عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 29-07-2020, 04:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (48)

صـــــ425 إلى صــ435


وترجح مذهب الجمهور رحمهم الله بدليل السّنة فيما ثبت من حديث أمِّ عَطّية رضي الله عنها قالت: [كُنا لا نعدُّ الصُّفرةَ، والكدرةَ بعد الطُّهرِ شَيْئاً] ومفهومه: أنها في الحيض حيض، وكذلك صحّ أن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها كُنَّ النساءُ كما في صحيح البخاري يَبْعثنَ لها بالدُّرجةِ فيها الصُّفرةُ، والكُدْرةُ من دم الحيض،
فتقول:
[انتظِرْنَ لا تَعْجَلِنّ حَتّى تَرينّ القَصّةَ البَيْضاءَ] " الدُرْجة " مثل: الخرقة " فيها الكرسف ": الذي هو القطن.
فقولها رضي الله عنها:
[انتظِرْنَ لا تَعجَلِنَّ حتّى تَرينّ القَصّةَ البَيْضَاء] واضح في الدلالة على أنها إعتبرته حيضاً، وأمرت بالإنتظار حتى ترى السائلةُ علامةَ الطُّهر، وهي القصة البيضاء فدلّ على أنّ الصُّفرة والكُدرة حيض في زمان الحيض.
واستدل بعض العلماء رحمهم الله بظاهر القرآن في قوله سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}وهو عام في طهرهنّ من الدم بلونه المعتاد، أو غيره كالصّفرة، والكُدرة.
وأكدوا هذا بدليل النظر، وهو القياس على الدم، وأن الصُّفرة تنشأ من الدم كما في القيح، وتأخذ أحكامه كما في النجاسة.فهذا كلّه يدل على رجحان مذهب الجمهور رحمهم الله أن الصُّفرةَ، والكُدرة في وقت الحيض حيض، وما بعده ليست بحيض لأنها كدم الإستحاضة.
قوله رحمه الله: [ومَنْ رَأتْ يَوماً دَماً، ويوماً نقاءً؛ فالدّمُ حَيضٌ، والنَّقاءُ طُهْرٌ]: تعرف هذه المسألة بمسألة التّلفيق، فإذا رأت المرأة يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً، ثمّ يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً؛
فالحكم ما ذكره المصنف رحمه الله:
يوم الدم يومُ حيض، ويومُ النّقاء يومُ طُهْرٍ، فتحسب عادتها في أيام الدّماء وحْدَها، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله، ودليله ظاهر الكتاب، والسُّنة، وهو أن النّصوص فيهما دلّت على أن الحيض في زمانه مترتب على وجود الدم، فإذا وجد الدم حكمنا بكونها حائضاً، وإذا لم يوجد حكمنا بكونها طاهراً، فهذا هو الأصل.وعلى هذا المذهب فلو كانت عادتها خمسة أيام، وجاءها الدم يوماً كاملاً، ثم إنقطع يوماً كاملاً بعده واستمر بهذه الصورة، فإنه يحكم بخروجها من عادتها في تمام اليوم العاشر، فتلفّق أيام حيضها حتى تتم العدد.
قال رحمه الله: [ويُستَحب غسلها لكُل صَلاة]: شرع المصنف -رحمه الله- بهذه العبارة في بيان أحكام المستحاضة،
والمستحاضة:
نوع من النساء تتعلق بها أحكام في صلاتها، وصيامها مفرّعة على الحكم بطهارتها.
والإستحاضة: استفعال من الحيض،
أي: أنّ الدم استمر معها، فالأصل أن دم الحيض يقف عند أمد معين كما قدمنا فلما استرسل دم حيضها، وزاد قيل لها إستحاضة.
