عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-07-2019, 04:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي التحفة الوفية بمعاني حروف العربية

التحفة الوفية بمعاني حروف العربية


د. صالح بن حسين العائد


التحفة الوفية بمعاني حروف العربية


لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسيّ (697هـ - 742هـ)

(دراسة وتحقيقاً)


مقدمة:


الحمد لله الميسِّر كلَّ عسيرٍ، والصلاة والسلام على البشير النذير نبيّنا وحبيبنا محمدٍّ، وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسانٍ إلى يوم الدين. أمّا بعد:

فَمَنْ يسّرَ الله له أن يزور بعض المكتبات الغربيّة التي تُعْنى بجمع المخطوطات العربيّة يدرك عظمة هذا الدين وسموق شأو لغته العربيّة، حيث سخّر الله تعالى لحفظهما من وسائل الحفظ ما يدعو إلى العَجَبِ والإعجاب؛ حتّى سخّر المولى عزّ وجلّ لذلك أعداء هذا الدين، فجعل جلّ جلاله في البلايا والمحن منحاً عظمى لا يدرك شأوها كثيرٌ من النّاس عند نزولها، فحين استولت الدول الغربيّة على بلاد المسلمين، وَرَكَنَ المسلمون إلى الجهل، ورقدوا في السبات العميق، لم يدّخرِ المحتلّون وسعاً في جمع تراث المسلمين، وإنْ شئتَ فقلْ: (في نهبه) إمّا بالقوّة، وإمّا بالإغراء، فكان أنِ اكتظّتْ بالمخطوطات العربيّة رفوفُ مكتباتهم في: لننغراد، وجوتا، وبرلين، وباريس وشيكاغو، وتوسان، وصوفيا، ومكتبات: والمتحف البريطاني، وتشستربيتي، والأوسكوريال، والإمبريزونا، وبرنستون، والكونجرس الأمريكيّ، وغيرها.

وحين دَلَفَتْ رِجْلايَ أبوابَ مكتبة جامعة برنستون في ولاية نيوجرسي، وهي ثاني أشهر المكتبات الأمريكيّة بعد مكتبة الكونجرس الشهيرة، حينذاك لم يكن يخطر ببالي أنّها بتلك الضخامة التي وجدتها عليها؛ ففيها أكثر من ستين ألف مخطوطة عربيّة، وفيها من وسائل حفظ المخطوطات وخدمة الباحثين وسرعة تلبية طلباتهم مالا يخطر على بال باحثٍ عربيّ مثلي قد عانى معاناةً طويلةً من إيصاد أبواب المكتبات بوجهه في عالمه العربيّ، وفي البلد المسلم (تركيا). وبعد اعتكافي أيّاماً في تلك المكتبة العريقة خرجتُ منها بسعادة وحزنٍ سببهما ما ألمحتُ إليه آنفاً، وظفرتُ بمجموعة مصورات لنوادر المخطوطات العربيّة فيها، وكانت إحداها مخطوطة كتاب (التحفة الوفيّة بمعاني حروف العربيّة) للصفاقسيّ، فحين اطّلعتُ عليها وجدتها قليلة الورقات غزيرة الفوائد والمعلومات، فلم أتقاعس عن طلب تصويرها عازماً على المبادرة إلى تحقيقها ونشرها.

وظللتُ سنواتٍ أنقّبُ في فهارس المخطوطات سعياً وراء الظفر بنسخة أخرى للكتاب تكون عوناً لي بعد الله تعالى على تحقيقه، ولكنّي كنتُ لا أعودُ بعد كلِّ سياحةٍ في الفهارس مشرّقاً كُنْتُ أو مغرّباً إلا بخفّي حنينٍ، وبمعلومات لا تقدّر بثمنٍ يزخر بها حاسوبي الشخصيّ عن أماكن وجود نوادر المخطوطات وأرقامها ووصفها، وبعد يأسي من العثور على نسخة أخرى قمت بتحقيق هذا الكتاب.

وقد سلكتُ في التحقيق منهجاً مطوّراً عن مناهج شيوخ التحقيق في عالمنا العربيّ، وقد أوضحتُ معالمه في موضعه، لكنّي هنا أؤكّد على أنّي قد ابتعدتُ فيه عن حشو الكتاب بالتعليقات التفصيليّة التي تجعل من الكتيّب كتاباً ضخماً، وهذا – في رأيي – منهجٌ غيرُ سليم بدأ بترسيخه بعض المشتغلين في التحقيق، ففهمو أنّ التحقيق لابدّ أن يكون شرحاً للكتاب المحقّق، فأخرجوه عن مراد مؤلّفه.

