عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-09-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه

اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه



أ. د. محمد عبدالله سعادة



اسْمُ الفَاعِلِ المُقْتَرِنِ بأَلْ:


يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ مطلقًا، أي مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ بزمنٍ، أوِ اعتمادٍ على شيءٍ، قال سِيبَوَيْهِ[113]: "وذلكَ قولُكَ: "هذا الضاربُ زيدًا أَمْسِ أوِ الآنَ أو غَدًا"، فصار في مَعْنَى هذا الذي ضَرَبَ زيدًا، وعَمِل عَمَلَهُ، لأنَّ الأَلِفَ واللامَ مَنَعَتا الإضافةَ وصارتا بمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ، وكذلك هو الضاربُ الرجلَ، وهو وَجْهُ الكلامِ".

وقال الرَّضِيُّ[114]: فإن دَخَلَ اللامُ اسْتَوَى الجميعُ، أي: عَمِلَ بمَعْنَى الماضي والحالِ والاستقبالِ".

وقال ابنُ النَّاظِمِ[115]: "واعْلَمْ أنَّ إعمالَ اسْمِ الفَاعِلِ مع الألفِ واللامِ ماضيًا كان أو حاضِرًا أو مستقبَلًا جائِزٌ مَرْضِيٌّ عندَ جميعِ النَّحْوِيِّينَ، و(أل) في اسْمِ الفَاعِلِ المقرونِ بأل قيلَ إنها موصولةٌ، وقيل أنها حرفُ تعريفٍ"[116]، وقال المُرَادِيُّ[117]: "والصحيحُ أنها اسمٌ".

قال الشَّيْخُ خالدٌ[118]: "إنْ كان اسْمُ الفَاعِلِ صِلَةً لألْ عَمِلَ مطلقًا، ماضيًا كان أو غَيْرَه"، مُعتمِدًا (أل) هذه موصولةً، و(ضارب) حالًّا مَحَلَّ ضَرَبَ، أو يَضْرِبُ؛ بدليلِ عَطْفِ الفِعْلِ عليه في قولِه تعالى[119]: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا}.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ[120]: "فإن قُلْتَ: عَلَامَ عَطَفَ قولَه: {وَأَقْرَضُوا}؟ قلتُ على مَعْنَى الفِعْلِ في {المُصَّدِّقِينَ}؛ لأن اللامَ بمَعْنَى الذينَ، واسْمَ الفَاعِلِ بمَعْنَى اصَّدَّقُوا، كأنه قيلَ: اصَّدَّقُوا وأَقْرَضُوا".

وذَهَبَ الأَخْفَشُ[121] إلى أن اسمَ الفَاعِلِ المقرونَ بأل يَعْمَلُ النَّصْبَ علي التَّشْبِيهِ بالمَفْعُولِ به في زَعْمِ أن (أل) ليستْ موصولةً، وإنما هي حرفُ تعريفٍ، فيَبْعُدُ الوَصْفُ بها عنِ الفِعْلِ، فالمنصوبُ بعدَه مثلَ: الحَسَنُ الوَجْهَ".

وذَهَبَ الفارِسِيُّ[122] والمَازِنِيُّ والرُّمَّانِيُّ إلى أنَّ اسمَ الفَاعِلِ المقرونَ بأل لا يَعْمَلُ إلا إذا كان ماضيًا نَحْوُ: الضاربُ زيدًا أَمْسِ عمرٌو، قال الرَّضِيُّ[123]: "ولعلَّ ذلك لأن المُجَرَّدَ مِنَ اللام لم يَكُنْ يَعْمَلُ بمَعْنَى الماضي، فتُوُسِّلَ إلى إِعْمالِه بمعناه باللامِ".

والفَارِسِيُّ ومَنْ وافَقَه خَصُّوا النَّصْبَ بالماضي؛ أَخْذًا مِن ظاهِرِ تَقْدِيرِ سِيبَوَيْهِ اسمَ الفَاعِلِ المقرونَ بأل بالذي فَعَلَ كذا؛ حيثُ قال: "هذا الضاربُ زيدًا" فصار في مَعْنَى: هذا الذي ضَرَبَ زيدًا"، ويَحْتَمِلُ تَفْسِيرُ سِيبَوَيْهِ أنه إذا عَمِلَ بمَعْنَى الماضي، فالأَوْلَى جوازُ عَمَلِه بمَعْنَى المضارِعِ؛ لثُبُوتِ العَمَلِ مِن غَيْرِ (أل)، فيَعْمَلُ مع (أل) بالأَوْلى[124].