قال بعض العلماء في تعريفها: (إنها دمُ فسادٍ، وعِلّةٍ يُرخيه الرحمُ من أعلاهُ، لا منْ قَعْرِه) وهذا التعريف من أنسب التعاريف.والإستحاضة أصلها عرق؛
لما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما سأَلتهُ فاطمةُ رضي الله عنها عن استحاضتها قال عليه الصلاة والسلام:
[إِنما ذلِكِ عِرقٌ]، وقال عليه الصلاة والسلام لحمنة بنت جحش رضي الله عنها في إستحاضتها: [إِنها رَكْضةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشّيطانِ]
قال بعض العلماء:
ركضة حقيقية أي: أن الشيطان يركض، ويضرب هذا الموضع ضرباً حقيقياً كالرّكض الذي يكون من الفارس، أو من الرجل،
وقال بعض العلماء:
بل إنه ركض معنوي بمعنى: أن الشيطان يتذرّع بجريان الدم مع المرأة على هذه الصورة، فيلبّس عليها صلاتها، فيدخلها في متاهة، فلا تدري أهي حائض، فلا تصلي، ولا تصوم، أو ليست بحائض، فيجب عليها الصوم، والصلاة؟
قالوا:
فوصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإستحاضة بكونها رَكْضة لمكان هذا التلبيس الذي يكون من الشيطان هذا من جهة المعنى.
أما بالنسبة لحقيقة هذا العرق فإنه وردت له أسماء: الأول: ورد في السنن، وهو العاذل،
والثاني:
ورد في رواية أشار إليها الإمام ابن الأثير رحمه الله: وفيها إسم العاذر،
فالرواية الأولى: باللام العاذل والثانية: بالراء، وذكر الإمام الحافظ العيني -رحمه الله- أن هناك اسماً له، وهو العادل، بدالٍ بَدَل الذَّال.
هذه ثلاثة أسماء، وهناك إسم رابع رواه الإمام أحمد في مسنده أنه العاند،
فهذه أربعة أسماء: العاذل، والعاذر، والعادل، والعاند،
قالوا:
عاذلاً وصفاً له فليس هو عرق في الجسد إِسمه عاذل؛ والسبب في ذلك أن بعض الفقهاء سأل بعض الأطباء عن عرق اسمه العاذل فلم يعرفوه،
والواقع أن العلماء قالوا:
إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفه بكونه عاذلاً من العذل، واللّوم؛ لأنه يوجب عَذْلَ المرأة، ولومها.وأما تسميته بالعادل؛
فالعادل عن الشيء هو:
الجائر عنه، يقال عدل عن الطريق إذا مال، وجار عنه؛
قالوا:
لأنه بخروج المرأة عن عادتها بالحيض،ودخولها في الإستحاضة عدلت عن الدم الطبيعي لها،
وهو دم الجِبلّة أي:
دم الحيض، فعدلت عن الأصل؛ لأن الأصل في الدم أن يجري معها على الصّحة أيام عادتها وينقطع بعد ذلك بطهرها، فجرى معها على سبيل المرض، ولم ينقطع بعد تمام عادتها.
وأما العاذر فقالوا: لأن المرأة تعذر بوجوده،
وأما العاند:
فلمكان استمراره مكان الدم؛ فكان كالممتنع، والصّعب على الإنسان وهي صفة الشيء العنيد. هذا بالنسبة لأسماء دم الإستحاضة.وهناك فوارق بين الحيض، والإستحاضة من جهة المكان فدم الحيض يخرج من قَعْر الرّحمِ،
وأما دم الإستحاضة:
فيخرج من أعلى الرَّحم، هذا بالنسبة لمكان الدمين.أما بالنسبة لأوصاف الدّمينِ؛ فإنّ دم الحيض أقوى لوناً من دم الإستحاضة، فإذا كان أسود كان دم الإستحاضة أحمر، وهكذا كما تقدم معنا عند بيان التمييز باللّون.
أما بالنسبة للفارق الثالث: فوجود الألم، فإن دم الحيض تكون فيه حرارة، وألم للمرأة بخلاف دم الإستحاضة، فإنه يكون أخفَّ ألماً، أو ينعدم فيه الألم.
