عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26-07-2018, 08:27 PM
ماجد تيم ماجد تيم غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2018
مكان الإقامة: الأردن
الجنس :
المشاركات: 106
افتراضي رد: يونس عليه السلام / الجزء 2

يونس
عليه السلام
﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾ ﴿الأنبياء﴾
وذا النون :
ذا : بمعنى ( الشخص ) الذي يمتلك صفات معينة ( ذات شرف ومكانة ) وله علاقة خاصة بها ، فهو إشارة إلى شخص مفرد مذكر. ( غائب غير موجود ) ( و يتبع " ذا " صفات هذا الشخص ) ، ( وذا ) الشخص الذي يمتلك صفات معينة ومحددة وهذه الصفات فيها خصوصية إلى حد التفرد تكاد لا تكون إلا له ( بصفة أو شيء محدد ) ، وهذه الصفات أو الأشياء المحددة تميز صاحبها عن غيره وينفرد بها عمن سواه بل لا تنطبق إلا على ذلك الشخص ( فيكون عند ذكر " ذا " التركيز أكثر على صفات محدد وخاصة للشخص أكثر من التركيز على صاحبها ).
﴿ ... كَصَاحِبِ ... ﴿٤٨ ﴾ القلم
صاحب : بمعنى المرافق والملازم والمعاشر لشيء آخر ( المُصَاحب ) لفترة زمنية محددة في مكان محدد وأن المُصَاحب يمتلك صفات محدد ومعينة (فيكون عند ذكر " صاحب " التركيز أكثر على الشخص أكثر من التركيز على صفات المُصَاحب المحددة والخاصة التي يتميز بها ).
فجملة ذا النون : يكون فيها التركيز على صفات الشخص و المرتبطة معه بعلاقة خاصة مباشرة ( النون ) ولها علاقة في تتمة الآية فيكون محور بحثنا عن صفات يونس عليه السلام ( في معنى النون ) وجعلته يذهب مغاضبا ؟ وهذا سنوضحه لاحقا إن شاء الله عز وجل .
وجملة صاحب الحوت : يكون فيها التركيز على شخصية يونس عليه السلام نفسه المرتبطة بالحوت .
ولاحظت فرقا آخر عند ذكر ( ذا النون ، صاحب الحوت ) فذا النون ذكرت عندما ( "ظن يونس عليه السلام" معتمدا على ما آتاه الله عز وجل من علم ومعرفة في اتخاذ قراره ) وصاحب الحوت ذكرت عندما ( استسلم يونس عليه السلام لعلم الله عز وجل وإرادته كليا ) فذا النون لها علاقة أقرب بالعلم الذي أوصل يونس عليه السلام ( للظن ) وصاحب الحوت لها علاقة أقرب بالحالة التي جعلت يونس يستسلم بالكلية ويتوكل على الله عز وجل ... وهذا سيتضح إن شاء الله عز وجل في تتبع قراءة السطور القادمة بحول الله وقوته .