وقد يُضَافُ اسْمُ الفَاعِلِ المُحَلَّى بأل؛ قال سِيبَوَيْهِ[125]: "وقد قال قومٌ مِنَ العَرَبِ تُرْضَى عَرَبِيَّتُهم: "هذا الضارِبُ الرجلِ"، شَبَّهُوهُ بالحَسَنِ الوَجْهِ، وإن كان ليس مثلَه في المَعْنَى ولا في أحوالِه، إلا أنه اسمٌ".

والشَّبَهُ الحاصلُ بينَ الضاربِ الرجلِ والحسنِ الوجهِ في المضافِ والمضافِ إليه؛ لأن المضافَ فيهما وصفٌ مُحَلًّى بأل، والمضافَ إليه فيهما معمولٌ مُعَرَّفٌ بأل"[126].

ولا يُضَافُ اسْمُ الفَاعِلِ المقرونُ بأل إلّا[127] إذا كان المَفْعُولُ به مُعَرَّفًا بأل، نَحْوُ: "الضاربُ الرجلِ"، أو كان اسْمُ الفَاعِلِ مُثَنًّى أو مَجْموعًا، نَحْوُ[128]: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [الحج 35]، وأبو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ يَمْنَعُ مِن إضافةِ اسْمِ الفَاعِلِ المقرونِ بأل إذا كانت بمَعْنَى الذي، قال[129]: "وإن كان دخولُ اللامِ بمَعْنَى الذي في اسْمِ الفَاعِلِ لم تَجُزْ إضافتُه أيضًا؛ ألا تَرَى أنه إذا كان كذلك، كان اسْمُ الفَاعِلِ في تقدير جُمْلَةٍ، فلا يَجُوزُ إضافتُه، كما لا يَجُوزُ إضافةُ الجُمَلِ".

ومِن أحكامِ اسْمِ الفَاعِلِ المقرونِ بأل أنه[130] لا يَتَقَدَّمُ معمولُه عليه، لو قلتَ: "عَمْرًا زيدٌ الضاربُ" لم يَجُزْ؛ لأنه معناه: زيدٌ الضاربُ عَمْرًا؛ أي: الذي ضَرَبَ عَمْرًا، فلمَّا قَدَّمْتَ (عَمْرًا) على هذه الصلةِ لم يَجُزْ؛ لأنه بعضُ الاسْمِ؛ إذ كان مِن صِلَتِه، وإن كان اسْمُ الفَاعِلِ خاليًا مِن (أل) فإنه يَتَقَدَّمُ مَعْمولُه عليه، تَقُولُ: هذا زيدًا ضاربٌ، إلا إذا وَقَعَ صفةً لموصوفٍ، نَحْوُ: هذا رجلٌ ضاربٌ زَيْدًا، فلا يَجُوزُ أن تَقُولَ: هذا زيدًا رجلٌ ضاربٌ[131].

واسْمُ الفَاعِلِ المُحَلَّى بأل مِنَ المُثَنَّى والمجموعِ يَعْمَلُ النَّصْبَ عندَ ثُبُوتِ النُّونِ، ويُجَرَّدُ عِنْدَ حَذْفِها؛ قال سِيبَوَيْهِ[132]: "وإذا ثَنَّيْتَ أو جَمَعْتَ فأَثْبَتَّ النونَ قلتَ: هذانِ الضاربانِ زيدًا، وهؤلاء الضاربون الرجلَ، لا يكون فيه غَيْرُ هذا؛ لأن النونَ ثابتةٌ، ومثلُ ذلك قولُه عَزَّ وجَلَّ[133]: {والْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ والْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فإن كَفَفْتَ النونَ حَرَّرْتَ، وصار الاسْمُ داخلًا في الجارِّ بَدَلًا مِنَ النونِ، لأنَّ النونَ لا تُعاقِبُ الألفَ واللامَ، وذلك قولُكَ: هما الضارِبا زيدٍ، وهمُ الضاربو عمرٍو".