وقد تقدم معنا بيان ضوابط التمييز التي هي: اللونُ، والرِّيحُ، والألمُ، والكثْرةُ، والقلّةُ، والغِلَظُ، والرِّقةُ، هذه بالنسبة للفوارق التي بين دم الحيض، والإستحاضة، والمصنف رحمه الله بعد أن بيّن لنا أقل الحيض، وأكثَره، وأقلَّ الطّهر، وأكثَره، وشرحنا خلاف العلماء -رحمة الله عليهم- في تلك المسائل بعد بيان ذلك فإنه يرد السؤال بعد أن عرفنا من هي المرأة الحائض، والمستحاضة، فما هي الأحكام المترتبة على إستحاضة المرأة، وما الذي يلزمها من جهة الطهارة، وكيفية أداء الصلوات، وما الذي يترتب على الحكم بكونها مستحاضة من جهة وطئها؟ وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمرأة المستحاضة؛
فشرع رحمه الله في بيان هذه الأحكام بقوله:
[والمُستحَاضةُ] أي: المرأة إذا حُكِمَ بكونها مستحاضة.[ونحوها]: نحو الشيء مأخوذ من قولهم نَحا الشيءَ نَحْواً: إذا قصده، ومال إليه، وطلبه. وقد يُطلق بمعنى الجهة،
تقول:
وجّهت وجهي نحو القبلة أي: جهة القبلة.
وقد يطلق النحو بمعنى:
المثيل، والشّبيه؛ كما في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عثمانَ رضي الله عنه لما توضأ، وأسبغ الوضوء ثم رفع فعله إلى النبي -صلوات الله وسلامه عليه-،
وأنه قال:
[من توضّأَ نحو وضُوئِي هَذا] أي مثل وشبه وضوئي هذا فهذه إطلاقات النحو فمراد المصنف هنا بقوله [ونحوها] شبهها.
أولاً: نريد أن نعرف ما هو حكم الشرع بالنّسبة للمستحاضة؟ ثم بعد ذلك نعرف من الذي يلتحق بها، ويُشْبِه حكْمُهُ حُكْمَهَا في الطهارة؟
فالمستحاضة فيها أمور:
أولاً: أجمع العلماء على أن المرأة إذا حكم بانتهاء حيضها، ودخولها في الإستحاضة أنه يجب عليها أن تغتسل، وهذا الحكم دلّ عليه ظاهر التنزيل، والنّصوص الصحيحة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال عليه الصلاة والسلام: [لتَنْظُرِ الأيامَ التي كَانتْ تَحيضُهُنّ قبلَ أَنْ يُصيبها الّذي أَصابَها فإِذا هِي خَلّفتْ ذَلِكَ فَلتغتسلْ ثُمّ لتُصَلِّ] فقوله عليه الصلاة والسلام: [فإِذَا هي خَلّفتْ ذَلِكَ] أي: خلفت أيام حيضها وهي أيام العادة، [فَلتَغْتَسِلْ]: وهو أمر بالغسل فدلّ على أن المستحاضة يجب عليها الغسل عند انتهاء أيام عادتها، مع جريان دم الإستحاضة معها، وهذا بالإجماع.
ثانياً: يلزمها طهارة فرجها، وهو موضع الإستحاضة، أما لماذا تلزمها طهارة الموضع؛ فلأن دم الإستحاضة خارج نجس من الموضع المعتبر، فكما أن المرأة يجب عليها أن تغسل فرجها إذا خرج منه البول، فكذلك يجب عليها أن تغسل الفرج من دم الإستحاضة.
وقال بعض العلماء:
غسل هذا الموضع أوجبناه على المستحاضة بدليل النقل؛
وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الصّحيح لفاطمةَ بنتِ أَبي حُبيش رضي الله عنها: [فإذا أقبلتِ الحِيضةُ فاتْركِي الصّلاةَ فإذا ذهبَ قَدْرُها فاغسِلي عَنْكَ الدم، وصَلِّي] أي: كلما أردت الصلاة؛ فاغسلي عنك هذا الدم الذي سألتِ عن حكمه، وهو دم الإستحاضة، فدلّ على نجاسته، ووجوب غسله كالبول، والغائط.
ثم يرد السؤال: لو أنها غسلت الموضع، وخرج معها الدّم، فما الحكم؟والجواب: أن المستحاضة في الأصل لها حالتان:
الحالة الأولى: إذا غسلت الموضع وسدَّت مكانه بقطن، أو بقماش إنحبس الدم، وإمتنع من الخروج، وهذه الحالة هي أخفُّ أحوال المستحاضة.
