عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-05-2019, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رمضان ومصير الظلمة

رمضان ومصير الظلمة

د. محمد ويلالي





الخطبة الأولى

دروس رمضان لا تنقضي، فهو لا يعلمنا فقط كيف نتحكم في ذواتنا بمنعها من الطعام والشراب مدة من الزمن، من غير سأم أو توانٍ، وكيف نتحكم في أعصابنا بضبطها على إيقاع الرحمة، والتعاطف، من غير قلق أو شنآن، وكيف نتحكم في أموالنا بالتباري في الجود والإطعام وإفطار الصائمين، من غير تبرم أو خذلان، وكيف نتحكم في قلوبنا بشحنها بالإيمان، وكيف نتحكم في جوارحنا بتعويدها العبادة، والذكر، وكثرة القيام، وقراءة القرآن، وكيف نتحكم في ألسنتنا بقصرها على اللَّهَج بالحق، والصدق، من غير رفث ولا كذب أو بهتان، وكيف نتحكم في أنفسنا بأن نلجمها بالصبر والتحمل، من غير ضجر ولا روغان.


كل هذا تُعَلِّمُنَاهُ مدرسة رمضان، ولكن تعلمنا أيضا كيف يكون مآل الظالمين، وكيف تكون عاقبة المعتدين، وكيف يكون مصير من ينتهك حرمة المسلمين، ويسلب أمن الساكنين الآمنين، ومن يمنع نشر كتاب رب العالمين، ويقف في وجه سنة سيد المرسلين.


في رمضان أهلك الله جبابرة الجاهليين: أبا جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وذلك يوم بدر، بعد أن استخفوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يؤدي شعيرة الصلاة أمام الكعبة المشرفة، حين أرسل أبو جهل عقبة بن أبي معيط ليقصد قوما ذبحوا جملا، فيأتي بفضلاته من الأمعاء والدماء والقاذورات، فيضعها على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كتفيه إذا سجد، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحت الأذى عن ظهره، فرفع رأسه، ثم دعا عليهم، وقد ذكر كلَّ واحد باسمه. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه راوي الحديث: "فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ" متفق عليه.


نعم، أهلكهم الله يوم بدر، لأنهم خرجوا: "بطرا ورءاء الناس ويصدون عن سبيل الله". خرجوا يقودهم أبو جهل، الذي قال بكل كبرياء وصلف: "والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيمَ بها ثلاثا، فننحرَ الجزور، ونَطعمَ الطعام، ونُسقى الخمر، وتعزفَ لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا".


هكذا هم الظلمة في كل مكان، كبر، وخيلاء، واحتماء بالقوة والجاه، واستقواء بالأحلاف، من الماكرين المخادعين، الذين ينكصون على أعقابهم يوم انكشاف خبث نواياهم، وسوء ضمائرهم، وفساد طواياهم. ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42، 43].


في رمضان أهلك الله تعالى الروم على يد المعتصم العباسي، بعد أن وجه إليهم جيشا لا يعرف أوله من آخره، بسبب ماذا؟ بسبب لطم أحد الروم امرأة مسلمة، اعتداء وظلما، فصرخت المرأة "وامعتصماه"، فبلغت الصرخةُ المعتصم، فكانت موقعة "فتح عمورية" الشهيرة.


رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم


كم من أعراض النساء اليوم تنتهك في أرجاء بلاد المسلمين، اغتصابا شنيعا، واعتداء مروعا، وانتهاكا سافرا فظيعا؟ فإذا دافع عنها بعض أبناء جلدتنا، ذكروا أن قضيتهم هي تعدد الزوجات، والتفاضل في الإرث، وعدم التساوي في الحقوق والحريات، أهكذا يكون الدفاع عن المرأة المسلمة، التي صارت سلعة رخيصة، تباع في سوق النخاسة على مرأى ومسمع من الجميع، حتى سمعنا بشبكات تشغل النساء في الدعارة، وشبكات ترسل الفتيات المسلمات إلى بلاد أخرى لممارسة الفاحشة، وفتيات مغربيات الأصل صرن بطلات للمحاكمات الجنسية العالمية.

فكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ أَمْسَى سَلِيبًا
ومُسْلِمَةٍ لَهَا حَرَمٌ سَلِيبُ

أَتُسْبَى المُسْلِمَاتُ بِكُلِّ ثَغْرٍ
وَعَيْشُ المُسْلِمِينَ إِذْن يَطِيبُ

أَمَا للهِ والإسلامِ حَقٌّ
يُدَافِعُ عَنْهُ شُبَّانٌ وَشِيبُ

فَقُلْ لَذِوي البَصَائِرِ حيثُ كَانُوا
أَجِيبُوا اللهَ وَيْحَكُمُ أَجِيبُوا


ولما طغى أباطرة الفساد في الأندلس قبل الفتح وتجبروا، وعثوا في الأرض فسادا، وجعلوا المجتمع طبقيا، يأكل فيه القوي الضعيف، حتى انتشر الفقر، وعمت الأمراض التي قضت على نصف السكان، قيض الله لهم موسى بن نصير، وطارق بن زياد، وجنودهما ليقضوا عليهم في رمضان، ويفتحوا الأندلس، ويخلصوا الناس من ظلم الظالمين، وجبروت المتجبرين. قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193].

مُسَيْطِرُ الفُرْسِ يَبغي في رعيتهِ

وقيصرُ الروم من كِبْر أَصَمُّ عَمِ

يُعذِّبان عباد الله في شُبَهٍ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغنمِ


وفي رمضان انتصر المسلمون على التتار الذين اكتسحوا العالم، وأرعبوا الخلائق، وجابوا الأرض طولا وعرضا، ونشروا فيها الرعب والدمار، وقضوا على الأخضر واليابس، حتى إذا ذكر هولاكو ارتعدت الفرائص، وتيبس الدم في العروق، فقيض الله له الملك المظفر قطز، الذي قضى عليه في "عين جالوت" يوم جمعة من رمضان.


وفي رمضان انتكس جبروت قريش، الذين حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة عشرين سنة، فلم يغنهم ظلمهم وتعنتهم في وجه الدعوة الإسلامية، فأذعنوا للحق الذي لا مرية فيه، وأسلسوا القياد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي أن حطم ثلاثمائةٍ وستين صنما كانت قابعة حول الكعبة وهو يقول: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].


وفي رمضان أهلك الله الحجاج بن يوسف الثقفي الذي بالغ في الظلم، وأوغل في سفك دماء المسلمين، كان أخرها قتلَ التابعي الجليل سعيدِ بنِ جبير. ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43].

وفي غابر الأيام ما يعظ الفتى
ولا خير في من لم تعظه التجارب



الخطبة الثانية

كل هذا يحدث في التاريخ ولا من يعتبر، تَرى المبتلين بحب الرياسة مستمسكين بكراسيهم، وكأنها جواز المرور إلى الجنة، يفرضون أنفسهم على الناس وهم لهم كارهون. وليس ما يحدث اليوم في بعض البلاد العربية من انقلاب على التدين عنا ببعيد، بل ما يحدث في الشام من مظاهر القضاء على السنة تجاوزَ الحدود، حيث وُجهت مدافع الجيش التي كان مفترضا أن توجه إلى أعداء الدين إلى صدور شباب ينشدون الحرية في ممارسة تدينهم كما أمرهم ربهم، يريدون أن يروا مجتمعهم خاليا من مظاهر الشرك والإلحاد، والدعوات المسمومة إلى الأفكار الضالة المغرضة، والطائفية المقيتة، يريدون مجتمعا خاليا من الرذيلة والاعتداء على الحرمات والأعراض، يريدون مجتمعا خاليا من مظاهر العربدة والفساد، فماذا كان جزاؤهم؟ ثمانيةً وعشرين شهرا إلى الآن من الحرب، والدمار، والتخريب، جعلت ملايين المواطنين في مواجهة نار الطغيان والإبادة. أكثر من مائة ألف قتلوا، ونحو مائتي ألف في عداد المفقودين، وأكثر من هذا العدد مصابون وجرحى، معظمهم يحمل عاهات دائمة، بالإضافة الى ما يزيد عن مائتي ألف معتقل، أغلبهم لا يُعرف حالُه ولا مصيرُه، وأربعة ملايين مشردون في أنحاء البلاد، بعد أن نزحوا عن بيوتهم التي دمر منها أكثر من مليون منزل بصورة كلية، وأكثر من مليوني منزل بشكل جزئي، وهي منازل أزيد من 15مليون شخص صارت حياتهم معرضة للضياع، وبخاصة مع تضاعف أسعار المواد الأساس ب 300%.

وأشكو غربتي في ظل عصرٍ
ينكس رأسه بين العصورِ

أرى فيه العداوة بين قومي
وأسمع فيه أبواق الشرورِ


أما يخشى هؤلاء الظلمة أن يقبضهم الله في رمضان كما قبض مَن قبلَهم؟ وحتى وإن طال جورهم، أما يخافون غضب الجبار؟ "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" متفق عليه.


أما يخافون دعوة المظلوم، في زمن شريف تستجاب فيه الدعوات؟. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام. يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنكِ و لو بعد حين" ص. الترغيب. وفي حديث آخر: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شَرارة" صحيح الترغيب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.93 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]