عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-06-2011, 08:06 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .

{ فصل }
ومن هذه الأبواب التي سدت وأحكم غلقها لسد ذريعة الشرك باب ( الإحداث في الأسباب) ذلك لأن المتقرر أن السبب والمسبب والرابط بينهما إنما هو من فعل الله تعالى ، فالله تعالى هو الذي خلق السبب وأثره ، وعليه :- فالمتقرر أنه لا يجوز اعتقاد سبب ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا لأن هذا الاختراع تدخل في باب الربوبية ، وهذا أقل أحواله أن يكون من الشرك الأصغر ، إلا إن كان يعتقد أن هذا السبب بعينه هو الفاعل فهذا شرك أكبر ، فانظر كيف سدت الشريعة باب الإحداث في الأسباب سدا لذريعة الشرك الأكبر .
وعلى ذلك :- ما جاءت به الأدلة من تحريم نسبة المطر إلى النوء ، أعني نسبة سببية لا نسبة توقيت فقط ، فلا يجوز أن يقال :- مطرنا بنوء كذا وكذا ، أي بسبب نوء كذا وكذا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ (( هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ )) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ (( أَصْبَحَ مِنْ عبادي مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ )) والكفر هنا يحتمل أنه يراد به الكفر الأصغر فيما إن كان يقصد نسبة التسبب فقط ، أي أن هذا المطر الذي نزل سببه النوء الفلاني ، فهذا من الكفر الأصغر والشرك الأصغر ، وأما إن كان يقصد أن النوء الفلاني هو الذي أحدث وأوجد هذا المطر فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، فسد باب الاعتقاد في الأنواء أنها من أسباب الخير والنعم لسد باب الشرك ، وهذا كله يتفرع على القاعدة الكبرى ( سد الذرائع )
ومن ذلك أيضا :- سد باب التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ، لأن الدليل قد قرر أن تعليق التميمة من الشرك ، لكنه يكون من الشرك الأصغر إن اعتقد أن النافع والضار هو الله تعالى وإنما التميمة من أسباب دفع البلاء ، لا أن التميمة هي التي تجلب الخير بذاتها أو تدفع الشر بذاتها فيكون من الشرك الأكبر ، وقد قدمنا الأدلة على هذا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب التطير ، كما ذكرناه لك سابقا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب إتيان الكهان والسحرة ، لأنه يفضي بالعبد إلى تصديقهم فيما يدعونه من علم الغيب فيفضي به ذلك إلى الوقوع في الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، والحق أنه لا يجوز حل السحر بالسحر كما شرحناه في رسالة مستقلة في هذا الشأن بينا فيها الأدلة والقواعد المتقرر في تحريم إتيان الكهان والسحرة للعلاج عندهم ، وكل هذا قد سدت الشريعة بابه لأنه يفضي بالعبد إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه من الشرك الأكبر ، ولذلك فإن المتقرر في الأسباب أنها مؤثرة لكن لا بذاتها ، بل بجعل الله تعالى لها مؤثرة ، والمتقرر أن من اعتقد سببا لم يدل عليه شرع ولا قدر فقد وقع في الشرك الأصغر ، وإن اعتقد أن السبب هو الفاعل بذاته فقد وقع في الشرك الأكبر .
{ فصل }
ومن هذا الباب أيضا سد أهل السنة والجماعة ( باب البحث عن كيفية صفات الله تعالى ) فإن المتقرر عند أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى أن نصوص الصفات مما يعلم معناه ، وأما كيفيتها على ما هي عليه في الحقيقة والواقع فهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولا يجوز البتة البحث في كيفية شيء من صفات الله تعالى ، لأن كيفية الشيء لا تعلم إلا برؤيته ، أو رؤية نظيره ، أو إخبار الصادق عنه ، وكلها منتفية في حق صفات الله تعالى ، ولذلك قال تعالى }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{ وقال }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ وقال } فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ { وأنه لا بد من قطع الطمع في التعرف على كيفية صفات الله تعالى ، مع الاعتقاد الجازم أن لها كيفية ، ولكن لا يعلم أحد كيف الله تعالى إلا الله تعالى ، وأهل السنة سدوا هذا الباب حتى لا يقع العبد في تمثيل صفات الله تعالى بصفات شيء من خلقه ، فيوقعه هذا في التمثيل الموصل بالعبد لدائرة الكفر والعياذ بالله ، ولذلك قرر أهل السنة رحمهم الله تعالى أن من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر ، وهذا التشبيه الكفري لا يصل العبد إليه إلا بفتح باب البحث عن كيفية الصفة ، فسد باب البحث فيها حتى يسد باب الكفر ، لأن التشبيه هو الذي أوقع أهل التمثيل في الكفر ، وأوقع أهل التعطيل في الكفر ، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله تعالى به نفسه فقد كفر ، وهذا كله باب مسدود وسده لا يكون محكما إلا بسد باب البحث عن الكيفية ، ولذلك ما سلم في دينه من فتح لعقله البحث عن كيفية شيء من صفات الله تعالى ، فانظر كيف دخلت هذه القاعدة في أبواب العقيدة دخولا كبيرا ، لأن من أبواب العقيدة ما تكون العلة في سده أنه مفض إلى الوقوع في الكفر أو الشرك , والله المستعان .
