عرض مشاركة واحدة
  #660  
قديم 18-05-2008, 09:41 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .....مثل أصحاب القرية الذين كذبوا المرسلين

ومن الإشارات اللطيفة التي تضمنها هذا الخطاب قوله:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ؛فهو إشارة إلى عدم المانع من العبادة. أي: ما لي مانع من جانبي يمنعني من عبادته. أما قوله:﴿الّذي فَطَرَني فهو إشارة إلى وجود المقتضي للعبادة، وهو كونه فاطرًا. وقدَّم بيان عدم المانع من العبادة على بيان وجود المقتضي لها، لوجود الحاجة إلى الأول، وظهور الثاني.
وفي العدول عن مخاطبة قومه إلى مخاطبة نفسه لطيفة أخرى ؛ وهي أنه لو قال:﴿وَمَا لَكُمْ لا تَعْبُدُونَ الَّذي فَطَرَكُمْ،جاز أن يفهم منه أنه يطلب بيان العلة على امتناعهم عن عبادة فاطرهم ؛ كما فهِم ذلك من قول نوح- عليه السلام- لقومه:﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً( نوح:13)؛ ولهذا قال:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ، مشيرًا إلى بيان عدم المانع.
والفرق بين القولين: أن نوحًا- عليه السلام- كان داعيًا لقومه. أما صاحب ياسين فإنه كان مَدعوًّا إلى الإيمان من قبل المرسلين، فقال:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني، وقد طُلِبَ مني ذلك ؟ أي: لا يوجد عندي مانع يمنعني من الإيمان. فاختلف لذلك وجها الكلام.
قال ابن قيِّم الجوزيَّة:« فتأمل هذا الخطاب، كيف تجد تحته- على وجازته- أشرف معنى وأجله، وهو أن كونه سبحانه فاطرًا لعباده يقتضي عبادتهم له، وأن من كان مفطورًا مخلوقًا، فحقيق به أن يعبد فاطره وخالقه ؛ ولا سيما إذا كان مرده إليه، كما كان مبتدأه منه سبحانه. وهذا يوجب عليه التفرغ لعبادته سبحانه وتعالى وحده، لا شريك له ».
وهذا النوع من الخطاب يسميه علماء البيان: التعريض. ويعرفونه بأنه الدلالة على المعنى من طريق المفهوم. وإنما سمَّوْه: تعريضًا ؛ لأن المعنى باعتباره يُفْهَمُ من عرَض اللفظ. يقال: نظر إليه بعَرَض وجهه. أي:بجانبه.ويُسَمَّى: تلويحًا أيضًا ؛ لأن المتكلم يلوِّح منه للسامع ما يريده ؛ كقول تعالى يحكي قول إبراهيم عليه السلام:﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ(الأنبياء: 63)، جوابًا لقولهم:﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(الأنبياء: 62) ؛لأن غرضه بقوله:﴿ فَاسْأَلُوهُمْ الاستهزاء بهم، وإقامة الحجة عليهم بما عرض لهم به من عجز كبير الأصنام عن الفعل، مستدلاً على ذلك بعدم إجابتهم،إذا سألوا. ولم يرد بقوله:﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ نسْبةَ الفعل الصادر عنه إلى الصنم، فدلالة هذا الكلام عجْزُ كبير الأصنام عن الفعل بطريق الحقيقة.
ومن أقسام هذا النوع من الخطاب:أن يخاطب الشخص، والمراد غيره ؛ سواء كان الخطاب مع نفسه، أو غيره ؛ كقوله تعالى:﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (الزمر: 65)،وقوله تعالى:﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم ﴾(الرعد: 37). فالخطاب في هاتين الآيتين للنبي صلى الله عليه وسلم. والمراد به قومه، تعريضًا بأنهم أشركروا، واتَّبعوا أهواءهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه ذلك، فأبرز غير الحاصل في معرض الحاصل ادِّعاء.
وعلى هذا ورد قوله تعالى:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني، والمراد: مالكم لا تعبدون الذي فطركم.هذا هو أصل الكلام ؛ ولكنه أبرزه في معرض المناصحة لنفسه، وهو يريد مناصحتهم ؛ ليتلطف بهم، ويريهم أنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه. ثم لما انقضى غرضه من ذلك، قال:﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ؛ ليدل على ما كان من أصل الكلام، ومقتضيًا له.ولولا التعريض، لكان المناسب أن يقول:﴿وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ ﴾.وهذا وجه حَسَنٌ من أوجه الخطاب في القرآن. ووَجْهُ حُسْنِهِ ظاهرٌ ؛ لأنه يتضمَّن إعلامَ السامع على صورة لا تقتضي مواجهته بالخطاب المُنكَر ؛ وكأنه لم يَعْنِِه هو. ثم هو أعلى في محاسن الأخلاق، وأقرب للقَبُول، وأدْعَى للتواضع. والكلام ممَّن هو رب العالمين، نزَّله بلغتهم، وتعليمًا للذين يعقلون.
