عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 28-03-2024, 07:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,877
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم – (33)

حادثة الإفــك ( 3 )


اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
مع الحلقة الثالثة في شرح « حديث الإفك» وما جرى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها فيها.
قولها : « فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها « المرط : هو الثوب الطويل أو الدرع الذي تلبسه المرأة، وعادة يكون من الصوف، وقد يكون من غيره، فلما عثرت قالت : تعس مسطح، وتعس دعاءٌ عليه بالتعاسة، والتعاسة هي الشر، وقيل : الهلاك، وقيل : سقط على وجهه، فلما سمعت عائشة رضي الله عنها هذا القول، قالت لها : « بئس ما قلت؟! أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟!».
وهذا من حسن أدبها، وأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر رضي الله عنها وأرضاها، أي: كيف تقولين تعس مسطح وتسبينه؟! وهو دعاء عليه من أمه إذ تدعو عليه بالتعاسة وعدم التوفيق، والأمر الآخر : أنه رجل قد شهد بدرا، ومن شهد بدرا من الصحابة له منزلة خاصة عندهم، كما جاء في الحديث الصحيح : أن جبريل عليه الصلاة والسلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «ما تعدون من شهد بدرا منكم؟» قال : « ذلك من أفاضل أصحابنا» فقال: «كذلك من شهد بدرا من الملائكة»، وهذا يدل على عظم الحسنة لمن شهد بدرا، فمن شهد بدرا فقد أتى حسنة عظيمة.
وكذا ورد في حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما أفشى شيئا من سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له عمر : يا رسول الله، دعني أضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إنه قد شهد بدرا؟ وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر رضي الله عنه.
أي : من كان شهد بدراً، فإنه مهما عمل من سيئات بعدها، لم تضره، سبحان الله! فمثله كمثل من كان عنده ملايين الأموال، وخسر ألفا أو ألفين أو ثلاثة أيضره ذلك؟! لا يضره.
أما نحن فالذنوب اليسيرة تؤثر فينا؛ لأن الحسنات عندنا قليلة، كمثل الإنسان الذي يعيش على راتبه القليل، فلو حصل له أي أزمة مالية لتأثر.
قولها: « فقالت أي هنتاه» هذه كلمة تقال للأنثى، ومعناها : يا هذه أو يا امرأة، وكأنها تقول لها : أنت لا تدرين عن شيء، لا تدرين عن مكائد الناس وشرورهم، أو تقول لعائشة: أما بلغك ما حصل؟
قولها: « قلت : وماذا قال؟» لأنها لم تكن تدري ما أشاعه المنافقون عنها وروجوا له، حتى راج على بعض المؤمنين الغافلين؛ لأن مسطحا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا، فليس هو من المنافقين، ولكن كما قلنا وقع ذلك عن غفلة وسهو منه.
وهذا فيه تنبيهٌ على أن أهل الشر قد ينصبون حبالهم فيقع فيها بعض المؤمنين، لا عن عمد، ولا كراهية لله ورسوله، ولا رغبة في المعصية، وإنما بغفلة، وهذا ما حصل في هذه الحادثة، فأهل النفاق كانوا يروجون لهذا الإفك والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته، فوقع فيه بعض المؤمنين مثل مسطح بن أثاثه ابن خالة أبي بكر، ووقع في ذلك أيضا -كما قال أهل التفسير وأهل السير - : حسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش وجماعة من المؤمنين الذين جلدهم النبي صلى الله عليه وسلم حدّ القذف، بعد أن نزلت براءة عائشة رضي الله عنها من السماء، وقد تابوا إلى الله سبحانه وتعالى بعد ذلك وحسنت توبتهم، ومن أعظمهم توبة حسان بن ثابت ]، الذي كان بعدها ينافح عن رسول الله [، ويدافع عنه وعن عرضه وعن أهل بيته، بل عن دينه وعن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصب له منبراً في مسجده الشريف، فينشد فيه الأشعار التي فيها الدفاع عن الإسلام، وعن رسول الإسلام وعن الدين والإيمان، والشعر كما تعلمون سلاح عظيم في ذلك الزمن، وهكذا الكلمة التي تبنى على العلم والحكمة والمعرفة، لها أثر عظيم في الناس اليوم، وهي أشد من أثر السلاح والسهام، كما قال صلى الله عليه وسلم لحسان : « هَاجِهم ورُوحُ القُدُس معك، فَوالذي نفسي بيده لكأنما ما تَرميهم به رَشَق النَّبل» متفق عليه.
