عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-07-2019, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,012
الدولة : Egypt
افتراضي الإعجاز التشريعي في القرآن

الإعجاز التشريعي في القرآن
حكمت الحريري



إن من أبرز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم هو ما تضمنه من العلم الذي هو قوام جميع الأنام، في الحلال والحرام، وفي سائر الأحكام التي لا يكون صلاح الفرد والمجتمع ولا تتحقق السعادة البشرية إلا بـها، وفي حال تركها والتخلي عنها يكون الشقاء والضنك والفساد والهلاك.
قال - تعالى -: ((قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)) [طه: 123 - 124].
فالقرآن منهج للحياة البشرية بكل مقوماتـها، يشمل التصورات العقائدية التي تفسر طبيعة الوجود ويحدد مكان الإنسان في هذا الوجود والغاية من وجوده، ويشمل النظم التي تنبثق من العقيدة التي يدعو إليها القرآن الكريم وتستند إليه، وأساسها الإيمان بالله - عز وجل -، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر.
هذا المنهج - القرآن الكريم - يشمل سائر النظم التي تتمثل في حياة البشر كالنظام الاجتماعي، والنظام السياسي، والنظام الاقتصادي والنظام الدولي، والنظام الأخلاقي، وكل الأسس التي تقوم عليها هذه الأنظمة المذكورة، أو تستند إليها، أو تحدد شكلها وطبيعتها أو خصائصها، إنما تنبثق من هذا المنهج الشامل، باعتباره منهج حياة يشتمل على تلك المقومات كلها مترابطة، غير منفصل بعضها عن بعض[1].
القرآن الكريم يخاطب جميع طبقات البشر في جميع العصور خطاباً مباشراً، إذ إنه ليس نظاماً تاريخياً لفترة من فترات التاريخ، وليس نظاماً محلياً لمجموعة من البشر في جيل من الأجيال، ولا في بيئة من البيئات، إنما هو المنهل العذب المورود الذي لا ينضب معينه في حياة البشر المتجددة، لتسلك الصراط الذي رسمه لها الخالق العظيم المدبر الحكيم - سبحانه - ((فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لكلمات الله))، ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه))، ((ألا له الخلق والأمر)).
نداءات القرآن تدوي في جميع الآفاق:
من سمات الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم أنه يقدم أحكامه بنداءات مدوية في جميع الآفاق ويملأ الأرض والسبع الطباق بكل قوة ونضارة، حتى إنه ينظر إلى كل عصر من العصور المختلفة في الأفكار، والمتباينة في الطبائع نظراً كأنه خاص بذلك العصر، ووفق مقتضياته، ملقناً دروسه، ملفتاً إليها الأنظار[2].
قال - تعالى -: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم)) [النساء: 1].
((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم)) [الحجرات: 13].
((يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)) [آل عمران: 71].
((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما))[آل عمران: 65-67].
((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر)) [النساء: 59].
((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))[المائدة: 1].
((يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله)) [المائدة: 11].
((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)) [الممتحنة: 1].
((وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم)) [الأحقاف: 29- 30].
((الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم)) [غافر: 7].
((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)) [الأنبياء: 69].
((ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد)) [سبأ: 10].
النور المبين:
فالقرآن هو النور المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، من قال به صدق ومن علم علمه سبق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم.
قال - تعالى -: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)) [الإسراء: 9].
وقال - تعالى -: ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) [البقرة: 2].
وقال - تعالى -: ((يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) [المائدة: 15-16].
وقال - تعالى -: ((يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) [النور: 35].
فالله - تعالى - نور، وكتابه نور، ورسوله نور.
اللهم اهدنا لنورك ووفقنا للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك.
أرأيت الشمس التي هي نور الله - تعالى -، إذا طلعت يستغني كل الناس عن كل نور سواها، إذا طلعت الشمس ولا يحجبها عن الناس حاجب، فلا حاجة عندها للسرج والمصابيح والقناديل، إذا ظهرت الشمس في رابعة النهار، فلا قيمة للسرج والمصابيح والقناديل، إذا أشرقت الشمس بنور ربـها وسطع شعاع التوحيد والعبودية لله - عز وجل -، فما معنى الشرك بالله؟!
وما قيمة الاستغاثة بالأولياء أو بالأصنام أو بالأحجار والأشجار أو الشموس والأقمار؟!!
