عرض مشاركة واحدة
  #297  
قديم 19-03-2023, 08:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (292)

صـــــ(1) إلى صــ(14)

فالمقصود: أنه مثل رحمه الله من بيئته بما كان موجوداً في القديم.

(أو زيادتهما) أي: زيادة الأعضاء فإن هذه الزيادة تنقص المالية؛ لأن بعضها يؤثر في المبيع؛ لأن بعض الأسنان إذا زيدت تحدث الألم، وهذا يضر بالمبيع.
وبعض الأعضاء إذا زيدت يمتنع الارتفاق، ويمتنع الانتفاع بالرقيق بالوجه الكامل، أو بالوجه الأفضل والأكمل.
قال رحمه الله: [وزنا الرقيق]: هناك عيوب حسية، وعيوب معنوية إذا أردت أن تقسم العيوب.
العيوب الحسية: هي التي تكون النقص فيها في الخِلقة في الآدميين والدواب، أو النقص في أركان البيت، وفي منافعه.
لو باعه بيتاً بدون دورة مياه مثلاً، فهذا يعتبر نقصاً مؤثراً، فهذه عيوب حسية، وهي تشاهد وترى.
وهناك عيوب معنوية، والعيوب المعنوية لها ضابط عند العلماء: وهي ما كانت راجعة إلى الخلُق، والنفس، وهذه العيوب النفسية أو المعنوية منها ما هو ديني، ومنها ما هو دنيوي.
فالعيوب الدينية مثل زنا الرقيق، والسبب في هذا: أنه إذا كان الرقيق قد عرف بالزنا، فإنه لا يؤمن على العرض، وكان الأرقاء يحتاجون لقضاء مصالحهم، وربما دخل البيت لقضاء المصلحة، كحمل المتاع ونحو ذلك، وربما غاب السيد عنه وسافر، فوجود الزنا في الرقيق عيب، وهذا مذهب جمهور العلماء.
وخالف الإمام أبو حنيفة النعمان عليه من الله الرحمة والرضوان، فقال: الزنا في الرقيق ليس عيباً، واحتج بما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرّب عليها، ثم إذا زنت الثانية فليجلدها الحد، ولا يثرّب عليها، ثم إذا زنت الثالثة فليجلدها الحد ولا يثرّب عليها، ثم ليبعها ولو بظلف شاة) قال: فإذا بيعت وهي زانية، فهذا يدل على أن الزنا ليس بعيب.
قال: ولأن الزنا قد يقع بسبب التساهل في البيئة، فتكون زانية عند زيد وليست بزانية عند عمرو، فزيد يتركها تتعاطى ذلك أو يتساهل في حفظها، وعمرو يحفظها، فهو يقول: ليس بعيب؛ لأن هذا الشيء يحتاج إلى تحفظ ويحتاج إلى صيانة، وهكذا بالنسبة للذكر.
وهي مسألة خلافية مشهورة، والأقوى أنه عيب كما ذهب جمهور العلماء، وحديثنا وهو قوله: (ثم ليبعها ولو بظلف شاة) لا يمنع أن تباع ويبين أنها زانية؛ لأن هذا من العيوب التي تبين، فإذا بين أنها زانية ارتفع الاستدلال بالحديث، ولم يستقم استدلاله رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار.
-ثم قال-: فإن صدقا وبينا) لأن من المعلوم أنها إذا كانت زانية وجاء يبيعها، فإنه يجب عليه أن يبين أنها ليست بمستقيمة وأنها تقع في الزنا، فإذا بين ذلك انتفى كونه عيباً، ومن هنا لا يقوى اعتبار هذا الحديث حجة على جمهور العلماء رحمهم الله، والصحيح أنه عيب.
قال رحمه الله: [وسرقته]: هذا من دقة المصنف، فقد ذكر رحمه الله العيوب التي هي نقصان في الخِلقة: (كمرضه، وفقد عضو، أو سن أو زيادتهما) وفقد الأعضاء من العيوب الحسية، ثم جاء بالعكس وهي زيادة الأعضاء، فإن زيادة الأعضاء تنبئنا أو تشير إلينا وتخبرنا أن الأمر لا يختص بالنقص، بل بعض الأحيان تكون الزيادة عيباً، فليس العيب فقط بالنقص، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له، وهو أن العيب قد يكون بالزيادة، وعلى هذا انتهى رحمه الله من العيوب الحسية، وشرع في العيوب المعنوية فقال رحمه الله: [وزنا الرقيق] فهذا راجع إلى العيوب المعنوية.
