عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-06-2019, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الأسس المعجمية في معاجم التعريب التراثية

الأسس المعجمية في معاجم التعريب التراثية



المعرّب للجواليقي نموذجًا


د. محمد خالد الفجر




تعريف موجز بالمعاجم العربية:

يعد العرب من أوائل الشعوب التي امتازت بالتصنيف المعجمي وهذا ما أكده أغلب العلماء وشهد به غير عالم من الأعاجم كهايوود الذي يقول: "يُعَد العرب الأفضل حتى عصر النهضة في تصنيف القواميس، والأعمال المعجمية"[1]، و هذا ما ذكره فيشر حيث قال: "إذا استثنينا الصين فلا يوجد شعبٌ آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها حسب أصولٍ وقواعد، غير العرب"[2].




وكانت المعاجم العربية محاولة من مصنفيها لاحتواء اللغة العربية بنوعيها أي اللغة العامة واللغة العلمية، وقد تنوعت طرق ترتيبها فمنها ما رتب وفق الترتيب الصوتي مثل أول المعاجم العربية - معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175 هـ / 718 - 786م) ومنها ما رتب ترتيبًا ألفبائيا وقد توزع على شكلين ترتيب بحسب الأوائل وترتيبٌ بحسب الأواخر[3].



واحتوت المعاجم العربية جميع أنواع الخطاب اللغوي العربي كما ذكرت سابقًا، فمنها ما صنف لاحتواء مفردات اللغة العامة، ومنها ما صنف لاحتواء موضوعات عامة مرتبطة بحياة الإنسان، ومنها ما صنف لاحتواء المصطلحات، وهو المعجم المختص، وقد قسم المعجم المختص إلى معجم مختص بحقل علمي واحد، ومعجم مختص بأكثر من حقل علمي[4]، ويمكن أن يُدرج ضمن المعاجم المختصة تلك المعاجم التي صنفت لاحتواء الكلام الأعجمي، أي الكلام المعرّب والدخيل؛ لأنها صنفت وخصصت لنوع خاص من مستويات اللغة ألا وهو الكلام المقترض الذي دخل العربية من غيرها من اللغات. فكما هو معروف ومسلم به أن اللغات تحتك فيما بينها وأنّ كل لغة تستورد ألفاظًا من اللغات الأخرى وهذا الاحتكاك يوسع أفقها ويجعلها قادرةً على حمل المفاهيم الجديدة، وهو عنوان حيوية اللغة وقدرتها على التواصل وعدم الانغلاق على نفسها، فالاقتراض اللغوي وسيلةٌ من وسائل توليد المفردات وإثراء اللغة وتوسيع منظومتها المفهومية[5]، وقد أحسن الدكتور وهيب كامل تشبيه انتقال الحضارة بين الأمم عندما قال: "بين الحضارة والمرض المعدي بعض أوجه الشبه فكلاهما ينتقل من جماعةٍ إلى أخرى باللمس والاتصال " [6].



وقضية الدخيل والمعرّب ذكرت في أوائل المعاجم العربية فالخليل حدّد قاعدةً صوتية يُمَيَّز بوساطتها العربي من الدخيل، قامت هذه القاعدة على ما سماه بأحرف الذّلاقة وهي: (الراء واللام والنون والفاء والباء والميم) فبيّن أنّ كل كلمة "رباعيةٍ أو خماسيةٍ معرّاة من حروف الذّلق أو الشفوية ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرفٌ واحدٌ أو اثنان أو فوق ذلك فاعلم أنَّ تلك الكلمة محدثةٌ مبتدعة، ليست من كلام العرب"[7]، وكان عددٌ من أصحاب المعاجم القديمة ينصون على أصل الكلمة كما في الجمهرة لابن دريد، وبعد مرور الزمن واشتداد عود النهضة المعجمية العربية، ظهر في الساحة اللغوية معجم يعد من أوائل المعاجم المختصة بالمعرّب والدخيل وهو معجم المعرّب للجواليقي (ت544هـ -1145م)[8] الذي نص في مقدمته أنه سيحاول من خلال معجمه أن يحصر الكلمات الدخيلة. وأكثر العلماء على أن معرّب الجواليقي يُعد أول المعاجم التي عالجت قضية الاقتراض اللغوي بطريقةٍ منهجيةٍ ونظريةٍ تطبيقيةٍ[9] للمعرّب والدخيل وكان ظهوره في القرن الخامس الهجري، وقد تابعه في هذا النوع من التصنيف المعجمي عدد من العلماء كابن كمال باشا (ت 940 هـ) في رسالة في تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية، والخفاجي في شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل (ت 1096 هـ)، وهذا النوع من التصنيف المعجمي يُعد مهمًا لأمرين:

أولهما أنها تمثل معاجم تأثيلية حاول أصحابها رد الكلمات إلى أصلها.

وثانيهما أنها تسهم في إغناء المعجم التاريخي العربي الحلم الذي يرجو العرب تحقيقه في يوم من الأيام، ولأهمية هذه المعاجم لابد من نظرة في منهجها وطريقة تصنيفها، ونظرًا لاتساع مادة المعرّب وكثرة الكتب التي ألفت حوله، فإنني سأحصر بحثي في أول معاجم التعريب الذي يعد أهم معاجم المعرّب ألا وهو المعرّب للجواليقي وقد تناول طريقة الجواليقي في تصنيف معجمه غير باحثٍ من الباحثين اللغويين، منهم على سبيل التمثيل لا الحصر الدكتور إبراهيم بن مراد في كتابه المصطلح الأعجمي[10]، لكن حديثه كان إشارات موجزة رأيت من الأهمية بمكان التوسع فيها والوقوف على أشياء لم يقفوا عليها، فستكون هذه الدراسة محاولة لتسليط الضوء على الأسس المعجمية التي تجلت في المعرّب.





المعرّب والدخيل:

فرّق العلماء المحدثون بين المعرّب والدخيل فرأوا أن المعرّب هو: "اللفظ الذي تقترضه اللغة العربية من اللغات الأخرى، وتخضعه لنظامها الصوتي والصرفي عن طريق الزيادة فيه أو الإنقاص منه أو القلب أي إبدال حروفٍ عربيةٍ ببعض حروفه"[11].



وأمّا الدخيل فبينوا أنّه: "اللفظ الذي تقترضه اللغة العربية من اللغات الأخرى وتبقيه على حاله دون أن تغير في أصواته وصيغته، مثل تلفون، تلكس..."[12].



ولكنّ الرأي الذي يتماشى مع سير الاقتراض اللغوي هو اعتبار الدخيل أعم من المعرّب، أي أن الدخيل يمكن أن يسمى معرّبا أما المعرّب فلا يسمى دخيلاً؛ وذلك لأنه لا توجد كلمة إلا ويُجرى عليها بعض التغيير إن لم يكن بالشكل الكامل للكلمة ففي الحروف وإن لم يكن في الحروف ففي النطق[13].



موقف الجواليقي من التفريق بين المعرّب والدخيل:

حدّد الجواليقي في مقدمته منهجه من قضية الألفاظ المعرّبة، ووقف في بدايتها عند موضوع المعرّب في القرآن الكريم، وبعد عرضه موقف أبي عبيدة معمر بن المثنى (110 - 209 هـ / 728 - 824 م)، وموقف ابن عباس (3 ق. هـ - 68 هـ / 611 - 687 م)....، من قضية اللسان غير العربي في القرآن، نقلا عن القاسم بن سلّام (157 - 224 هـ / 774 - 838 م)، عرض رأيه الذي يعد تأكيدًا لاحتكك العربية بغيرها من اللغات وعدم عيشها في جزيرة معزولة، فقد رأى أن موقف أبي عبيدة المنكر لوجود ألفاظ غير عربية في القرآن صحيح، وكذلك موقف ابن عباس ومجاهد وعكرمة المقرين بوجود ألفاظ غير عربية في القرآن صحيح أيضا، وقد علل صحة قوليهما بقوله: " إنّ هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل، ثم لفظت العرب بألسنتها فعرَّبته، فصار عربيًا بتعريبها إياه، فهي عربيةٌ في هذه الحال، أعجمية الأصل"[14].