النون : ( صفة ) ومن معاني النون التي وجدنا ولها إرتباطات وإشارات قوية مع نبي الله يونس عليه السلام
المعنى الأول : نوَّن : خط وكتب ( سطَّر وعلَّم ونبأ ) [‌أ] وهو السبب الأقرب إلى نفسي
فكأن نبي الله يونس عليه السلام كان معلما للقراءة والكتابة وعلم الوحي كان أجلها وأسماها
فلو استذكرنا ما في الجزء الأول وتتبعناه لعرفنا الخلفية الثقافية والعلمية و الدينية لنبي الله يونس عليه السلام فهو ابن أمير أشوري وابن أميرة إسرائيلية درس وتعلم علوم زمانه وعلم الكتب السماوية التي أنزلت على أخواله – وقد يكون تعلم على يد نبيين عظيمين - وسأشير إلى ذلك في الأجزاء القادمة إن شاء الله عز وجل إلى إحتمالية أن نبي الله يونس عليه السلام قد تربى على يدي نبيين كريمين وهما إلياس واليسع عليهم السلام وهذا يزيد من احتمالية تعلمه للقراءة و الكتابة وتعليمهما وكذلك من احتمالية نشأته في مدينة صيدا الساحلية مع أمه ( أرملة صيدا ) تلك المدينة الفنيقية مهد اللغة الأوغاريتية ، وتعد مدينة صيدا وغيرها من المدن الفنيقية القديمة ملتقى التجار من جميع أصقاع الأرض وعرصاتها فهي أشبه بمدينة الحجاج مكة المكرمة التي تعج بثقافات ولغات مختلفة ولهذا السبب تخلقت فيها لغة عالمية كانت مزيجا من جميع اللغات وسهلة ومختزلة يستطيع كل الناس التعامل معها وتداولها في تلك المدن وقد يكون لنبي الله يونس عليه السلام الفضل في ذلك .وما يشير إلى أن يونس عليه السلام كان يقرأ ويكتب عند أهل الكتاب المحافظين منهم خاصة أن ما يسمى بسفر يونان قد كتبه وسطره النبي يونس عليه السلام بيده .[‌ب]
فما الذي كان يخطه ويعلمه وينبئه يونس عليه السلام ؟
الجواب ... ن
- ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿القلم: ١﴾
- الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿العلق: ٤﴾
ن : هو كل ما يمكن أن يسطره القلم على السطور من علم الخالق ( الوحي ) أو علم المخلوق ( العقل ) ويمكن تعلمه وادراكه... ف ( ن ) هي وعاء العلم ... و الله أعلم .
فكما نعلم أن العلم
أ‌- علم غير مسطور : وهو علم علام الغيوب ، فهو علم ثابت لا يتغير ولا يتبدل وهو العلم الكامل والخالص من الشوائب والعيوب أو النقص وهو علم استأثره الله عز وجل لنفسه العلية وهو علم لا يُعَلَّم و لا يُتَعَلَّم ( ليس كمثله علم
) ولا يقدر عليه أحد من الخلق أجمعين فهو خاص بإله العالمين الله عز وجل وحده
﴿ ... وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ... ﴿البقرة: ٢٥٥﴾.
ب‌- العلم المسطور الذي يسطر على السطور ( المرقوم )... قد يكون
1- سماوي : علم اللوح المحفوظ وفيه جميع علوم الوحي التي نزلت على الأنبياء والرسل وفيه كل ما قدر الله عز وجل لجميع خلقه وهو أم الكتاب و أم [‌ج] العلوم كلها فيه ما يعلمه أهل السماء وما يعلمه أهل الأرض ولا يحيط بعلمه أحد لعظمه وقدر اتساعه وشموله ودقة بيانه وقد يطلع الله عز وجل على بعض ما فيه من علم بمشيئته لمن يشاء من عباده.
﴿ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢١﴾المطففين
﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴿١٥﴾ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴿١٦﴾ عبس
﴿ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴿٧٩﴾الواقعة
2- أرضي
أ‌- ( علم الوحي ) علم يقيني منزل من أم الكتاب مالم يقض الله عز وجل بتغيير أو تبديل ( نسخ ) ما فيه من أحكام شرعية
﴿ يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴿الرعد: ٣٩﴾
ب‌- ( علم العقل ) وهو العلم الذي استطاعه الخلق وهو علم مبني على التخمين والتوقع و التجربة و الحساب والظن والتقدير يسمو كلما توافق وانسجم وتناغم وتطابق مع الوحي ، فكمال علم العقل ومنتهى العلم : علم الوحي ، ولا يصل العقل إلى منتهى العلم إلا بتوفيق من الله عز وجل بتيسير وتسهيل وتسخير الأسباب .
فجمع يونس عليه السلام العلم اليقيني علم الوحي وعلم العقل [‌د].
وكأن الله عز وجل ما جمع لأحد من خلقه علم الوحي والعقل إلا ليونس عليه السلام ورغم بلوغ نبي الله يونس عليه السلام هذه المرتبة من العلم إلا أن علمه كان ناقصا غير كامل وكان هذا النقص في العلم سبب ما وقع فيه من إبتلاء ومحنة فوقع في شباك الظن الذي تكون مخرجاته مهما بلغ صاحبه من العلم تقديرية وليست يقينية [‌ه]... والتي أردت نبي الله يونس عليه السلام على مكانته إلى المهالك فلم ينجو منها إلا برحمة الله عز وجل وحده وفضل ومنة منه فكمال العلم لله عز وجل وحده .
