عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18-11-2019, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الزوجة على زوجها

سلسلة أركان الأسرة (6)









حقوق الزوجة على زوجها (4)


التحبب إليها


د. محمد ويلالي





الخطبة الأولى


انتهينا في الجمعة الماضية - وضمن سلسلة أركان الأسرة - إلى الحق الرابع من حقوق المرأة على زوجها، وهو حق الغيرة عليها، بعد أن عرفنا حق النفقة عليها بالمعروف، وحق الإحسان إليها، وحق حفظ دينها. ونحاول اليوم - إن شاء الله تعالى - معالجة حق آخر مهم، ربما استنكف عنه بعض الأزواج، ورأوه نقطة ضعف في الرجال، قد تؤدي إلى نوع من الدلال الزائد للزوجة، تركبه لتبسط كلمتها داخل البيت، ولتتكبر على زوجها، فيفقد السيطرة عليها، والتحكم فيها. وهذا تصور مغلوط، مبني على الفهم غير السليم للقوامة، التي أفردنا معناها الحقيقي بخطبة مستقلة، إنه حق التحبب إليها، والتلطف معها، وإظهار اللين لها.





ولا عجب، فقلد فعل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" صحيح سنن ابن ماجة.





وليس مناط هذا التحبب خوفا، ولا دافع هذا التذلل ملقا، فالرجل حارس الأسرة، والمدافع عنها، وإليه المرجع - بعد الله تعالى - في حل مشاكلها، وتسوية أوضاعها، وقضاء حوائجها. والمرأة ضعيفة بطبعها، محتاجة إلى هذه العناية والرعاية من طرف زوجها، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيمِ، والمرأةِ (أُضيق على الناس في تضييع حقهما)" صحيح سنن ابن ماجة.





وكان من آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوانٍ عندكم" صحيح سنن الترمذي.





ومن ثم، يكون التودد إلى الزوجة من قبيل إكرامها، والإحسان إليها، لا من قبيل الإحساس بالخضوع والضعف والخنوع، الذي قد يرتد على النفس، فتستخفها العزة، وتميل بها الأنفة، فتستحيل الحياة الزوجية صخبا، ولغطا، وجدالا وخصاما. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم" متفق عليه.




وَأَلَدُّ ذي حَنَق عليَّ كأنما

تَغلي عداوةُ صدره في مِرجلِ











قال الغزالي - رحمه الله -: "اعلم أن الرفق محمود، ويضاده العنف والحدة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة". والذي غاب عنه الرفق، حل به العنف، والغلظة، وسوء الخلق، الذي يفسد كل شيء.





روى يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: "السيئ الخُلُق، أشقى الناس به نفسُه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته فينفرون عنه، فَرَقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قطه ليفر منه".





فأيهما أحب إلى الله - تعالى -؟: هذا الصنف العنيف الجواظ المستكبر، أم الذين يدخلون بيوتهم، فتعمها البهجة، ويملؤها السرور؟


إن من مظاهر التحبب إلى الزوجة مشاركتَها في هواياتها، ومقاسمتَها ما يزرع دفء الزوجية في نفسها، إذا كان ذلك ضمن دائرة المباح.





تأمل فيما روته عائشة - رضي الله عنها - حين قالت: "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ". فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقْتُهُ. فَسَكَتَ عَنِّى حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ، وَبَدُنْتُ، وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: "تَعَاليْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ" رواه أحمد وهو في الصحيحة.






ولقد شكا إليَّ - يوما - أحد الناس زوجته، قال لي: ظلمتني، حين أكثرَتْ الشكوى من تعب أشغال البيت، فقلت له: هل أخرجتها - يوما - في نزهة؟ قال: ما أخرجتها ولا مرة واحدة، فقلت له: أخشى أن تكون أنت الذي ظلمتها. ثم انصرف الرجل مقتنعا بأن عليه أن يشتري هدية لزوجته، وأن يسألها أن تسامحه. وقد قالوا: "من يَظلِم يُخرَب بيته". وقالوا: "من لم يعدل، عَدَلَ الله فيه، ومن حَكم لنفسه، حَكم الله عليه".





