عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 14-04-2024, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعــون الوقفيــة (40)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
الحديث الأربعون:
مسؤولية نظارة الوقف
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»(1).
في هذا الحديث دليل على أهمية الرعاية، فأخبر صلى الله عليه وسلممن حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك يشعر بأنه مسؤول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة.
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: «الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه»(2).
وكلكم: تشمل الكل في الرعاية والمسؤولية، وفي (تحفة الأحوذي) قال: «دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا ألا يكون مرعيا باعتبار آخر» (3).
فقد أوجب الإسلام بتشريعاته وأحكامه على كل مسلم القيام بمسؤولياته التي أنيطت به بحسب موقعه وما ألقي عليه من مسؤولية، فالكل مكلف فيما هو تحت رعايته، وبالتالي التقصير في رعاية ما استرعاه الله عليه فيه إثم عظيم.
وناظر الوقف يسأل في الآخرة عن الموقوف: لماذا أهملته؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم توله حق الحفظ وحق المراقبة؟ وإن كان هنالك قضاء فاعل يحفظ الأوقاف من سوء إدارة أو تساهل في الرعاية، يحاسب على تقصيره بل هو ضامن لهذا الوقف.
ونظارة الوقف من أعظم المسؤوليات، فلا بد للموقوف من متول يدير شؤونه ويحفظ أعيانه، وذلك بعمارتها وصيانتها، واستثماره على الوجه المشروع، وصرف غلته إلى مستحقيه على مقتضى وثيقة الوقف، والدفاع عنه والمطالبة بحقوقه، كل ذلك حسب شروط الواقف المعتبرة شرعاً(4).
ويعد الناظر أمينا على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين؛ فهو مسؤول عما ينشأ من التقصير نحو أعيان الوقف وغلته وفقاً للقواعد العامة للمسؤولية، كما يفترض عليه القيام بتقديم حساب سنوي إلى القضاء وفقا لأسانيد مكتوبة.
ويشترط فيمن يتولى النظر على الوقف جملة من الشروط هي:
الإسلام: وذلك لأن النظر ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم.
العقل: فلا يصح أن يتولى النظر مجنون.
البلوغ: فلا يصح تولية النظر لصغير.
العدالة: هي المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة؛ فلا يصح تولية النظر لفاسق أو خائن للأمانة.
الكفاية: وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه بما فيه المصلحة.
وعمارة الوقف من أهم واجبات ناظر الوقف؛ لأن إهمال عمارة الوقف أو ترميمه أو إصلاحه قد يؤدي إلى خرابه وهلاكه، وقد أجمع الفقهاء على أن العمارة هي أول واجب يلقى على عاتق الناظر، وعمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين سواء في الوقف الخيري أو الأهلي؛ لأنها تؤدي إلى دوام الانتفاع بالوقف وعدم تفويت منفعة من منافعه.
ويجب على الناظر القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته، ومن ذلك:
عمارة الوقف: بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة حفظا لعين الوقف من الخراب والهلاك.
تنفيذ شروط الواقف فلا يجوز مخالفة شروطه أو إهمالها، يجب الالتزام بها إلا في أحوال مخصوصة تقدم بيانها.
الدفاع عن حقوق الوقف في المخاصمات القضائية رعاية لهذه الحقوق من الضياع.
أداء ديون الوقف: تتعلق الديون بريع الوقف لا بعينه، وأداء هذه الديون مقدم على الصرف على المستحقين؛ لأن في تأخيرها تعريض الوقف لأن يحجز على ريعه.
أداء حقوق المستحق في الوقف وعدم تأخيرها إلا لضرورة كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين.
ومن مقاصد الوقف في الشريعة الإسلامية مراعاة حقّ الله تبارك وتعالى أولاً، ثم حقوق العباد والبلاد، فلا يوقف على معصية، ولا يوقف ليضر فئة بعينها.
وللحديث فوائد ودلالات: ففيه أن كل إنسان مسؤول عمن يرعى وعن مدى اهتمامه وحرصه عليهم، وفيه أن الله تعالى سيسألنا عن هذه الأمانة قمنا بها أم ضيعناها وأهملناها.
