عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-03-2020, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي شروط إتقان الاستخارة

شروط إتقان الاستخارة
سند بن علي بن أحمد البيضاني

الحمد لله القائل: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله)، والصلاة والسلام على نبيه القائل: ((إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
توطئة:
لوحظ من خلال التتبع والاستقراء أن أصعب مشكلة تواجه معظم الناس في الاستخارة صعوبة تمييز قرائن التيسير والصرف فيصبح بعدها في شك وتردد وتتحول من طلب للخيرة إلى وقوع في الحيرة، وهذا عامل قوي في تركها أو عدم الإكثار منها، والاستخارة ليست مجرد ركعتين ودعاء مخصوص كما قد يظن كثير من العوام، بل هي عبادة اشتملت على كل معاني ومقتضيات العبودية، وقد تقدم بيان ذلك من خلال معرفة أهميتها([1])، وفيها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ مَا لَا يُحَاطُ بِه [2]"، " وكذا دعاء الاستخارة فإنه طلب تعليم العبد ما لم يعلمه وتيسيره له [3]" فالعبادة التي تشتمل على كل ذلك بحاجة إلى إتقان حتى ينال العبد ثمارها.
المسألة الأولى: التعريفات
1) تعريف الشرط لغة واصطلاحاً.
لغةً:
إلزام شيء والتزامه([4])، وقيل: هو العلامة اللازمة([5]) وجمعه شروط وشرائط، والحقيقة أن هذا نزاع لفظي أكثر منه نزاعاً جوهرياً، وليس هنا مجال البسط.
اصطلاحاً:
تعليق شيء بشيء بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني، ويكون خارجاً عن ماهيته ويسبقه، ويتوقف ثبوت الحكم عليه.
مثال:
الأصل أن الوضوء شرط من شروط الصلاة: أي أن الثاني (الصلاة) تعلق وثبت حكما بوجود الأول وهو الوضوء.
ويكون خارجاً عن ماهيته ويسبقه مثل: الوضوء عمل خارج عن الصلاة، وهذا هو جوهر الفرق بين الشرط والركن، فالركن يكون داخل ماهية الشيء مثل الركوع في الصلاة.
2) تعريف الإتقان لغة واصطلاحا:
لغة:
أَتْقَن الشيءَ: أَحْكَمَهُ، وإتْقانُه إحْكَامُهُ. والإِتْقان: الإِحكام للأشياء.
اصطلاحاً:
معرفة الأدلة بعللها وضبط القواعد الكلية بجزئياتها، وقيل معرفة الشيء بيقين ([6])،
المسألة الثانية: شروط إتقان الاستخارة
أولاً: صدق النية في طلب الخيرة
بمقدار هذه النية تكون الثمار سلبا وإيجابا مع مراعاة الشروط الأخرى، ولعل الله ييسر ذكر([7]) قصة مؤلمة جداً حصلت لرجل أعرفه استخار بنية التجربة([8]) فمكر الله به مكراً عظيماً بعد أن وصلت له الحجة، ولازال إلى اليوم يذوق وبال أمره، مع أن لها أكثر من خمسة عشر عاماً.
ثانياً: الاعتقاد الجازم بأن الله سيختار خير الأمرين.
الاعتقاد شرط لقبول أي عمل والأجور تتفاوت بما وقر في القلب، وكل تصديق بالقلب هو علم، وإذا قوي سمي يقيناً([9])؛ فإذا كان المستخير يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله - سبحانه وتعالى- سيختار له الخير بصرف شر أو تقدير خير ستكون النتائج تبعاً لذلك، ووفقاً للترتيب الآتي.
الإخلاص ثم التوكل ثم الطمأنينة ثم الرضا ثم السكينة ثم صلاح البال.
ثالثاً: العلم
أ- بالعلم يُنال الهدى وقد تعبّد الله هذه الأمة بالعلم والإتباع على بصيرة؛ فقال - سبحانه وتعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
ب- العلم مصحح للنية المصححة للعمل ([10])، ويثمر إذا كان هناك هدف.
ج- جاءت نصوص شرعية كثيرة تبين أهمية وفضل العلم، ومن جملة ذلك نصوص تبين أهمية تعلم القرآن وتعليمه، وجاء في حديث الاستخارة قياس يبين حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تعلم الاستخارة وتعليمها وشدة اعتنائه بذلك ويتضح ذلك من قول جابر-رضي الله عنه-: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن".
وهنا يبرز سؤال مهم:
إذا كان اليوم تعلم القرآن يحتاج إلى مدارس وجامعات وعلماء فأين حظ الاستخارة اليوم من هذا القياس؟ ولو بمقدار عشر العشر 1%-!، فنحن أمام خيارين:
- إمَّا أن هذا القياس غير صحيح لأن الاستخارة لا تحتاج إلى كل ذلك.
- وإما أن نجتهد لسد هذا النقص حتى نوفي هذه العبادة حقها ونتقنها وننال ثمرتها.
فهل من مشمر ليسن سنة حسنة؟.
د- جاء في الحديث: ((إنما العلم بالتعلم))([11]) والتعلم يشمل كل الجوانب النظرية والعملية كالتمرين والتدريب والتأهيل وغير ذلك، وبعد ذلك يحصل الإتقان ولهذا شُرع تعليم الصغار الصلاة قبل سن التكليف.
ه- اجتهاد العامة السؤال ومن استطاع أن يصل للعلم فقصر في طلبه، فقد ظلم نفسه أيضا، فالعذر بالجهل له شروطه، وهذه من نعم المولى على خلقه بأنه لم يكلف كل مسلم بالاجتهاد في استنباط الأحكام التفصيلية من أدلتها الشرعية وفي هذا العصر ما أيسر ذلك أي السؤال -، ولله الحمد والمنة.
رابعاً: العمل والاجتهاد
أ) العمل
1) هو الثمرة الحقيقية للعلم وقد جاءت نصوص شرعية كثيرة مقرون فيها الإيمان بالعمل الصالح، وما ذلك إلا ليدل على أهمية العمل الذي لا يحصل الإتقان إلا به، والعمل ينقسم إلى قسمين: عمل القلب وعمل الجارحة.
2) كل عمل يشترط أن تكون فيه نية خالصة وتصديق ([12])، وإذا لم يكن نابعاً عن محبة أو رضا أو خشية أو رغبة قلت الثمار المحسوسة لهذا العمل، وبالتالي تفتر الهمة ويدبُّ الكسل والتهاون إلى أن يصبح العمل عادة أكثر مما هو عبادة، وبذلك تقل المراقبة - أي أن تعلم أن الله يراك -، وأنَّى له بعد ذلك أن يحصل له الإتقان لأي عبادة؟!.
3) بالعمل يزداد العبد يقيناً وخبرة وإتقانا، ومن ذلك الاستخارة ففي البدء قد يهابها العبد أو قد ينتابه شعور غير مألوف ([13]) إذا قيل له: " لماذا لا تستخير؟"، " لماذا لم تستخر في كذا وكذا؟"، " استخر في كذا"، ونحو ذلك، وما ذلك إلا من كيد الشيطان وتخويفه وتثبيطه وقعوده على الصراط المستقيم؛ ولكن ذلك سرعان ما يزول بالإخلاص والدعاء والمجاهدة؛ لأن الاستخارة مبنية على التوكل، والتوكل يمنع من تسلطه؛ فلهذا فهو يحاول بكل ما أوتي من مكر أن يستفزه بصوته ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يبقى تحت سلطانه.
ب) الاجتهاد
1) الأصل أن الإنسان إذا اجتهد في عمل أتقنه، وهذا مطلب شرعي يحبه الله ويرضاه، وفي الحديث: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))([14])، وما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فهو واجب أو مستحب، وصلاة الاستخارة فيها من عمل القلب الشيء الكثير وفيها من قرائن التيسير والصرف ما يجعلها بحاجة إلى مزيد من التعلم والتجربة لاكتساب الخبرة اللازمة لإتقانها مثل تعلم القرآن.
2) الاجتهاد يحصل بسببين لهما قاسم مشترك واحد وهو الحافز:
الأول: أن يكون ناتجاً عن عمل فيرى ثمرته.
الثاني: أن يكون ناتجاً عن وضوح الرؤية لهدف معين يطمح للوصول إليه.
3) إذا اجتهد العبد في عبادة ولم يرَ ثمرتها فليراجع نفسه لمعرفة الخلل وعادة ما يكون في النية ودرجة الإخلاص والتصديق بصدق الموعود وعليه بكثرة الدعاء والاستغفار.
قال شيخ الإسلام([15]): " وإذا اجتهد واستعان بالله ولازم الاستغفار والاجتهاد؛ فلا بد أن يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال، وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر من التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان فإن الله يقول: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، وعليه بإقامة الفرائض ظاهراً وباطناً ولزوم الصراط المستقيم مستعيناً بالله متبرئاً من الحول والقوة إلا به".
4) الإتقان لأي عبادة هو نتيجة للاجتهاد فيها، وعلامته أن تجد ثمارها التي من أجله شُرِعت مثل التقوى للخروج من الشدة والحصول على الرزق، والتوكل للكفاية.
5) يلزم من الاجتهاد الأخذ بكل أسباب اعتقاد الإصابة كالمشاورة والسؤال.
هذا ما يسر الله إذ استخرته والخير ما يسره الله
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