ولم يخلُ عملي من صعوبات واجهته؛ وكان من أبرزها العمل على التأكد من صواب النصّ المحقّق؛ لأنّ الاعتماد على نسخة واحدة ليست نسخة المؤلّف تجعل الوصول إلى النصّ الصحيح عسير المنال، لكن حسبي أنّي بذلتُ كلّ ما في الوسع والطاقة، وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بعملي هذا المشتغلين بالعلم، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله أولاً وآخراً.


الفصل الأوّل: الصفاقسيّ



المؤلِّف:

نسبه: هو أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن أبي عبدالله شمس الدين محمّد بن أبي القاسم إبراهيم القيسيّ الصفاقسيّ المالكيّ[1].

مولده: وُلِدَ في سنة 697هـ[2] ونقل ابن حجر عن الذهبيّ أن الصفاقسيّ ذكر له أنّه وُلِدَ في حدود سنة 698هـ[3].

شيوخه:

1 - أبو عليّ ناصر الدين[4] منصور بن أحمد بن عبدالحقّ الزواويّ المشداليّ، المتوفّى سنة 731هـ[5].

2 - أبو فارس عبدالعزيز بن أبي القاسم بن حسن الربعيّ التونسيّ، المعروف بـ(الدروال)[6]، المتوفّى سنة 733هـ[7].

3 - أبو بكر بن محمّد بن أحمد بن عنتر[8]، السلميّ، المتوفّى سنة 737هـ[9].

4 - أبو بكر محمدّ بن الرضيّ[10]، الصالحيّ القطّان، المتوفّى سنة 738هـ[11].

5 - أبو المعالي جلال الدين محمّد بن عبدالرحمن بن عمر القزوينيّ[12]، المتوفّى سنة 739هـ[13].

6 - أم عبدالله زينب بنت الكمال[14]، أحمد بن عبدالرحيم المقدسيّة، المتوفّاة سنة 740هـ[15].

7 - أبو الحجّاج جمال الدين بن يوسف بن عبدالرحمن بن يوسف المزّي[16]، المتوفّى سنة 742هـ[17].

8 - أبو حيّان[18]، أثير الدين محمّد بن يوسف بن عليّ النحويّ، المتوفّى سنة 745هـ[19].

رحلاته:

يبدو أنّ برهان الدين قد وُلِدَ في صفاقس بتونس، وبذلك نُسِبَ إليها، وقد رحل إلى بجاية في الجزائر، فسمع فيها من شيخها ناصر الدين الزواويّ، ثمّ قصد الحجّ، ومرّ بالقاهرة، فأخذ فيها عن أبي حيّان النحويّ، ثمّ قدم هو وأخوه شمس الدين محمّد دمشق سنة 738هـ، فسمع بها كثيراً من زينب بنت الكمال، وأبي بكر ابن عنتر، وأبي بكر بن الرضيّ، والمزّيّ، وغيرهم[20].

مؤلفاته:

يذكر المترجمون للصفاقسيّ أنه قد ألّفَ عدداً من الكتب، لكنّهم لم يذكروا أسماءها كلّها، بل اكتفوا بالإشارة إلى كتبه الآتية:

1 - إسماع المؤذّنين خلف الإمام[21]: ولم أعثر عليه في فهارس المخطوطات.


2 - التحفة الوفيّة بمعاني حروف العربيّة: وسيأتي تفصيل الحديث عنه قريباً إن شاء الله تعالى.

3 - الروض الأريج في مسألة الصهريج: ولم أعثر على إشارة إلى نسخٍ منه في فهارس المخطوطات، لكن نقل صاحب كتاب (نيل الابتهاج بتطريز الديباج)[22]، عن الخطيب ابن مرزوق الجدّ قوله عن شيخه الصفاقسيّ: ((... وقرأتُ عليه بعض تآليفه في نوازل لفروعٍ سئل عنها، منها:

الروض الأريج في مسألة الصهريج، سئل عن أرضٍ ابتيعت، فوُجدَ فيها صهريجٌ مغطّى، هل يكون كواحد الأحجار أم لا؟ وأبدع فيها، وخالَف فيها كثيراً من المالكيّة، وعمل على مذهبه فيها)).