فقوله: (وسرقته): السرقة خسة في الطبع، ولؤم في النفس أن يسرق من مال سيده، أو يسرق من أموال الناس، فهذا راجع إلى وازع نفسي، فالعبد إذا كان فيه هذه الصفة فإن معناه أنه سيء الخلق، وهذا من سوء الأخلاق الجامعة بين الدين والدنيا؛ لأن الدين لا يرضى مثل هذا، وأيضاً الناس بعقولهم وفطرهم السوية ينفرون ممن يسرق، فالسرقة تعتبر عيباً؛ لأن هذا يدخل الضرر على السيد.
وعلى هذا قالوا: إنه إذا تبين أن العبد سارق أو معروف بالسرقة، جاز له أن يرده، فلو اشترى منه عبداً بثمانمائة دينار، ثم تبين له أنه زانٍ، أو تبين له أنه سارق، أو شهد شهود أن هذا العبد معروف بالسرقة أو بالزنا، وأثبتوا ذلك عليه، حينئذٍ يأتي إلى القاضي ويثبت هذا العيب ويرد القاضي المبيع ويعطيه قيمة ما دفع فيه.
قال رحمه الله: [وإباقة]: الإباق كثرة الفرار، كأن يشتري عبداً كثير الهروب، فإن الهروب عيب، وهذا العيب يمنعه من الانتفاع به، ويضر بمصالحه؛ لأنه ربما وضعه على مصلحة فهرب عنها، فهذا فيه ضرر عليك، فإذا تبين أنه كثير الهروب، أو أنه يهرب عن سيده، فمن حقه أن ترد بهذا العيب.
قال رحمه الله: [وبوله في الفراش]: هذا من العيوب، وقد ذكروا عن أعرابي أنه اشترى عبداً، فقال له البائع: فيه عيب، قال: ما عيبه؟ قال: يبول في الفراش، وهذا في القديم يعتبر عيباً؛ لأن هذا يفسد المتاع، ووجود النجاسة أيضاً تضر بمصالح المشتري
‌‌الآثار المترتبة على وجود العيب
قال رحمه الله: [فإذا علم المشتري العيب بعد أمسكه بأرشه]: في هذه الجملة شرع المصنف في بيان الأحكام المترتبة على وجود العيب: فيشترط في العيب شروط لا بد من وجودها، فمتى نحكم بأن من حق المشتري أن يرد بالعيب؟ ومتى يثبت خيار العيب؟ نقول: الشرط الأول: أن يكون العيب مؤثراً، فخرجت العيوب غير المؤثرة، ومثال ذلك: لو أن رجلاً اشترى سيارة، فوجد خدشاً بسيطاً في مفارشها، فقال: هذا عيب، وأريد أن أرد السيارة، نقول: هذا عيب لكنه ليس بمؤثر.
أو وجد غباراً في فراشها، نقول: هذا ليس بمؤثر، فحينئذٍ نقول: إن وجود العيب لا يكفي بل يشترط أن يكون العيب مؤثراً.
الشرط الثاني: أن يكون المشتري غير عالم بالعيب، فلو اشترى سيارة وفيها عيب، فقال له البائع: هذه السيارة عيبها كذا وكذا، فقال المشتري: رضيت، ثم بعد أن ركب السيارة وتفرقا قال: فيها عيب لا أريدها، نقول: علمك بالعيب وإخباره لك، يسقط حقك في الرد.
والثالثة: أن يكون حدوث العيب قبل البيع، أو مقارناً للبيع، أي: قبل صفقة البيع، أو مقارناً لصفقة البيع، أما لو أن العيب طرأ وجدّ بعد انتهاء العقد وبعد التفرق فإنه لا يثبت على البائع، وإنما يثبت على المشتري؛ لأن المشتري إذا تفرق عن البائع وحدث في المبيع عيب بعد ذلك، فإنه يكون قد حدث في ملك المشتري، وليس في ملك البائع.
إذاً: يشترط أن يكون العيب موجوداً قبل العقد، أو أثناء العقد؛ لأنه قبل الافتراق لا تزال الصفقة في ذمة البائع ولم تنتقل بعد إلى ذمة المشتري.
وعلى هذا: فإنه لا يحكم بالعيب إلا بهذه الأمور التي ينبغي توفرها للحكم باعتبار العيب وتأثيره.
فقوله: (فإذا علم المشتري العيب بعد أمسكه بأرشه) أي: إذا علم المشتري العيب بعد تمام العقد والتفرق فلا يخلو من حالتين، فنقول له: إن شئت رددت المبيع، وإن شئت أبقيته، فإن قال: لا أريد أن أرد، بل أريد أن أبقي هذه السيارة، ولكن أريد حقي الذي هو أرش النقص، فله ذلك.
فالحالة الأولى: أن يرد ويقول: أريد مالي، وخذ سيارتك، فهذا من حقه.
الحالة الثانية: أن يكون المشتري راغباً في السلعة، ويريد أن يمسكها، ولكنه يريد حقه، الذي هو حصة العيب، فحينئذ يكون له الأرش، والأرش: أن تقدر السلعة كاملة، وتقدرها معيبة، وتنظر الفرق بينهما فتسقطه من قيمتها بنسبته من قيمتها معيبة.

