عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-04-2019, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,634
الدولة : Egypt
افتراضي للطفل الغضوب : نعم لفهم الأسباب .. لا للعقاب

للطفل الغضوب : نعم لفهم الأسباب .. لا للعقاب


د. حسان شمسي باشا


من الأطفال من يميل إلى الهدوء والعزلة وعدم الاختلاط، ومنهم من يميل إلى النشاط والمشاركة، وآخرون يتميَّزون بانفعالات متغيرة وشعور رقيق ومهارات حركية، ومنهم من يتميَّز بالعصبية والغضب والاستثارة. وقد يتقلَّب الطفل الواحد بين هذه السمات كلّها.
إلاَّ أنَّ هناك بعض الأطفال يتميَّزون بعدم الاستقرار بصورة بارزة، وتظهر عليهم أعراض عصبية مستمرة تتمثَّل في حركات لا شعورية تلقائية، ولا إرادية، كقرض الأظفار أو حركة رمش العين، أو عضِّ الأقلام، أو مصِّ الأصابع، أو مداومة اللعب في شعره.
يرى علماء النفس أنَّ أهمَّ أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى عوامل عدة، منها:
* الحرمان من الدفء العاطفي في الأسرة، وعدم إشباع حاجة الطفل من الحبّ والقبول.
* سيطرة الآباء التسلطية، وعدم إشعار الطفل بالتقدير. ومن ذلك: قسوة الآباء، والتفرقة بين الإخوة، وعدم وفاء الآباء بوعودهم للأطفال، وحرمانهم من الحاجات الضرورية.
* عصبية الوالدين أو أحدهما: فالأمّ العصبية، أو المدرِّسة الثائرة، تعلِّم الأطفال العصبية والتهوُّر.
كما أنَّ الأمّ التسلُّطية تصبح مصدراً ثابتاً لمضايقة الطفل، فيقاومها في كلّ شيء.. بعكس الأم المرنة التي يحبّها الطفل، ويطيعها وينفِّذ مقترحاتها بسرور. والطفل يقلِّد مَنْ يعلِّمه، فتصبح المعلِّمة بديلاً للأم، والمعلم بديلاً للأب.
* الإسراف في الحبّ والتدليل: فذلك ينمِّي في الطفل روح الأنانية، ويشعره بأنَّ على الجميع تلبية حاجاته ورغباته، ويثور إن لم يفعلوا ذلك وبسرعة فائقة، وعندما يكبر يشعر باضطهاد المجتمع إن لم تلبَّ له رغباته كما كانت تفعل أسرته في الصغر.
هناك بعض الأمراض التي قد تسبِّب عصبية الطفل وعدم استقراره، ومنها:
- اضطرابات الغدَّة الدرقية واضطرابات سوء الهضم.
- الإصابة بالديدان.
- مرض الصرع.
فينبغي التأكد من خلوِّ الطفل من الأمراض العضوية قبل البحث عن أسباب نفسية وراء عصبية الطفل، كما قد تكون الأسباب مزدوجة، أي أسباب صحية عضوية ونفسية في آن واحد.
* الضعف العقلي، ومستوى الذكاء المنخفض.
تزداد عصبية ضعاف العقول كلَّما ضغطت البيئة المنزلية أو المدرسية عليهم ليحسِّنوا من أدائهم، أي كلَّما طُلب منهم بأن يقوموا بأعمال فوق طاقتهم الذهنية، وممَّا يزيد من عصبيتهم: تأنيبهم ومقارنتهم بغيرهم في التحصيل.
فهو قد يعاني العصبية وعدم الاستقرار، حيث يشعر دائماً بأنَّ مستواه في التفكير يختلف عن أقرانه، فهو يدرك ويفهم كلّ ما يقال له، ثمَّ يشعر بالملل إذا استرسل المدرِّس في الفصل في الشرح، وقد يستخفُّ بالدراسة ولا يبذل جهداً كبيراً في الاستذكار، وقد ينتابه بعض الغرور والثقة الزائدة في النفس.
وقد يتململ بعض المدرِّسين أو الآباء منه لكثرة أسئلته، فيصفونه بأنَّه فضولي، وهذا ما قد يدفعه إلى الشعور بالضيق والقلق النفسي.
