[ابوالوليد المسلم]

كيف تربين طفلك
يحيى بن إبراهيم اليحيى

وسائل معينة في تربية الأطفال:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن عددا كبيرا من الأخوات الحريصات على تربية أبنائهن وتزكيتهم يسألني كثيرا عن برامج ووسائل تعينهم على ذلك فاستجبت لطلب إحدى الأخوات وبعثت إليها هذه الإضاءات والاقتراحات في تربية أطفالها، أسأل الله - تعالى -أن ينفع بها.
1. تصحيح النية (كم من عمل صغير تعظمه النية، وعمل كبير تصغره النية) فاسألي نفسك على الدوام لماذا أنت حريصة عليه ما مقصدك من هذا؟
2. لزوم الدعاء له في كل وقت وحين وفي أوقات الإجابة على الأخص.(أم من يجيب المضطر إذا دعاء ويكشف السوء)
3. الإيمان الجازم مع التذكر الدائم أننا ضعفاء وأن الهادي والمصلح والمعلم الله. فنفوض أمرنا كله إلى الله - تعالى -ومن التفويض الأخذ بالأسباب.
4. لزوم الاستغفار (فإن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب).
5. التربية الربانية تربية السلف الصالح هي بالقدوة، فمن كان يحب أن يكون ولده على عمل أو خلق يحبه فليلتزم به أولا، ولو بحثت أن أخلاق السلف لوجدت أن أقل شيء عندهم الكلام.
6. الصبر مع احتساب الأجر عند الله، فما أعطي عبد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
7. التحمل والجد. فالعلم لا يستطاع براحة الجسد، وأعط العلم كلك يعطيك بعضه.
8. الحلم وسعة الصدر، فما رأيت بركة في الأوقات كبركة أهل الحلم وواسعي الصدر.
9. كل كلمة تخرج من فيك وكل عمل تقومين به أمامه فإنه طابع في قلبه شئت أم أبيت فتصوري أن الكلمة تلاحقك فماذا أنت فاعلة بارك الله فيك.
10. تربية السلف كما في البخاري بصغار العلم قبل كباره.
11. الجانب العاطفي له أثر كبير في تلقي الطفل من أمه فينبغي وضع برنامج لهذا. فليس للتربية بالحب مثيل قط.
12. هدوء البيت أثره واضح على صفاء الذهن وهدوء النفس فنجتهد في جعل البيت هادئا على الدوام.
13. التربية بالأحداث منهج نبوي شريف كمثل مروره - صلى الله عليه وسلم - على تيس أسك في الطريق، وتوجيه الصحابة حينما رأى امرأة تدور في السبي.
14. استقرار الطفل في منزله مهم جدا في صفاء ذهنه ورتابة تعلمه، والبحوث الميدانية تبرهن على أن أكثر ضياع الحفظ من الأطفال في أوقات الإجازة حيث كثرة تنقل والدتهم من المنزل، وهذا يدل على أن المحضن الحقيقي هو المنزل والباقي وسائل...
15. الأصل عدم تعلق الطفل بوسائل (مدرس، مَدرسة، وسائل تعليمية) فيبقى رهن تلك الوسائل في توفرها وملائمتها له أو لا. فلنعمل بالوسائل المتاحة ولا توقفنا وتؤخرنا العوائق.
16. إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق مالا يعطي على سواه، وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان العنف والشدة في شيء إلا شانه، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله. هذا نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - فالحلم والأناة والتؤدة وترك العجلة تعطيك خيارات كثيرة وحلول واسعة وتمنحك فرصة في الاختيار.
17. ينبغي أن تبتعد الأم عن قولها - تعالى -أدرسك وتبدلها بكلمة تعال ندرس أو نتعلم أو نتذاكر، فإن للمصاحبة في التعليم أهمية كبيرة، فإذا صحبته أمه في ذلك كان أدعى إلى القبول وعدم السآمة.
18. اليأس من الآخرين من أعظم الوسائل في التوفيق في تربية الأبناء وتعليمهم، ولهذا نجحت أمهات الأيتام أكثر من غيرهن نظرا لليأس من الأب.
برنامج الغزالي العملي في تربية الطفل:
ذكر الغزالي - رحمه الله - في إحياء علوم الدين - (3 / 72) وصايا أشبه بالبرنامج العملي في تربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الصالحة، وهذه الوصايا من أميز ما قرأته في كتب أهل العلم فأنا أسوقها بنصها وليس لي فيها سوى التنسيق ووضع العناوين فقط، قال رحمة الله عليه: اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبيان أمانة عند والديه.
استعدادات الطفل للتعلم والتربية:
وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله - عز وجل – (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته: بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من القرناء السوء، ولا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره، فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث، ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته وأول ذلك ظهور أوائل الحياء فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحا ومخالفا للبعض فصار يستحي من شيء دون شيء وهذه هدية من الله - تعالى -إليه وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه.
وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه:
1. مثل أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه.
2. وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه.
3. وأن يأكل مما يليه وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره.
4. وأن لا يحدق النظر إليه.
5. ولا إلى من يأكل.
6. وأن لا يسرع في الأكل.
7. وأن يجيد المضغ.
8. وأن لا يوالي بين اللقم.
9. ولا يلطخ يده ولا ثوبه.
10. وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأدم حتما.
11. ويقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم.
12. وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الأكل.
13. وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي طعام كان.
