عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-06-2019, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأسس المعجمية في معاجم التعريب التراثية

الأسس المعجمية في معاجم التعريب التراثية



المعرّب للجواليقي نموذجًا


د. محمد خالد الفجر




اللغات التي وردت في المعرّب:
إنّ أكثر لغة وردت في المعرّب هي اللغة الفارسية، لكنه لم يخل من الإحالة إلى بعض اللغات الأخرى كاليونانية التي أطلق عليها اسم الرومية[38]، والسريانية، والعبرية، والهندية، والقبطية، والنّبطية. كما في الأمثلة التالية:
اليونانية:
"البَرِيص: قال ليس بالعربي الصحيح وقد تكلمت به العرب وأحسبه رومي الأصل"[39].

"البِطْريق: بلغة الروم هو القائد"[40].

"الدِّرياق: قال لغة في التِّرياق وهو روميٌّ معرّب"[41].

"الجِرْيال: صِبْغٌ أحمر وزعم الأصمعي أنه رومي معرّب"[42].


السريانية:
وردت كلمة سريانية في المعرّب، لكنه لم ينص على أصلها السرياني واكتفى بقوله: "الباغوت: أعجمي معرّب، وهو عيد النصارى. وهذه الكلمة سريانية كما نص على ذلك الشيخ أحمد شاكر في هامش الكتاب"[43].

الباسور: قال "تكلمت به العرب وأحسِب أنّ أصله معرّب. والكلمة سريانية"[44].

التَّامور: قال: "قال ابن دريد: ومما أُخِذَ من السريانية: التامور"[45].

"التُّرْعة: الباب بالسريانية"[46].

"الدُّراقِن: وهو معرّب سرياني أو رومي"[47].

العبرية:
"البَرْخ: الكثير الرخيص قال: "أحسب أصلها عبرانيًا"[48].

النبطية:
"البَرْطُلَّة: كلمة نبطيّةٌ، وليست من كلام العرب"[49].

"الجُودِياء: بالنبطية أو الفارسية: الكساء"[50].

"الحُردِي نبطيٌّ معرّب"[51].

الحَنْدقُوق: قال: "قال الأَصمَعي: الحَنْدقوق نبَطيٌّ"[52].

القبطية:
البُهَار قال: " قال أبو عبيد أحسبها غير عربية وأراها قبطية"[53].

منهجه في اختيار الكلمات المعرّبة:
تعد الحقول التي تنتمي إليها المداخل التي يحتويها المعجم، مندرجة ضمن مسألة الجمع، إذ إن المعجمي يحدد في جمعه للمادة الحقول التي سيأخذ منها مادته، وهل ستنتمي مداخله إلى حقل علمي واحد، أم إلى عدة حقول، ومن خلال تتبع المداخل التي وردت في المعرّب تبين أن الجواليقي لم يكن ملتزمًا بحقلٍ علميٍّ محدد، أي لم يكن مثلاً مخصصًا بالألفاظ الدخيلة في علم الطب، أو النبات، بل إنه ضمّ ألفاظ حقول متنوعة، حتى إنه تناول ألفاظًا عامة لا تندرج تحت حقل علميٍّ كذكره لأسماء الأماكن وأسماء العلم كما في الأمثلة التالية:
أسماء الأماكن:
خُوَارزم: قال: "خُوارزم قد تكلمت به العرب"[54].

خُسْرسابور: "بلدٌ من بلاد العجم نسبت إلى إلى خُسْر وسابور وهما ملكان من ملوك الفرس"[55].

دَهْلَك: "اسم موضعٍ أعجميٍّ معرّب"[56].

راوَنْد: "اسم بلدةٍ من أعمال أصبهان"[57].

سِنجَال: "قرية بأرمينية"[58].

أسماء الأعلام:
داود: "أعجميٌّ" [59].

زكريا: "اسمٌ أعجميٌّ"[60].

ثانيًا - الترتيب:
رتب الجواليقي كتابه ترتيبًا ألفبائيًا وقد وضح ذلك في قوله: "وقد رتَّبنا هذا الكتاب على حروف المعجم؛ ليسهل مرامُه، ويكمُل نظامه"[61].

لكنه لم يكن ملتزما الترتيب الداخلي للكلمة فهو يذكر الكلمة مرتبة وفق حرفها الأول فقط أما الثاني والثالث فإنه لم يراع تتابعهما، فوردت كلمة "إسماعيل" قبل كلمة "الإستبرق" وكلمة "الأَرَنْدَج" قبل كلمة " الأُبُلّة[62].