مثال ذلك: لو باعه السيارة بعشرة آلاف ريال، وظهر فيها عيب يجعل قيمتها تسعة آلاف ريال، فمعنى ذلك: أن القيمة انتقص منها قدر ألف ريال، فتنظر الفرق بين قيمة السيارة كاملة وقيمتها معيبة، بأن تسأل أهل الخبرة عن قيمتها كاملة، وعن قيمتها معيبة، ثم تنظر قدر الفرق بين القيمتين، فإذا كانت قيمتها كاملة عشرة آلاف، وقيمتها معيبة تسعة آلاف، فالفرق ألف، فانظر نسبتها من القيمة كاملة، وهي أنها تعادل عُشر القيمة.
فإذا علمت أن نسبة النقص تعادل عشر القيمة، فعليك أن ترجع مرة ثانية وتقدرها بقيمتها وتنقص هذه القيمة من العشرة، وحينئذٍ يكون أرش السيارة أن يدفع له هذه القيمة -أعني: الألف ريال- التي انتقصها من مبيعه، وقد ذكر ذلك المصنف رحمه الله بقوله: [وهو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب].
فقد يكون قيمة العيب العشر، وأحياناً يكون الربع، وأحياناً الثلث إلى آخره.
قال رحمه الله: [أو رده وأخذ الثمن].
أي: رد المبيع، وأخذ الثمن، فمثلاً: إذا اشترى سيارة وفيها عيب، ثم قال: لا أريد هذه السيارة، قلنا له: نعطيك الأرش، فإذا قال: لا أريد الأرش، وأريد قيمة سيارة كاملة والسيارة بهذا العيب لا أريدها، نقول: من حقك رده، أي: رد المبيع وأخذ الثمن كاملاً.
قال رحمه الله: [وإن تلف المبيع، أو عتق العبد، تعين الأرش] بعد أن بين لنا رحمه الله أن الخيار للمشتري يبقى

‌‌السؤال
هذا الخيار يثبت لو كانت السيارة موجودة، ويثبت لو كان المبيع كما هو، لكن في بعض الأحيان يكتشف العيب بعد أيام، أو بعد سنوات، أو شهور وقد تغير المبيع.
أو يكتشف العيب بطريقة فيها تغير للمبيع، كأن يكسر البيض أو يفتح البطيخ مثلاً، فحينئذٍ إذا فتح البطيخ أو كسر البيض، وأراد أن يرد فإنه لا يستطيع أن يرد المبيع.

