عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-11-2019, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,631
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (5) تنفيذ القرار

المهارات العشر لوقاية الفكر (5) تنفيذ القرار
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة الخامسة: تنفيذ القرار







بين يدي الشيخ: في عنيزة وفي عام 1414هـ، وبعد صلاة العشاء كنَّا بين يدي الشيخ ابن عثيمين يشرح لنا منظومتَه في أصول الفقه، وكعادة الشيخ قبل أن يبدأ يَطلب من طلَّابه تسميع الأبيات السَّابقة من المنظومة؛ فسمَّع الأول ثمَّ الثاني و...، وعندما وصل إلى أحد الطلاب، قال الطالب:



لم أحفظ يا شيخ!



وهنا سكت الشيخ وسكتنا بانتظار ماذا يعمل الشيخ، وبعد ثوانٍ سادها الصمت، قال الشيخ:



كنت عند الشيخ ابن سعدي، أحفظ منظومتَه في أصول الفقه وأسمِّع عنده، وفي أحد الأيام قال:



سمِّع.



فقلت:



ما حفظتُ يا شيخ!



فقال لي بيتًا من الشِّعر، سأقوله لك:



ولم أرَ في عيوب النَّاس عيبًا ♦♦♦ كنَقص القادرين على التَّمامِ



(المتنبي ت 354هـ)



ثمَّ انتقل الشيخ للطالب الذي يليه، وأكمل درسَه.












لقد اتَّفق أهلُ العقل والطبِّ - بما فيهم المدخنون - أنَّ التدخين مضرٌّ بالصحَّة، ومع هذا فالكثير من المدخِّنين لم ينفذ قرارَ ترك التدخين، ومثله الخمر والمخدرات، وكثير غيرها في حياتنا اليومية.







عمل الصالحات والمبادرة إلى الطَّاعات وترك المنكرات، الكلُّ متَّفق عليها، ومدرك أهميتها، والقليل هو مَن ينفِّذ قرارَ تنفيذها أو تركها.







في حياتنا كمٌّ كبير من المعلومات، وكمٌّ كبير من الأمنيات، ولكنَّا لا نرى إلَّا القليل على أرض الواقع؛ فالمشكلة ليست في صحَّة المعلومة ودقَّتها، لكن في تحويلها إلى واقع مَنظور وعمَل مَقبول، وما أجمل كلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ))، فالكيِّس والعاجِز لديهم معلومات، لكن الكيِّس "عمل" نفَّذ، والعاجِز "تمنَّى" فلم ينفِّذ.







وفي حديث آخر يكشف السِّتار بوضوح عن هذه الظَّاهرة فيقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجزِ والكسل، والبخل والجبن...))، والذي يهمنا هنا هو التعوُّذ من العَجز والكسل؛ فالعجز: تَرك العمل لعدم القدرة عليه، والكسل: ترك العمل مع القدرة عليه؛ فمن علِم، وكان قادرًا على العمل ولم يعمل، فقد أصابه الكسَل وأقعده عن العمل.







يقول ابن قيم الجوزية: "والكَيْس هو مباشرة الأسباب التي رَبط الله بها مسبباتها النَّافعة للعبد في مَعاشه ومعاده؛ فهذه تَفتح عملَ الخير، وأمَّا العجز، فإنَّه يفتح عملَ الشيطان؛ فإنَّه إذا عجز عمَّا ينفعه وصار إلى الأماني الباطِلة بقوله: لو كان كذا وكذا، ولو فعلتُ كذا، يفتح عليه عمَل الشيطان؛ فإن بابه العجز والكسل؛ ولهذا استعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم منهما، وهما مفتاح كلِّ شر..."، إلى أن قال: "وأصل المعاصي كلها العَجز؛ فإنَّ العبد يَعجِز عن أسباب أعمال الطَّاعات، وعن الأسباب التي تُبعده عن المعاصي، وتَحول بينه وبينها، فيقع في المعاصي".







ومن طريف الدِّراسات الطبيَّة عن الكسل، ما أثبتَته دِراسة جديدة أنَّ الكسل أكثر خطورة من التدخين؛ فقد تبيَّن أنَّ عدد مَن يَقضي عليهم الكسل في (هونج كونج) أكبر من عدَد من يقضي عليهم التدخين، وأظهرت الدراسة التي أُجريَت على سكَّان (هونج كونج) الذين توفوا في عمرٍ يزيد عن 35 عامًا - عام 1998 - أنَّ عدم القيام بأي نشاط بدني أدَّى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في العام، مقارنة بأكثر من 5700 شخص توفوا بسبب التدخين؛ (د. خالد النجار في صيد الفوائد).







ودواء الكسَل هو مباشرة العمل؛ فمن علم وخطَّط وقرَّر "عزم"، فليبادِر بتنفيذ القرار، وليترك التسويف والتأجيل، ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، والعزم هو تصميم الرأي على الفعل.







لقد سمِعنا ورأينا من سوَّف وتأخَّر وأجَّل، فكانت نتيجته هَزيمة، وعاقبته وخيمة، وفي المقابل سمِعنا ورأينا مَن بادر بعد أن عزم، فكانت نتيجته النصر والعاقبة الحميدة.







وأخيرًا إليك هذه القصَّة: قرَّر أبو جعفر المنصور (ت 158 هـ) التخلُّص من أبي مسلم الخرساني (ت 137 هـ) - لأسباب عديدة ليس مَجال ذكرها الآن - فكتب عيسى بن علي العباسي (شيخ الدولة ومن المقرَّبين) إلى المنصور:



إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا تدبُّرٍ ♦♦♦ فإنَّ فَساد الرَّأي أن تتعجَّلَا








فأجابه المنصور:





إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ

فإنَّ فساد الرأي أن تتردَّدَا



ولا تمهِل الأعداءَ يومًا بقدرة

وبادرْهمُ أن يملكوا مِثلها غدَا






فحصل ما أراد المنصورُ، واستقرَّ وضع الدولة العباسية.







ولك أن تتخيَّل حين يتدرب أبناؤنا على المبادرة والعمل، وتركِ الخمول والكسل، بعد تحقيق "العزم" المطلوب، وتنفيذ القرار المنشود، كيف سيكون وَضعنا ومجتمعنا، وسلوكنا الناتج من أفكارنا.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.18 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]