وحول هذا الموضوع تدور قصة نبي الله يونس عليه السلام والأحداث المرافقة لها و التي ستتجلى في الصفحات القادمة إن شاء الله عز وجل .
المعنى الثاني : من أكثر الأصوات شهرة عند الإنسان و الحوت معا صوت يشبه حرف النون الساكن بغنة [‌و] طويلة وصوت الغنة يصدر عادة عندالحزن و الأنين من الألم و الحنين لشيء مفقود وكلها وقع فيها نبي الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت
ومخرج حرف النون : من طَرَفي اللسان مع أصَول الثنايا العليا
ومن اللافت في قصة التقام الحوت لنبي الله يونس عليه السلام أن نبي الله يونس عليه السلام علق في فم الحوت عندما التقمه ( خلف الزوائد البالينية ) في سقف فم الحوت العلوي وهو في نفس مكان مخرج حرف النون في الإنسان
و الحوت الباليني ليس له مثل هذه الزوائد في الفك السفلي ووظيفتها أشبه بالمصفاة حيث يتم طرد الماء للخارج عبرها عن طريق اللسان وهذه الزوائد البالينية تحجز العوالق والأسماك البحرية الصغيرة – غذاء الحوت الرئيس - خلف هذه الزوائد وسيكون الحديث عن هذه الزوائد مطولا عند الحديث عن فم الحوت و تركيب جهازه الهضمي في الأجزاء القادمة إن شاء الله عز وجل .
المعنى الثالث : الحوت : وهو السبب الأشهر في تسمية يونس ( بذي النون ) وحتى في قاموس اللغة العبرية معنى نون = Nun ( السمك ) مع أن السمك يختلف عن الحيتان ولكن هنك شبه كبير بين النوعين سنوضح الفرق بينهما لاحقا إن شاء الله عز وجل .
.............
إذ ذهب : نبي الله يونس عليه السلام لم يصبر على المواجهة فذهب فجأة دون أن يأتيه أمر من الله عز وجل ( مغاضبا )
ذهب : الإنتقال من مكان لآخر أو التحول من حالة إلى أخرى أو إستبدال شيء بشيء بآخر مع ( التباعد و الإفتراق ) بين المكانين أو الحالتين أو الشيئين بعد مواجهة مع شيء ما .
إذ ذهب : فيونس عليه السلام أنتقل وغادر مدينته وفارقها وابتعد عنها فجأة بسبب ( الظن الذي وقع فيه نبي الله يونس عليه السلام ) .
وقد تبادر إلى ذهني ... ما العلاقة بين ذَهَبَ والذهب الأصفر اللامع
فالله أعلم أن وقت ذهاب يونس عليه السلام وبدء حركته عندما كان لون ضوء الشمس يشبه صفرة الذهب ، والشمس لا تكون صفراء كالذهب إلا بعد الشروق مباشرة أو قبل الغروب مباشرة أي أول النهار أو آخره وأرجح الظن أن من يريد السفر سيبدأ بأول النهار .... ثم نجد في آخر الآية أن نبي الله يونس عليه السلام أبتلي في الظلمات الثلاث - التي سوف أتحدث عنها لاحقا إن شاء الله عز وجل – فنلاحظ في بداية الآية بدأ نبي الله يونس عليه السلام رحلته بضوء لامع كالذهب وفي آخر الآية ابتلي بظلمة وعتمة .
مغاضبا: ( المخاصمة و المشاحنة ) ( وجود طرفين يونس عليه السلام " طرف التوحيد " وطرف آخر هو الملك الأشوري " طرف الشرك" ) أَغضب [‌ز] كلٌّ منهما الآخر ("لخصومة ومشاحنة عقدية" : خلاف وعدم الإتفاق على رأي لإختلاف الفكر والعقيدة )
إذ ذهب مغاضبا : الإنتقال من مكان ( المغاضبة : وعادة تكون بين مخلوقين وليس بين خالق ومخلوق ) إلى مكان آخر بعيد وبما أن المغاضبة مع الملك وذهابه كان على نحو مفاجئ سريع فسيكون ذهابه ( خوفا من أن يبطش الملك به ) لأنه غاضبهم بسبب دعوته لدين التوحيد ( فأبق ) فأصبح خارج على القانون و السيادة و الدين فغادر قومه هاربا خائفا من الملك الأشوري .