يعني: كانت قصائد حسان أشد على المشركين من رشق النبل، أي رشق السهام، وهذا تعظيم لدور الإعلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالشعر كان كوكالة الأنباء أو الصحيفة التي تنشر فيها الأخبار في الجزيرة العربية، والشاعر بقصيدة منه يستطيع أن يرفع قومه إلى السماء، ويمكن أن يهجو قوماً فيلحقهم بأراذل الخلق.
وهكذا سلاح الإعلام في هذا العصر سلاح خطير؛ ولذلك أعداء الله اليهود انتبهوا إلى ذلك، فامتلكوا وسائل الإعلام تقريبا في العالم كله، وتدخلوا حتى في الإعلام العربي والإسلامي إلا القليل منه، وهكذا أشباههم من أعداء الأمة، والمفسدون في الأرض.
قولها: « أخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي» لأنها لا تزال ناقهة، خرجت للتو من المرض، تقول: « فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ « قلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ» أي: تأذن لي أن أزور أبوي وأذهب إليهما.
قالت : «وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما» أي أنا أريد بهذه الزيارة أن أستوثق وأتيقن من الخبر الذي سمعته من أم مسطح، بشان الإفك والكذب الذي أشاعه عني المنافقون، قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنيه هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأةٌ قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها» «وضيئة» على وزن «عظيمة»، أي جميلة، من الوضاءة، والوضاءة: الحسن والجمال، وهكذا كانت عائشة رضي الله عنها، ووقع في رواية: « لقلما كانت امرأة حظية» من الحظ وهو الوجاهة وارتفاع المنزلة، وضرائر جمع ضرّة وهي زوجة الرجل الأخرى، فزوجات الرجل ضرائر؛ لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى، بالغيرة وبالقسم في البيات وما أشبه ذلك، ومعنى أكثرن أي أكثرن من القول في عيبها وتنقصها.
قالت: «قلت: سبحان الله»؟! وقد تحدث الناس بهذا؟» أي كانت صدمة عظيمة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ما كانت تتصور أن الناس يمكن أن يقولوا في عرضها ما قالوا، وأن يتجرأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته هذه الجرأة العظيمة.
تقول: «فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم» لا يرقأ أي: لا ينقطع دمعها، تقول جرح لا يرقأ، أي ينزف ولا يقف دمه، ولا أكتحل بنوم أي بسبب شدة الكرب والهم والغم طار النوم عنها، وأوجب لها السهر والبكاء .
قولها : « ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله» أي إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أبطأ عليه الوحي، ولم ينزل عليه فيها شيء، دعا بعض خاصته ومن هو قريب منه، فدعا علياً رضي الله عنه وهو صهره وابن عمه، وأسامة بن زيد رضي الله عنهما وهو حِبه، أي من أحب الناس إليه، هو وأبوه رضي الله عنهما، يستشيرهما في فراق أهله، أي : أيفارق عائشة رضي الله عنها أم لا ؟ بسبب الكلام الحاصل بين الناس فيها وما يشيعه عنها أهل النفاق بما هي بريئة منه، كما برأها الله عز وجل.
قالت : «فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعلم من براءة أهله» هو لا يعلم عنهم إلا كل خير، فيعلم أنهم برآء مما قيل فيهم، والأصل أن الإنسان بريء، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أي حتى تقوم الأدلة على أنه مدان، وأنه فعل الجريمة، وإلا فالأصل البراءة.