إضافةُ اسْمِ الفَاعِلِ:


اسْمُ الفَاعِلِ بمَعْنَى الماضي إضافتُه مَحْضَةٌ (حَقِيقِيَّةٌ)[134] على الصحيحِ، نَحْوُ: ضاربُ زيدٍ أَمْسِ؛ قال أَبُو حَيَّانَ[135]: "الإضافةُ مَحْضَةٌ، لأنه للماضي، والدليلُ على أنَّ كَوْنَها بمَعْنَى الماضي مَحْضَةٌ قولُه تعالى: {الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَََََرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر آية: 1]، فجَعَلَ (فَاطِرِ) و(جَاعِلِ) صِفَتَينِ للمُعَرَّفِ".

قال الزَّمَخْشَرِيُّ[136]: "اسْمُ الفَاعِلِ لا يَعْمَلُ إذا كان بمَعْنَى الماضي، وإضافتُه إذا أُضِيفَ حَقِيقِيَّةٌ مُعَرِّفَةٌ كـ (غلامِ زيدٍ)".



والإضافةُ المَحْضَةُ تُفِيدُ التَّعْرِيفَ أوِ التخصيصَ، أما إن كان اسْمُ[137] الفَاعِلِ للحالِ أوْ الِاستقبالِ فإضافتُه غَيْرُ مَحْضَةٍ، كـ(ضاربِ زيدٍ الآنَ أو غدًا)، ولا تُفيدُ تعريفًا أو تخصيصًا، فاسْمُ الفَاعِلِ حينَئذٍ مُضافٌ إلى مَنْصُوبِهِ مَعْنًى؛ والدليلُ على أن هذه الإضافةَ لا تُفيد المضافَ تعريفًا وَصْفُ النَّكِرَةِ به، أي: بالوصفِ المضافِ، نَحْوُ قولِه تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فـ (هَدْيًا): نَكِرَةٌ منصوبةٌ على الحال، و(بَالِغَ الكَعْبَةِ): صفتُها، ولا تُوصَفُ النَّكِرةُ بالمَعْرِفَةِ؛ والدليل على أن هذه الإضافةَ لا تُفيد تخصيصًا أن أصلَ (ضاربُ زيدٍ) بالخَفْضِ، (ضاربٌ زيدًا) بالنَّصْبِ، فالاختصاصُ بالمعمولِ موجودٌ قبلَ الإضافةِ، فلم تُحْدِثِ الإضافةُ تَخْصِيصًا.



أيُّهما الأصلُ: التَّنْوِينُ أمِ الإضافةُ:



إذا اسْتَوْفَى اسْمُ الفَاعِلِ شروطَ عَمَلِه فأيُّهما الأصلُ: التَّنْوِينُ والنَّصْبُ، أمِ الإضافةُ؟ في نَحْوِ: (هذا ضَارِبُ زَيْدٍ)، يَرَى سِيبَوَيْهِ[138] أن الأصلَ هو التَّنْوِينُ قال[139]: "وقال الرَّضِيُّ[140]: "أما إضافةُ اسْمِ الفَاعِلِ إضافًة لَفْظِيَّةً، فهو مَبْنِيٌّ على كَوْنِها عاملةً في مَحَلِّ المضافِ إليه، إما رَفْعًا أو نَصْبًا، فالذي هو مجرورٌ في اللَّفْظِ ليس مجرورًا في الحقيقةِ، والتَّنْوِينُ المحذوفُ في اللَّفْظِ مُقدَّرٌ مَنْوِيٌّ، فتَكُونُ الإضافةُ كَلَا إِضَافَةٍ، وهو المُرادُ بالإضافةِ اللَّفْظِيَّةِ".

ويُفْهَمُ مِن كلام الرَّضِيِّ أن التَّنْوِينَ هو الأصلُ؛ لأنه في النِّيَّةِ، وظاهرُ كلام الزَّمَخْشَرِيِّ في "الكَشَّافِ" أيضًا أنَّ التَّنْوِينَ والنَّصْبَ هو الأصلُ؛ قال الزَّمَخْشَرِيُّ[141]: "يعني: اسمُ الفَاعِلِ إذا اسْتَوْفى شروطَ العَمَلِ، فالأصلُ أن يَعْمَلُ، ولا يُضَافُ، وقد أشار إلى ذلك سِيبَوَيْهِ في كتابِه، وقال الْكِسَائِيُّ: العَمَلُ والإضافةُ سَواءٌ"، وفيهم مِن قولِ ابْنِ مَالِكٍ[142]:




"وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمالِ تِلْوًا وَاخْفِضِ"

أن النَّصْبَ أَوْلى؛ لتقديمِه على الخَفْضِ.



