الموضوع: مبطلات الأعمال
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-10-2021, 07:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,616
الدولة : Egypt
افتراضي مبطلات الأعمال

مبطلات الأعمال



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعدُ:
قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57 - 61].
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، قالت عائشة: "هم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟"، قال: «لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلُّون، ويتصدَّقون، وهم يخافون ألَّا يُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات»[1].
ولقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اجتهادهم في الأعمال الصالحة، يخْشَوْنَ أنْ تَحْبَطَ أعمالُهم، وألَّا تُقْبَلَ منهم؛ لرُسوخِ عِلمِهِم، وعَمِيقِ إيمانِهم، قال أبو الدَّرداء: "لئن أعلم أن الله تقبَّل مني ركعتين، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]".
قال عبد الله بن أبي مُلَيْكَة: "أدركتُ ثلاثين مِن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاقَ على نفسه، ما منهم مِن أحدٍ يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل".
ومبطلات الأعمال كثيرة؛ منها ما يُبطِل جميع الأعمال، مثل: الشِّرك، والرِّدَّة، والنفاق الأكبر، ومنها ما يبطل العملَ نفسَه، كالمنِّ بالصَّدَقة، وغير ذلك.
وسوف أقتصر على ذكر خمسة أمور، وعسى أن يكون فيها تنبيهٌ على ما سِواها:
الأول الشِّرك:
فإنه محبطٌ لجميع الأعمال؛ قال - تعالى - لنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، وقال - تعالى -: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري - وكان من الصحابة - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا جَمع اللهُ الناسَ يوم القيامة ليومٍ لا ريب فيه، نادى منادٍ: مَن كان أشرك في عمل عمله لله أحدًا، فلْيَطْلُبْ ثوابَهُ مِن عند غيرِ الله؛ فإنَّ اللهَ أغْنَى الشُّرَكاء عنِ الشرك» [2].
الثاني: الرياء، وهو على قسمين:
الأول: أن يقصد بعمله غير وجه الله، فهذا شرك أكبر، محبط لجميع الأعمال، ويسمِّيه بعضُ أهلِ العِلم: شرك النِّيَّة والإرادة والقصد، قال - تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

قال ابن عباس: "إنَّ أهل الرِّياء يُعطَون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يُظلَمون نقيرًا، يقول: مَن عمل صالحًا التماسَ الدنيا صومًا، أو صلاة، أو تهجُّدًا بالليل، لا يَعمله إلا التماسَ الدنيا، يقول الله - تعالى -: أُوفيهِ الذي التمَس في الدنيا مِنَ المثابة، وحبط عملُه الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة مِنَ الخاسرين"[3].
القسم الثاني: أن يعمل العمل يَقصد به وجه الله، ثم يَطرأ عليه الرياء بعد الدخول فيه، فهذا شرك أصغر.
عن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أخوَف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: "وما الشرك الأصغر؟"، قال: «الرياء، يقول الله - تعالى - يوم القيامة إذا جازَى الناسَ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤُونَ في الدنيا، فانظروا هل تَجدُون عندهم جزاءً»؟[4].
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبرُكم بما هو أخوَف عليكم مِن المسيح الدجَّال؟ الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل فيصلي، فيزيِّن صلاته؛ لما يَرى مِن نَظَر رجُل»[5].
وقد يتهاوَنُ بعْضُ النَّاسِ بهذا النوعِ؛ بتسميتِه شركًا أصغرَ، وهو إنما سُمِّي أصغر بالنسبة للشرك الأكبر، وإلا فهو أكبر مِن جميع الكبائر؛ ولذلك قال العلماء:
1- إن الشرك الأصغر إذا دخل عملًا فسَد ذلك العمل وحبِط.
2- إن الشرك الأصغر لا يُغفر لصاحبه، وليس فاعله تحت المشيئة كصاحب الكبيرة؛ بل يُعذَّب بقدْره، قال - تعالى -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ » [النساء: 116].

فالواجب على المؤمن أن يَحْذرَ مِنَ الشرك بجميع أنواعه، وأن يخشى على نفسه منه، فقد خاف إبراهيم - عليه السلام - من الشرك، وهو إمام الموحدين؛ فقال لربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، قال إبراهيم التيمي: "ومَن يأمَن البلاءَ بعدَ إبراهيم - عليه السلام؟!"[6].
ثالثًا المنُّ والأذى:
قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]، وقال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُواُ مَنًّا وَلَا أَذًى} [البقرة: 262].

قال الشاعر:
أَفْسَدْتَ بِالمَنِّ مَا أَسْدَيْتَ مِنْ حَسَنٍ لَيْسَ الكَرِيمُ إِذَا أَسْدَى بِمَنَّانِ
عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يُكلِّمهم اللهُ يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم» ، قال: "فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات"، قال أبو ذَرٍّ: "خَابُوا وخسِروا، مَن هُم يا رسول الله؟"، قال: «المُسْبِل، والمَنَّان، والمنفِّق سلعتَه بالحلِف الكاذِب» [7].

رابعًا ترك صلاة العصر:
قال - تعالى -: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].

عن بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {مَن تَرَك صلاةَ العصْر حَبِط عملُه} [8].

خامسًا التألِّي على الله:
فعن ضمضم بن جوس اليمامي، قال: "دخلتُ مسجدَ المدينة فناداني شيخٌ، فقال: "يا يَمامي تعالَ"، وما أعرفه، فقال: "لا تقولنَّ لرجُل: واللهِ لا يغفر اللهُ لك أبدًا، ولا يُدخلكَ اللهُ الجَنَّة أبدًا"، فقلتُ: ومَن أنتَ - يرحمك اللهُ؟ قال: "أبو هريرة"، قال: فقلتُ: إنَّ هذه الكلمة يقولها أحدُنا لبعض أهلِه إذا غضب، أو لزوجتِه، قال: فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ رجُلين كانا في بني إسرائيل مُتَحابَّين، أحدُهما مجتهدٌ في العبادة، والآخرُ كأنه يقول مذنب، فجعل يقول: أقصِر أقصِر عمَّا أنتَ فيه، قال: فيقول: خلِّني وربِّي، قال: حتَّى وَجَدَهُ يومًا على ذنبٍ استعظَمَه، فقال: أقصِر، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعثتَ علينا رقيبًا، فقال: والله لا يغفر اللهُ لكَ أبدًا، ولا يُدخلكَ اللهُ الجَنَّةَ أبدًا، قال: فبعَث اللهُ إليهما ملَكًا فقبَض أرواحَهما، فاجتَمَعا عنده، فقال لِلمُذنبِ: ادخُل الجَنَّةَ برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظرَ على عبدي رحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النار»، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: والذي نفسي بيده لتكلَّم بكلمة أَوْبَقَتْ دُنياهُ وآخرتَه"[9].


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] "سُنن الترمذي" (5/ 327-328)، برقم: (3175).
[2] "سُنن الترمذي" (5/ 314)، برقم: (3154).
[3] "تفسير ابن كثير" (2/ 439).
[4] "مسند الإمام أحمد" (5/ 428).
[5] "مسند الإمام أحمد" (3/ 30).
[6] "فتح المجيد" (ص74).
[7] "صحيح مسلم" (1/ 102)، برقم (106).
[8] "صحيح البخاري" (1/ 200)، برقم (594).
[9] "شرح السنة" (14، 384، 385).


_______________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]