عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-11-2019, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,977
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الزوجة على زوجها

سلسلة أركان الأسرة (5)

حقوق الزوجة على زوجها (3)


الغيرة عليها

د. محمد ويلالي


الخطبة الأولى

مضى معنا في الجمعة ما قبل الماضية - ضمن الجزء الرابع من سلسلة أركان الأسرة - الحديث عن الحق الثالث من حقوق المرأة على زوجها، وهو حق حفظ دينها، بعد أن وقفنا على حق النفقة عليها بالمعروف، وحق الإحسان إليها. وموعدنا اليوم - إن شاء الله تعالى - مع حق آخر من حقوق الزوجات على أزواجهن، غفل عنه الكثيرون، ولم يحفظوه حق حفظه، في دوامة المدنية الحديثة، وفي ظل التأثر بالعادات الغربية، واتباع صيحات الحضارة المعاصرة. يتعلق الأمر بحق الغيرة المحمودة على الزوجة، بما يجعل الزوج حريصا على زوجته، منتبها إلى المؤثرات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تعصف بأخلاقها، وتذهب بجمال سلوكها، وحسن تدينها.

قال ابن حجر - رحمه اللّه -: "الغيرة: مشتقّة من تغيّر القلب وهيجان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشدّ ما يكون ذلك بين الزّوجين".

وقال الكفويّ - رحمه الله -: "الغيرة: كراهة الرّجل اشتراكَ غيره فيما هو من حقّه".

وعرَّف أحد المتأخرين الغيرة التي نقصدها فقال: "الغيرة: هي ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية، تحمي المحارم، والشرف، والعفاف، من كل مجرم وغادر".

والغيرة تكريم للمرأة، وحفظ لها من نظرات العابثين، وألسنة المفسدين، وليس فيها تضييق على المرأة كما يزعم بعض مقلدة الغرب من الرجال، وبعض المغرر بهن من النساء، بل هي من صميم حقوق المرأة على زوجها: أن يحبها، ويكرمها، ويتعلق بها، فيحفظها من نظرات الذئاب الجائعة، ويحميها من مغبة الضواري المفترسة.

يقول أحد الأزواج مفصحا عن صدق غيرته على زوجته:
أغار عليكِ من عيني ومني
ومنكِ ومن زمانكِ والمكان

ولو أني خَبَأْتُكِ فِي عيونِي
إلَى يوم القيامة ما كفانِي



بل إن العرب كانوا يفخرون بغَضِّ البصر عن الجارات، ويرون ذلك من صميم الغيرة التي ركبت في فطرهم. يقول عروة ابن الورد:
وإن جارتي ألْوَتْ رياحٌ ببيتِها
تغافَلْتُ حتى يسترَ البيتَ جانبُهْ



يقصد أن الرياح إذا حركت باب جارته، يغض طرفه، ويصرف بصره حتى ينغلق الباب كما كان. وقال عنترة:
وأغضُّ طَرفي ما بدَتْ لي جارَتي
حتَّى يواري جارتي مأْوَاها




ومن جميل ما ينسب إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أنه دخل على زوجته فاطمة - رضي الله عنها -، فوجَدَها تَسْتاكُ (تستعمل السواك)، فقال ممازحًا يخاطب السواك:
ظَفِرْتَ يَا عُودَ الأَرَاكِ بِثَغْرِهَا
مَا خِفْتَ يَا عُودَ الأَرَاكِ أَرَاكَا

لَوْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ قَتَلْتُكَ
مَا فَازَ مِنِّي يَا سِوَاكُ سِوَاكَا



يعلمون أن إرسال البصر في مفاتن النساء خيانة لأزواجهن، ومجلبة لذل النفس، وقتل النخوة، مما يجب أن يتنزه عنه كل غيور صادق الغيرة.

من أجل الغيرة على النساء، فرض الله على المسلمات الستر، وعدمَ إبداء الزينة. قال - تعالى -: ï´؟ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ï´¾ [النور: 31]. وقال - تعالى -: ï´؟ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ï´¾ [النور: 31].

ومن أجل الغيرة على النساء، حرم الإسلام دخول الحمو - وهو أخو الزوج أو أحد أقاربه من غير المحارم، كعمه، أو خاله، أو ابن عمه، أو ابن خاله - على النساء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟. قَالَ: "الْحَمْوُ: الْمَوْتُ (أي: هلاك)" متفق عليه.

ومن أجل الغيرة على النساء، حرَّمَ الإسلامُ سَفَرَ المرأة بلا محرم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. فقَالَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ" مسلم.