ويَرَى أَبُو حَيَّانَ أن الإضافةَ أَحْسَنُ مِنَ العَمَلِ؛ قال[143] "وقد ذهبْنا إلى أن الإضافةَ أحسنُ مِنَ العَمَلِ"، ويُعَلِّلُ ذلك بأن اسمَ الفَاعِلِ يُشْبِهُ الأسماءَ، إذا كانت فيها الإضافةُ، فإلحاقُه بجِنْسِه أَوْلى مِن إلحاقِه بغَيْرِ جِنْسِه" وقال أَبُو حَيَّانَ في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ}. [البقرة: 145].

"وما أنت بتابعٍ قِبْلَتَهم" وقَرَأَ بعضُ القُرَّاءِ (بتابِعِ قِبْلَتِهِمْ) على الإضافةِ، وكِلاهما فَصِيحٌ؛ أعني إعمالَ اسْمِ الفَاعِلِ هنا، وإضافتَه".

قال صاحبُ التَّصْرِيحِ[144]: "والإضافةُ في (ضاربِ زيدٍ) تُفيدُ التخفيفَ؛ لأن الأصلَ في الصِّفَةِ أن تَعْمَلَ النَّصْبَ، ولكنَّ الخفضَ أَخَفُّ منه؛ إذ لا تَنْوِينَ معه، ولا نونَ". ومَعْنَى ذلك أن التَّنْوِينَ هو الأصلُ، كما قال ابْنُ يَعِيشَ[145]: "والتَّنْوِينُ هو الأصلُ، والإضافةُ دَخَلَتْ تخفيفًا"، فالإضافةُ اللَّفْظِيَّةُ لا تُفِيدُ إلا تخفيفًا في اللَّفْظِ، لأن مشابهتَها للفِعْلِ قَوِيَّةٌ، فكان إعمالُها عَمَلَ الفِعْلِ أَوْلى"[146].

قال الفَرَّاءُ في "هذا ضاربٌ زيدًا"[147] وأكثرُ ما تَختارُ العربُ التَّنْوِينُ والنَّصْبُ ولذا قُرِئَ بالوَجْهَينِ[148] في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 1].

قَرَأَ حَفْصٌ (بَالِغُ) بغَيْر تَنْوِينٍ، و(أمْرِهِ) بالخَفْضِ، وقَرَأَ الباقونَ بالتَّنْوِينِ والنَّصْبِ. وقُرِئَ[149] {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8].

قَرَأَ ابنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والْكِسَائِيُّ، وخَلَفٌ، وحَفْصٌ (مُتِمُّ) بالإضافةِ والخَفْضِ، وقَرَأَ الباقون بالتَّنْوِينِ والنَّصْبِ، وقُرِئَ[150] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] قَرَأَ الْيَزِيدِيُّ بالتَّنْوِينِ والنَّصْبِ، وقَرَأَ الأَعْمَشُ[151] بطَرْحِ التَّنْوِينِ مَعَ النَّصْبِ، أي: ذائقةُ الموتَ، وقال أَبُو حَيَّانَ في قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}: "قَرَأَتْ فِرْقَةٌ بنَصْبِ (الإِصْبَاح) وحَذْفِ التَّنْوِينِ مِن (فَالِقُ)، وسِيبَوَيْهِ إنما يُجِيزُ ذلك في الشِّعْرِ، نَحْوُ قوله[152]:





فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتَبٍ وَلَا ذَاكِرَ اللهَ إلّا قَلِيلا





ونَحْوُ:

"هذا ضاربُ زيدٍ أَمْسِ وعَمْرو" يَجوزُ فيه الجرُّ والنَّصْبُ، فالجرُّ مراعاةً للَفْظِ (زيدٍ)، والنَّصْبُ على إضمار فِعْلٍ، قال ابْنُ السَّرَّاجِ[153]: "واعْلَمْ أنَّ اسمَ الفَاعِلِ إذا كان لِما مَضَى فقلتَ: "هذا ضاربُ زيدٍ أَمْسِ وعمرو" جاز لك أن تَنْصِبَ (عَمْرًا) على المَعْنَى، فمن ذلك قوله تعالى[154]: {وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا والشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبَانًا}[155]. على مَعْنَى "وجَعَلَ".