فهو يرى أن العرب استخدموا كلامًا من غير لغتهم، وصبغوه بصبغة تتجاوب مع قواعد صرفها، فصارت هذه الكلمات بمثابة الكلمات العربية.



ومن خلال مقدمته التي تعد مفتاحًا لمعرفة منهجه في تصنيف معجمه، نرى أنّه لم يفرق فيها بين لفظ المعرّب ولفظ الدخيل؛ إذ إنه قال: "هذا كتابٌ نذكر فيه ما تكلمت به العرب من الكلام الأعجمي، ونطق به القرآن المجيد... ليُعرف الدَّخيل من الصريح"[15]. فقد ذكر كلمة الدخيل دون المعرّب وهذا يعني أنه كان يرى أن المعرّب والدخيل مترادفان.



لكن مادة معجمه وتعليقه على الكلمات يؤكد أنه لم يكن يفرق بين اللفظين المعرّب والدخيل، وهذا سيرٌ على نهج سابقيه الخليل وسيبويه وأصحاب المعاجم العربية.



عدم اتباعه منهجًا واحدًا في وصف الكلمة المقترضة:

ولم يكن يصف الكلمة بلفظ واحد بل إنه مرة يقول معرّب، ومرة معرّب ويذكر بعد هذه الكلمة اللغة التي أخذ اللفظ منها، ومرة يصف اللفظ بالدخيل، ومرةً يقول أعجمي معرّب، وأحيانًا يكتفي بكلمة أعجمي، والأمثلة التالية توضح ما ذكرته:

ذكره كلمة معرّ:

"التُّوتياء: حجرٌ يُكتَحل به وهو معرّب"[16].



"الجِرداب: وسط البحر وهو معرّب"[17].



ذكر اسم اللغة ونعت الكلمة بالمعرّب:

كأن يقول فارسي معرّب مثل: "البارح: قال: قال أهل اللغة: هو فارسيٌّ معرّب وأصله بَهْرَه"[18].



"البَذْرَقة: فارسية معرّبة"[19].



"البِرْزين: فارسيٌّ معرّب"[20].



ويطلق على اللفظ في بعض المداخل كلمة دخيل:

كما في تعريفه لبُصْرَى "قال: موضعٌ بالشأم وقد تكلمت به العرب وأحسبه دخيلاً"[21].



"الجُلَّسان: دخيل"[22].



ومرة يقول أعجمي معرّب:

كما في كلمة "البَاشَق: قال: أعجميٌّ معرّب"[23].



"البِرِند: جوهر السيف وماؤه.... قيل: إنه أعجميٌّ معرّب"[24].



الاكتفاء بكلمة أعجمي دون ذكر اللغة:

"البَأْجُ: أيضًا أعجمي"[25].



"جالوت: أعجمي"[26].





الأسس المعجمية في المعرّب:

إن أي معجم لا بد في تصنيفه من التركيز على ثلاثة أسسٍ وردت في كلام الدكتور عبد العلي الودغيري: " الخطوة الأولى التي يخطوها صانع القاموس اللغوي تحديد هدف كتابه وحجمه وجمع المادة التي يؤلف منها مدونته، والخطوة الثانية هي أن يعمل على تصنيف هذه المادة وتحويلها إلى مداخل مرتبة ترتيبا محكمًا، والخطوة الثالثة هي أن يقدم تعريفًا لكلِّ مدخلٍ..."[27].



فهذه الأسس الثلاثة (الجمع، والترتيب، والتعريف) تنطبق على كل عمل معجميٍّ سواء أكان قديمًا أم حديثًا، وسأتناول في الصفحات التالية هذه القضايا وكيفية ظهورها في معجم المعرّب.



أولًا - الجمع:

تعد طريقة جمع مادة المعجم القاعدة الأولى التي يبني المعجمي معجمه عليها ففيها يحدد الأشخاص الذين سيفيدهم المعجم، وبناء على التحديد، يعين مصادر جمع مادته، ونوعية المفردات أو المداخل التي سيضمنها معجمه، وفي جمع مادة معاجم التعريب توجد قضية مهمة وهي طريقة الحكم على المادة هل هي أعجمية أم عربية.



