عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-11-2020, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,920
الدولة : Egypt
افتراضي بين الاتباع والابتداع

بين الاتباع والابتداع


أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي






إخوة الإسلام:
يَعجب المرءُ حين يلحظ بعضاً من المسلمين كلفوا أنفسهم ما لم يأذن به الله، واتبعوا شرائع وطرائق لم يعملها صفوة الخلق محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الأخيار، فابتدعوا في الدين، ونسُوا وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )).


نعم إن الإسلام - أيها الأخوة - دين الله، والله تعالى أعلم بما يصلح للبشر ويهذِّب سلوكهم ويطهر قلوبهم، ولم يمت محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد أكمل الله دينه وأتم شريعته. وكان من أواخر ما نزل من القرآن: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].


وشرائع الإسلام وسننه كافية شافية، ولا يسوغ للمسلم كلما سمع صيحة هنا أو دعوة هناك تشبث بها وإن كانت بدعة محدثة في الدين. فلا بد للمسلم إذاً أن يستسلم لشرع الله وأمر رسوله، ويسأل: هل فِعلُه الذي يفعل موجود في سنته - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل عَمِل به سلف الأمة وخيارها؟ فإن لم يجد من ذلك شيئا فلا يغتر بكثرة الهالكين،ولا يكن دليله أنه وجد الناس يعملون هذا العمل، فهو لهم تبع، فالله تعالى يقول: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]، ونجد القرآن ينعي على الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.


إخوة الإيمان:
شأن البدعة عظيم وخطير، وأمر العبادة لا يسوغ من مجرد التقليد، ولزوم السنة والإتباع فضل من الله عظيم.
ولخطورة البدعحذّر منها الأئمة الأعلام، يقول الإمام مالك رحمه الله: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خان الدين، لأن الله تعالى يقول ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْفما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم ديناً. ويقول سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية،المعصية يتاب منها؛ والبدعة لا يُتاب منها. يعني: لا يوفق صاحبها للتوبة؛ وذلك أن المبتدع قد زُين له سوء عمله فرآه حسناً،فهو بذلك لا يرى أنه مخطئٌ حتى يتوب، بل يرى نفسه على صواب ودين.


إخوة الإسلام:
يشتغل بعض الناس بالبدع إذا انتشرت الجهالة بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم؛ وكثر الدعاة المبطلون؛واختفى أو قلّ دورُ الدعاةِ المصلحين؛ فيخرج الجهلة من تكاليف الشرع التي تكون على الدوام إلى ضروب البدع التي هي كثيرا ما تكون عبادات مؤقتة ولقاءات موسمية، وربما تكون هي أحيانا اجتماعات عامة قد تَطْرب لها بعضُ النفوس المريضة وتظنها نوعاً من القربة والمغنم،وهي في واقع الحال معصية ومأثم.


معاشر المسلمين، إن البدع كثيرة ومتنوعة، فمنها ما يتكرر كثيرا وربما يتكرر في اليوم مرارا، ومنها ما لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، ونذكر من أشهرها بدعة الاحتفال بالمولد النبوي التي أحدثها العبيديون في مصر، والمسمَّون ظُلماً بالفاطميين،وهؤلاء العبيديون كانوا يظهرون التشيع لآل البيت، ويبطنون الكفر المحض.يقول عنهم ابن كثير رحمه الله: وقد كان الفاطميون من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجسِ الملوك سيرة وأخبثِهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدعُ والمنكرات، وكثر أهل الفساد؛ وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد،... وتغلب الإفرنج على سواحل الشام بكامله حتى أخذوا القدسَ وغيرَها.. وقتلوا من المسلمين خلقا وأمما لا يحصيهم إلا الله. فإذا كانت - عباد الله - بدعة المولد وأمثالُها من البدع من ترويج هؤلاء الضالين المضلين وأمثالُهم فأي خير يرتجى في هذه البدع.
ومن هذه البدع بدعة تخصيص ليلة النصف من شعبانبقيام أو بعبادات وأذكار وأدعية، وذلك لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام.


ومن هذه البدع بدعٌ في رجب كالذين يعظمون أياماً أو ليالي من شهر رجب؛ ولاسيما ليلة السابع والعشرين منه؛ إذ يزعمون أن ليلة الإسراء وقعت فيه، بل إن هناك ممن يسير وراء هذه البدع من يعتقد أفضلية قيام هذه الليلة في القيام على قيام ليالي شهر رمضان.. وهكذا تفعل البدع بأصحابها. وفي الحقيقة أنه لم يثبت بالنقل الصحيح أن حادثة الإسراء والمعراج في هذه الليلة؛ ولو ثبت لم يكن ذلك مسوغاً لتعظيم هذه الليلة أو غيرها من ليالي رجب بتخصيصها بقيام أو ذكر أو دعاء؛ مما لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


وهكذا- عباد الله- يصرف الشيطانُ - من منطلق التدين- الجهلةَ بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والسلف الصالح. وصدق من قال: لا تعمل بدعة إلا أبطلت سنة.
رزقنا الله التمسك بكتابه وسنة نبيه والسير على منهج سلف هذه الأمة الصالح. أقول ما سمعتم وأستغفر الله.....


الخطبة الثانية
عباد الله، إن للبدعِ مفاسدَ كثيرة: ومن أول هذه المفاسد: أن أصحابها كأنهم يتهمون شريعة الله بالنقص، وذلك حينما يُصِرُّون على قربات لم يأذن بها الله؛ ولم تثبت عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما عبدوا الله بها لاستحسان عقولهم لها، فكأن أولئك يستدركون على الشريعة، وفي ذلك قدح في كمال هذا الدين.


ومن مفاسد البدع أن أصحابها البدع يزهدون في السنن الثابتة، وتفتر عزائمهم عن العمل بها، وينشطون في البدع، فتراهم ينفقون أموالهم وينصِبون أبدانهم، ويضيعون أوقاتهم في إحياء البدع، وربما وجدوا خفة ونشاطًا لما يشعرون به من موافقة الهوى؛ ولو كان ذلك على غير هدى النبي - صلى الله عليه وسلم -.


ومن مفاسد البدع أنها تؤدي إلى تفرّق الأمة، فإنه كلما كانت المجتمعات المسلمة أكثر تمسكا بالقرآن والسنة ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين كلما كانوا أبعد عن التفرق، والعكس بالعكس.


ومن مفاسد البدع أنها تفسد الدين الصحيح، حتى يَظنَّ من لا يعرف حقيقة الإسلام أنه مجموعةٌ من الخرافات والطقوس الفارغة، فينصرفون عنه. ولذلك يقال إن أهل البدع لا يستطيعون مقاومة الباطل والمبطلين، لأن أرباب البدع هم في الباطل واقعون، ولأهوائهم متبعون.


كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطاة يقول له: " أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وترك ما أحدث المحدثون فيما لم تجرِ به سنة، فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف، وفي خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعميق، فارض لنفسك بما رضي به القومُ لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا، وببصر ناقد كفُّوا، وهم على كشف الأمور أقوى، وبفضلٍ كانوا فيه أحرى، إنهم هم السابقون، تكلَّمُوا بما يكفي، ووصفوا بما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسّر...". نعم - عباد الله - هذه الوسطية الحقّة بالتزام ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين الذين ساروا على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

رزقنا الله التمسك بالسنة ونشرَها والدعوةَ إليها، وجنبنا الله البدعَ والاغترارَ بدعاتها وأهلِها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]