وفيه أن كل عامل مسؤول عن إتقان عمله، فكل واحد منا راع ومسؤول عما أوكل إليه من مسؤولية وأمانة سواء في الولد أو المال أو مصالح الآخرين أو الوقف أو غيره من الصدقات.
وفيه أن المسؤولية في الإسلام مغرم لا مَغْنَم، فعن أنس قال: ما خطبنا رسول الله[ إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».
وإن كانت الأمم قبل الإسلام قد عرفت نظاماً رصدت بمقتضاه حبس بعض الأصول لينفق من غلاتها على المعابد القائمة، إلا أن النظام الإسلامي في الوقف قد استقل بقواعده ومصادره؛ لأنه لم يكن نظاماً مستجلباً أو تجميعاً لعادات سبقت الإسلام، بل هو نظام مستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة، وتفاصيل أحكامه ساهمت فيها كل المدارس الفقهية، وتشريعاته قفزت بالأمة الإسلامية، حتى أصبحت واقعاً بحق {خير أمة أخرجت للناس}، فالحضارة الإسلامية ولدت من رحم الأوقاف.
ومن روائع الوقف الإسلامي أن قد خصصت أوقاف لغير المسلمين في ظل الخلافة الإسلامية، فكانت أوقاف وثقها التاريخ خصصت لنفع أهل الذمة لحفظ كرامتهم وإنسانيتهم، وبإطعامهم وسقيهم وتوفير كسوتهم، فالعناية كانت كذلك لغير المسلمين، وقد خصصت أوقاف لنشر الإسلام بين أهل الذمة وكذلك في الدول والأمصار التي فتحها المسلمون، فأوجدوا مشاريع وقفية ليعيش الناس حياة كريمة في ظل الخلافة الإسلامية، يسكنون ويأكلون، يتعلمون ويعالجون.. إلخ.
وسؤالنا بعد أن أضعفت الأوقاف الإسلامية: أين مخرجات الأوقاف في مجال الخدمات والرعاية والتعليم والصحة والثقافة والبحث والتطوير والتنمية والتطور؟ وأين المستشفيات والجامعات غير الربحية والاستثمارات والمجمعات التجارية، وأين مراكز البحوث والدراسات التي تقدم نتاجها لخدمة الدول والأوطان؟ ولا شك أن فقدان هذا القطاع الواسع من الأوقاف تسبب في أن 40% من فقراء العالم مسلمون! وما يقارب 35% أميون، و8 ملايين طالب في العالم العربي لم يجدوا مقاعد دراسية في العام الدراسي 2011-2012م.
هذا وأمتنا - ولله الحمد - تمتلك مقومات نجاح قطاع المؤسسات الخيرية والوقفية الإسلامية، وهي أربع: أولها الشريعة الإسلامية، وثانيها التجربة التاريخية (تطبيقات عملية تاريخية)، حيث إن الإسلام أول من قدم للبشرية الوقف بوصفه عملاً إنسانياً مستداماً، وثالثها القوى البشرية، وآخرها المال والموارد من صدقة عامة وجارية وتطوع وزكاة وفعل الخير.
والتطبيقات التاريخية للمؤسسات الوقفية أنتجت حضارة إسلامية تحث على البذل والعطاء عبر اثني عشر قرناً من الزمان، مبادئ تجاوزت حقوق الإنسان إلى كرامته وشرعت لحقوق الحيوان، ومنحت الحقوق لغير المسلمين حتى شرعت حق الأسير الكافر {ويطمعون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}(5). وما يمتلكه هذا الدين من رصيد الخيرية للبشرية عامة يعد من أكبر الفرص {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران: 110).

الهوامش:
1- أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، برقم 2751، وأخرجه مسلم في صحيحه، برقم 1892. واللفظ لمسلم.
2- عون المعبود سرح سنن أبي داود (8/104) الجزء الرابع.
3- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، محمد المباركفوري، شرح حديث رقم 1705.
4- روضة الطالبين 5/348، شرح منتهى الإرادات 2/362.
5- انظر: القطاع الثالث والفرص السانحة، رؤية مستقبلية، د. محمد عبدالله السلومي، ص 41-42، بتصرف.


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]