تأمل - مرة أخرى - فيما ترويه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي - وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ" متفق عليه.





وأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي، فإن كان في القوم كان رجلًا".





ولما اندفعت عائشة - مرة - في وجه اليهود، الذين أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: "السام عليكم (وهو دعاء عليه بالموت)، فقالت: "وعليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم"، لم يعنفها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما نبهها بلطف إلى ما تحتاجه المرحلة من رفق وتأن، فقال لها: "مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش". فلما أرادت الدفاع عن موقفها، وتساءلت وقالت: "أو لم تسمع ما قالوا ؟" لم يخبرها بأنه نبي، وهو أعلم منها بما يفعل، بل قال لها:" أو لم تسمعي ما قلت؟"، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرد عليه بقوله: "وعليكم". ثم بين وقال: "ردَدْتُ عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ" البخاري.





قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا" رواه الطبراني وقال في ص. الترغيب: حسن لغيره.




ورافق الرفق في كل الأمور فلم

يندم رفيق، ولم يذممه إنسانُ




ولا يغرَّنْكَ حظٌّ جَرَّهُ خُرُقٌ

فالخُرْق هدم ورفق المرء بنيانُ











ومن مظاهر التحبب إلى الزوجة، التزين لها، والظهور أمامها بأحسن مظهر، فهي تحب منك ما تحب أنت منها، فلا تدخل بيتك بلباس المهنة، ولا برائحة غير طيبة، ولا تظهر الزهادة الزائدة التي قد تمنعها من حقوقها الضرورية عليك. فقد آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً (تاركة للبس ثياب الزينة)، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فلما جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، أمره سلمان أن ينام ويقوم، وأن يصوم ويفطر، ثم قال له:"إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"صَدَقَ سَلْمَانُ" البخاري.




وَارْفُقْ بِزَوْجِكَ يَا زُهَيْرُ فَحَقُّهَا

فَرْضٌ سَيَلْقَى الْغَامِطُوْنَ عَذَابَا




أَيْنَ الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ فَهَلْ مَحَا

آثَارَهَا جَهْلٌ فَشَبَّ وَشَابَا











الخطبة الثانية


ومن مظاهر التحبب إلى الزوجة، مشاركتها في أعباء البيت كلما سنحت الفرصة. قال الأسود بن يزيد: "سألت عائشة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة" البخاري. وبينت - رضي الله عنها - بعضا من هذه الخدمة فقالت: "كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه" أحمد وهو في الصحيحة.





ومن مظاهر التحبب إلى الزوجة، الإقبال عليها بالوجه والكلام، كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع سائر الناس. قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "كان (أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم" حسنه في مختصر الشمائل.





ومن مظاهر التحبب إلى الزوجة، نعتها بما فيها من جميل الأوصاف، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأشجِّ عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحِلم، والأناة" مسلم.





ولما جاء جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقرأ السلام على عائشة، قال - صلى الله عليه وسلم - بأسلوب التلطف والترقق: "يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ" متفق عليه.





كما عليه ألا يذكر محاسن غيرها من النساء أمامها، لأن ذلك مظنة إغاظتها، والتقليل من شأنها.





ومن مظاهر التحبب إلى الزوجة، إكرام أهلها، والثناء عليهم أمامها، والإحسان إليهم، وصلتهم بالمعروف.





ومن ذلك كتمان عيوبها، والصبر على ذلك حفظا لقلبها، وهذا لا يستطيعه إلا جهابذة الرجال.





قيل لأبي عثمان النيسابوري: "ما أرجى عملك عندك؟". قال: "كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى، فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إني قد هَويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني. فأحضرت أباها - وكان فقيرًا - فزوجني منها وفرح بذلك، فلما دخلَتْ إلي، رأيتها عوراء، عرجاء، مشوهة، وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وكأني على جمر الغضا من بغضها، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]