وقد يشعرُ الطفل العبقريُّ أنَّ لديه وقت فراغ كبيراً، لا يعرف ماذا يفعل به، فهو يعرف كلّ شيء عن دروسه، ولا معنى لمذاكرة أشياء يعرفها معرفة تامَّة، ولهذا فقد يعيش هذا الطفل حياة جافَّة لا ترويح فيها إن لم نؤمِّن له ما يقضي فيه وقته بما يسلِّيه ويفيده من رياضة أو استعمال الحاسب (الكمبيوتر)، أو نشتري له كتباً مناسبة تشبع فيه حبِّ الاستطلاع والميل الشديد إلى المعرفة.
وينبغي على الآباء والمدرِّسين إذا اكتشفوا طفلاً عبقرياً، أن يساعدوه على تنمية مواهبه دون أن يدفعوه إلى الغرور، وينبغي ألاَّ ينتقدوه لكثرة أسئلته، بل يجيبون عنها بكلّ احترام وتقدير.
كما يجب على الآباء والأمّهات إلاَّ يغالوا في وضع أبنائهم في مركز الاهتمام بحجَّة أنَّهم أذكياء وعباقرة، فيضرُّون بشخصياتهم من حيث لا يعلمون، فقد يكون تقدير الآباء خاطئاً ويكون أبناؤهم غير موهوبين، فيوجدون فيهم بهذا الإطراء شعوراً بالغرور، وقد يصابون بالعصبية والضيق والاكتئاب.
لعلّ أهمَّ أعراض عصبية الأطفال انعدام الاستقرار، والحركة الزائدة، وتشتيت الانتباه، وشرود الذهن، والاعتداء على الأقران، والثورة لأتفه الأسباب والغضب، والبكاء والرعونة، والعبث في كلّ شيء، وعضُّ اخوته أو التشاجر معهم وضربهم.
وتظهر على شكل حركات خاصة ملفتة للنظر كمصِّ الأصابع، وقرض الأظفار، وقرض الأقلام وغيرها.
ويعتبر مصُّ الأصابع عملية عادية يلجأ إليها كلُّ الأطفال في الشهور الأولى أو السنة الأولى من العمر، ولكن قد يستمر مصُّ الأصابع بشكل غير طبيعي إلى سنٍّ متقدمة حتى العاشرة، وهو ما يعتبر عرضاً من أعراض الاضطراب النفسي والعصبية. ويصاحب ذلك عادة السَرَحان والاكتئاب وأحلام اليقظة، كما يزداد هذا العرض عند مواجهة بعض المشاكل أو الفشل في الدراسة.
ولا يمكن علاج هذه الحالة دون علاج الحالة النفسية والأُسرية التي يعيش فيها الطفل، وخصوصاً علاقة الطفل بوالديه واخوته ومدرِّسيه، إذ لا يفيد فيها تحذير الآباء للأطفال وتنبيههم بالإقلاع عن هذه العادة؛ لذا ينبغي إشباع الحاجات النفسية الأساسية للطفل، وإشعاره بأنَّه محبوب، ومقدَّر من الآخرين، كما يمكن إشعال الطفل بنشاط يدوي يحول بينه وبين وضع يده في فمه.. ويُشعره بلذَّة الإنتاج والهواية. أمَّا استعمال العقاب والتوبيخ فلا يزيد الحالة إلا سوءاً.
هذه العادة تدلُّ على انفعال وغضب ناتج عن عدم القدرة على التكيُّف مع البيئة، أو عدم القدرة على مواجهة مواقف صعبة.
وتزداد هذه العادة وضوحاً أثناء الامتحانات، ولا يفيد فيها الزجر والتوبيخ، بل ينبغي دراسة أسباب عدم تكيُّف الطفل مع بيئته، ومساعدته على إثبات ذاته، وحلّ مشكلاته في الدراسة أو علاقته بأسرته.
نلاحظ أحياناً أن بعض الأطفال يأتون بحركات عصبية لا إرادية تصبح عادة تلازمهم، كهزُّ الرجل بطريقة شبه مستمرة، وتحريك جوانب الفم، ومداومة اللعب في شعر الرأس، وتحريك الرقبة إلى اليمين أو اليسار.
ولا يستطيع الطفل وقف هذه الحركات مهما نبه إليها، أو زُجر بسببها، فهي وسيلته للتخلُّص من التوتر العصبي.