قولها: « فأخبر أسامة بما يعلم من براءة عائشة رضي الله عنها، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود والمحبة» أي إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكن لعائشة من الودّ والمحبة ما الله به عليم، وكان الصحابة يعرفون ذلك، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما سُئل : من أحب الناس إليك؟ قال : «عائشة» رواه البخاري؛ أو إن المقصود بقوله «بالذي يعلم في نفسه لهم من الود « هو أسامة، فأسامة كان يجل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويعرف لها فضلها ومنزلته؛ لذلك قال: « يا رسول الله هم أهلك» أي مجرد أن تضاف عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يكفي في عفتها؛ ولذلك قال: هم أهلك، أي إذا كانت تضاف إلى بيت النبوة، وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة وحليلة، فما هو الظن اللائق بها رضي الله عنها وأرضاها إلا العفة والطهر والنقاء، والبعد عن مثل هذه القاذورات؟!
« ولا نعلم إلا خيراً» أي: ونحن لا نعلم عنها رضي الله عنها إلا كل خير.
وأما علي ] فقال: «لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير» علي ] لما رأى شدة كرب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الأمر وتكدر خاطره منه، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما ضيق الله عليك في النساء، إن أحببت أن تفارقها فالنساء غيرها كثير، أراد بذلك أن يفرج عن النبي صلى الله عليه وسلم ويخفف عنه، وأن الأمر ليس بمستغلق، بل لك أن تفارقها وأن تتزوج غيرها، ولم يقصد بذلك سوءا، ولم يكن يضمر شيئا لعائشة رضي الله عنها، لكن عليا ] أراد أن يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فيه تخفيف وتفريج لكربته.
قوله: « وإن تسأل الجارية تصدقك» أي إذا سألت الجارية التي تخدم عائشة وتلازمها صباح مساء تصدقك القول؛ لأنها قريبة منها بحكم المخالطة اليومية للخدمة، والإنسان يستطيع أن يتعرف عليك وعلى محاسنك وعيوبك وطبائعهم، ويعرف مدخلك ومخرجك من خلال ذلك.
ومن البلاء المستطير اليوم وجود بعض الخدم بيننا الذين لا يتقون الله تعالى، فيعرفون أسرار البيوت التي يعملون بها، وإذا ما التقوا فيما بينهم تناقلوا أسرار البيوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن هؤلاء لا يعرفون الآداب الشرعية، ولا يراعون حرمات البيوت فينقلون الأسرار العائلية حتى تصل إلى آخر الحي! وربما كان الخادم سببا لوصول الشر إلى أهل البيت، فيسهل مثلا للسراق واللصوص، أو يسهل لأهل الفاحشة، بحكم معرفته لأهل البيت وأسرارهم، فإنه يطلع على ما لا يطلع عليه غيره؛ ولهذا قال علي ]: وإن تسأل الجارية تصدقك، أي لأنها تعرف عنها ما لا نعرفه نحن.
قالت: «فدعا رسول الله [ بريرة» وبريرة جارية أعتقتها عائشة رضي الله عنها وصار لها الولاء عليها، أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكلام علي ] وإشارته فدعاها، فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» يَريبك ويُريبك بضم الياء وفتحها كلاهما جائز، أي: هل رأيت من شيء فيه ريبة أو شك؟ قالت بريرة: «والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله» تقول بريرة: أقسم بالله الذي بعث رسول الله [ بالحق، إن رأيت، أي ما عليها أمرا قط، أما الأمر الذي أغمصه عليها، أي أراه نقصا في حقها، أو أراه خطأ يحصل منها، أنها هي جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، أي تعجن العجين ثم يغلبها النوم فتأتي الداجن فتأكله، والداجن: هي الشاة التي يربيها الناس في البيوت لأجل الدر والحليب، ولا تخرج للمرعى فتكون من دواجن البيت.
فالعيب الذي كانت تراه على عائشة هو هذا، أن عائشة قد تغفل أو تنام عن بعض تدبير أمور البيت من الطبخ والعجن وما أشبه ذلك بسبب صغر سنها.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]