( والمغاضبة ) تكون فيها مشادات بين دفع وجذب بين الأطراف فيغضب كل طرف الآخر ..... أما
- غضب نبي الله يونس عليه السلام لأنهم رفضوا الخير ( دين التوحيد) الذي عرضه عليهم و كان يؤمل ويرجو أن يكون أهله هم أول من يتبعوه ويساندوه
- وأما غضب الملك وحاشيته وذلك لأن يونس عليه السلام أبق وخرج عن دينه ( دين آبائه ) وطَوْعِ الملك وهيمنته ( خارج على القانون و السيادة و الدين ) فأراد أن يبطش به ويقتله .
... فشد الرحال يونس عليه السلام هاربا [‌ح] إلى مكان لا يمكن للملك وحاشيته أن يصلوا إليه وكأنه عزم الأمر على السفر والهرب إلى ( إحدى مدن الفنينقين أو اليونان [‌ط] – ملوك البحر المتوسط وأسياده في ذلك الزمان ) والتي لا يمكن الوصول لها إلا عن طريق السفر عن طريق البحر وهناك لا يكون للملك الأشوري سنحاريب سلطة من أمر أو نهي عليه .
إذ ذهب مغاضبا ... أحد أسباب ذهاب يونس مغاضبا عدم صبره لاتكاله على عقله وظنه وعدم معرفته بعلم الغيب ...
لم يصبر يونس عليه السلام على المواجهة والمغاضبة التي وقعت بينه وبين قومه ولم يتحمل أعباء الدعوة و الأذى القولي والفعلي واستعجل ايمانهم واستبطأ إيابهم للحق ودخول الإسلام وخاف من بطشهم فهرب وذهب من عندهم دون أمر من الله عز وجل ... فكان التوجيه الإلهي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ القلم
فمكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة صابرا على الدعوة وأذى المشركين ثلاثة عشر من عمر الدعوة دون أن يغادرها إلا بأمر من الله عز وجل فكان خروجه منها رحمة بهم ولو خرج خروج يونس عليه السلام لحل بأهل مكة العذاب والعقاب
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿يونس: ٩٨﴾
الظن : حكم وقرار ( ترجيحي بين شيئين ) مبني وناتج عن تقدير ذهني عقلي بشري حسب مؤشرات ودلائل ومعلومات مادية ملموسة ومحسوسة [‌ي]( فيه محاولة للتنبؤ ومعرفة الغيب وبما أنه لا يمكن لأحد حصر كل المؤشرات والدلائل والإحاطة بها و أن عددا منها سوف يخفى على أي مخلوق ولهذا فإن بعض الظن سينتج عنه حكما وقرارا خاطئا "إثم" ) كتحقق شيء أو عدمه أو صحة وصدق شيء أو كذبه مع الترجيح في الغالب إلى درجة اليقين للحكم و القرار ( لقوة الدلائل والمؤشرات ) .
فظن أن لن نقدر عليه :
لي تعقيب قبل الخوض في غمار تفسيرها فالآية
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿الأنبياء: ٨٧﴾
تتكون من ثلاث فقرات
( الفقرة الأولى ) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا
غاضبهم بسبب دعوته لدين التوحيد ( فأبق ) فأصبح خارج على القانون و السيادة و الدين فغادر قومه هاربا خائفا من الملك الأشوري
( الفقرة الثانية ) فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ( الظن قد يتبعه قول أو عمل أو أحاديث نفس مبنية على الظن والحكم و القرار الذي توصل إليه )
قدر نبي الله يونس عليه السلام بما أوتي من علم أن الله عز وجل لن يُقَّدِر عليه أي مقدار من عذاب أو ابتلاء أو فتن أو محن تصيبه على ما فعله وأنه على حق وصواب فيما فعله ( ذهابه مغاضبا ) وانه قد بلَّغ ما هو منوط عليه من تبليغ الرسالة فهو في مأمن وسلام من عقاب الله عز وجل وأن قومه سوف يحل بهم البوار والعقاب والعذاب لرفضهم رسالة الله عز وجل كسالف من سبقهم من الأمم السابقة.