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أيضا أنه ( لا يجوز النظر في التوراة والإنجيل ، ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع ) حتى لا يقع في قلب الناظر شيء من الريب والشك فيهلك ، فإن الشبه خطافة والسلامة منها في ترك النظر فيها ، أو سماعها ، فلا بد من حماية القلب والعقل مما قد يكون سببا في ضلاله وهلاكه ، ولا بد من حماية العقيدة مما يكون سببا في فسادها ، وهذا لا يكون إلا بسد هذا الباب السد المحكم ، ولذلك فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر صحيفة من أهل الكتاب ، فقد روى أحمد في المسند قال :- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِىَِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ وَقَالَ (( أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ والذي نفسي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شيء فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نفسي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يتبعني )) فلا يجوز النظر في كتب أهل البدع ولا كتب أهل الكلام المذموم ، والذي مبناه على مخالفة المنقول ومناقضة المعقول ، وهل أفسد على كثير من المسلمين عقيدتهم إلا لما نظروا في هذه الكتب قبل التضلع من علوم الكتاب والسنة ، وأما من كان عالما بالكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة وأخذ منها الحظ الوافر والنصيب الأكبر ، ثم طالع شيئا من كتب أهل البدع ليتعرف على عقيدتهم من كتبهم للرد عليها ولكشف عوارها فلا حرج ، لكن الباب ليس مفتوحا لكل أحد سدا لذريعة فساد العقيدة والعمل والله المستعان .
{ فصل }
وأما في مسائل الفقه فقد كان أهل العلم رحمهم الله تعالى يعللون بهذا الأصل كثيرا - أعني بسد الذرائع - وهي من القواعد المقررة في الفقه ، وأنا أضرب لك أمثلة كثيرة جدا على ذلك وأذكر لك الأدلة عليها حتى يطمئن قلبك لهذه القاعدة وتفهمها فهما جليا فأقول :-
منها:- أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن ( كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الفاحشة فهي حرام ) وعليه :-
فالصحيح:- أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم ، لأنه من هذه الوسائل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم )) والأحاديث في اشتراط المحرم كثيرة.
ومن ذلك :- أنه يحرم الخلوة بامرأة أجنبية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) وقال عليه الصلاة والسلام (( إياكم والدخول على النساء )) فقال رجل :- يا رسول الله ، أرأيت الحمو ؟ فقال (( الحمو الموت )) وعاملة المنزل أجنبية عنك فلا يجوز لك الخلوة بها .
ومن ذلك :- أنه لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية ، لأن النظر لها من أعظم أسباب قيام داعي الفاحشة ، فإن النظر بريد القلب ، قال الله تعالى }قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ{ وقال }وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ { فقد تبين أن غض البصر دليل على حفظ الفرج ، لأن من لا يحفظ بصره فإنه غير قادر على حفظ فرجه من باب أولى ، وهذا من باب سد الذريعة .
ومن ذلك :- أنه أوجب على المرأة أن تحتجب ، والصحيح أن الحجاب لا يكون من الحجاب الشرعي إلا إن كان ساترا لكل تفاصيل جسمها ، لا سيما وجهها ، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها وقد بدا منها أي شيء ، حتى ظفرها ، قال تعالى } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ { وقال تعالى } وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ { إلى أن قال تعالى } وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ{ والأدلة في الأمر بالحجاب كثيرة جدا ، ودعك ممن يقول:- إن الوجه ليس مما يجب تغطيته ، فإن هذا القول وإن قال به بعض الأئمة ولكنه خطأ لا بد من تصحيحه ، بل الحق الحقيق بالقبول والاعتماد هو أن وجه المرأة من زينتها المأمورة بستره ، بل هو من أعظم زينتها ، ولا يمكن أن تأمر الشريعة بستر خلخالها الذي في رجلها وهي في الغالب ليست محط النظر ، وتجيز لها كشف وجهها الذي هو محط الجمال والزينة .