[1]) ينظر : (( أهمية الاستخارة )) http://www.islamselect.net/mat/100774

[2]) ((مجموع الفتاوى: 10/ 663))، ((الزهد والورع والعبادة: 1/ 96)).

[3]) ((مجموع الفتاوى / 8/ 330)).

([4]) إتحاف ذوي البصائر «م2 / ص 220 ».

([5]) الوجيز في أصول الفقه «ص 59» د/ عبد الكريم زيدان.

([6]) التعاريف (1/32) المناوي ، التعريفات (1/23) الجرجاني .

[7]) فرائد الفرائد /الجزء الأول / كتاب العقيدة.

[8]) ينظر السلسلة الثانية - كاشف نفسك لماذا تستخير قليلا - سؤال : عادة بأي نية تستخير ؟

[9]) إحياء علوم الدين :4/245 الإمام الغزالي.

([10]) فتح الباري ج1/ص160.

([11]) (صحيح الجامع /4093) (السلسلة الصحيحة/ 342) الألباني.

([12]) مثل التقوى للخروج من الشدة وحصول الرزق ، والتوكل للكفاية ، ونحو ذلك من الأمور التي دلت عليها النصوص الشرعية .

([13]) وللأسف هذا ما لمسته في كثير من المصلين الذين حاورتهم ، ومن هؤلاء من استخار من قبل ، وهذا يدل على وجود خلل أو تناقض ؛ لأن من استخار ولو مرة وذاق ثمرتها ينبغي أن يسعد بها ويكثر منها ؛ أو على أقل الأحوال أن لا يشعر بضيق أو تحرج إذا قيل له مثل ذلك .

([14]) تقدم تخريجه .

[15]) ((مجموع الفتاوى 11/390)).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]