وكان ينتقل من مدخل إلى مدخل بذكر حديث أو قول عالم من العلماء، ثمّ يرد المدخل ضمن النص الذي ينقله كما في الأمثلة التالية:
"وفي الحديث أنّه مرَّ على أصحاب "الدَّرْكِلَة" قال ابن دريد الدَّركِلَة لعبة الصبيان وأحسبها خشبية"[63].

فكلمة "الدركلة" لم يبدأ بها وإنما وردت ضمن حديث بدأ به بعد كلمة الدَّمَقس.

ومن ذلك أيضًا قوله: "وأخبرت عن ابن رِزْمَه عن أبي سعيدٍ عن ابن دريدٍ قال: "الدّانِق معرّب بكسر النون وهو الأفصح الأعلى"[64].

ثالثًا - التعريف:
التعريف مصدر يدل فعله المضعف عرّف تعريفًا الشيء أعلمه إياه، أو جعله يدرك كنهه وهذا يعني أن هناك نوعين من التعريف، تعريف بالإشارة إلى الشيء ذاته، والوقوف عليه بإحدى الحواس، والتعريف بالاستدلال عليه بوساطة الكلمات، أي اللغة الواصفة[65].

وكلُّ معجميٍّ الغاية من معجمه هو تثبيت مدلول اللفظ في ذهن مستعمل معجمه، وكلما كان التعريف واضحًا ومحتويًا لمدلول اللفظ، كانت فوائد المعجم أكثر، وتتنوع وسائل التعريف، فمن المعجميين من يكثر من الشواهد لتساعد على تقريب اللفظ من القارئ، ومنهم من يكون تعريفه غامضًا كأن يستعمل كلمة معروف، ومنهم من يوجد عنده ما يسمى بالتعريف الإحالي، ويقوم هذا التعريف على إرجاع القارئ إلى صفحة سابقة مرّ فيها تعريف اللفظ وهناك أشكال أخرى للتعريفات تنوعت بحسب مؤلف المعجم. وقد وقفت على بعض من أشكال التعريف وردت عند الجواليقي، أذكر منها:

التعريف بالشاهد:
كثرت الشواهد في المعرّب، وكان يتبع كثيرًا من الألفاظ نصًا شعريًا، أو حديثًا نبويًا:
الاستشهاد بالشعر:
كما في تعريفه "للبريص" قال: "البريص موضع في بدمشق، وليس بالعربي الصحيح، وقد تكلمت به العرب، وأحسبه روميَّ الأصل. قال حسان:
يَسْقُون َمن وَرَد البريصَ عليهمُ بَرَدَى يصفق بالرحيق السَّلسَل"[66].

الاستشهاد بالحديث:
مثال ذلك قوله: "وعن جابرٍ بن عبدالله -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلّم - قال: "يا أهل الخندق، قوموا فقد صنع جابرٌ "سُورًا" قال أبو العباس ثعلب: إنّما يُراد من هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلّم - تكلم بالفارسية، صنع سُورًا أي: طعامًا دعا إليه الناس"[67].

المعلومات اللغوية ضمن التعريف:
إنّ ذكر معلوماتٍ صرفيةٍ، أو نحويةٍ تعد ضروريةً لقارئ المعجم؛ إذ إنها تعين في معرفة نطق الكلمة، واستخدامها في اللغة، ولم يخل المعرّب من هذه المعلومات في كثيرٍ من تعريفاته، خاصةً وأنّ اللفظ المعرب هو اللفظ الذي تخضعه العرب لقوانين لغتهم، فكان الجواليقي يعرض الأوزان الصرفية التي تقولب بها الألفاظ الأعجمية. من ذلك مثلاً:
البَقَّم: فارسيٌّ معرّب وهو صِبْغٌ أحمر وقد تكلمت به العرب قال رؤْبة: كَمِرْجَلِ الصّباغِ جاش بَقَّمُهْ قال ولم يأت فعَّل إلا أحرفٌ هذا أحدها.

دِرْهَم: قال: "معرّب[68] وقد تكلمت به العرب قديمًا، وألحقوه بـ{هِجْرَع}.

سِخْتِيت: قال الجواليقي: "أي شديدٌ صلب أصله سَخْت... فلمَا عُرِّب قيل سِخْتيت فاشتقوا منه اسمًا على {فِعْلِيل} فصار سِخْتِيت من سَخْت، كَزِحليل من زَحْل"[69].