4 - شرحٌ على مختصر الفروع لابن الحاجب: قال الصفدي[23]: ((وله كتابٌ شرح فيه كتاب ابن الحاجب – رحمه الله تعالى – في الفروع ناقصاً)).

ونقل صاحب كتاب (نيل الابتهاج بتطريز الديباج)[24] عن الخطيب ابن مرزوق الجدّ قوله عن شيخه الصفاقسيّ: ((... وقرأتُ عليه أكثر تقييده على ابن الحاجب، وتركته ولم يكمله)). ويبدو أنّ الكتاب مفقود حتّى الآن.

5 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: وهو من أجلّ كتب الأعاريب، وأكثرها فائدة، جرّده من البحر المحيط للإمام العالم العلامة أثير الدين أبي حيّان، ومن إعراب أبي البقاء، وغير ذلك[25].

ونقل صاحب كتاب (نيل الابتهاج بتطريز الديباج)[26] عن الشيخ أبي زيد عبدالرحمن بن محمّد الثعالبيّ المتوفّى سنة 876هـ[27] قوله: ((قال الشيخ أبو عبدالله بن غازي[28] في كتابه (المطلب العلي في محادثة الإمام القلي)[29]: ولقد كان شيخنا شيخ الجماعة الإمام الأستاذ أبو عبدالله الكبير يثني كثيراً على فهم الصفاقسيّ، ويراه مصيباً في أكثر تعقّباته وانتقاداته لأبي حيّان، وقد كان له أخٌ نبيلٌ شاركه في تصنيف كتابه (المجيد) المذكور كما نبّه عليه صاحب (المغني)[30]...))، وذكر ابن فرحون[31] أنّ أخاه الذي شاركه في تأليف هذا الكتاب هو شمس الدين محمّد بن محمّد المتوفّى سنة 744هـ[32].

وقد طُبِعَ الجزءُ الأوّلُ من هذا الكتاب بتحقيق موسى محمّد زنين في طرابلس بليبيا.

وفاته: توفي برهان الدين في الثامن عشر من ذي القعدة سنة 742هـ[33]، وقيل: إنّه توفي في ذي الحجّة من سنة 743هـ[34]، وكانت وفاته بالمنستير في تونس[35].


الفصل الثاني: كتاب (التحفة الوفيّة بمعاني حروف العربيّة)



نسبة الكتاب:

لم أقف على مَنْ عَدَّ من مؤلّفات الصفاقسيّ هذا الكتاب، لكن الذين ترجموا له لم يذكروا كلّ كتبه، بل قال بعضهم: ((... وله مصنّفاتٌ مفيدةٌ، منها: إعراب القرآن، وشرح ابن الحاجب في الفقه، وغير ذلك...))[36]، وهذا القول يُشْعِرُ بعدم حصر مؤلّفاته، وبأنّ له غير هذين الكتابين.

وقد ذكر ناسخ مخطوطة هذا الكتاب اسم مؤلّفه الصفاقسيّ في نهايتها كاملاً، بل نقل ترجمته من كتاب (الدرر الكامنة)، وهذا يبعد الشكّ في نسبة الكتاب إليه.

منهج المؤلِّف في الكتاب:

يعدّ كتاب (التحفة الوفيّة بمعاني حروف العربيّة) من الكتب الموجزة، ككثيرٍ من كتب الحروف، لكنّ المؤلِّف – رحمه الله – سلك في ترتيبه مسلكاً علميّاً جيّداً؛ إذْ جعله على بابين اثنين:

الباب الأول: في تقسيم الحروف بحسب الإعمال والإهمال.

والباب الثاني: في تقسيمها بحسب ألقابها.

وقد قسم الباب الأول منها قسمين أيضاً:

جعل القسم الأوّل منه في (الحروف المعملة).

وجعل القسم الثاني منه في (الحروف المهملة).

وقد ذكر في القسم الأوّلّ أنواع الحروف المعملة مقسّمة بحسب عملها، فاستقصى في النوع الأول من هذا القسم (الحروف الجارّة)، وذكر معانيها واستعمالاتها[37]، ثمّ ثنّى بـ(الحروف الناصبة)، وذكر شروط عملها، وأقوال العلماء فيها[38]، ثمّ ثلّثَ بـ(الحروف الجوازم)، وذكر نوعيها: ما يجزم فعلاً واحداً، ثمّ ما يجزم فعلين[39]، وبعد ذلك أتى على النوع الرابع من أنواع الحروف العاملة، وهي (الحروف الناصبة الرافعة)، أي: الحروف النواسخ العاملة عمل (إنَّ)، والعاملة عمل (كان)[40]، أمّا النوع الأخير من أنواع الحروف العاملة، وهو (الحرف الجار الرافع) فقد اكتفى بالإشارة إليه ابتداءً عند التقسيم[41]، ثمّ عرضاً حين تحدّث عن (لعلّ)[42].