وهكذا لو اشتريت رقيقاً ثم أعتقته، وبعد أن أعتقته وجدته ناقصا، ً أو وجدت فيه عيباً، فحينئذٍ لك حق، ولكن لا تستطيع أن ترده؛ لأنه قد عتق.
فقال: (وإن تلف المبيع) كأن اشترى سيارة، ثم وجد بها عيباً، وتلف المبيع على ضمان المشتري، فحينئذٍ إذا تلف المبيع استحق المشتري الأرش فقط، فلو جئته واشتريت طعاماً، وكان في هذا الطعام عيب، وأنت اشتريته بعشرة آلاف ريال، والعيب الموجود فيه تستحق به ألف ريال -الذي هو عشر القيمة- حينئذٍ إذا كنت تستحق عشر القيمة، يكون من حقك أن تأخذا الأرش إذا اكتشفت العيب بعد أن تصدقت به؛ لأنه تلف وأخذه الفقراء وأكلوا منه، فحينئذٍ يكون لك عند البائع حق وهو الألف، فتلف الطعام بالاستهلاك والأكل، لا يسقط حقك في الأرش.
فيبين لنا رحمه الله أن العيب يوجب ثبوت الحق لك في الأرش، وأنه لو تلف المبيع عندك وفي ضمانك بأن استنفذته وأكلته أو أعطيته الغير، وثبت بالبينة أنه كان ناقصاً معيبا، فإنك تستحق الرجوع عليه بالأرش، فمثلاً: لو اشتريت لدابة برسيماً، أو علفاً، فأكلت الدابة العلف أو البرسيم، وتبين أن فيه مرضاً، أو فيه عاهة، وأثبت الطبيب أن هذا العلف الذي أكلته من نوع معين فيه ضرر، وأنت اشتريت هذا العلف على أنه يكون سالماً من هذا العيب، فحينئذٍ يقدر لك هذا الأرش، ويكون من حقك أن ترجع عليه بهذا الأرش الذي تضمن به حقك عند البائع
‌‌الأسئلة
‌‌الوجاء وعدّه من العيوب

‌‌السؤال
هل وجاء البهائم يعد من العيوب؟ علماً أن وجاءها يكون أنفع بلحمها، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالوجاء يطيب اللحم، ولذلك ضحى عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين موجوئين، والوجاء هو الخصاء وخصاء البهيمة يطيب لحمها.
والعلماء يذكرون الوجاء ويقولون: قد يكون النقص في المبيع كمالاً، والكمال ينقسم إلى قسمين: 1 - كمال طبيعي.
2 - كمال شرعي.
والكمال الطبيعي: مثل الوجاء، والكمال الشرعي: مثل الختان، فإن الختان كمال شرعي، ولذلك يعتبر هذا النقص -الذي هو الختان- نقصاً في الخلقة لكنه كمال في الشرع، فالمقصود: أن الوجاء بعض العلماء لا يعتبره عيباً؛ لأنه يطيب اللحم، ويكون نقصانه في الظاهر ولكنه كمال في الباطن، والله تعالى أعلم

‌‌حكم الامتناع من رد أرش العيب للمشتري

‌‌السؤال
هل يجوز للبائع أن يمتنع من رد الأرش، ويقول للمشتري: إما أن ترد السلعة أو تمضي البيع فيما حصل به الاتفاق؟


‌‌الجواب
ليس من حق البائع أن يمنع المشتري من حقه إذا ثبت أن السلعة معيبة، فإذا طالبه بالرد رد، وهكذا إذا طالبه بالأرش، على أصح قولي العلماء رحمهم الله، والسبب في هذا: أن العقد قد تم بينهما ويكون وجود النقص موجباً للضمان في الشرع فيبقى إمضاء العقد على ظاهره، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فيتم البيع على صورته، ويلزم بدفع الأرش؛ لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن أكل المال بالباطل، والأرش حق للمشتري عند البائع يجب عليه أن يدفعه ولا يماطله فيه، والله تعالى أعلم

‌‌رد المبيع بالعيب بعد التصرف فيه


‌‌السؤال
من اشترى شاة، وتبين له بعد ذبحها وسلخها أن فيها عيباً في أكلها فكيف يرجعها، أو كيف يكون الحال في هذه المسألة؟