وكان أحيانًا يذكر المعلومات اللغوية دون شرح لمعنى اللفظ المقترض كما في كلمة منجنيق فهو تحدث عن زيادة الميم[70]، ولم يشرح معنى المنجنيق وهو: الآلة التي تُرمى بها الحجارة[71].

المعلومات الموسوعية:
أي أن يذكر المعجمي في التعريف أشياء خارجة عن المعلومة المرتبطة باسم الشيء المعرَف مباشرة، كأن يذكر أقوال العلماء في قضية من القضايا، وقد وردت بعض التعريفات الموسوعية عند الجواليقي أذكر منها:
كلمة بغداد:
بين أنها: "أعجمية ثم بين أنها تعني عطية الصنم، وذكر أن الأصمعي كان يكره أن يقول بغداذ وينهى عن ذلك ويقول مدينة السلام، ثم ذكر تصريفاتها: بغداد بدالين وبغداذ وبغدان وذكر أبياتًا من الشعر قيلت فيها"[72].

التعريف بكلمة معروف:
التَّوْر: إناءٌ معروف[73] تذَكِّره العرب[74].

الزِّئبق: قال: "معروفٌ وهو معرّب ويقال له أيضًا الزَّاووق"[75].

الزَّبَرْجَد: قال: "معروف[76] "[77].

وأحيانًا يذكر كلمة معروف في بعض المواضع، ولكنه يتبعها بتعريف موجز كما في كلمة:
البَرْبَط: "معروف وهو معرّب، وهو من ملاهي العجم[78]"[79].

التعريف دون ذكر الأصل اللغوي:
كان يبين أن بعض الألفاظ غير عربية لكنه لا يحيل إلى اللغة التي أخذ منها كما في الأمثلة التالية:
البَلْجَمَة: قال: "لا أحسبها عربيةً صحيحةً"[80].

"بَبَّان: كلمةٌ ليست بعربيةٍ محضةٍ"[81].

"التِّلامُ: أعجمي معرّب"[82].

"الجَوْرَب: أعجميٌّ معرّب[83]"[84].

الزُّمُرُد: قال: "بالذال المعجمة أعجميٌّ معرّب"[85].

كلمات لم يعرفها:
السَّياجة: قال: أعجميٌّ معرّب"[86].

البَرْطُلَّة: "كلمة نبطيّةٌ[87]، وليست من كلام العرب"[88].

التعريف بالإحالة:
السُّكُرُجة: قال الجواليقي: "أعجميةٌ معرّبة، وقد تقدم تفسيرها في باب الهمزة"[89].

التعريف الناقص:
فهو في بعض تعريفات النباتات كان يبين نوعها ومنبتها وصفاتها محققًا ما يطلق عليه التعريف المنطقي وهو الذي يحاول فيه صاحبه أن يعبر عن الشيء بأجزائه، كما في تعريفه لكلمة الزَّنجبيل قال: "قال الدِّينوري: ينبت في أرياف عُمَان وهي عروقٌ تسري في الأرض وليس بشجرٍ ونباته مثل نبات الراسَن وهو يأكل رَطبًا"[90] لكنه في تعريفات أخرى لا يعرض أي معلومة عن النبات الذي يعرفه ويمكن التمثيل على ذلك بكلمة:
الرَّانج: قال الجواليقي: "الرَّانج الجوز الهندي كأنّه أعجميٌّ"[91].

الخطأ في تأصيل الكلمة نسبتها إلى المعرّب وهي من الكلام العربي:
إنّ تحديد أصل الكلمة يعد في معاجم التعريب جزءًا من التعريف، وقد أشار العلماء إلى أنّ عددًا من الألفاظ أخطأ الجواليقي في تحديد أصلها.

فمثلاً في كلمة سلسبيل: قال الجواليقي: "هو اسمٌ أعجميٌّ نكرة"[92] نص المحقق على أنها عربية النجار قائلاً: "لم أر أحدًا نقل أنّ السلسبيل اسمٌ أعجميٌّ إلا هذا المؤلف"[93]، واعتمد في تعريبها على وجود الجذر العربي لهذه الكلمة؛ إذ إن اللغويين العرب ينصون على أنّ ما كان له جذرٌ عربيٌّ لا يمكن الحكم بعجمته[94] ويستدل الجواليقي بكلام ابن دريد الذي أشار إلى أن الجذر له أثر في الحكم على الكلمة، ويبدو أن الجواليقي موافقٌ لكلام ابن دريد دل على ذلك استدلاله بكلامه دون أن يضيف أي تعليق على ما قاله ابن دريد فقد حكم بعجمة كلمة المرجان لأن ليس لها أصلٌ عربيّ، قال: "المرجان: ذكر بعض أهل اللغة أنّه أعجميٌّ معرّب. قال أبو بكرٍ: ولم أسمع له بفعلٍ متصرف..."[95].