في الملبس:
وأن يحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والإبريسم ويقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين وأن الرجال يستنكفون منه ويكرر ذلك عليه ومهما رأى على صبي ثوبا من إبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه، ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه فيه فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا ذا فصول وضحك وكياد ومجانة وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب.
برنامج المكتب:
ثم يشتغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين ويُحفظ (أي يمنع) من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد
المكافأة:
ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس.
المعاتبة
فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسروا أحد على مثله ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة فعند ذلك إن عاد ثانيا فينبغي أن يعاتب سرا ويعظم الأمر فيه ويقال له إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس
ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظا هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانا والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح.
النوم والترف والرياضة
وينبغي أن يمنع عن النوم نهارا فإنه يورث الكسل ولا يمنع منه ليلا ولكن يمنع الفرش الوطيئة حتى تتصلب أعضاؤه ولا يسمن بدنه فلا يصبر عن التنعم بل يعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم
وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفية فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح فإذا ترك تعود فعل القبيح ويعود في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل
التستر:
ويعود أن لا يكشف أطرافه ولا يسرع المشي ولا يرخي يديه بل يضمها إلى صدره
المفاخرة:
ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه أو بشيء من مطاعمه وملابسه أو لوحه ودواته بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم.
الأخذ من الناس:
ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئا بدا له حشمة إن كان من أولاد المحتشمين بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ وأن الأخذ لؤم وخسة ودناءة وإن كان من أولاد الفقراء فليعلم أن الطمع والأخذ مهانة وذلة وأن ذلك من دأب الكلب فإنه يبصبص في انتظار لقمة والطمع فيها.
حب الدراهم:
وبالجملة يقبح إلى الصبيان حب الذهب والفضة والطمع فيهما ويحذر منهما أكثر مما يحذر من الحيات والعقارب فإن آفة حب الذهب والفضة والطمع فيهما أضر من آفة السموم على الصبيان بل على الأكابر أيضا
في المجالسة:
1. وينبغي أن يعود أن لا يبصق في مجلسه، ولا يمتخط.
2. ولا يتثاءب بحضرة غيره.
3. ولا يستدبر غيره.
4. ولا يضع رجلا على رجل.
5. ولا يضع كفه تحت ذقنه.
6. ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل الكسل ويعلم كيفية الجلوس
7. ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام.
8. ويمنع اليمين رأسا صادقا كان أو كاذبا حتى لا يعتاد ذلك في الصغر.
9. ويمنع أن يبتديء بالكلام.
10. ويعود أن لا يتكلم إلا جوابا وبقدر السؤال.
11. وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا
12. وأن يقوم لمن فوقه، ويوسع له المكان.
13. ويجلس بين يديه.
14. ويمنع من لغو الكلام وفحشه.
15. ومن اللعن والسب.
16. ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسري لا محالة من القرناء السوء.
17. وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء
في حال ضرب المعلم:
وينبغي إذا ضربه المعلم أن لا يكثر الصراخ والشغب ولا يستشفع بأحد بل يصبر ويذكر له أن ذلك دأب الشجعان والرجال وأن كثرة الصراخ دأب المماليك والنسوان
فرصة اللعب:
وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائما يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا.
في الطاعة
وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ومن هو أكبر منه سنا من قريب وأجنبي وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم وأن يترك اللعب بين أيديهم.
في العبادات:
ومهما بلغ سن التمييز فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع.
الأخلاق الرديئة:
ويخوف من السرقة وأكل الحرام ومن الخيانة والكذب والفحش وكل ما يغلب على الصبيان
عند البلوغ
فإذا وقع نشوه كذلك في الصبا فمهما قارب البلوغ أمكن أن يعرف أسرار هذه الأمور فيذكر له أن الأطعمة أدوية وإنما المقصود منها أن يقوى الإنسان بها على طاعة الله - عز وجل - وأن الدنيا كلها لا أصل لها إذ لا بقاء لها وإن الموت يقطع نعيمها وأنها دار ممر لا دار مقر وأن الآخرة دار مقر لا دار ممر وأن الموت منتظر في كل ساعة وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة حتى تعظم درجته عند الله - تعالى -ويتسع نعيمه في الجنان فإذا كان النشو صالحا كان هذا الكلام عند البلوغ واقعا مؤثرا ناجعا يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر.
نتيجة مخالفة هذه الوصايا:
وإن وقع النشو بخلاف ذلك حتى ألف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس والتزين والتفاخر نبا قبله عن قبول الحق نبوة الحائط عن التراب اليابس فأوائل الأمور هي التي ينبغي أن تراعى فإن الصبي بجوهره خلق قابلا للخير والشر جميعا وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين قال - صلى الله عليه وسلم - كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
قصة من تربية السلف:
قال سهل بن عبد الله التستري كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما ألا تذكر الله الذي خلقك فقلت كيف أذكره قال قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي الله ناظر إلي الله شاهدي فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال قل في كل ليلة سبعة مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوته فلما كان بعد سنة قال لي خالي احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري ثم قال لي خالي يوما يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده أيعصيه، إياك والمعصية فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المكتب فقلت إني لأخشى أن يتفرق علي همي ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فسألت أهلي أن يبعثوني إلى أهل البصرة لأسأل عنها فأتيت البصرة فسألت علماءها فلم يشف أحد عني شيئا فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن أبي عبد الله العباداني فسألته عنها فأجابني فأقمت عنده مدة انتفع بكلامه وأتأدب بآدابه ثم رجعت إلى تستر...