الحالة الثانية: أن يكون دمها ثجّاجاً قوياً لا يستمسك بالقطن، ولا بغيره.
فأما في الحالة الأولى فلا إشكال أنها تغسل الموضع، وتضع القطن لتمنع خروجه حال صلاتها، ولكي تبقى على طهارتها،
وقد أشار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حَمْنةَ رضي الله عنها بذلك فقال لها:
[أَنعتُ لَكِ الكُرسُفَ] أي: هل أصف لك القطن، ومراده آنها تضعه في الفرج؛ ليمنع خروج الدم، فدلّ على مشروعية سدّها للفرج بقطنة، ونحوها.
وأما الحالة الثانية: أن يكون الدم شديداً، أو ثَجّاجَاً ففي هذه الحالة تغسل الموضع كما تقدم في النّصِ، ثم تضعُ القُطنَ، وتشدُّ الموضع، أو تشدُّ الموضع دون وجود حائل من قطن، أو قماش.وتشدُّ الموضع إما بجمع حافتي الفرج، أو وضع الحبل، أو الذي يُشدُّ على نفس الموضع على حسب ما ترى المرأة أنه يسدُّ، ويمنع خروج الدم،
وهذا هو الذي عبّر عنه المصنف بقوله رحمه الله:
[وتَعصُبُ الفَرْجَ]، والعَصْبُ،
والعِصَابة مأخوذة من: الإحاطة، سُمّيت العِصَابَةُ عِصَابَة؛ لأنها تُحيط بالشيءِ، كما سُميّتْ عصبةُ الإنسان بذلك، وهم قرابته؛ لأنه إذا نزلت به ضائقة، أو شِدّة أحاطوا به بإذن الله -عز وجل- وكانوا معه، فالعصابة أصلها الإحاطة، وبناءً على هذا التعبير قالوا تشد طرفي الموضع.والدليل على أنه يلزمها هذا الشد ظاهر حديث حَمْنة رضي الله عنها فإنها لما قالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّي أُسْتَحَاض حَيضةً شديدةً، فلا أَطْهُر؟
قال عليه الصلاة والسلام: [أنعتُ لَكِ الكُرْسُفَ؟] قالت: هو أكثر من ذلك؛
فقال عليه الصلاة والسلام: [فاتّخِذي ثَوْباً] قالت: هو أكثر من ذلك،
قال:
[فتلجّمي] والتّلجم مأخوذ من: اللجام، واللجام في الأصل يكون حائلاً كما في لجام الدابة؛ لأنه يلجمها فيمنعها فهو حائل، ومانع،
ولذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
[تَلجّمي] معناه اُعصبي الفرج؛ لأن عصبه لجام، ومانع يَقِي من خروج الخارج، أو يحفظ الموضع من إخراج الخارج،
وبناءً على ذلك أخذ العلماء رحمهم الله من قوله عليه الصلاة والسلام:
[تَلجّمِي] أن السُّنة في المرأة المستحاضة أنها تَشدُّ الموضعَ إذا غَلبها الدمُ
.هذا بالنسبة لأحوال المستحاضة إذا حُكِمَ بانتهاء حيضها، ودخولها في الإستحاضة.
وقول المصنف رحمه الله: [ونَحْوِها] يعنى: نحو المستحاضة،
النحو:
بمعنى المثل،
والشبيه كما تقدم:
إما أن يكون نحوها بمعنى شبيهاً للمستحاضة من كل وجه، وهذه حالة، أو يكون شبيهاً لها من بعض الوجوه دون بعضها، وهي الحالة الثانية.ونبدأ بالشّبيه الذي يشبه المستحاضة من كل الوجوه، وهو الذي معه سلس البول، فإذا نظرت إلى كون دم الإستحاضة دماً نجساً من خارج معتبر غلب بكثرة خروجه، فإن الأمر كذلك بالنسبة لمن كان معه سلس البول، فإن البول خارج يوجب انتقاض الوضوء كما توجبه الإستحاضة؛ وهو نجس، وخارج من الموضع المعتبر فهو كدم الإستحاضة سواء بسواء، إذاً من كان به سلس بول نُعْطِيه حكمَ الإستحاضة، وهكذا من به سلس المذي؛ لأن المذي نجس، وكذلك من به بواسير إذا نزفت، واستمر نزيف الدم كالإستحاضة، فإن هذه الأمثلة الثلاثة البول، والمذي، والبواسير كلّها ناقضة للوضوء، وهي نجسة وخارجة من الموضع فهي تشبه الإستحاضة في مسائلها، فإذا استرسلت كدم الإستحاضة أخذت حكمه، وتعرف مسألتهم بمسألة دائم الحدث.