قال سِيبَوَيْهِ[156]: وتَقُولُ: "هذا ضاربُ زيدٍ وعمرٍو، إذا أشركتَ بين الآخِرِ والأَوَّلِ، وإن شئتَ نَصَبْتَ على المَعْنَى، وتُضْمِرْ له ناصبًا، فتَقُولُ: "هذا ضاربُ زيدٍ وعَمْرًا"، كأنه قال: "ويَضْرِبُ عمرًا".

ويَرَى ابنُ النَّاظِمِ[157] أن الوجهَ الراجِحَ هو الجَرُّ على اللَّفْظِ، ويَجُوزُ النَّصْبُ.



عَمَلُ اسْمِ الفَاعِلِ في الضمير:


في نَحْوِ: ضاربُكَ، والضَّارِبُكَ، مما الوصفُ فيه مقرونٌ بأل، أو مجرَّدٌ منها، اخْتَلَفَ النُّحاةُ في ذلك:

قال سِيبَوَيْهِ[158]: "وإذا قُلْتَ: هم الضارِبوكَ، فالوجهُ فيه الجَرُّ؛ لأنك إذا كَفَفْتَ النونَ مِن هذه الأسماءِ في المُظْهَرِ، كان الوجهُ الجَرَّ، إلا في قولِ[159] مَن قال "الحافِظُو عَوْرَةً".

فالضَّمِيرُ عندَ سِيبَوَيْهِ محمولٌ على الظاهرِ، والظاهرُ يَكونُ مَجْرورًا، وذَهَبَ إلى ذلك المُبَرِّدُ والمَازِنِيُّ والرُّمَّانِيُّ؛ لأن الضَّمِيرَ نائبٌ عنِ الظاهرِ، وإذا حُذِفَ التَّنْوِينُ مِنَ الوَصْفِ كان الظاهرُ مخفوضًا بالوصفِ، فكذلك نائبُه.

وقال الْأَخْفَشُ[160] وهِشَامٌ: "مَوْضِعُ الضميرِ نَصْبٌ، وزَعَمَا أنَّ التَّنْوِينَ في نَحْوِ "زيدٌ مُكْرِمُكَ" والنونَ في: "الزيدانِ مُكْرِمَاكَ" حُذِفَا؛ لِصَوْنِ الضميرِ عنْ الِانْفِصالِ، والضميرُ منصوبٌ؛ إذ لا دَلالةَ على الجَرِّ، وضَعَّفَ ذلك ابْنُ مَالِكٍ.

واستدَلَّ الْأَخْفَشُ بقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت: 33].

ألَا تَرَى أنَّ الكافَ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنه نَصَبَ (وَأَهْلَكَ) بالعَطْفِ، وأُجِيبَ بأنه منصوبٌ بتقديرِ:ونُنَجِّي أَهْلَكَ[161].

قال ابْنُ السَّرَّاجِ[162]: "وتَقُولُ: هذا ضاربُكَ وزيدًا غدًا، لمّا لم يَجُزْ أن تَعْطِفَ الظاهرَ على المُضْمَرِ والمجرورِ حملْتَه على الفَاعِلِ؛ كقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} كأنه قال: مُنَجُّونَ أَهْلَكَ، ولم تُعْطَفْ على الكافِ المجرورةِ".

اسْمُ الفَاعِلِ المرادُ به الاستمرارُ في جميعِ الأَزْمِنَةِ:


قد يأتي اسْمُ الفَاعِلِ للزمانِ المُسْتَمِرِّ، مثلَ قولِه تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]. فهل إذا أُضِيفَ تَكونُ إضافتُه مَحْضَةً أو غَيْرَ مَحْضَةٍ؛ لأنه إن كان بمَعْنَى الماضي، فإضافتُه مَحْضَةٌ تُفيدُ التعريفَ، وإن كان للحالِ أوْ الِاسْتقبالِ، فإضافتُه غَيْرُ مَحْضَةٍ، لا تُفيدُ تعريفًا، فإذا جاء للزمانِ المُسْتَمِرِّ، اختلفَ فيه النحاةُ[163]، ذَهَبَتْ طائفةٌ إلى أن إضافتَه غَيْرُ مَحْضَةٍ (لَفْظِيَّةٌ)، وذَهَبَتْ طائفةٌ - وهمُ الأَكْثَرُونَ - إلى أن إضافتَه مَحْضَةٌ (مَعْنَوِيَّةٌ)، فابْنُ هِشَامٍ[164] في "المُغْنِي" كلامُه صريحٌ في أنها مَحْضَةٌ.