وقال هنا:﴿فَطَرَني﴾، ولم يقل:﴿خَلَقَني؛ لأنه أنسب في مقام الحِجَاج ؛ لإثبات إلهية الخالق جل وعلا ووحدانيته، وهو من قولهم: فطَر الشيءَ، إذا ابتدأ إنشاءَه وفتحَه.وأصل الفَطْر: الشَّقُّ طولاً. ومنه قوله تعالى:﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ(الأنعام: 14).أي: مبدعهما ابتداءً على غير مثال سابق. وليس كذلك قولنا:« خالق السموات والأرض » ؛ لأن الأصل في الخَلْق أن يكون من شيء ؛ كقوله تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (الروم: 21). وقد يكون من لا شيء كَالفَطْر ؛ نحو قوله تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾(آل عمران: 190).
وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«ما كنت أدري ما﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، حتى اختصم إليَّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها. أي: أنا ابتدأت حفرها». وذكر أبو العباس أنه سمع ابن الأعرابي، يقول:«أنا أول من فطر هذا. أي: أول من ابتدأه ».
ثم احتج عليهم بما تَقِرٌّ به عقولهم وفطرهم من قبْح عبادة غيره، وأنها أقبح شيء في العقل وأنكره، فقال:﴿أأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ، فبيَّن أن هذه الآلهة التي تعبد من دون الله تعالى باطلة، وأن عبادتها باطلة ؛ لأن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقت حاجته إليه. فإذا أراده الرحمن الذي فطره بضُرٍّ، لم يكن لهذه الآلهة من القدرة ما ينقذه بها من ذلك الضُّرّ، وليس لهذه الآلهة من الجاه والمكانة عند الله تعالى ما يشفع له إليه ؛ ليتخلص من ذلك الضُّرِّ. فبأي وجه من الوجوه تستحق هذه الآلهة الباطلة العبادة ؟
وقوله:﴿أأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةًإنكارٌ لاتخاذ جنسالآلهة على الإطلاق، ونَفْيٌ لوجود إله غير الله جل وعلا ؛ كما كان قوله:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ إثباتًا لوجود الله عز وجل. ولا يتم التوحيد، ويتحقق معنى ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إلا بهما. وهذا تعريض بقومه الذين اتخذوا آلهة، وعبدوها من دون الله سبحانه،وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه. وفي الآية أيضًا- كما قال الفخر الرازي- لطائف:
الأولى: ذِكْرُهُ على طريق الاستفهام، فيه معنى وضوح الأمر ؛ وذلك أن من أخبر عن شيء،فقال مثلاً:لا أتخذ، يصِحُّ من السامع أن يقول له: لِمَ لا تتخذ ؟ فيسأله عن السبب. فإذا قال: أأتخذ ؟ يكون كلامه أنه مستغن عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار ؛ كأنه يقول: استشرتك فدلني، والمستشار يتفكر ؛ فكأنه يقول: تفكر في الأمر،تفهم من غير إخبار مني.
الثانية:بيَّن أن ﴿مِنْ دُونِهِ لا تجوز عبادته. فإن عبد غير الله، وجب عبادة كل شيء مشارك للمعبود الذي اتخذ غير الله ؛ لأن الكل محتاج مفتقر حادث. فلو قال: لا أتخذ آلهة، لقيل له: ذلك يختلف، إن اتخذت إلهًا غير الذي فطرك، ويلزمك عقلاً أن تتخذ آلهة، لا حصر لها. وإن كان إلهك ربك وخالقك، فلا يجوز أن تتخذ آلهة.
الثالثة: قوله:﴿أأَتَّخِذُ إشارة إلى أن غيره ليس بإله ؛ لأن المُتَّخذَ لا يكون إلهًا ؛ ولهذا قال تعالى:﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾(الإسراء: 111)؛ لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة، ولا يجوز ؛ وإنما النصارى قالوا: تبنَّى الله عيسى وسمَّاه: ولدًا، فقال:﴿ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾.
وأما قوله:﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِفهو جملة شرطية استئنافية، سيقت لتعليل النفي المذكور. وجعلها صفة لـ﴿ آلِهَةً- كما ذهب إليه بعض المفسرين- ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك.


يتبـــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.42 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]