عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 29-07-2020, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,004
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (45)

صـــــ395 إلى صــ405


قوله رحمه الله: [ولا يَصِحّانِ مِنْها، بلْ يَحرمانِ]: قوله: [ولا يصحان منها]:أي أن المرأة إذا حاضت فلا يجوز لها أن تصوم، وتصلي، فإذا صامت لم يصحّ صومها، وإذا كانت عالمة بالتحريم، وصامت؛ فهي آثمة شرعاً، لكن لو كانت لا تدري أن هذا الدم دم حيض فكانت تظنّه دمَ استحاضة، وصامت، أو صلّت ظانّة أنها طاهر، وتبيّن أن هذا الدم دم حيض؛ فإنه لا إثم عليها؛ لأنها لم تقصد المخالفة؛ ولا يحكم بصحة صومها، ولا صلاتها، فيلزمها أن تُعيد الصّوم، دون الصلاة.
قوله رحمه الله: [ويحرمُ وطْؤُها في الفَرجِ]: أي: يحرم على الرجل أن يجامع امرأته الحائض في فرجها؛ والدليل على ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} ووجه الدلالة: في قوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض} فالمحيض: إِسم مكان كالمقيل، أي مكان الحيض.
فقوله: {إعْتَزِلُوا} أمر بالإعتزال،
وقيّد المعتزل بالمكان في قوله: {فِي الْمَحِيضِ} وهو: إِسم مكان للحيض كالمَقيلِ اسم مكانٍ للقيلولة، فدلّ على حُرمة الوطء في الفرج الذي هو مكان الحيض مدة الحيض، وخصّ الله التحريم بالوطء، وجعل الإعتزال منحصراً فيه، ومفهوم ذلك أنها لا تُعتزلُ في غيره، ومن هنا جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمؤاكلة الحائض، ومشاربتها، ومجالستها على خلاف ما كان يفعله أهل الكتاب من اليهود، وغيرهم من عدم مؤاكلة الحائض ومجالستها حتى ينتهي حيضها، وثبتت السنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحريم الوطء في الفرج بالنسبة للمرأة الحائض،
كما في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[إصنَعُوا كل شيءٍ إلا النِّكاحَ]،
فقوله:
[إِلا النِّكاحَ]
التقدير: فلا تصنعوه أي لا تفعلوه لأن ما بعد إلا مخالف لما قبلها في الحكم، كما هو مقرّر في علم الأصول.وكما دلّ دليل، الكتاب، والسنة على إعتبار هذا المانع، كذلك دلَّ دليل الإجماع، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم وطء الحائض كما نقله الإمام النووي رحمه الله، وغيره.
إذاً فالحيض يمنع الوطء في الفرج، لكن هل يجوز للزوج أن يُستمتع منها بغير الفرج؟
هذه المسألة خلافية عند العلماء:
الأصل عندهم أنه يجوز له أن يستمتع بالمرأة إذا كانت حائضاً بغير الجماع، لكن يأمرها فتتّزر، فتلبس إزارها من ثوب، ونحوه ويُغَطّى الموضعُ المحرّم، وبعضهم يحدّده بما بين السُّرة، والركبة؛ " لأنّ ما قاربَ الشيءَ أَخذَ حُكْمَه "،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
[كالرّاعِي يرعَى حولَ الحِمى يُوشِكُ أَنْ يقع فيه]،
وأكدوا ذلك بقولها:
[كانَ يأمرُ إِحدَانا فَتتّزرَ فيباشِرُها، وهي حائضٌ] والوزرة: لا تكون إلا إذا غطّت هذا الموضع، فالإزار الغالب فيه أن يكون بهذا القدر.
وقال بعض العلماء رحمهم الله:
المحرّم عليه الفرجان،
ولا مانع أن يستمتع بغير الفرجين:
ولو كان بالمباشرة، يعني أن المراد بالاتزار أن تشدّ الموضع فقط، ثم لو لامس غير موضع الجماع،
وإستمتع به لا حرج عليه على ظاهر القرآن في قوله سبحانه:
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}.