وأمّا القسم الثاني من الباب الأوّل، وهو في الحروف المهملة، فأغفل المؤلّف الحديث عنه، ولست أعلم لذلك سبباً إلا إذا كان قد استغنى عن ذلك بإيرادها في الباب الثاني مع أخواتها الحروف العاملة، والله أعلم.

أمّا الباب الثاني، وهو في تقسيم الحروف بحسب ألقابها، فقد ذكر خمسين نوعاً من أنواعها[43]، وأكثر ما ذكره فيه إعادة لما سبق أن ذكره في الباب الأوّل.

والملاحظ على منهج المؤلف في كتابه هذا الاقتصار على ذكر الحرف ومثالٍ أو شاهدٍ له، والابتعاد عن التفصيل في المسائل النحويّة، بل كانت السمة البارزة فيه هي الاختصار، وهي سمة كثير من كتب الحروف سوى كتاب المراديّ المعروف بـ(الجنى الداني في حروف المعاني)، وكتاب ابن هشام الموسوم بـ(مغني اللبيب عن كتب الأعاريب).

مصادر الكتاب:

حين قرأتُ المخطوطة لم يكن يخامرني شكٌّ في أنّ هذا الكتاب هو اختصارٌ لكتاب المراديّ (الجنى الداني)، لكنّي بعد سبري غور الكتابين بدا لي أنّ الصفاقسيّ والمراديّ كأنّهما كانا عالةً على كتب شيخهما العظيم أبيّ حيّان أثير الدين محمّد بن يوسف بن عليّ النحويّ الأندلسيّ المتوفّى سنة 745هـ، رحمه الله، وقد استطعتُ بعد رجوعي إلى كتابه (النكت الحسان في شرح غاية الإحسان) قطع الشكّ باليقين، حيث أيقنتُ بأنّ الصفاقسيّ قد استفاد منه، وهو يكتب الباب الثاني من كتابه هذا (تقسيم الحروف بحسب ألقابها)، بل إنّ وصولي إلى هذه الحقيقة قد حلَّ لي بعض الإشكالات التي كنت قد واجهتها بسبب الاعتماد على نسخة فريدة في تحقيق هذا الكتاب.

أمّا الباب الأوّل منه فلم أقف على مصدرٍ رئيسٍ أجزم بأنّ المؤلّف قد اعتمد عليه فيه، لكنّه بلا ريبٍ استعان فيه بكتاب شيخه أبي حيّان (ارتشاف الضرب من لسان العرب)، وبكتاب (شرح التسهيل) وكلاهما لابن مالك، رحمه الله.

أمّا عن المصادر غير الرئيسة للكتاب فأقول: خلا الكتاب من ذكر أسماء الكتب، لكنّه اكتفى بذكر أسماء بعض العلماء ممّا قد يشعر برجوعه إلى كتبهم، وكان اسم سيبويه أكثر أسماء العلماء ذكراً، حيث ورد ثلاث عشرة مرّة[44]، ثم المبرّد[45] والأخفش[46] حيث ذكر المؤلّف اسم كلّ واحدٍ منهما ست مراتٍ، ثمّ أبي عليّ الفارسيّ الذي تكرّر اسمه أربع مرّات[47]، يليه الفراء الذي ذُكرَ ثلاث مرّات[48]، وبعده الخليل[49]، ويونس[50]، والكسائيّ[51]، وابن أبي الربيع[52]، وابن الطراوة[53] حيث نقل عن كلّ واحد منهما رأيين فقط، أمّا الذين وردت أسماؤهم في الكتاب مرّة واحدة فهم: الأصمعيّ[54]، والسيرافيّ[55]، وابن كيسان[56]، وابن عصفور[57]، وابن مالك[58]، ولا يعني ذكر أسماء هؤلاء أنّ المؤلّف قد أخذ من كتبهم مباشرة، بل ربّما كانت آراؤهم قد وصلته عبر مصادر أخرى، والله أعلم.

