عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 27-03-2024, 04:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر مسلم للمنذري

(31) الخصومة في الله عز وجل

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
باب : في قوله تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الحج : 19)
2152. عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا، إِنَّ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} أنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ : حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.
الشرح: باب في قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الحج : 19) وهي الآية التاسعة عشرة من سورة الحج، وأورد فيه الإمام المنذري حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم في آخر كتاب التفسير، وبه ختم مسلم رحمه الله صحيحه.
- قوله : عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه، وأبو ذر اسمه جندب بن جنادة الغفاري، من قبيلة غفار المشهورة، وكان ممن أسلم قديما، ولكن تأخرت هجرته، وكان يصلي قبل الإسلام ثلاث سنين، كما جاء عنه أنه كان يقول : كنت وأنا في الجاهلية أرى الناس ليسوا على شيء، ثم لما قدم إلى مكة وأسلم جهر بإسلامه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له : اكتم عليك، لكنه جهر بإسلامه، فضُرب رضي الله عنه ضربا شديدا، حتى جاء العباس وفكه من المشركين، وقال : يا قوم، تجارتكم على غفار، يعني: تمرون على قبيلة غفار.
وقَيْسِ بْنِ عُبَادٍ هو الضُّبَعي أبو عبد الله البصري، مخضرم ثقة، والمخضرم من أدرك زمن النبي [ فأسلم ولم يره، فهو بين الصحابي والتابعي.
- قال : « سمعت أبا ذر يقسم قسما - أي يقسم بالله سبحانه وتعالى - إن هذه الآية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ( الحج : 19) أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر « ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول، كما مر معنا، وقلنا: إن أسباب النزول مما يعين على فهم الآية، وذلك بفهم قصتها ومعرفة سبب حكمها ونحوه، فهذا مما يعين على فقه الآية، والمراد منها.
وقد قال بمثل قول أبي ذر جماعة من الصحابة أيضا، فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره : عن علي رضي الله عنه أنه قال حين نزلت هذه الآية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الحج : 19) وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. فهذا عن علي رضي الله عنه ويخبر أن هذه الآية نزلت فيه وأنه أول من يجثوا في الخصومة على ركبتيه عند الله سبحانه وتعالى، وأنه المقصود بقوله {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الحج : 19): قال أبو حيان : الظاهر أن الاختصام هو في الآخرة، بدليل التقسيم بالفاء الدالة على التعقيب في قوله {فالذين كفروا} وإن قلنا : هذا في الدنيا، فالجواب أنه لما كان تحقيق مضمونه في ذلك اليوم، صح جعل يوم القيامة ظرفا له بهذا الاعتبار، والله أعلم. انتهى.
- والصحيح : أنه لا مانع من أن تكون الخصومة في الدنيا، وفي الآخرة أيضا، فهم اختصموا في الدنيا واختلفوا وتقاتلوا، وهم أيضا سيتخاصمون ويتجادلون بين يدي الله تبارك وتعالى، بدليل قول علي رضي الله عنه : « أنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة»، وخصومة علي رضي الله عنه يكون معه بقية المؤمنين، وإن كان قد نص هاهنا على : حمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم أجمعين، وهؤلاء اختصموا مع : شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فهؤلاء من المشركين في جهة، وعلي وحمزة وعبيدة من الصحابة رضي الله عنهم في جهة أخرى، وهم قد اختلفوا يوم بدر واختصموا في الله تعالى، بل تقاتلوا وتقابلوا في الميدان بالسلاح، فهؤلاء يريدون نصرة دين الله عز وجل ونصرة رسوله [ والحق، والكفار والمشركون يريدون إطفاء نور الإيمان، وخذلان الحق، ونصرة الباطل .
وأيضا أهل الإيمان يختصمون مع الكفار عموما، ويخالفونهم في معتقداتهم وعباداتهم وأحوالهم وحياتهم ومماتهم، فهم خصوم في الدنيا والآخرة، ويقضي الله بينهما، كما قال الله في هذه الآية {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} ( الحج 19 - 21 ).
فهذا الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في الخصومة بين المؤمنين والكافرين، سواء كانوا من اليهود أم من النصارى أم من المجوس أم من من المشركين أم من الصابئين أم من غيرهم، فهناك خصومه واختصام وجدال في الدنيا في ربهم سبحانه وتعالى، فكل يدعي في ربه أشياء، ويخالف ويجادل عليها، وسيختصمون بين يدي الرب سبحانه وتعالى، وسيفصل الله تبارك وتعالى بينهم يوم القيامة، وهو يوم الفصل، الذي يفصل الله تعالى فيه بين المتنازعين والمختلفين كما قال سبحانه {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} (المرسلات : 38) وقال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} ( النبأ : 17) اليوم الذي يحصل فيه الفصل بين النزاع والخلاف.
- وقوله: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} (الحج : 19) أي : تفصل لهم - والعياذ بالله - ثيابٌ من نار يلبسونها، وقيل : {من نار} يعني: من قطران، والقطران معلوم أنه سريع الاشتعال، مع النتن وخبث الرائحة، وهذا زيادة في عذابهم وألمهم، أن تفصل لهم ثياب من القطران، والتي متى لفحتها النار ازدادت اشتعالاً، وتصل النار بذلك إلى كل موضع من بدنه، وهذا كما قلنا زيادة في العذاب لهم.
- قوله: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} (الحج : 19) أي : الماء الشديد الحرارة المغلي، وقيل : الحميم هو النحاس المذاب، وهو قول سعيد بن جبير.
ومن شدّة حره، أنه يصهر به ما في بطونهم، ويصهر الجلود، فإذا صب عليهم سقطت جلودهم، وصهرت ما في بطونهم من أمعائهم، وتذوب شحوم بطونهم، من شدة حرها.
- قوله: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} ( الحج 21 ) والمقامع هي المطارق الضخمة الكبيرة التي يمسكها الزبانية من الملائكة، فيضربون كل عضو منهم.
- وملائكة النار وخزنتها قد وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم : 6)، فقوله {غلاظ} أي : قلوبهم قاسية، لا يرحمون أهل النار، وشداد أي : في أجسادهم وأبدانهم، وهذه المقامع التي بأيديهم معدة لأهل النار، كلما أرادوا أن يخرجوا من النار قمعتهم الملائكة بها، يعني ضربتهم بها فيعودون إلى النار، ويهوون إلى قعرها، كما في قوله: {كلما أَرادوا أنْ يَخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها}، وقال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة، وإن الأيدي لموثقة، ولكن يرفعها لهبها، وتردهم مقامعها (تفسير ابن كثير 3/182 ).
- {وذوقوا عذاب الحريق} أي يقال لهم ذلك؛ إهانة لهم وتوبيخاً، كما في قوله: {وقيل لهم ذُوقوا عذابَ النارِ الذي كنتم به تكذبون} فهم يُهانون قولاً وفعلا.
أعاذنا الله وإياكم جميعا من عذاب النار وأهوالها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]