وهذا المذهب الثاني أقوى من جهة النصِّ، وهو ظاهر القرآن، والسنة.
والمذهب الأول أحوط، وأبعد عن الشّبهة في بقائه على الأصل الموجب لتحريم الوطء، وما قارب الفرج وسيلة للمحرم.وفرّق بعض العلماء -وهو قول ثالث- يفرق بين الذي يستطيع أن يضبط نفسه، والذي لا يستطيع أن يضبطها،
فقالوا:
يباشر بما دون الفرج قريباً من الفرج إذا كان يملك نفسه، والغالب عليه السلامة وإلا فلا، وهذا القول له أصل من السنة في قبلة الصائم كما سيأتي إن شاء الله، وهو مبني على القياس ومعارَضٌ بعموم الوارد هنا.
حرم الله وطء الحائض رحمة بالعباد، حتى ذكر بعض الأطباء المعاصرين أنه في إحدى المؤتمرات الطبية،
قالت طبيبة غربية متخصصة: إنها وصلت إلى أمر هام في الطب، وهو أن من يجامع المرأة، وهي حائض أنه تلتهب عنده البروستات، وهي الغُدّة المعروفة.
فقال أحد الأطباء المسلمين:
هذا الذي توصلت إليه اليوم عرفه المسلمون منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً؛ فإن الله -عز وجل-
يقول:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فأخبر أنه أذى، فهو يشمل أذى الحسِّ، والمعنى، فكان هذا من إعجاز القرآن، فالمسلمون يعرفون أن هذا الشيء يفضي إلى الضرر، ويستوي في ذلك عوامهم، وعلمائهم.
فمن رحمة الله أنه حرم الجماع في هذا الوقت، وذكر بعض الأطباء أنه كما يؤدي إلى الضّرر بالرجل فإنه كذلك يؤدي إلى أضرار في نفسية المرأة.
قوله رحمه الله: [فإِنْ فَعَل فعليهِ دينارٌ، أو نِصْفُه كفارةً]
قوله: [فإن فَعل]: أي المكلف، فجاوز حدود الله عز وجل وجامع امرأته، وهي حائض.
قوله رحمه الله: [فعَليْه دينارٌ، أو نِصْفُه]: الأصل في هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد اختلف في رفعه، ووقفه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في الذي يأتي إمرأته،
وهي حائض:
[يتصدّقُ بدينار، أو نصفِ دينارٍ] رواه الخمسة،
وقال أبو داود:
هكذا الرواية الصحيحة قال: [بدينار، أو نصفِ دينار] وحسنه غير واحد من أهل العلم؛
قال الإمام أحمد:
ما أحسنَ حديثَ عبد الحميدِ عن مِقْسم عن إبنِ عباسٍ، فقيل: تذهب إليه؟
فقال:
نعم، وقد صحّح هذا الحديث الحاكم، وابن القطان، وابن دقيق العيد، وغيرهم، هذا الحديث أمر فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتصدق من جامع الحائض بدينار، أو نصفِ دينار، ثم اُختلف في هذه الصدقة،
فقال بعض العلماء:
دينار، أو نصف دينار على التخيير، أي أنه مخيّرٌ، إن شاء تصدّق بدينار، وإن شاء تصدّق بنصفه، وهذا القول هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد -رحمة الله عليه-، واستشكل بعض العلماء كيف يؤمر بالأقل، والأكثر في كفّارة واحدة، وهذا ليس بإشكال؛ فإن الله -عز وجل- أمر من أفطر، وكان شيخاً كبيراً، أو لا يطيق الصوم بالفدية إطعام مسكين وهو الأقل،
ثم قال:
{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (1) فبين أنّ له أن يزيد بأكثر، فدل على أنه قد ترد الكفارة بالجمع بين الأقل والأكثر،
فنقول: لا مانع من أن الشرع يأمر بالدينار، ونصفه، ولا يتجه اعتراضهم بأنه جمع بين الكامل، ونصفه؛ لأنه جمع بين إِجْزاءٍ، وكمال، لا بين إجزاءين،
وله نظائر منها:
أن الله أباح قصر الصلاة في السفر، وثبت في السُّنة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الرباعية تقصر إلى ركعتين، ومع هذا فإن المسافر لو أتم صلاته فإنه لا حرج عليه، والأفضل القصر على السنة.وقال بعض السلف، وهو فتوى ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن هذا التخيير بين الدينار،
ونصفه سببه:
أن الجماع في الحيض يختلف، فإن كان في أول الحيض فعليه دينار، وإن كان في آخره فعليه نصفه.وقال بعضهم -وهو قول ثان لبعض السلف-
أيضاً: دينار إن كان في أول الحيض، ونصفه إن كان في أوسط الحيض، أو آخره.