شواهد الكتاب:

هذا الكتاب مع كونه صغير الحجم هو كثير الشواهد، وتبرز الشواهد القرآنيّة فيه أكثر من غيرها، حيث بلغتِ الآيات التي استشهد بها المؤلّف – رحمه الله – اثنتين وثمانين آية، ولا غرو في ذلك؛ فهو ذو عناية واضحة بالقرآن الكريم، وقد سبقت الإشارة إلى أنّه ألّف كتاباً سمّاه (المجيد في إعراب القرآن المجيد)، ويلحظ دارسُ هذا الكتاب أنّ المؤلّف كان يستعيض عن التمثيل بالشواهد، ولا يأتي بها للاستدلال على قاعدة بعينها، وقد كرّر المؤلّف الاستشهاد بثلاث آيات في موضعين.

يلي الآيات في كثرة الاستشهاد الشواهد الشعريّة حيث بلغتْ خمسة وأربعين شاهداً، ولم يتّبع المؤلّف – رحمه الله تعالى – في الاستشهاد بالشعر طريقةً واحدة، فبينما تراه يذكر البيت كاملاً في اثنين وثلاثين شاهداً[59]، تجده يكتفي بصدره في شاهدين[60]، وبعجزه في أربعة شواهد[61]، وبكلماتٍ منه في سبعة أخرى[62]؛ لأنّ مبتغاه بيانُ موضعِ الشاهد، وربما كان هذا أيضاً هو السبب الذي لم يجعل المؤلّف حريصاً على عزو الأبيات إلى قائليها إلا نادراً حيث اكتفى بنسبة ثلاثة شواهد إلى أصحابها، وترك ما سواها إما جهلاً بهم أو عمداً، لعدم الحاجة إلى عزوها.

وتأتي أقوال العرب في المرتبة الثالثة من حيث كثرة الاستشهاد، حيث استشهد بأربعة أقوال فقط[63]. وفي المنزلة الأخيرة يأتي الاستشهاد بأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث لم تزد على ثلاثة أحاديث[64]، وهذا الشأن يأتي امتداداً لموقف أهل النحو من الاستشهاد بالحديث النبويّ.

التحقيق:



مخطوطة الكتاب:







حفظت لنا عناية الله نسخةً واحدةً من كتاب (التحفة الوفيّة بمعاني حروف العربيّة) في مكتبة (جامعة برنستون) في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وهي نسخة فريدة نفيسة من هذا الكتاب محفوظة فيها تحت رقم (H a 283).


وتقع المخطوطة في (13 صفحة)، وفي كلّ صفحة (28 سطراً)، ولا تحمل النسخة اسم ناسخها، ولا تاريخ النسخ، لكنّ الخطّ يشبه خطوط نسّاخ القرن الثامن الهجريّ، والنسخة مقابلة على الأصل الذي نُقِلَتْ منه، مصحّحة، وقد أثبتَ الناسخ تصويباتٍ في هوامشها وحواشيها، وعليها حواشٍ منقولة من كتاب المراديّ الموسوم بـ(الجنى الداني في حروف المعاني)، وقد خُتِمَتْ النسخة بترجمة للمؤلّف الصفاقسيّ منقولة من (الدرر الكامنة).

منهجي في التحقيق:

1 - حاولتُ الوصول إلى النصّ الصحيح، وما وجدته في المخطوطة خطأ بلا شبهة غيّرته، وأشرتُ إلى ما بالمخطوطة في الهوامش.

2 - وضعتُ عنوانات تميّز الحروف والمواضيع، وجعلتها بين قوسين معكوفتين، هكذا [ ].

3 - ضبطتُ بالشكل ما يحتاج من الشواهد الشعريّة والنثريّة إلى ضبط.

4 - خرّجتُ آراء العلماء وأقوالهم من كتبهم، أو من المصادر الأخرى المتقدّمة.

5 - ذكرت أرقام الآيات وأسماء سورها.


6 - خرّجت الأحاديث وأقوال العرب.

7 - خرّجت الشواهد الشعريّة من دواوين شعرائها، واكتفيت بالدواوين وعدد قليل من كتب شروح الشواهد، وإذا لم أعرف القائل أحلتُ على أقدم مصادر الشاهد.

8 - أكملتُ مالم يكمله المؤلف من الأبيات.

9 - ترجمت للأعلام ترجمات موجزة بذكر أسمائهم وسنوات وفياتهم ومصادر قليلة لترجماتهم.

والله الموفق.




وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]