ومن المؤسف أن نجد الكثير من الآباء أو المدرِّسين يحاول إثناء الطفل عن هذه الحركات بزجره أو بالاستهزاء منه، ولكنَّه لا يستطيع الكفَّ عنها. ولا وسيلة لعلاجها إلاَّ بعلاج الأسباب التي دفعت الطفل إلى ذلك، وتشجيعه على الاختلاط، وتنمية شخصيته، وتعديل سلوك الوالدين نحو طفلهما.
كما يفيد تشجيع الطفل على الاشتراك في فرقة الكشافة في المدرسة مثلاً، ومحاولة تجاهل هذه الحركات العصبية حتى تختفي تلقائياً.
يبدأ العلاج بالتأكُّد من سلامة الطفل من المرض، بعدها نستقصي الأسباب الأخرى ونعالجها بتعقُّل.
ينبغي للآباء ضبط سلوكهم، وإشاعة جوِّ الهدوء والسعادة في المنزل، إذا كانوا يريدون لأبنائهم ألاَّ يشبُّوا عصبيين، فمع أنَّ عصبية الأطفال ليست وراثة تنتقل عن طريق الدم من الآباء إلى الأطفال، إلا أنها سلوك يتعلَّمه الأبناء من الآباء، أو سلوك قهري نتيجة كبت الآباء للأبناء، أو تدليلهم تدليلاً يصنع منهم أفراداً يميلون للسيطرة على البيت وفق هواهم!!
أفسح لطفلك المجال للعب في أشياء لا تؤذيه كالمكعبات والصلصال وغيرها. اسمح له باللعب في ملعب أو نادٍ أو غيره. خذه من حين إلى آخر إلى المنتزهات والحدائق العامة. لا تقارنه بغيره، ولا تعيّره بذنب ارتكبه.
اسمح له أن يسأل، وأجبه إجابات بسيطة تناسب سنَّه وعقله. ولعلَّ من أفضل وسائل تخليص الطفل من البكاء: أن تغسل الأمُّ وجهه ويديه مثلاً، وتحكي له قصَّة وهو في فراشه.
من المشاهد المألوفة: أن يكون الولد منهمكاً في اللعب بألعابه، فإذا بأمّه تناديه بأن يلبس فوراً ويستعد للخروج إلى السوق، وهنا يمانع الولد ويرفض الخروج، فمُتعته باللعب أشدّ من متعته بالخروج إلى السوق.
ولعلّ الأمّ تقول له في مثل تلك الحال: "أعلم أنَّك غضبان، وأنا رُبَّما أغضب عندما لا أستطيع فعل ما أريد، ولكنَّنا لا نستطيع دوماً أن نفعل ما يحلو لنا، ولهذا فلنحاول معاً أن نستمتع ببعض الوقت بالخروج لشراء بعض الحاجات للمنزل".
وقد لا يؤدِّي ذلك إلى زوال غضب طفلك بسرعة، ولكن على الأمّ أن تتابع تأكيدها عليه بأن يفعل ما تطلبه منه، وسيدرك الطفل أنَّها تحسُّ بأحاسيسه، ممَّا يجعله يتقبَّل تلك المشاعر دون انزعاج.
أمَّا إذا أشعرت الأمُّ ولدها أنَّه من غير المقبول أن يشعر الإنسان بالانزعاج والغضب في مثل تلك المواقف، وأنَّها لا تحبَّه بسبب تعبيره عن غضبه، فإنَّ مشاعره المكبوتة تبدأ في التفاقم والازدياد، وإذا تكرَّرت تلك المواقف، فرُبَّما يصبح الولد شديد الكبت، فلا يُظهر أحاسيسه، ويعيش دوماً شاعراً بالذنب من دون سبب واضح، وقد يكبر وهو يشعر بأنَّه مشتَّت الشخصية، ضعيف الثقة بنفسه.
هناك بعض الأساليب التي يمكن أن تقوم بها معلِّمة رياض الأطفال لتخليص الأطفال من حالات الغضب، أهمها:
* أشبعي رغبة الطفل من الطعام والراحة.
* أشغليه بما يمتصُّ نشاطه، كأن تعطيه كرة يلعب بها، أو وسادة يقوم بملاكمتها.
* حاولي عدم الانتباه إليه أثناء توتُّره، واتركيه حتى يهدأ.
* لا تلجئي إلى التهديد والضرب للطفل أثناء حالته العصبية.
* أشعريه بأنَّه طفل عادي، وعليك أن تتقبَّليه، فذلك قد يجعله يهدأ، ويصير أكثر تعاوناً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.16 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]