( الفقرة الثالثة ) فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ [‌ك] أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
فجاء الإختبار والإبتلاء الإلهي ليعلم يونس عليه السلام ومن بعده من الأمم درسا أنَّ الله عز وجل وحده هو المحيط بكل شيء رحمة و علما وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه ،
فنبي الله يونس عليه السلام وقع في إختبار وابتلاء فنادى موحدا ومعترفا أنه كان من الظالمين لما ظن أنه أحاط بكل شيء علما وأنه لن يصيبه عذاب أو ابتلاء أو فتن أو محن وهذا الظن لم يكن نتاج وحي وعلم من الله عز وجل بل اعتمادا على عقله وذاته وقدراته ونسي أن الله عز وجل وحده هو الذي يحيط بكل شيء رحمة و علما [‌ل].
إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (1/ 173)
"دخلت على عبادة بن الصامت وهو مريض يتخيل فيه الموت- أو يتبين- فقلت: يا أبتاه، أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني. فلما أجلسوه قال: يا بني، إنك لن تطعم طعم الإيمان، ولن تبلغ حق حقيقة العلم حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه، وكيف لي أعلم ما خير القدر من شره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - يقول: إن أول ما خلق الله- عز وجل- القلم قال: اكتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني، إن مت ولست على ذلك دخلت النار". إسناده صحيح رجاله ثقات
هذا هو الدرس العظيم الذي غاب عن خلد نبي الله يونس عليه السلام الذي يتبين منه أنه عليه السلام مهما بلغ قدره وتفضيله على العالمين إلا أنه لم يصل إلى حد كمال العلم والإحاطة به .
فالإبتلاء في بطن الحوت درس وتطبيق عملي ( ليونس عليه السلام ) في حسن الظن بالله عز وجل
تدارك يونس عليه السلام وفهم الدرس الإلهي فورا وعلم أنه إن حلت عليه ضائقة فعلى المرأ أن يخرج من ضيق تفكيره وتصفية فكره وقلبه من كل هواجس بنيت على حسابات عقلية مادية محسوسة إلى سعة تدبير الخالق واللجوء إلى الله عز وجل فسيجد عند الله عز وجل وحده الفرج . فمهما فكر المرأ وقدر فيما يرى ويعلم أو أوتي من مؤشرات ودلائل ومعلومات مادية ملموسة ومحسوسة بعيدا عن الحسابات الإلهية إلا أن ظنه يبقى يكتنفه العوز و النقص و القصور وأن كمال العلم و الإحاطة به وتدبير الأمور لا يكون إلا بيد الله عز وجل وحده .
فالظن يكون فيه اتكال كامل على العقل دون الرجوع إلى الله عز وجل
وسؤال الله عز وجل فيه تعريض وتلميح و تصريح ( في آن ) غير مباشر بعدم كمال العقل وكمال علم الله عز وجل بل هذا من كمال توحيد الربوبية
فَعُلِّم يونس عليه السلام بابتلاء وفتنة بعد ظنه
وعُلِّمَ ابراهيم عليه السلام بلطف وحكمة بعد سؤاله [‌م]
فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ : ظن يونس عليه السلام معتمدا على عقله بالكلية دون أن يسأل أو يرجع إلى الله عز وجل [‌ن] – حيث قدر أن الله عز وجل لن يقدر عليه أي نوع من الفتن أو الإبتلاء أو المحن وهو النبي التقي النقي وأن الله عز وجل تعالى سيعذب قومه الكافرين - فأراد الله عز وجل أن يعلم يونس عليه السلام أن الله وحده من يحيط بكل شيء علما وهو الذي يملك الأسباب ويحدد النتائج فكان تعليم يونس عليه السلام فيه ابتلاء وامتحان وشدة لذاته بناءا على ظن لم يرجع فيه إلى الله عز وجل وما كان الإبتلاء الذي وقع فيه يونس عليه السلام إلا تزكية لهو وتطهيرا ولأعلاء مراتبه وتكريمه .
