عليه، والعامة الذين يطرق هذا الكلام آذانهم لأول مرة.
انتشار المذهب الأشعري

يقول المقريزي: فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعريّ في العراق، من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة، وانتقل منه إلى الشام؛ فلما مَلَك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر، كان هو وقاضيه صدر الدين على هذا المذهب، قد نشآ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة، أَلَّفَها له قطب الدين أبو المعالي النيسابوريّ، وصار يحفظها صغار أولاده؛ فلذلك عقدوا الخناصر، وشدّوا البنان على مذهب الأشعريّ، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه؛ فتمادى الحال على ذلك أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك.
محمد بن تومرت

واتفق مع ذلك توجُّه أبي عبد الله محمد بن تومرت -أحد رجالات المغرب إلى العراق- وأخذه عن أبي حامد الغزاليّ مذهب الأشعريّ؛ فلما عاد إلى بلاد المغرب وقام في المصامدة يفقههم ويعلمهم، وضع لهم عقيدةً لقفها عنه عامّتهم، ثم مات فخلفه بعد موته عبد المؤمن بن عليّ القيسيّ، وتلقب بأمير المؤمنين، وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعد مدّة سنين، وتسموا بالموحدين؛ فلذلك صارت دولة الموحدين ببلاد المغرب تستبيح دماء مَن خالف عقيدة ابن تومرت؛ إذ هو عندهم الإمام المعلوم المهديّ المعصوم؛ فكم أراقوا بسبب ذلك من دماء خلائق لا يحصيها إلّا الله خالقها -سبحانه وتعالى-؛ فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريّ وانتشاره في أمصار الإسلام؛ بحيث نُسي غيره من المذاهب وجُهل، حتى لم يبق آنذاك مذهب يخالفه، إلّا أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه ؛ فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف، لا يرون تأويل ما ورد من الصفات.
الانتصار لمذهب السلف

إلى أن كان بعد السبعمائة من سِنِيِّ الهجرة، اشتهر بدمشق وأعمالها تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانيّ؛ فتصدّى للانتصار لمذهب السلف، وبالغ في الردّ على مذهب الأشاعرة، وصدع بالنكير عليهم وعلى الصوفية والفرق الباطنية.
بيني وبينكم المُناظَرة

باع ابن تيمية جاهَه وقرر المواجهة، وقال لهم: بيني وبينكم المُناظَرة، تعرِضون ما لديكم وأعرض ما لديّ على مرأى ومسمع من الجميع، واستجابوا في بادئ الأمر، ولكنَّهم -وهم العلماء والفقهاء- لم يطيقوا الاستمرار في المواجهة؛ فلجأ بعضهم إلى أساليب غير مقبولة، تدل على الضعف، وتعبر عن الإفلاس، ومع أنه كان رجلًا واحدًا أمام هذا الفيض الهائل من رجال الدولة ورموز العلم، إلا أنه استطاع بقوة قلبه، وجمال بيانه، وقوة منطقه أن يجتذب له الأتباع والأنصار، حتى صار ابن تيمية مسموع الكلمة، مرهوب الجانب في طول البلاد وعرضها.
المواجهة مع مُقلِّدة الفقهاء ومتعَصِّبة المذاهب

خاض ابن تيمية حربًا على جبهةٍ أخرى، قد تبدو لأول وهلة أنها مثار استغرابٍ، ولاسيما وأن ابن تيمية عانى في حياته أشد المعاناة بسبب خوضه لهذه الحرب، تلك هي معركته مع التقليد والتعصب المذهبي والجمود الفقهي، لقد كان يسع ابن تيمية ألا يخوض هذه المعركة؛ فهي صعبةٌ للغاية وقد كادت بالفعل أن تكلفه حياته مرات عدة؛ فليس من السهل أن تواجه عددًا هائلًا من أتباع المذاهب المختلفة ممن مالوا إلى الكسل والركود، واستكانوا إلى حياة الدعة والراحة، ولكن ابن تيمية أصر على أن يخوض هذه المعركة بمفرده، وحَقَّق فيها نجاحاتٍ عظيمةٍ، وأفرز لنا طبقةً مميزة من أفضل تلامذته، الذين صاروا بعد ذلك رؤوسًا في العلم، كلٌ في بابه.
سلطنة الملك الظاهر بيبرس

يقول المقريزي: فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس، ولِى على مصر والقاهرة أربعة قضاة، وهم شافعيّ، ومالكيّ ،وحنفيّ، وحنبليّ؛ فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة، وعقيدة الأشعريّ، وعملت لأهلها المدارس والزوايا في سائر ممالك الإسلام، وعُودِيَ من تمذهب بغيرها، وأُنكِر عليه، ولم يُولّ قاضٍ، ولا قُبلت شهادة أحد، ولا قُدَِّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد، ما لم يكن مُقَلِّدًا لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة، بوجوب اتباع هذه المذاهب، وتحريم ما عداها.
الواقع المرير