إذا أشرقت الشمس بنور ربـها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً فما جدوى الديانات الوثنية والشركية؟!
وما غناء القومية أو الاشتراكية أو الديموقراطية أو البعثية وغيرها من المبادئ والأفكار والتسميات، التي كونتها ووضعتها العقول البشرية التي اجتالتها الشياطين فحرفتها عن المنهج المستقيم؟!!
قال - تعالى -: ((أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون))[آل عمران: 83].
وقال - تعالى -: ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)) [المائدة: 50].
وقال - تعالى -: ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [يوسف: 40].
فخذ ما صفا ودع ما كدر.
خذ ما تراه ودع أمراً سمعت به *** في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
الناكبون عن الصراط:
على أن أقواماً تنكبوا الصراط المستقيم واتبعوا طريق أصحاب الجحيم فاتخذوا أحبارهم ورهبانـهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم.
فقال - تعالى - في شأنـهم: ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا)) [النساء: 60-61].
وقال - تعالى -: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) [النساء: 65].
هؤلاء الذين يبغونـها عوجاً ويسعون في الأرض فساداً، قال الله - تعالى - فيهم: ((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)) [التوبة: 32-33].
هؤلاء الذين يعرضون عن حكم الله - عز وجل - وعن ذكره إنما يتبعون منهج اليهود قتلة الأنبياء الذين قال الله عنهم: ((أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)) [البقرة: 87].
لقد عرف اليهود على مدار التاريخ كله بالتعنت والعصيان لحكم الله وكراهية الأنبياء فتأمل على سبيل المثال لتعنتهم قوله - تعالى -: ((وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال)) [البقرة: 247].
وقوله: ((وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرون)) [المائدة: 20-21].
وقوله: ((ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)) [النساء: 51].
وقوله: ((ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون)) [المائدة: 80-81].
وليس هذا موضع استقصاء سوء أخلاق اليهود وفسادهم وبيان كيدهم ومكرهم وتحريفهم واحتيالهم وتعنتهم، فقد ذكرته في غير هذا الموضع[3].
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم:
فمالك والمسالك الوعرة والصحارى المقفرة والأماكن الموحشة!! دعك من بنيات الطريق، واسلك سبيل النجاة التي سلكها رسل الله وأنبياؤه الكرام عليهم الصلاة والسلام وأنت تتلو قول الله - تعالى - بيقين ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) [يوسف: 108].
لقد عرفت البشرية ألواناً مختلفة من المذاهب والنظم والتشريعات - الخارجة والمنحرفة عن منهج الله - زاعمة أنـها تـهدف إلى سعادة البشر، ولكن حقيقتها أنـها كانت عاراً وشناراً على واضعيها، ودماراً وبواراً على أهلها ومتبعيها، قال - تعالى -: ((ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)) [النمل: 50-52].
وقال - تعالى -: ((فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))[العنكبوت: 40].
يقول ألكسيس كارل في كتاب (الإنسان ذلك المجهول) وهو من كبار العلماء الأطباء المفكرين الغربيين، ص30:
"إن نظم الحكومات التي أنشأها أصحاب المذاهب بعقولهم عديمة القيمة.. فمبادئ الثورة الفرنسية وخيالات ماركس ولينين تنطبق على الرجال الجامدين فحسب، يجب أن يفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة، وأن علوم الاجتماع والاقتصاد علوم تخمينية افتراضية"[4].
مقولة ألكسيس كارل جاءت في وقت كانت فيه أفكار ماركس ولينين في أوج قمتها وظهورها، فكيف يكون الأمر لو اطلع على سقوط وتفتيت الشيوعية وأفكار ماركس ولينين؟!!
لقد تحولت البلاد التي خضعت لتلك الأفكار إلى عصابات (مافيا دولية) تسلب وتنهب وتبيع كل الابتكارات التي أنجزت في الاتحاد السوفيتي سابقاً وللعلم فإنـها لم تتميز إلا بابتكار الأسلحة الفتاكة- حتى إن هذه العصابات لم تعد تلوي على شيء!!
والذي حدث لتلك الإمبراطورية سيحدث لغيرها بإذن الله، مادامت تسير على غير هدى من الله وسيبقى المستقبل لهذا الدين الذي ارتضاه الله ليحكم حياة البشر.
قال - تعالى -: ((قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل، واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين)) [يونس: 108-109].
وقال - تعالى -: ((ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد(100)وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود)) [هود: 100-103].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]