وبأسلوب مغاير وبطريقة أخرى علمَّ من قبله إبراهيم عليه السلام عندما سأله كيف تحيي الموتى ( عندما أبدى عجزه العقلي وقصوره واتكاله على الله عز وجل ) فكان تعليم إبراهيم عليه السلام فيه لطف ولين ورحمة.
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿البقرة: ٢٦٠﴾
الآن دعنا نربط فقرات الآية الثلاث [‌س]
بعد تقدير نبي الله يونس عليه السلام ( بما أوتي من علم محسوس ومدرك ) ( من خلال الظن الذي جال في خاطره )
- أنه لن يبتلى ويمتحن أو يفتن وهو العبد التقي النقي النبي وكأنه استكثر عمله واستزاده – كيف لا وهو في بحر لجي من الكفر و الظلمات
- وبالمقابل فإن قومه الذين كفروا وأنكروا رسالته فإن الله عز وجل سوف يعذبهم وينزل عليهم عقابه وأن الله عز وجل لن يغفر لهم .
فبعدما فكر وقدر نبي الله يونس عليه السلام ( وذهب مغاضبا ) كان قضاء الله عز وجل وأمره مفعولا فجاء مخالفا ومباينا ومغايرا ومعاكسا لما ( ظن ) وتوقع وتخيل كليا [‌ع].
فكان بعد هذا الظن ( القاصر) أن
- نزلت رحمة الله عز وجل على قومه ولم ينزل بهم العذاب والعقاب
- وأنه هو الذي ابتلي وامتحن في ظلمات البحر في جوف الحوت
أمثلة على قصور الظن البشري من نفس ( سورة يونس )
1- ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٣﴾يونس
ففي المقاييس البشرية التي وضعوا بها وظنوا أنهم أحيط بهم ( حسب المؤشرات والدلائل والمعلومات ) المحسوسة ظنوا انهم لن ينجوا أبدا من الهلاك في البحر
ولكن نسوا أو جهلوا أن الله عز وجل المتحكم والمسير لهذه المؤشرات والدلائل والمعلومات يغيرها وقتما وكيفما وأينما شاء فهو خالق الأسباب والنتائج وقد يخلق غيرها .
فإن حلت عليك نائبة ( ضائقة ) فاخرج من ضيق تفكيرك ( الظن ) إلى سعة تدبير الخالق فعند الله الفرج
2- إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿يونس: ٢٤﴾
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا: ظنوا أنهم استطاعوا أن يتحكموا بكل المتغيرات من مؤشرات ودلائل ومعلومات تمكنهم من السيطرة على الأرض ومن عليها
ولكن نسوا أو جهلوا أن الله عز وجل المتحكم والمسير لهذه المؤشرات والدلائل والمعلومات يغيرها وقتما وكيفما وأينما شاء فهو خالق الأسباب والنتائج وقد يخلق غيرها ... وهذا هو مفتاح سر نصر المسلمين في آخر الزمان
﴿ ... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴿الأنفال: ٣٠﴾
3- ( اتكال الملائكة على ظنها ) : مثال على قصور ظن الملائكة
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَاوَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴿البقرة: ٣٠﴾
فالله عز وجل أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى قيام الساعة ( لأن علم الساعة وما بعدها عند الله عز وجل وحده )[‌ف]
﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴿٣٣﴾ البقرة
فَعَلِمَ الملائكة بآدم عليه السلام وبنيه وما سيفعلون على الأرض من فساد وسفك للدماء من خلال ما سطر في اللوح المحفوظ ( لأنهم هم الحفظة الكرام البررة عليه المقربون السفرة المطهرون ). فكان سؤالهم لله عز وجل بعدما علموا بما قدر الله عز وجل ما سيكون إلى قيام الساعة وأمر القلم أن يكتبه فهم لا يعلمون الغيب ولم يشاهدوا أمثال آدم في الخلق من قبله.
فكان سؤالهم من وحي ما علموا وشاهدوا في اللوح المحفوظ ( بمعنى ) لم تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟.