وتقسيم الحيض إلى أوله، وأوسطه، وآخره يكون إما بالزمان، وإما بالتمييز،
مثال ذلك بالزمان: مثاله أن تكون عادتها ستة أيام،
فأوله:
اليومان الأول والثاني،
وأوسطه:
الثالث والرابع،
وآخره:
الخامس والسادس.
أما تأقيته بالصفات فكأن يجري معها دم حيض الأيام الأولَ، أحمر شديد الحمرة إلى قريب السواد، فيجري بهذه الصفة لمدة يومين مثلاً، ثم يجري معها أحمر شديد الحمرة في اليومين الأوسطين، ثم يجري معها أحمر أقلّ حمرة، أو قريباً إلى الصُّفرةِ في اليومين الأخيرين فيكون ترتيبه بأوله، وأوسطه، وآخره بصفات الدم، هذا بالنسبة للتأقيت بالزمان والصفة.
فإذا وقع في زمان شدّة الدم، وحمرته في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصفه.
والحقيقة فتوى ابن عباس تقوّي التفصيلَ: وهو إنه إن كان في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصف ويقَوّيها النظر، فلا يبعد أن الشرع فرَّق بين من جامع في أول الحيض، وآخره من جهة كون المجامع في آخر الحيض تضرّر بالمنع من الجماع أكثر ممن هو في أوله، لأنه قريب العهد بوقت الحل، فناسب أن تكون العقوبة أقوى لمن جامع في أول الحيض بخلاف من جامع في آخره.
ويكون تأقيت الأول، والآخر، بالزمان، وبالصفة في قوة الدم، وضعفه.
أما بالنسبة لقدر الدينار فإن الدينار القديم في عهده عليه الصلاة والسلام، وعهد من بعده من الخلفاء الراشدين، وبني أمية لم يكن مضروباً من المسلمين وأول ما ضُرب الدينار في عهد عبد الملك بن مروان رحمه الله، وكان وزن القديم منه، والجديد واحداً، وهو المثقال فالدينار يعادل المثقال، وهو يعادل الغرامين وربع الغرام فإذا وجب الدينار نَظرَ إلى قيمة الغرام من الذهب بالريالات فأخرجها،
فلو كان الغرام يساوي أربعين ريالاً فمعناه أن الدّينار:
يساوي تسعين ريالاً،
ونصفُه: يساوي خمسة وأربعين ريالاً وإن وجد ذهباً أخرج ما يعادل الغرامين، والنصف، أو نصفها وهو الغرام، والربع على التفصيل المتقدم.
قوله رحمه الله: [ويَسْتَمْتِعُ مِنْها بِما دُونَه]:
قوله رحمه الله: [ويستمتع] من المتعة، وهي اللّذة.
قوله رحمه الله: [بما دُونَه]: أي بما دون الموضع الذي حرّم الله الجماع فيه،
وظاهر كلام المصنف كما قلنا العموم أي: سواء وُجد حائل، أو لم يُوجد؛
ودليله حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [إِصْنعُوا كل شيءٍ إلا النكاحَ] فقوله: [كلَّ شيءٍ] عامّ، لأن [كل]
كما يقول الأصوليون:
من ألفاظ العموم، فله أن يستمتع بكل شيء، ما لم يصل إلى الحرام، وهو الوطء في الفرجين، وعمَّمَ حيث لم يذكر الحائل، والإزار،
وظاهر فعله عليه الصلاة والسلام:
أن تتزر المرأة.