مستعمل المعجم:

لم يكن الجواليقي خارجًا عن سنة المعجميين الأوائل فقد كانت مقدمته خلوًا من الإشارة إلى المستعمل الذي يوَجه إليه المعجم، ويبدو أنّ هذا الأساس المعجمي لم يُتَبع إلا في الأزمنة المعاصرة؛ إذ إن كل عملٍ معجميٍّ معاصر لا بدّ فيه من تحديد مستعمل المعجم، لأنه بناء على تحديد المستعمل، يُحدد مستوى الكلمات وكيفية معالجتها، أضف إلى ذلك حجم المعجم.



مصادر الجمع:

يقول الدكتور إبراهيم بن مراد: "وأهمُّ المسائل المتصلة بالجمع ثلاث: أولاها هي المصادر التي يعتمدها في جمع مدونته"[28] ولم يبين الجواليقي في مقدمته المصادر التي سيعتمدها في استقاء مادته، لكن ظهرت مصادره في ثناياه، وقد كان أول مصدر أخذ منه هو أبو علي الفارسي (288 - 377 هـ / 900 - 987 م) وذلك في كلامه على كلمة أيوب[29].



إلا أن المعتمد الأول الذي اعتمد عليه (جمهرة) ابن دُريد (223 -321 هـ / 838 - 933 م)، وأول مادة استند فيها إلى كلام ابن دريد هي كلمة "الأَرَنْدَج"، حيث قال: "وقال ابن دريد: هي الجلود التي تُدبغ بالعفص حتى تَسْوَّد"[30].ففي المثال السابق صرّح باسمه، وكان في مواضع أخرى يذكره بكنيته أبي بكر، وأحيانا يذكر الجمهرة.



كما في "بَرْقَعيد و بَرْبعيص": قال: "قال أبو بكرٍ: أحسبهما معرّبين"[31].



وأخذ من أبي عُبَيد فقد ذكره في أكثر من مدخل من ذلك قوله في كلمة البُهار قال: "قال أبو عبيد: أحسبها كلمةً غير عربية وأراها قبطية"[32].



ونقل عن الأزهري (282 - 370 هـ / 895 - 981 م). كما في قوله في أثناء تعريفه لكلمة "دَهْل" قال: "قال الأزهري: وليس لا دَهْل...من كلام العرب إنّما هو كلام النّبط..."[33].



كما أن اسم الأصمعي (123-216هـ) قد ورد عنده كثيرًا كما في تعريفه لكلمة "الديوان" قال: "الديوان بالكسر. قال الأصمعي: قال أبو عمرو: وديوان بالفتح خطأ"[34].



وهذا يعد ميزة تميز بها المعرّب ألا وهي ذكر المصدر الذي أخذ منه مادته المعجمية، إذ إنه بهذه الإحالات تحققت في معجمه قضية معجمية ما زالت المعجمية المعاصرة تؤكدها، بل إن الهيئة الدولية للمصطلحية نصّت على أنّ المدخل يجب أن يشار فيه إلى المرجع الذي أخذت المادة منه.



لكنه لم يكن في جميع المواد معتمدًا على النقل بل اعتمد أحيانًا على ثقافته دون إشارة إلى المرجع الذي استقى منه تعريف المادة كما في تعريفه لكلمة "قِرْطَعبَة"



قال: " أعجمي معرّب وهو وصفٌ للمرأة التي تشبه الرجال في الخَلْق والخُلُق. ويقال أيضًا زَمَّرْدة بفتح الزاي والميم وتكون مثل علَّكد من الرباعي وهو الغليظ الشديد"[35]. إنّ عدم إشارته إلى المصدر في الكلمة السابقة يرجع إلى أمر مهم ألا وهو إتقانه للغة الفارسية خاصة أنه من أبناء أهلها أي فارسي الأصل.



وكان في بعض المداخل يذكر المصدر عامًا دون إحالةٍ إلى كتب أو اسم عالم محدد، كما في قوله عند تعريفه لكلمة البارح قال: " قال بعض أهل اللغة: هو فارسيٌّ معرّب"[36].



و وفي تعريفه للبِيعَة والكنيسة: قال: "جعلهما بعض العلماء فارسيين معرّبين"[37].



وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]