الموضوع: مفطرات معاصرة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-05-2019, 03:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي مفطرات معاصرة

مفطرات معاصرة



الشيخ أحمد الزومان





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعدُ:
قضى ربنا - عز وجل - أن يكون هذا الدين خاتمًا للأديان، وباقيًا إلى قيام الساعة، فشرع فيه من الأحكام الشرعية التي تستوعب المستجدات الحادثة؛ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

فالمُستجدات التي تطرأ على العبادات والمعاملات والسلوك تستوعبها الشريعة بأحكامها، فتدخل في عُمُوم النصوص الواردة، أو تُقاس على غيرها، مما تتفق معه في العلة، فتُعطى حكمها.

وقد طرأ في زماننا بعضُ النوازل في الصيام، التي لم تكن موجودةً في عهد التشريع، ولا في الأعصار التي بعده إلى زماننا هذا، فتَصَدَّى لها علماء الأمة حينما وجدتْ، يستنبطون حكمها، ويلحقونها بنظائرها.

فمنَ النوازل المعاصرة: التبرُّع بالدم في نهار الصيام، فالخلاف فيه راجع إلى الخلاف في مسألة الحجامة، هل هي تفطر أو لا؟
فجمهور أهل العلم - منهم الأئمة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي - يرَوْن أن الحجامة لا تفطر، لكن الأولى تركها؛ استدلالاً بحجامة النبي وهو صائم؛ فعن ابن عباس: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم"؛ رواه البخاري (1938)، وإنما نُهي عن الحجامة نهي كراهة حتى لا تضر بالصائم، فربما أفطر بسببها؛ فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: حدَّثَني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه؛ رواه أحمد (18343) وغيره، بإسناد صحيح.

فعلى هذا يجوز للصائم التبرُّع بالدم، لكن إن كان يمكن تأخير التبرع إلى الليل من غير ضرر، فهو أفضل.

فإذا كان التبرُّع بالدم - على الصَّحيح - لا يُفسد الصيام، فخروج الدم بخلع السن أو بَطِّ الجرح أولى بعدم إفساد الصيام، فعلى هذا؛ لو احتاج الصائم نهارًا لخلع سنه أو بطِّ جرحه، جاز، ولو خرج منه دم، وكذلك لو جرح جسمه فخرج منه دم أو أرعف أنفه.

وكذلك تحليل الدم لا يفطر؛ سواء استخرج دمًا كثيرًا - كما يتم في المستشفيات والمراكز الصحية - أم استخرج نقطة أو نقطتين كتحليل السكَّر.

معاشر الصائمين:
يتَّضح مما سبق: أن خروج الدم لا يفسد الصيام؛ سواء كان كثيرًا أم قليلاً، تعمَّد الصائم إخراجه أم خرج من غير قصده وقدرته، ولا يستثنى من ذلك إلا دم الحيض والنفاس، فخروجه يُفسِد الصيام.

ومن النوازل: بخاخ الربو للصائم؛ حيث يبخ رزازًا يتطاير إلى الرئة، والبخة يسيرة، فالبخة عبارة عن نقطة، وهذه النقطة يذهب أغلبها إلى الرئة، والرئة ليست منفذًا للمعدة، وربما تطاير إلى المعدة شيء يسير من هذه النقطة عن طريق المريء، ثم المعدة، ولو وجد فهو قليل جدًّا، وهذا معفو عنه، فالمتوضئ إذا تَمَضْمض لا يجب عليه أن يبزق ريقة بعد أن يمج الماء، وقد يبقى بقية من الماء تدخل الجوف مع الريق، فعُفي عنه لقلته، ومشقة التحرز منه، فكذلك لو دخل شيء يسير من الرذاذ إلى الجوف، مع أن الأصل عدم الدخول، وبجواز بخاخ الربو للصائم المريض، أفتى به الشيخان ابن باز وابن عثيمين، وغيرهما من علمائنا الأحياء.

فسأل سائل الشيخ محمد بن عثيمين كما في "مجموع فتاويه" (17/852)، قال السائل: استعمال بخاخ ضيق النفس للصائم، هل يفطر؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا البخاخ الذي تستعمله يتبخر، ولا يصل إلى المعدة، فحينئذ نقول: لا بأس أن تستعمل هذا البخاخ وأنت صائم ولا تفطر بذلك؛ لأنه كما قلنا: لا يدخل منه إلى المعدة أجزاء، لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول، ولا يصل منه جِرْم إلى المعدة، حتى نقول: إن هذا مما يوجب الفطر، فيجوز لك أن تستعمله وأنت صائم، ولا يبطل الصوم بذلك. اهـ .

وكذلك معجون الأسنان لا يفطر، فللشخص أن ينظف أسنانه بالفرشة والمعجون وهو صائم، فدخول الشيء في الفم فقط لا يفطر، فلذا جازت المضمضة للحاجة ولغير حاجة، لكن على من يستخدم معجون الأسنان في نهار الصيام أن يتحرَّز؛ حتى لا يدخل منه شيء إلى جوفه، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز في "فتاويه" (14/259): تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. اهـ.