قوله رحمه الله: [وإِذَا انقطعَ الدّمُ، ولم تغتسلْ لم يُبَح غيَرُ الصِّيامِ، والطلاقِ]: للحيض طُهران:
الأول: طُهرٌ للموضع بانقطاع الدم، وبدوّ علامة الطُّهر،
والثاني:
طهر للمرأة باغتسالها بعد ذلك، فالأول ليس بيدها، والثاني بيدها.
فإذا طَهُرتْ المرأة بانقطاع دمها، ووجود علامة الطهر، وتَطهّرت بالاغتسال بعد ذلك فإنه بالإجماع ترتفع جميع موانع الحيض، ولا إشكال، لكن الإشكال لو طهرت من حيضها، ولم تُطَهِّر نفسها بالغسل، فهل يجوز له أن يجامعها، أو لا يجوز؟ وهل يجوز لها الصيام، وغيره من الموانع؟
قال رحمه الله: [لم يُبَحْ]: أي أن موانع الحيض،
ومنها: الجماع لا تُباح إلا بعد غُسلها،
وقوله:
[غَير الصّيامِ, والطّلاقِ] أي أنه يباح لها فعل الصّيام، والطّلاق فقط، وهذا مذهب جمهور العلماء رحمهم الله.وقال الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمة الله عليه-: إذا إنقطع دم الحيض جاز للرجل أن يجامع امرأته، ولو لم تغتسل.
فالإمام أبو حنيفة يقول:
إن الغاية في التحريم في قوله سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} هي الطُّهر، فإذا طهرت المرأة بانقطاع الدم عنها إِنتهى منع الجماع؛ فإذاً الجماع مؤقت بوجود الحيض، " وما شُرِعَ لعلّةٍ يبطل بزوالها "كما هي القاعدة في الأصول، فلما زال دم الحيض زال المانع؛ فجاز له أن يجامع.
لكن الجمهور قالوا: إن في الآية غاية، وشرطاً،
فالغاية في قوله:
{حَتَّى يَطْهُرْنَ}،
والشرط في قوله:
{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}.
قال الإمام أبو حنيفة: العبرة بالغاية؛
لأن القاعدة في الأصول:
" أنَّ ما بعدَ الغايةِ يُخالف مما قَبلَها في الحُكْمِ "، لأنه لو كان الذي بعد الغاية كالذي قبلها لم تكن هناك فائدة من ذكر الغاية، وهذا صحيح إذا كانت الغاية ليس معها شرط، أما إذا اقترنت بالشرط فلا بد من تحققه معها لإفادة الحكم وعليه؛ فإنه يترجح مذهب الجمهور رحمهم الله من إعتبارهما معاً،
وقد جاءت في الشريعة نظائر لمسألتنا منها:
قوله سبحانه وتعالى في بيان رفع الحجر عن اليتامى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2) فقال: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فهذه غاية،
وهي:
البلوغ،
ثم قال سبحانه:
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم} وهذا شرط، فلا مانع أن تثبت الغاية مع ثبوت الشرط،
فنقول:
إن آية الحيض فيها غاية، وشرط،
والقاعدة:
" أنه إِذا تخلّف الشرطُ تخلّف المشروطُ، وإذا وجدَ الشرطُ حُكم بالمَشْروطِ ". فإذًا تقول: إذا وجد الاغتسال؛ جاز له أن يجامع، وإلا فلا.