فسؤال الملائكة ظني ، وتقدير لما علموا وشاهدوا مبني على مؤشرات ودلائل محسوسة لديهم أما معرفة نتائجها ومآلها والغاية منها ( غيبها ) لا يعلمها إلا الله عز وجل وحده .
فأراد الله أن يعلمهم ( قال إني أعلم مالا تعلمون )
فالنتائج المتوقعة من علم الملائكة ظنية ( وهم من شاهد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ إلى قيام الساعة ) ،
وتقدير وعلم الله عز وجل يقيني فالغاية و النتائج من تسيير الأمور وتدبيرها بطريقة معينة لا يعلمها إلا الله عز وجل وحده فظن المخلوقات لا يصل إلى درجة تقدير الله عز وجل وعلمه .
فتقدير الله عز وجل : توقع يقيني وتنبؤ حقيقي لأحداث وأشياء ستحدث في المستقبل في زمان ومكان محددين ومعينين مبنية على ضبط وحساب دقيقين وتمكن من كل الأمور المتداخلة و المتشابكة ذات الشأن و الصلة والتحكم بها والسيطرة عليها ( لأنه هو من يملكها ) لكي تسير وفق ما هو مخطط لها حيث لا مجال فيها للشك أو التخمين أو الخطأ ....
الإشكالية التي وقع الملاكئة : كان ظنهم مبنيا و بناءا على ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ فقط وبالقدر الذي أذن الله عز وجل أن يتعلموه منه ونسوا أن علم الله عز وجل ليس فقط المكتوب في اللوح المحفوظ .
كنز العمال (10/ 368)
"قال الله عز وجل : يا جبريل إني خلقت ألف ألف أمة لا تعلم أمة أني خلقت سواها لم أطلع عليها اللوح المحفوظ، ولا صرير القلم إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون ولا تسبق الكاف النون". الديلمي - عن ابن عمر.
وفي هذا الزمان درس للأمة والأفراد أن يحسنوا الظن بالله عز وجل حتى لو تكالبت عليهم الأمم وأحيط بهم من كل جانب فالله عز وجل يملك الأسباب جميعها ويحدد النتائج فعلى المرأ أن يصفي قلبه من كل الهواجس ويسلم شأنه لله عز وجل حتى ولو كان في جوف حوت .
وهل كان إبليس لعنة الله عليه ممن اضطلعوا على علم اللوح المحفوظ قبل ان يطرد من رحمة الله عز وجل ؟
فالحديث التالي بين الله عز وجل وإبليس لعنة الله عليه كان قبل حواء وقبل إنجاب الولد وقبل نزول آدم وحواء على الأرض وهو لا يعلم من سيتبعه من بني آدم ممن سيكون عدوه من عباد الله المخُلَصين
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿٣٦﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿٣٧﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿٣٨﴾ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٣٩﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾ الحجر
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿٧٩﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿٨٠﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿٨١﴾ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٨٢﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴿٨٣﴾ص
ولكن ما الذي دفع إبليس ( لعنة الله عليه ) لارتكاب أول خطيئة من بين المخلوقات
تقديم العقل ( القاصر ، المحدود ) على أمر الله عز وجل ( النقل ) مخلوطا بكبر وعلو
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿الأعراف: ١٢﴾
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿ص: ٧٦﴾
والعقل مناط الشبهات فاستدرج إبليس بالشبهات في حين أستدرج آدم من بعده بالشهوات فنبال الشهوات أشد فتكا على بني آدم وآلة وصنعة إبليس للفتك ببني آدم حياكة الشبهات فترى كهنة الملاحدة علماء ( حتى أنهم يسمون انفسهم عقلانيين ) يبرعون في إثارة الشبهات وخلط الغث بالسمين .