هذا هو الحكم، وهو جواز أن ينظف الصائم أسنانه بالمعجون، لكن في السواك غنية عنه في نهار الصيام؛ فهو مطهرة للفم، مرضاة للرب.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعدُ:
ومن المستجدات: القطرة في العين والأذن والأنف، فقطرة العين والأذن لا تفسدان الصيام، فالعين والأذن ليستا منفذًا للمعدة، فمن قطر في عينه وأذنه وهو صائم لا يفسد صيامه، وبذلك أفتى الشيخان ابن باز وابن عثيمين؛ قال الشيخ عبدالعزيز بن باز في "مجموع فتاويه" (14/263): الصحيح أن القطرة في العين لا تفطر، وإن كان فيها خلافٌ بين أهل العلم؛ حيث قال بعضهم: إنه إذا وصل طعمها إلى الحلق فإنها تفطر، والصحيح أنها لا تفطر مطلقًا؛ لأن العين ليست منفذًا، لكن لو قضى احتياطًا وخروجًا من الخلاف من استعملها، ووجد طعمها في الحلق، فلا بأس، وإلاَّ فالصحيح أنها لا تفطر، سواء كانت في العين أم في الأذن. اهـ.

أما قطرة الأنف، فتفطِّر إذا تجاوزت القطرة الأنف، فالأنف منفذ للمعدة، فبعض المرضى يغذى عن طريق أنفه، ويجرى له غسيل للمعدة عن طريق الأنف، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صبرة - رضي الله عنه -: ((أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلاَّ أن تكون صائمًا))؛ رواه أحمد (17390) وغيره، بإسناد صحيح.

فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المُبالغة في الاستنشاق حال الصيام؛ لأن المبالغة مظنة دخول الماء إلى المعدة مع الأنف، ومعلوم أن الداخل غالبًا يكون يسيرًا، ومع ذلك نهاه النبي عن المبالغة، وهي سنَّة في غير نهار الصيام، وقد أفتى الشيخان ابن باز وابن عثيمين بالفطر بقطرة الأنف؛ قال الشيخ محمد العثيمين في "مجموع فتاويه" (17/848): قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة فإنها تفطِّر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث لقيط بن صبرة: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))، فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف فإنها لا تفطر. اهـ.
ومعنى كلام الشيخ محمد: أنه لو نقط في الأنف نقطة أو بعض نقطة، ثم علم أنها لم تتجاوز الأنف - لا يفسد صومه، أما إذا تجاوزت القطرة الأنف إلى المعدة، فسد صومه.

أما الحُقَن المعروفة عند الناس بالإبر، فإذا كانت غير مغذية، وليست عن طريق الوريد، فلا تفطر؛ كحقنة البنج في خلع الضرس، وحقنة الأنسولين لمرضى السكر، وكالحقنة في الأَلْيَة والعضل، فهي ليست أكلاً ولا شربًا، ولا بمعنى الأَكْل والشرب ولا تنفذ للمعدة، بل يمتصها الجسم فهي كالأدهان التي يدهن بها الجسم فيمتصها.

أما إذا كانت الحقنة عن طريق الوريد ويُراد بها التغذية، فهي بمعنى الأكل والشرب، فهي يستغنى بها عنهما، وأفتى الشيخان ابن باز وابن عثيمين وغيرهما بالفطر بالحقن المغذية، التي عن طريق الوريد؛ قال الشيخ عبدالعزيز بن باز في "مجموع فتاويه" (14/255): الصواب أن الإبر المغذية تفطر الصائم إذا تعمد استعمالها، أما الإبر العادية فلا تفطر الصائم.

وأما التحاميل التي توضع في الدبر، وفي فروج النساء، فليست من المفطِّرات، فالدبُر ليس منفذًا للمعدة، والتحاميل ليست بمعنى الأكل والشرب، وبعدم الفطر أفتى الشيخ محمد بن عثيمين؛ قال الشيخ في "مجموع فتاويه" (17/848): لا بأس أن يستعمل الصائم التحاميل التي تجعل في الدبر إذا كان مريضًا؛ لأنَّ هذا ليس أكلاً ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرَّم علينا الأكل أو الشرب، فما كان قائمًا مقام الأكل والشرب أعطي حكم الأكل والشرب، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل في الأكل والشرب لفظًا ولا معنى، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب، والله أعلم. اهـ.

معاشر الإخوة:

ما تقدَّم أهم المفطِّرات العصرية، وقد نقلتُ لكم رأي أهل العلم الذين تتلقى الأمة أقوالهم بالقبول، وتثق بعلمهم، وهذه المسائل لا تخلو من خلاف، فمن أخذ بها وقلَّد هؤلاء الأئمة الذين أفتوا بجوازها للصائم، لا يفسد صومه، ومن حمل نفسه على العزيمة، وسلك مسلك الورع من غير أن يضرَّ بنفسه ويخطِّئ من خالفه - فنعم المسلك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]