‌‌الجواب
إذا كان العيب الموجود في الشاة يمنع من أكلها، فحينئذٍ يرجع القيمة كاملة، ويجب على بائع الشاة أن يرد له القيمة كاملة؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع بها، أما لو كان يمكن الانتفاع بها، بحيث كان العيب يمنع من شيء في اللحم، أو في مواضع من اللحم، ولا يمنع من بقيتها، فمذهب طائفة من العلماء أنه يرد له القيمة الأصلية ناقصاً منها قدر ذبحها الذي هو فرق ما بين كونها حية وكونها ميتة.
والسبب في هذا: أنه قد أتلف الشاة فأزهق روحها، ويبقى الانتفاع للبائع بقدر ما بقي للشاة من أعضاء، وحينئذٍ يكون العدل بين البائع والمشتري من هذا الوجه، كما في بيع الجوز، فجوز الهند إذا كسر، يرده مع ضمان أرش الكسر، كما سيأتي إن شاء الله.
لكن إذا كانت الشاة لا ينتفع بها أصلاً، أو تبين أن بها مرضاً لا يمكن بحال أن ينتفع بها فالمرض معدٍ، ولا يمكن أن تطعم، لا لآدمي ولا لسباع ونحوه، فحينئذ من حقه أن يرجع عليه بالقيمة كاملة كالبيض، بيض الدجاج إذا باعه ثم كسره فوجده فاسداً يرجع بالقيمة كاملة، وهنا يفرق بين ما يكسر وتزهق روحه؛ لأن الشاة إذا ذبحت لا يمكن أن يردها إلى حالتها الأولى، كما لا يمكن أن يرد البيض إلى حالته الأولى.
فحينئذٍ ينظر بنفس التفصيل الذي ذكرنا، إن كان اللحم فاسداً، بحيث لا يمكن الانتفاع بها كلياً، رجع عليه بالقيمة كاملة.
وإن كان يمكن الانتفاع بها في قدرها، فحينئذٍ يكون حصة الإزهاق والإتلاف؛ لأنها من كسب المشتري، وسيأتي إن شاء الله بيانه وكلام العلماء رحمهم الله فيه، والله تعالى أعلم

‌‌حكم بيع ما كان معيباً


‌‌السؤال
من أراد أن يبيع سيارة بها عيوب بسعر رخيص، مع أن هذه السيارة لو كانت سالمة من العيوب فستباع بضعف الثمن الذي يريد أن يبيعها به، فما حكم هذا البيع، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
يجوز للبائع أن يبيع الشيء المعيب إذا بيّن العيوب الموجودة فيه، فإذا بيّن للمشتري أن هذه السيارة بها العيب الفلاني -ويسمي العيوب ويبرأ منها- فحينئذٍ يبارك له في صفقته، ولا يكون للمشتري عليه وجه حق، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) فالبيع يبارك بالبيان وتمحق بركته بالكتمان، والله تعالى أعلم