ومن أجل الغيرة على النساء، أمر الله - تعالى - المؤمنات الصالحات أن يغضضن أبصارهن، حتى لا يكنَّ عرضة لأقاويل الظانين، وكلام المتأولين، ولسان الفارغين. قال تعالى: ï´؟ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ï´¾ [النور: 31].

إن المجتمع الذي تنتشر فيه غيرة رجاله على أزواجهم، لهو مجتمع طهر وعفاف، ورجولة حقيقية.

قال المناوي في الفيض: "أشرف الناس وأعلاهم همة، أشدهم غيرة".

وقال الإمام الذهبي: "لا خير فيمن لا غيرة له".

وأثر عن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لأن يزاحمني بعير مطلى بقطران، أحب إلي من أن تزاحمني امرأة".

فما بال بعض الرجال قد ماتت الغيرة في نفوسهم، فلا يلحظون تزين زوجاتهم عند خروجهن بأبهى أنواع اللباس، وتجملهن بأحدث أنواع المساحيق، واستعطارهن بأثمن أنواع الطيب والعطور؟ وكيف يرضون بحضور أزواجهن قصورَ الأفراح، ومنازلَ المناسبات، وسُرادِقاتِ الحفلات، مع ما فيها من غناء، ورقص، وتصوير ظاهر وخفي؟، ثم نتساءل - بعد ذلك - لماذا تنتشر تصاوير النساء والفتيات في بعض المواقع الاجتماعية، وهن سافرات، متبرجات، وربما في أوضاع مخلة بالآداب، مما يسبب في الخصومات بين الزوجين، وقد يكون سبيلا إلى الطلاق.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير نسائكم: الولود، الودود، المواسية، المواتية إذا اتقين الله. و شر نسائكم: المتبرجات، المتخيلات، وهن المنافقات" صحيح الجامع.

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مخاطبا الرجال الأزواج: "ألا تستحيون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج (وهم الرجال الفحول من الأعاجم)" رواه أحمد، وقال شاكر: إسناده صحيح.

إن التساهل في مراقبة أخلاق الزوجة من أعظم أنواع خيانة الأمانة، التي وكلها الله - تعالى - للرجال. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" مسلم.

وأي غش أعظم من تدمير البيت المسلم، بتمكين أهله من الفضائيات ما حسُن منها وما قبُح، وتزويدهم بالشبكية بعجرها وبجرها، دون تقنين، أو احتياط، أو مراقبة، ونثر مجلات الموضة وتصاوير نساء الأزياء العالمية مكشوفات متهتكات؟.

الخطبة الثانية

بينت دراسة نشرت في موقع إلكتروني غربي، أن أزيد من أربعة عشر ألفاً متزوجاً ومتزوجة، انضموا إلى هذا الموقع، من أجل تكوين علاقة خارج إطار الزواج، قرابة 40% منهم من المثقفين والمثقفات، أصحاب الوظائف المرموقة.

وتبين من خلال دراسة أخرى أن الزوجات البريطانيات أكثر إقداما على الخيانة الزوجية، بمعدل سبع مرات مقارنة مع نظيراتهن الفرنسيات.

وخلصت دراسة أخرى إلى أن 12% من الزوجات البرازيليات اعترفن بخيانتهن لأزواجهن.

وأثبت المختصون أن مسلسلا مدبلجا تدور أحداثه حول العشق والغرام، مكونا من 165 حلقة، زاد من نسب الطلاق بشكل ملحوظ في بعض المجتمعات العربية.

أيها الغرب الذي يبعثُ فينا
كلَّ يوم موجةً تطوي منارا

أسَفي يا غرب أنْ أبصر جيلا
مِن بني قومي على نهجك سارا



يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَالله مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ" متفق عليه.

وتعظم الجريمة إذا كانت في صفوف المحصنات، بتساهل من الأزواج. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الدَّيوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر". قالوا: يا رسول الله، أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟. قال: "الذي لا يبالي من دخل على أهله". قلنا: فما الرجلة من النساء؟. قال: "التي تَشَبَّهُ بالرجال" صحيح الترغيب.

ولقد اشمأز سعد بن عبادة من مجرد افتراض وجود زوجته مع أجنبي عنها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتعجبون من غيرة سعدٍ؟ واللهِ لأنا أغير منه، والله أغير مني" متفق عليه.

قال في الإحياء: "وإنما خُلقت الغيرة لحفظ الأنساب، ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغَيرة في رجالها، وضعت الصيانة في نسائها".

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" مسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]