ومن ذلك :- نهيها عن الخضوع في القول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض ، قال تعالى }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{ والمرض هنا مرض الشهوة ، فإن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته ، ولكنه يكون عورة إن تأنثت فيه التأنث المفضي إلى ميل قلوب الرجال ، وهو الذي عبر عنه القرآن بالخضوع ، وهو التكسر في الكلام بحيث يشعر الرجل أنها ذات ملاحة وجمال ودلال ، فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا ، كما قيل .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت المرأة أن تصف امرأة أخرى لزوجها أو أحد محارمها كأنه يراها رأي العين ، حتى لا تتعلق نفسه بها ، فيحصل الممنوع شرعا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا )) وما ذلك إلا لأن نفسه ستتعلق بهذه المرأة الموصوفة وسيكون هذا من فتح أبواب الشيطان عليه ، ومن ذلك أن الشريعة نهت أن يفضي الرجل للرجل في الثوب الواحد ، وأن تفضي المرأة للمرأة في الثوب الواحد ، خشية من وقوع المحذور بملامسة الأجساد ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ تفضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة أمرت بالتفريق بين الأولاد في المضاجع إن بلغوا عشر سنين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) وكل ذلك لسد ذريعة الوقوع فيما لا تحمد عقباه ، ومن ذلك تحريم الخلوة بالغلام الأمرد ، فإن فتنته أعظم وأشد من فتنة النساء ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بقبلة الأمرد ولمسه والنظر إليه هو حرام باتفاق المسلمين كما هو كذلك في المرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك إذا مس الأمرد لشهوة والتلذذ بمس الأمرد كمصافحته ونحو ذلك حرام بإجماع المسلمين كما يحرم التلذذ بمس ذوات المحارم والمرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك ) وقال رحمه الله تعالى ( ولهذا كان النظر الذي قد يفضى إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وأدامه وقال إني لا أنظر لشهوة كذب في ذلك فإنه إذا لم يكن له داع يحتاج معه إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ) وكلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة كثير لا يكاد يحصر ، ولذلك فإنه لا يجوز تصوير النساء في الأفراح على القول الصحيح ، والصحيح أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم حتى للحج والصحيح أن كف المرأة يجب ستره ، والصحيح أنه لا يجوز لها أن تكون إمامة للرجال في الصلاة والصحيح أن الأمرد الجميل الذي يخاف منه وعليه الفتنة يعامل معاملة المرأة في خروجه وسفره والخلوة به ، ولا يصلح الناس إلا هذا ، وأما دعوى أن هذا من التشديد والتنطع والفقه الجديد فهو الذي فتح باب الشر على الناس ، فإن التساهل في مثل ذلك أوجب فسادا كبيرا وشرا مستطيرا.
ومن ذلك:- أنه لا يجوز للمرأة الخروج وهي متعطرة ، سدا لذريعة الافتتان بها ، حتى ولو للصلاة قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ حدثني بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا )) فإذا كان هذا في شأن حضور الصلاة ومكان التعبد فكيف بالأسواق وتجمعات الرجال ؟ فاللهم رحماك ، ومن ذلك سد أبواب الزنا الأصغر ، أعني به الموضح فيما رواه البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ . حدثني مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) فإن من أحكم إغلاق هذه الأبواب الخطيرة فإنه يسلم في الأعم الأغلب من الفاحشة الكبرى ، وفي الجملة فإن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة الكبرى فإنها فاحشة صغرى ، لا بد من سدها وإحكام سد الباب فيها ولا يجوز التغاضي أو التساهل فيها بوجه من الوجوه ، ولا استماع الرأي الآخر المخالف للمنصوص عليه من الكتاب والسنة ، بل الحق هو الذي يتكلم ، وأما الباطل فليس له إلا أن يسكت ، وهل حصل البلاء في أمتنا إلا لما أمدت للباطل جسور الكلام ، وفتح له المجال على موائد الحوار ، والله المستعان على هذا الزمان الذي كثرت فيه الدعاوى للحوار في مسائل هي من المسلمات بدلالة الكتاب والسنة .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة .
والصحيح أنه لا يجوز التعليم المختلط ، ومن الذي تطيب نفسه بأن يفتي بجواز ذلك ؟ لا والله, هو حرام ، وحرام ، وحرام .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة الداعية أن تخرج في وسائل الإعلام المرئية المفتوحة ، وغيرها من الرجال يكفونها مؤنة ذلك ، وأنا أعلم أن بعض من سيطلع على هذا الكلام سيصفني بالتأخر والرجعية ، ولكن هذا لا يهم ، فقد قيل في النبي صلى الله عليه وسلم الأوصاف الكثيرة المستهجنة ولم يثنه هذا عن إتمام مسيرته ، والمهم :- أن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة فهي محرمة، والله أعلم.
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أعني قاعدة سد الذرائع ( تحريم كل طريقة توصل إلى شرب الخمر فالخمر حرام كلها ، وكل طريق يوصل إليها حرام مثلها ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه )) حديث صحيح ، فانظر كيف حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وحرم كل طريق يوصل إلى شربها وتعاطيها ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة لها ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:- لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وأكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له. حديث حسن صحيح ، فلا يجوز حينئذ أن تباع ولا أن تشترى ولا أن تحمل ولا أن تعصر ولا أن يؤكل ثمنها ، ولا أي طريق يوصل لها ، فالباب أمام تناولها مسدود ، وفي الحديث (( أتاني جبريل فقال : يا محمد ! إن الله عز و جل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها )) حديث صحيح .
ومن ذلك:- أن الفقهاء رحمهم الله تعالى حرموا بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان .
ومن ذلك:- أن الشريعة حرمت استعمالها في الدواء ، قال الإمام أحمد في المسند :- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الحضرمي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة حرمت إبقاءها للتخليل ، ولو كانت خمر أيتام ضعفاء ، فلا يجوز إبقاء الخمر مطلقا ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مهدي (ح) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ (( لاَ )) وقال أبو داود في سننه:- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ (( أَهْرِقْهَا )) قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاًّ قَالَ (( لاَ )) وكل ذلك من باب سد الذرائع التي تفضي إلى شربها .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت النهي الجازم عن بقاء الخليطين من العصير بعد ثلاث ، وذلك لسد ذريعة انقلابه إلى خمر ، قال مسلم في صحيح :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثقفي عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سِقَاءٍ يُوكَى أَعْلاَهُ وَلَهُ عَزْلاَءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً. وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِىِّ أَنَّ جَسْرَةَ بِنْتَ دَجَاجَةَ الْعَامِرِيَّةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ سَأَلَهَا أُنَاسٌ كُلُّهُمْ يَسْأَلُ عَنِ النَّبِيذِ يَقُولُ نَنْبِذُ التَّمْرَ غُدْوَةً وَنَشْرَبُهُ عَشِيًّا وَنَنْبِذُهُ عَشِيًّا وَنَشْرَبُهُ غُدْوَةً , قَالَتْ لاَ أُحِلُّ مُسْكِرًا وَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَإِنْ كَانَتْ مَاءً. قَالَتْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . فانظر كيف سدت الشريعة أبواب الخمر كلها ، فلا يحل شربها بأي طريق من الطرق .
والحق:- أن سائر المخدرات المنتشرة في هذا الزمان ،كلها تأخذ حكم الخمر ، فالحبوب المخدرة والمفترة والتي تسمى بالحبوب الحمراء والبيضاء ، كلها لها حكم الخمر ، بل هي أخبث من الخمر وأشد تأثيرا على العقل منه ، وأسرع لتلف الجسد والروح من الخمر ، وما يسمى بالحشيشة ، أيضا هي محرمة ، بل هي أشد تحريما من الخمر ، لقوة أثرها وسرعة إذهابها للعقل ، ولله در أبي العباس رحمه الله تعالى لما جعل الخمر بمنزلة البول ، والحشيشة الجامدة بمنزلة العذرة ، بل أقول :- كل وسيلة توجب ذهاب العقل بتخميره فإنها محرمة ، فالخمر كلها بكافة أنواعها ، ومختلف أشكالها محرمة لا يحل منها شيء ، وأما تسميتها بأم الأرواح ، فإنها تسمية مضللة ، بل الحق أن تسمى بأم الخبائث ، التي تتلف الأرواح ، وتهلك العقول ، وتغضب الرب عز وجل ، وكل حيلة توصل إليها فهي محرمة ، وكل ذلك يتضمنه هذا الأصل الكبير ( سد الذرائع ) فهي في الحق قاعدة ينبغي الوقوف عندها وفهمها حق فهمها ، والإشادة بها ، فإنها من قواعد كمال هذا الدين ، وحصن حصين تحمى به الشريعة ، والله أعلم .

يتبع إن شاء الله...
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.51 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]