‌‌حكم طلب الزيادة في المبيع وفضل الاستغناء بالله وعدم سؤال الناس


‌‌السؤال
إذا اشتريت من محل مثلاً فاكهة أو خضروات وطلبت قليلاً من الزيادة، وأخذتها برضا البائع، فهل يجوز لي هذه الزيادة، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
بالنسبة لطلب الزيادة فيه تفصيل: فإن كان المالك الحقيقي للمحل تطلب منه الزيادة فهذا ماله، يعطيك منه ما شاء، ولكن لا خير في سؤال الناس، فسؤال الناس إذا لم توجد حاجة لا خير فيه؛ لأنه يريق ماء الحياء من الوجه، والأفضل والأكمل لعبد الله أن يجعل فقره إلى الله، وغناه بالله سبحانه وتعالى، ومن يستعفف يعفه الله، وما أعطي عبد عطاءً أفضل من الغنى بالله جل جلاله.
فمن استغنى بالله أغناه، ومن استكفى بالله كفاه، ومن استغنى بخلق الله لم يزده الله إلا فقراً، وجعل هم الدنيا بين عينيه، يلهث وراءها ويطلب ما فيها، فلا يشبع ولا يهنأ ولا يطيب حاله، ولو صبت أموال الدنيا بين يديه؛ لأن الله نزع البركة من قلبه، ونزع البركة من ماله، ونزع الرضا من قلبه.
فاعلم رحمك الله! أن الخير أن تستغني بالله عز وجل، ولذلك عتب النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي حينما سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، فقال: (ما يكون عندي من خير فلن أبخل به) وبين أن الإنسان لا يزال يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم.
فلا ينبغي سؤال الناس خاصة لطالب العلم، فإن من حمل كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في صدره، عليه أن يتورع، وأن يستغني بالله، وأن يحس أن هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه أنه أغنى الناس بها، ومن أعطي كتاب الله عز وجل وظن أن غيره قد أعطي خيراً مما أعطي فقد ازدرى ما عظم الله، فينبغي على طالب العلم، ومن هو قدوة كالعالم ألا يمد يده للناس، وألا يريق ماء وجهه لأحد غير الله جل جلاله.
وهذا أمر من الأهمية بمكان أن يعتني به طالب العلم، وليس في قضية الخضروات وغيرها، الأمر عام، فينبغي أن يجعل غناه بالله سبحانه وتعالى.
ومن قرأ أحوال السلف رحمهم الله، وكيف كان الاستغناء بالله جل جلاله شعاراً لهم ودثاراً، وكيف أن الله عز وجل أعطاهم خير الدين والدنيا والآخرة، وجمع لهم الفضائل، ويسر لهم المكارم، فعاشوا بأحسن عيشة، فكانت ثيابهم مرقعة، وفرشهم بالية، ولكن قلوبهم غنية زاكية بالله جل جلاله.
والعبد إذا استغنى بالله جل جلاله، لم يضره ما يلبس، ولذلك قال علي رضي الله عنه: (إنك إن اتقيت الله لم يضرك ما لبست)، لبست لباس الغني أو لبست لباس الفقير، فلا يضرك ما دمت تتقي الله في قلبك.
المقصود: أن الأفضل والأكمل ألا يسأل العبد غير الله جل جلاله، وكانوا يقولون: إن سؤال الناس وكثرة اللهث وراء الدنيا يمحق بركة العلم، وبركة الاستقامة، فلذلك تجد الشخص الذي يكثر من سؤال الناس ويلح فإذا دخل السوق سأل البائع، وإذا جاء في عمله ووظيفته سأل، حتى لربما سأل فوق حاجته وفوق ما يستحق، فلا يزال يسأل ويسأل حتى تذهب مكانته من قلوب الناس، فيرتفع وهو وضيع، ويكرم وهو مهان، مجاملة ينظر إليه في ظاهره؛ لكنه إذا استغنى بالله جل جلاله وكان على العكس، فيكون عند الناس عزيزاً كريماً، ولو كان في أضعف المراتب وأدنى المناصب، وذلك باستغنائه بالله سبحانه.
والشيء بالشيء يذكر! فقد ذكروا عن رجل أنه كان من أهل المدينة فأصابته والحاجة، فأراد أن يذهب إلى ابن عامر وكان أميراً على البصرة، وكان من أجواد العرب، ومن أهل السخاء والجود، المعروفين بالمكرمات، فجاء هذا الأعرابي إلى أحد أبناء جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقال له: يا فلان! إني أريد منك أن تذهب معي إلى ابن عامر فقد أصابتنا الفاقة كما ترى، فلو ذهبت إلى ابن عامر معك رجوت أن يحسن إليّ، فخرجا من المدينة، حتى دخلا البصرة، فلما دخلا البصرة قال جابر لهذا الرجل: أولا أدلك على خير مما نحن فيه؟ قال: وما هو؟ قال: أن نصلي ركعتين ونستخير الله فإن كان الخير في دخولنا دخلنا، وإن كان الخير غير ذلك صرفنا الله إليه، فصلى هذا ركعتين، وصلى هذا ركعتين، فقال جابر: يا فلان! ماذا وجدت؟ فقال الرجل: وجدت أننا ندخل عليه، فقال ابن جابر: أما أنا فقد طابت نفسي أن أرجع إلى المدينة، فإن الذي أعطى ابن عامر هذا الخير الكثير هو الله، وكما أغناه يغنيني، وكما سد فقره يسد فقري -فقال كلاماً حسناً- ثم رجع إلى المدينة، ودخل الأعرابي على ابن عامر، فلما دخل عليه، وكان البريد يأتي من المدينة، فيه أخبار الناس الذين يسافرون، فبلغ ابن عامر أن فلاناً خرج مع فلان، فلما رآه قال له: أين جابر؟ فقال: رحمك الله! إنه كان من أمره كيت وكيت.