يقول شيخ الإسلام مؤكدًا على ذلك الواقع المرير الذي ذكره المقريزي: وبلادُ الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرُّق والفِتَن بينهم في المذاهب وغيرها، حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المُتَّبِعين الظن، وما تهوى الأنفس المُتَّبِعين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب.
أسباب التعصب

ثم يوضح -رحمه الله- أن من الأسباب القوية التي توصل إلى هذا التعصب، الانتصار للمذاهب بالأحاديث الضَّعيفة والموضوعة، وتبنّي الآراء الفاسدة، وتَرْك ما صحَّ وثبت من الأحاديث النبوية الشريفة، يقول ابن تيمية: وجمهور المتعصبين لا يعرفون من الكتاب والسُنَّة إلا ما شاء الله، بل يتمسكون بأحاديث ضعيفة، أو آراء فاسدة، أو حكايات عن بعض العلماء والشيوخ، قد تكون صدقًا وقد تكون كذبًا، وإن كانت صدقًا فليس صاحبُها معصومًا، يتمسكون بنقل غير مصدَّقٍ عن قائلٍ غير معصوم، ويَدَعون النقل المصدَّق عن القائل المعصوم، وهو ما نقله الثقات الأثبات من أهل العلم ودَوَّنُوه في الكُتُب الصِّحاح عن النبي[؛ فإن الناقلين لذلك مُصدَّقون باتفاق أئمة الدين، والمنقول عنه معصوم لا ينطق عن الهوى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى؛ قد أوجبَ اللهُ -تعالى- على الخلق طاعتَه واتِّباعه. قال -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء:٦٥)، و{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}النور:٦٣}.
حكم التعَصُّب المذهبي

ويذكر ابن تيمية حكم التعَصُّب المذهبي؛ فيقول: ولا يجوز لأحد أن يُرَجِّح قولًا على قولٍ بغير دليلٍ، ولا يتعَصَّب لقولٍ على قولٍ، ولا لقائلٍ على قائلٍ بغير حُجَّة، بل مَن كان مُقَلِّدًا لزم حكم التقليد؛ فلم يرجِّح، ولم يزيف، ولم يُصوِّب، ولم يُخَطِّئ، ومَن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سُمع ذلك منه فقُبِل ما تبين أنه حقٌ ورُدَّ ما تبين أنه باطلٌ ووُقِف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين، والله -تعالى- قد فاوَتَ بين الناس في قوى الأذهان، كما فاوت بينهم في قوى الأبدان، وهذه المسألة ونحوها فيها من أغوار الفقه وحقائقه ما لا يعرفه إلا مَن عرف أقاويل العلماء ومآخذهم.
هذا أولى بالحق

ويقول: وإذا كان الرجل متبعًا لأبي حنيفة، أو مالك، أو الشافعي، أو أحمد، ورأى في بعض المسائل أنَّ مذهب غيره أقوى فاتَّبَعه، كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع، بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ممن يتعصب لواحدٍ مُعَيَّن غير النبي صلى الله عليه وسلم ، كمن يتعصب لمالك أو الشافعي، أو أحمد، أو أبي حنيفة، ويرى أن قول هذا المُعَيَّن هو الصواب الذي ينبغي اتِّباعه دون قول الإمام الذي خَالَفه.
واقع المُقَلِّدة والمتعَصِّبين

وما أجمل ما فسَّر به ابن تيمية واقع المُقَلِّدة والمتعَصِّبين ومَن نَحَا نحوَهم حين قال: وكثير من هذه الطوائف يتعَصَّب على غيره، ويرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في عينه، ويذكر من تناقُض أقوال غيره ومُخَالَفتها للنصوص والمعقول ما يكون له من الأقوال في ذلك الباب ما هو من جنس تلك الأقوال، أو أضعف منها، أو أقوى منها، والله -تعالى- يأمر بالعلم والعدل ويذم الجهل والظلم كما قال -تعالى-: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(الأحزاب:٧٢-٧٣)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «القُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ؛ فَذَلِكَ فِي الجَنَّةِ»، ومعلومٌ أن الحكم بين الناس في عقائدهم، وأقوالهم أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم وأموالهم.
الصرخات المريبة

فإذا نحيتَ ذلك جانبًا وجُلْتَ بنظرك في تلك الصرخات المريبة التي تشتد وطأتها في هذه الأيام، علمت السبب الذي من أجله خاض ابن تيمية هذه الحرب في هذا الوقت المبكر، وإلا فإن الحملة التي تقودها تلك الشرذمة من شذاذ الآفاق الذين يتهمون التراث بالجمود، وعدم القدرة على مُسَايَرَة العصر، كان من الممكن أن تتضاعف إذا لم تحدث هذه اليقظة؛ فهم يزعمون أن هذه الكتب التي ورثتها الأمة عن أجدادها، ليس لها مكان أفضل من المتحف، أما أن تُدرس في جامعاتنا ونعلِّمها لأبنائنا؛ فتلك هي الجريمة التي لا تُغْتَفَر؛ فرحمة الله على الإمام الفَذِّ الذي أزاح عن كواهلنا همومًا، وكفانا شرورًا، الله وحده يعلم ماذا كان يمكن أن يحدث.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]