الدينار قال: "فارسيٌّ معرّب"[96] والكلمة أصلها لاتيني[97].

وفي كلمة الذِّماء قال: "فارسيٌّ معرّب" قال محقق الكتاب، الكلمة عربيةٌ وقد اشتقوا منها: ذمى المذبوح يذمي ذمًا وذماءً إذا تحرك من بابي بَلى ورمى" [98].

الخاتمة:
من خلال ما سبق تبين لنا أن الجواليقي كان يسير وفق منهجٍ محدد في تصنيف مادته، لكن هذا المنهج لم يكن ملتزمًا به في جميع المواضع، وربما يرجع السبب إلى أنه لم يصغ القواعد التي سيسير عليها نصًا، وإنما كانت مستقرةً في ذهنه، وربما يرجع إلى أن معجمه يُعد أول معجم خصص لهذا النوع من المداخل، فكان إصدار المعجم أهم من السير على منهجٍ دقيق، وهذا ما يعلل الإخلال في ترتيب المداخل، وكذلك النقص في بعض التعريفات، لكنه مع كل ما سبق، تبقى له ميزة السبق، ويبقى مادةً غنية لا يستغني عنها أي باحثٍ في مجال الألفاظ المقترضة التي اقترضتها العربية من غيرها.

كما أنه تبين لنا أهمية معاجم الألفاظ المعرّبة في التصنيف المعجمي العربي المعاصر، فهذه المعاجم بحاجة إلى فريق عملٍ يقوم بتتبع الكلمات الدخيلة فيها، وذلك للوقوف على التغيرات التي أصابت الكلمة سواءٌ من ناحية الشكل أم من ناحية المدلول، وهذا يعيننا في إيجاد مادة غنية يمكن أن تفعل لاستيعاب ما يجد من مصطلحات، ويعدُّ ما قام به الدكتور ف. عبد الرحيم في معجمه الدخيل نموذجًا يُحتذى به ولكن لا بد من أن يكون المعجم إحصائيا لكل ما دوِّن في مجال المعرب والدخيل حتى تتوافر لنا مادةٌ تأريخيةٌ علمية، تتبع المصطلحات الدخيلة في المعاجم المخصصة لمثل هذا النوع من الكلمات وكذلك تتبعها في المعاجم المختصة بالمصطلحات العلمية كمفاتيح العلوم للخوارزمي (ت 386 هـ).

ويمكن أيضا من خلال هذا التتبع التاريخي تأمين مادة جيدة وصالحة للاستفادة منها في المعجم التاريخي، أضف إلى ذلك أنّ تتبع هذه الكلمات يصحح تأثيل الكلمة فبعض الكلمات ربما حكم أحد أصحاب معاجم التعريب بعجمتها مع أنها عربية، أو نسبها إلى لغة غير لغتها الأصلية، وقد ساعد على تحديد أرومتها معجمي لاحق.

وأخيرًا يمكننا من خلال هذا الجمع والتتبع معرفة الضرورة التي تسوغ استخدام الدخيل فإذا كان عندنا كلمات استمرت قرونا بصورتها الأعجمية فهذا يؤكد أنه يمكننا اليوم أن ندخل مصطلحات بصورتها الأعجمية، إذا لم نتمكن من إيجاد المقابل العربي لها، خاصة إذا كانت الكلمة قد أصبحت كلمة عالمية.

وهكذا يتبين لنا أن تراثنا فيه من الكنوز الكثير الذي بحاجة إلى إعادة صقل من أجل إعادة استخدامه في أيامنا سواء في المنهج أم في المحتوى.

قائمة المصادر والمراجع
المصادر:
الجواليقي، المعرب، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، القاهرة، دار الكتب والوثائق القومية، ط4، 1423هـ /2002م.

الجواليقي، المعرب، تحقيق الدكتور ف.عبد الرحيم، دمشق، دار القلم، ط1، 1410 هـ/1990م.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]