وقال الشَّيخُ خالدٌ[165]: "اسْمُ الفَاعِلِ يَتَعَرَّفُ بالإضافةِ إذا كان للماضي، أو أُرِيدَ به الاسْتِمْرارُ".


وذَهَبَ بعضُ النُّحَاةِ إلى أن إضافةَ اسْمِ الفَاعِلِ المُسْتَمِرِّ تَكونُ مَحْضَةً تارةً، وغَيْرَ مَحْضَةٍ تارةً أُخْرَى، بالنَّظَرِ إلى جانب المُضِيِّ فيه، أو جانِبِ الحالِ أوْ الاستقبالِ، قال الشَّيْخُ يس[166]: "وأَجابَ الدَّمَامِينِيُّ تَبَعًا لحَوَاشِي الكَشَّافِ بأن اسمَ الفَاعِلِ إذا كان بمَعْنَى الاستمرارِ، ففي إضافتِه اعتبارانِ:


أَحَدُهما: أنها مَحْضَةٌ باعتبارِ المُضِيِّ فيه، وبهذا الاعتبارِ يقعُ صفةً للمَعْرِفَةِ، ولا يَعْمَلُ.

وثانيهما: أنها غَيْرُ مَحْضَةٍ، باعتبارِ مَعْنَى الحالِ والاستقبالِ، وبهذا الاعتبارِ يَقَعُ صفةً للنكِرَةِ، ويَعْمَلُ فيما أُضِيفَ إليه"، ونَقَلَ صاحبُ التصريحِ عنِ اليَمَنِىِّ شارحِ الكَشَّافِ مثلَ هذا[167].

وذَكَرَ الرَّضِيُّ أيضًا الاعتبارَيْنِ؛ فقال[168]: "فاسْمُ الفَاعِلِ المُسْتَمِرُّ يَصِحُّ أن تكونَ إضافتُه مَحْضَةً، كما يَصِحُّ ألّا يكونَ كذلك".

ولذا أجاز الزَّمَخْشَرِيُّ الاعتبارَيْنِ في اسْمِ الفَاعِلِ المُسْتَمِرِّ، ففي قولِه تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، ذَكَرَ[169] أن اسمَ الفَاعِلِ إذا أُريدَ به زمانٌ مُسْتَمِرٌّ، فإضافتُه حَقِيقِيَّةٌ (مَحْضَةٌ)، ويَتَعَرَّفُ اسْمُ الفَاعِلِ بالإضافةِ؛ بدليل وصفِ المَعْرِفَةِ به في الآية؛ وذلك لِئلّا يَلْزَمَ مُخالَفةَ الظاهِرِ بقَطْعِ مَالِكٍ عنِ الوَصْفِيّةِ".

وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قوله تعالى[170]: {وَجَاعِلُ الليلِ سَكَنًا والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [الأنعام: 96]. "إن اسمَ الفَاعِلِ إذا أُريدَ به زمانٌ مُسْتَمِرٌّ، كانت إضافَتُه غَيْرَ مَحْضَةٍ، فاعْتُبِرَ جانبُ الحالِ والاستقبالِ فيه".

وقال العُكْبَرِيُّ في قوله تعالى[171]: {فَالِقُ الْحَبِّ} [الأنعام: 95]. "يَجُوزُ أن يكونَ مَعْرِفَةً، لأنه ماضٍ، وأن يكونَ نَكِرَةً على أنه حكايةُ حالٍ، وقوله: {وجَاعِلُ اللَّيْلِ} مثلُ {فَالِقُ الحَبِّ} في الوَجْهَيْنِ".

وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قوله تعالى[172]: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3]: أنَّهما مَعْرِفَتانِ لأنه لم يُرَدْ بهما حُدُوثُ الْفِعْلِيَّةِ، وإنما أُرِيدَ ثُبُوتُ ذلك ودوامُه، وإضافتُهما مَحْضَةٌ، وصَحَّ أن يُوصَفَ بهما المَعْرِفَةُ.



