عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-09-2020, 03:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي أليس الله بكاف عبده؟!

أليس الله بكاف عبده؟!
محمد عبدالرحمن صادق







﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ
















عندما يخاطب الله تعالى عباده بقوله: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، فهو سبحانه بهذا الاستفهام يجعل مَن اعترف بنعم الله تعالى يقر بهذه النعم عليه، فيثبت العقل، ويستقر الفؤاد، ويهدأ البال، وما ينشغل الحال إلا بأداء شكر الله تعالى وفضله عليه.







وهذا الاستفهام أيضًا فيه استنكار على مَن جحد نعم الله تعالى عليه، فتشتت حاله، وهاج عقله، وطار فؤاده بحثًا عمَّن يكفيه ويدبر أمره، تاركًا الله تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.







إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حاد، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأيَ العين في مواطن كثيرة.







رأَوْها يوم بدر حين قل العدد ونقص العتاد؛ فأنزل الله تعالى ملائكته على الكافرين تحصدهم حصاد المنجل للهشيم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 123، 124].







ورأَوْها يوم الأحزاب، حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين، وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض تدخلت أسباب السماء؛ فاندحر الكفار خزايا، ولم يمكِّنْهم الله تعالى من رقاب المؤمنين، ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا؛ قال تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].







ورأَوْها يوم حُنَين، حيث تدخلت عناية الله تعالى، وأرسل مِن جنده مَن غيَّر مجريات الأمور، وقلب موازينها؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 25، 26].







أولًا: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]:



قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾ [الزمر: 36، 37].







1- قال الإمام الرازي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "أنه جرَتِ العادة أن المبطِلين يخوِّفون المحقِّين بالتخويفات الكثيرة، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وذكَره بلفظ الاستفهام، والمراد تقرير ذلك في النفوس، والأمر كذلك؛ لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات، قادر على كل الممكنات، غنيٌّ عن كل الحاجات؛ فهو تعالى عالم حاجات العباد، وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات، وهو ليس بخيلًا ولا محتاجًا حتى يمنعه بُخلُه وحاجته عن إعطاء ذلك المراد، وإذا ثبت هذا كان الظاهر أنه سبحانه يدفع الآفات، ويزيل البليَّات، ويوصل إليه كل المرادات؛ فلهذا قال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]".







2- قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]‏: "قرأ الجمهور ﴿ عَبْدَهُ ﴾ بالإفراد، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿ عِبَادَهُ ﴾ بالجمع، فعلى القراءة الأولى: المراد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الجنس، ويدخل فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دخولًا أوليًّا، وعلى القراءة الأخرى: المراد الأنبياء، أو المؤمنون، أو الجميع".







3- قال الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]‏: "بلى‏!‏ فمَن ذا يُخيفه، وماذا يخيفه‏ إذا كان الله معه،‏ وإذا كان هو قد اتخذ مقام العبودية وقام بحق هذا المقام‏؟!‏ ومَن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده‏؟‏".







4- قال الشيخ السعدي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "أي: أليس مِن كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نَهْيَه، خصوصًا أكمل الخَلْق عبودية لربه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه مَن ناوَأه بسوء".







5- جاء في كتاب "إتحاف السادة المتقين" للزبيدي - رحمه الله -: في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] قال: "وقبيح بذوي الإيمان أن يُنزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيَّتِه وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]".







ثانيًا: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137]:



قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].







قال الإمام الطبري - رحمه الله -: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137] قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 137]، فسيكفيك الله يا محمدُ هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135]، مِن اليهود والنصارى، إن هم تولَّوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرَّقوا بين الله ورسله - إما بقتل السيف، وإما بجَلاء عن جِوارك، وغير ذلك من العقوبات؛ فإن الله هو ﴿ السَّمِيعُ ﴾ لما يقولون لك بألسنتهم، ويبدون لك بأفواههم، من الجهل والدعاء إلى الكفر والمِلَل الضالة - ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء.







ففعل الله بهم ذلك عاجلًا، وأنجز وعده، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم، حتى قتل بعضَهم، وأجلى بعضًا، وأذل بعضًا وأخزاه بالجزية والصَّغار.







ثالثًا: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]:



قال تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 95، 96].



جاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخَرون منك، فاصدَعْ بأمر الله، ولا تخَفْ شيئًا سوى الله؛ فإن الله كافِيك مَن ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساءُ المستهزئين قومًا من قُرَيش معروفين".







وقال أيضًا: عن جابر، عن عامر: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، قال: "كلهم من قريش: العاص بن وائل، فكُفي بأنه أصابه صداع في رأسه، فسال دماغه حتى لا يتكلم إلا مِن تحت أنفه، والحارث بن عيطلة بصفر في بطنه، وابن الأسود فكُفي بالجدري، والوليد بأن رجلًا ذهب ليصلح سهمًا له، فوقعت شظية فوطئ عليها، وعبديغوث فكُفي بالعمى، ذهَب بصره".



وقال أيضًا: عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن عباس، نحو حديث محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، غير أنه قال: كانوا ثمانية، ثم عدَّهم، وقال: كلهم مات قبل بَدْرٍ.







رابعًا: أسماءُ الله الحسنى التي اقترنت بكفاية الله تعالى لعباده وكفالته لهم:



إن كفايةَ الله تعالى للعبد في آيات القرآن الكريم يصحَبُها مِن أسمائه الحسنى ما يجعَل العبد في استقرار تام، بل في اعتزاز وفخر وكرامة بأن اللهَ (الحسيب - الولي - النصير - العليم - الشهيد - الوكيل - الخبير - البصير - السميع) يَكفيه ويتولى أمره، ويدبِّر شؤونه.



1- الحسيب؛ قال تعالى: ﴿ ... وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].



قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].



الحسيب - جل جلاله -: هو الكافي عبادَه جميعَ ما أهمَّهم، مِن أمور دينهم ودنياهم، المحاسب عبادَه على كل صغيرة وكبيرة؛ فهو تعالى أسرعُ الحاسبين، فلا يَشغَله حسابُ أحد عن أحد.







2- الولي؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45].



الولي - جل جلاله -: له الولايةُ العامة على جميع الخلائق بالتدبير والإصلاح والرِّزق، والولاية الخاصة لأوليائه بالعناية والنُّصرة، والحفظ والعِصمة.







3- النصير؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]