عودة لتفسير الآية محور قصة نبي الله يونس عليه السلام
﴿... فَنَادَىٰ... ﴿87﴾ الأنبياء
﴿ ... إِذْ نَادَى ... ﴿٤٨﴾ القلم
نادى : إذا كان النداء موجه من ( نبي صالح ) لله عز وجل فإن صاحب النداء يسأل الله عز وجل بطريقة غير مباشرة ( نداءا خفيا ) ( فيها تورية ) [‌ص] وكأنه يطلب منه برجاء وتذلل بعد إنقطاع الأمل من سواه لتحقيق شيء ما لضيق وشدة أصابه ، وفي الغالب يأتي الجواب من الله عز وجل
وقد كان حال نداء نبي الله يونس عليه السلام يكتنفه الضعف والألم و الحزن ( بدون تصريح مباشر أن ينقذه من بطن الحوت أو بما هو فيه من الغم ) فهو الذي ضُيق عليه أنفاسه وهو الذي أسدلت عليه ظلمات في ظلمات من فوقها ظلمات وهو الذي يتقلب في بطن الحوت كما يتقلب الفرخ في القدر حتى طجن جلده ونضج وتفسخ عنه لحمه وسقط فاندمل كأنه مشوي ومطهو .
﴿ . . . ٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ القلم
المكظوم : ( اسم مفعول ) أُغلقت عليه جميع المنافذ ( ماديا"مكانيا" ، ومعنويا "المعاملات و التواصل مع الغير" ) جبرا لا اختيارا فيصبح كأنه محبوس ومخفي عن أعين الخلق في الظلمات ومعزول ومكتوم عليه لا يستطيع أحد التواصل معه ومكبوت لا يستيطع الإفصاح والتعبيرعن أوجاعة وأحزانه وآلامه ( مشاعره وأحاسيسه ) لأحد عنها .
﴿ ... فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ الأنبياء :
فبعدما انقطع رجاؤه وأيس من الإتصال والتواصل مع أحد و أُغلقت عليه جميع المنافذ والمخارج والأبواب إلا باب الله عز وجل [‌ق]
سلم بتسبيحه وتسنم به أعلى الدرجات وتنسم بها رحمات الله عز وجل وغنم فأنزل الله عز وجل السكينة على قلبه المفؤود بعدما نال من الله عز وجل الحظوة و الرضا فأضفى عليه الفرح و السرور بعد جزع وخوف وذهول وأذهب عن نفسه الوحشة والوحدة والشجن و الهم و الحزن وأجلى له نورا أضاءت به الظلمات فأنجاه من نازلته و كربه ومن بطن الحوت و جوفه .
(فنادى) فنبي الله يونس لم يكن في فسحة ولا فرجة في بطن الحوت [‌ر] بل كان في ضيق وشدة فهو ( سَقِيمٌ )
- ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ [‌ش] فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾الأنبياء
- ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾ الصافات
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ... ﴿٨٨﴾ ﴿الأنبياء﴾
: الغم هي وسائل الكظم التي تستر وتخفي ( وكانت في قصة نبي الله يونس عليه السلام جوف الحوت وظلمات البحر و ظلمات الليل ووحدته )
﴿ ... وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾ ﴿الأنبياء﴾
النجاة : خروج شيء من داخل شيء كان محجوزا فيه ويخفيه
فنجاة يونس عليه السلام كانت بإخراجه من الغم أولا ومن ثم من جوف الحوت .
وكذلك : وكما نجينا يونس عليه السلام من الغم الذي كان فيه بما قدم من طاعة ولم ينقطع عنها حتى وهو مكظوم ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا ودعوا الله عز وجل .
الجامع الصغير وزيادته (ص: 570)
"عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : دعوة ذي النون إذ دعا بها و هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له " ( صحيح )
خاتمة موجزة
فكان من أعظم ما وقع به نبي الله يونس عليه السلام عدم الصبر [‌ت] والركون إلى ظنه
فنخلص بفائدة عظيمة من هذه السطور أن على الدعاة الصبر على الدعوة وتحمل أعبائها وتحمل أذى الذين كفروا ( القولي والفعلي ) حتى يأذن الله عز وجل بنصره الذي لا يعلمه أو يقدر وقته ومكانه وقادته إلا الله عز وجل وأن نحسن الظن بالله عز وجل ولا نتكل على عقولنا وحواسنا ومداركنا وظنونا في تقدير الامور وقياسها فهي لا ترى أبعد من الأطر و الأبعاد البشرية التي حددها الله عز وجل لها .
انتهى الجزء الثاني ويتبع الجزء الثالث إن شاء الله
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.35 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]