الحالة الثانية:
أن يكون الشبيه للمستحاضة من بعض الوجوه، ومثاله من به نواسير، والنواسير تكون على فتحة الدبر، فهي ليست من الداخل كالبواسير بل من الخارج، ومن هنا لم تُشْبِه الإستحاضة في كونها ناقضة للطهارة، وموجبة للحدث الأصغر، وكذلك الرَّعاف، ونزيف الجروح كلّها تشبه الإستحاضة من بعض الوجوه لا من كلها فهي كالإستحاضة من جهة كونها نجسة، وقد تقدم بيان الأدلة على نجاسة الدم سواء خرج من الموضع، أو خرج من غيره، فأصبحت شبيهة بالإستحاضة من جهة الحكم بنجاستها، والتخفيف فيها إن غلبت، فإذا جرى الدم في النواسير، والرعاف ولم يرقأ فُصِّل في حكمه كالإستحاضة لكنه مخالف لها في كونه لا يوجب انتقاض طهارة الحدث على أصح قولي العلماء رحمهم الله كما قدمناه في النواقض، فتلخص أن هذه الثلاثة تأخذ حكم الإستحاضة في طهارة الخبث، دون طهارة الحدث، وهذا على القول بأنها لا تنقض الوضوء، وأما على القول بأنها ناقضة تكون كالبول، تشبه من كل الوجوه.ويكون الناسور، والرعاف، ونزيف الجروح كالإستحاضة إذا استمر جريان الدم فيه، أما لو كان قطرات تنقطع فإنه لا إشكال فيه فيغسل الموضع، ثم يصلي، فإذا شابه الإستحاضة فكان نزيفه مسترسلاً، أو قطراته لا تنقطع، ولو كانت قليلة، واستمرت وقت الصلاة، فحينئذ يفصّل فيه كالإستحاضة فإن أمكن حبسه بوضع القطن، ونحوه، أو شدّه؛ فإنه يشدّ، ويُحبس، وأما إذا كان لا ينحبس فحكمه حكم دم الإستحاضة إذا إِسترسل تتطهر المرأة لدخول وقت كل صلاة، وهكذا من به السلس، والناسور، والجروح، والقروح السيّالة ثم يصلي في وقته حتى ينتهي وقت الصلاة فيطهّر الموضع ثانية.والذى يُطْعن،
أو يجرح فينزف جرحه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يمكن إيقاف النزف بأن يكون خفيفاً؛ بحيث لو وضع في الموضع قطنة سكن نزيفه؛ فحينئذ يجب إيقاف الدم بوضع حائل من قطن، أو قماش، أو نحوه، ولو بالشُّدِ.
الحالة الثانية: أن يكون قوياً لا يرقأ، فإذا كان كذلك؛ صلى، ولو خرج معه ذلك الدم النجس، وتطهر لدخول وقت كل صلاة.
والدليل على ذلك: أن عمر -رضي الله عنه- صلى بجراحته كما في صحيح البخاري، وكذلك -أيضاً- الصحابي رضي الله عنه لما أصابه السهم حينما كان حارساً على فَمِ الشّعبِ، ومع ذلك صلى، وجرحه ينزف دماً؛ لأن نزيف السهام نزيف قوي مستحكم، فمثله لا يرقأ؛ ولذلك تكون هاتان الحالتان مستثنيتين من الأصل الذي يوجب غسل الموضع النجس.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]