الدليل الثاني على رجحان مذهب الجمهور: أن الله عز وجل قال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} ثم عقب بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فأسند الطهر لأنفسهن بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: فعلن الطُّهر،
وعلى هذه القراءة يكون الطهر الثاني هو: الغسل فالغاية الطهر الأول،
والشرط: الطهر الثاني لأن الله نسبه إلى النساء فدلّ على أنه من فعلهن، فصار طُهراً زائداً على الطهر الأوّل لا نفسه،
وهناك قراءة بالتشديد:
{حَتَّى يَطَّهَرْنَ} بالتشديد، وهي تصلح أن تكون دليلاً لمذهب الجمهور كما أشار إليه غير واحد من أهل العلم، واختاره الإمام الماوردي في جوابه في الحاوي،
فالمقصود أن أصحَّ القولين هنا:
أنه لا بد في إباحة جماع المرأة بعد الحيض من أن تَطْهر، وتغتسل، فإذا طَهرتْ، ولم تغتسل لا تُجامَع، وإنما يتريث حتى يتحقق الشرط الذي أمر الله -عز وجل- به.
قال رحمه الله:
[لم يُبَح غيرُ الصِّيام، والطلاقِ] معناه: أنه يجوز لها فعل الصيام قبل أن تغتسل، فلو طهرت قبل أذان الفجر ولم تغتسل، ونوت الصيام ثم أذنَ، واغتسلت بعده صحّ صومُها، وأما الطلاق فإنه محرم، فلا يجوز طلاق الحائض؛ ولذلك غضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته، وهي حائض،
وقال عليه الصلاة والسلام لأبيه عمر رضي الله عنه مبيّناً له طلاق السنة:
[مُرهُ فليراجِعْها، ثمّ ليُمْسِكْها حتى تَطْهُر، ثم تَحيض، ثم تطهر، ثم إن شاءَ طلّق، وإن شاءَ أمسكَ، فتلكَ العدةُ التي أمرَ الله أن تطلق لها النساءُ]، فدلّ على تحريم طلاق المرأة الحائض،
وأجمع على ذلك العلماء رحمهم الله وسمّوه طلاقاً بدعياً أي: أنه مخالف للشرع، فكلهم متفقون على أن الحيض يمنع الطلاق، وينتهي هذا المنع بطهر المرأة، ولا يُشترط إغتسالها كالجماع، بل يجوز أن يطلقها بعد الطهر مباشرة للحديث السابق حيث بين أن المنع من الطلاق حال الحيض ينتهي عند الطهر، ولم يشترط الإغتسال بعده،
وقوله رحمه الله:
[لم يُبَح غير الصيام، والطلاق] معناه أن بقية الموانع لا بد فيها من الطُّهرين: الطهر الأول بانقَطاع الدم، ورؤية علامة الطهر،
والطّهر الثاني:
بالغسل، فلا يباح لها أن تصلي، ولا أن تدخل المسجد، ولا أن تمسّ المصحفَ، ولا أن تقرأ القرآن، ولا غيرها من بقية الموانع إلا بعد حصول هذين الأمرين.
قال رحمه الله: [والمبتدأةُ تَجلسُ أقله، ثم تَغتسلُ، وتصلّي] شرع المصنف -رحمه الله- بهذه العبارة في ذكر أحوال النساء،
فالمرأة الحائض لا تخلو من ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون مُبتدأَةً، بمعنى أنها لأول مرة يأتيها دم الحيض.
والحالة الثانية: أن تكون مُعتادةً، بمعنى أن دم الحيض عاودها حتى ثبتت لها فيه عادة معينة.
والحالة الثالثة:
أن تكون متحيِّرةً، بمعنى أنه لا يمكنها أن تعرف عادتها لأجل النسيان، سواء نسيت قدر العادة، أو مكانها من الشهر، هذه ثلاثة أحوال للمرأة.ومن عادة أهل العلم أنهم يبدأون بالنوع الأول، وهذا فيه مراعاة لأحوال النساء.
يقولون:
توصف بكونها مبتدأة إذا كان الحيض قد جاءها لأول مرة، هذا أول شرط للحكم بكونها مُبْتدأَةً.
(1) البقرة، آية: 184.
(2) النساء، آية: 6.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]