فقال ابن عامر: يا فلان! أعطِ فلاناً -أي: ابن جابر - مائتي درهم، وأعط فلاناً مائة درهم، فقال هذا الأعرابي أبياتاً من الشعر تدل على فضل الاستغناء بالله جل جلاله، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، فقال وهو يخاطب زوجته وكان اسمها: أمامة أمامة ما سعي الحريص بزائدٍ فتيلاً ولا عجز الضعيف بضائر خرجنا جميعاً من مساقط روسنا على ثقة منا بجود ابن عامر فلما أنخنا الناعجات ببابه تأخر عني اليثربي ابن جابر وقال ستكفيني عطية قادر على ما أراد اليوم للخلق قاهر فإن الذي أعطى العراق ابن عامر لربي الذي أرجو لسد مفاقري فلما رآني قال أين ابن جابر ومن كما حنت طراب الأباعر فأضعف إذا غاب عبد الله حظه على حظ لهفان من الجوع فاغر فالله جل جلاله إذا صدقت معه صدق معك، وإذا كان في قلبك أنك تستغني بالله سبحانه وتنصرف من المخلوق إلى الخالق، فإن الله يسوقك إلى خير الدين والدنيا والآخرة، واقرأ في تراجم السلف والعلماء تجد الأمر جلياً واضحاً، وكون الإنسان يبلغ إلى أن يأتي عند الميزان ليحرج هذا في قبضة من طعام أو في حبة من فاكهة، فهذا أمر يزري بالإنسان كثيراً، فلا ينبغي للمسلم أن يوقف نفسه مثل هذه المواقف ويحرج الناس في أموالهم وبيعاتهم، فالأفضل له أن يعف نفسه فإن أعطاه ذلك بطيبة نفسه فالحمد لله، وإذا لم يعطه فإن الله سبحانه يغنيه من واسع فضله.
أما إذا كان الذي في المحل أو المتجر عاملاً، فالعامل لا يملك هذا المال، وليس من حقه أن يضر بمال سيده، فهذا لا يجوز، وحينئذٍ قال بعض العلماء: من الورع ألا تقبل من العامل الزيادة؛ لأنه كريم بمال غيره، وقد يضر بسيده، أي: يعلم أن سيده يؤذيه، فيؤذي سيده بمثل هذه التصرفات، فالورع والأكمل والأفضل للمسلم ألَّا يفعل هذا.
وكنت أرى بعض مشايخنا رحمة الله عليه يتورع عن الكيس الذي يعطيه البائع زائداً عن حاجته، يكون الكيس -مثلاً- صغيراً يمكن أن يكفي لحاجته فيعطيه كبيراً، فلا يقبل، ويقول: هذا ليس ماله ويقول: هذا من الورع.
وإذا تعود طالب العلم الورع، وتسربل بسربال التقوى، وأخذ يحمل نفسه في مثل هذه الأمور، خاصة في أمور الدنيا التي فيها فتنة، وفيها رغبة وشهوة، والنفوس جُبلت على حبها وطلبها؛ إذا صرف همته لله مع وجود هذه الرغبة وهذه الشهوة، فإن الله يغنيه من واسع فضله، والله ذو الفضل العظيم، فإنها والله لسعادة للمؤمن ألَّا يمسي ولا يصبح إلا وهو غني بالله جل جلاله.
وكم من أشياء يظن الإنسان أنها تأتي بخير، فيلهث وراءها، ويسعى وراءها، فلا تزيده إلا هماً وغماً ونكداً! وكم من إنسان سعى لتجارة من الدنيا، جعل الله حتفه فيها! وكم من إنسان سعى إلى رزق من الدنيا بالَغَ في طلبه، حتى فرَّط في صلاته وفي خشوعه، فمحق الله بركة تلك التجارة.
فالعبد دائماً يجعل الآخرة نصب عينيه، وليس معنى هذا أن نترك الدنيا؛ ولكن المراد ألَّا نغلو، وألَّا نبالغ في التمسك بالدنيا، حتى إنك قد تجد الرجل إذا لم يجد هذا الشيء ولم يصل إليه، كأنه يفوته كل شيء.
فعلى المسلم أن يحمد الله على فضله، ويعلم أن الله سبحانه خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وقسم أرزاقهم فلم ينسَ منهم أحداً، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6]، فالله جل جلاله متكفل بعباده.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يغنينا من واسع فضله العظيم.
اللهم إنا نسألك أن تغنينا من واسع فضلك العظيم، وأن تفتح لنا من بركاتك ورحماتك ما تغنينا به عن خلقك، وألَّا تجعل لنا إلى لئيم حاجة يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]