اسْمُ الفَاعِلِ المَصُوغُ مِنَ العَدَدِ:


إذا بُنِيَ اسْمُ الفَاعِلِ مِنَ الواحدِ إلى العَشَرَةِ، كان للمُذَكَّرِ بغَيْرِ تاءٍ، وللمُؤَنَّثِ بالتاءِ، نَحْوُ: واحدٌ وواحدةٌ، وثانٍ وثانيةٌ، وثالثٌ وثالثةٌ .. إلى عَاشِرٍ وعاشرةٍ، أما (واحدٌ) فلا يَجُوزُ إضافتُه أصلًا، لا يُقالُ: واحدُ رجلٍ[173]، وما عَدَاه يَجُوزُ إضافتُه إلى العَدَدِ الذي أُخِذَ منه، وكذلك "ثانٍ" لا يَجُوزُ إضافتُه إلى واحدٍ؛ فلا يُقالُ: ثاني واحدٍ، وقد أَجَازَه بعضُهم[174]، ونَقَلَه عنِ العَرَبِ، ورَجَّحَه الدَّمَامِينِيُّ[175] بأنَّ مَعْناه: مَصِيرُ الواحدِ اثنينِ بنَفْسِهِ، ولا مانِعَ منه.

و(فَاعِل) المَصوغُ منَ العَدَدِ، إمّا أن يُفْرَدَ، فيُقالَ: ثانٍ وثانيةٌ، وثالثٌ وثالثةٌ، وإمّا أن يُضَافَ، فإن كان مضافًا إلى العَدَدِ الذي أُخِذَ منه لم يَجُزْ فيه إلا الإضافةُ، نَحْوُ:هذا ثاني اثنينِ، وثالثُ ثلاثةٍ، وكذا إلى عَشَرَةٍ، فلا يَجُوزُ فيه العَمَلُ والنَّصْبُ.

قال الفَرَّاءُ[176]: "ثالثُ ثلاثةٍ" يَكونُ مُضافًا، ولا يَجُوزُ التَّنْوِينُ في "ثالث"، فتَنْصِبَ "ثلاثة"؛ ألَا تَرَى أنه لا يَكونُ ثالثًا لنَفْسِهِ".

قال ابنُ عَقِيلٍ[177]: "وهذا هو المشهورُ، وهو مَبْنِيٌّ على أن العَرَبَ لم تَقُلْ: ثَنَّيْتُ الِاثْنَينِ، ولا ثَلَثْتُ الثلاثةَ، وكذا الباقي".

وهذه الإضافةُ تُفِيدُ أن الموصوفَ بعضُ ما اشْتُقَّ منه، فإذا قُلْنا: خامِسُ خَمْسَةٍ، أي: بعضُ جماعةٍ مُنْحَصِرَةٍ في خَمْسَةٍ، أي: واحدٌ منها، ويَجِبُ حينئذٍ إضافتُه لأَصْلِه، كما يَجِبُ إضافةُ البَعْضِ لكُلِّه، فلا يَنْصِبُ ما بعدَه؛ قال تعالى: {إِذْ أَخَرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَينِ} وقَالَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 72].

وزَعَمَ الْأَخْفَشُ[178] وقُطْرُبٌ والْكِسَائِيُّ وثَعْلَبٌ أنه يَجُوزُ الإضافةُ والنَّصْبُ كما يَجُوزُ في "ضاربُ زيدٍ"، وهو اختيارُ ابْنِ مَالِكٍ.

وإذا أُضِيفَ إلى ما ليسَ[179] منه أَرادَ به جَعْلَ الأَقَلِّ مُساويًا لِما فَوْقَه؛ كثالثِ اثنينِ، ورابعِ ثلاثةٍ، وفي ذلك تَجُوزُ الإضافةُ، ويَجُوزُ التَّنْوِينُ والنَّصْبُ، يُقالُ: رابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثلاثةً؛ لأنه بمَعْنَى: صَيَّرَ الثلاثةَ أربعةً؛ قال ابنُ عُصْفُورٍ[180]: "وهذا يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِه؛ لأنه قد سُمِعَ استعمالُ الفِعْلِ مِن ثلاثةٍ، حُكِيَ مِن كلامِهم "ثَلَثْتُ الرجلَينِ، ورَبَعْتُ الثلاثةَ"، وفي "المِصْبَاحِ المُنِيرِ"[181]: "ثَلَثْتُهم صِرْتُ ثالثَهم، وكذلك إلى العَشَرَةِ".

ومِن ذلك قولُه تعالى[182]: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إلّا هُوَ رَابِعُهُمْ ولَا خَمْسَةٍ إلّا هُوَ سَادِسُهُمْ}.

ولا يُقالُ[183]: رابعُ اثنينِ، أي: لا يُضَافُ إلّا لِما هو أقلُّ منه بدَرَجَةٍ واحدةٍ فَقَطْ.





وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]