عرض مشاركة واحدة
  #612  
قديم 09-05-2008, 03:58 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... كابوس الكفــــر


لقد استعبدت أكثر الناس فلسفات ومبادئ راتبة يقوم أكثرها على المبدأ التالي: إن الإنسان يظهر في الوجود ويشب ثم يكبر ثم يموت. إن الإنسان لا يولد إلا مرة واحدة، وإن الموت هو نهاية كل شيء. ولهذا يتعين على الناس أن يحيوا حياتهم طولا وعرضا وأن يسعوا لتحقيق رغباتهم وإشباع نزواتهم وشهواتهم ما دامت في حياتهم بقية.
وهكذا طفق الناس ينفقون حياتهم التي ظنوا حمقاً أنها الحياة الوحيدة متشبثين بأنماط الحياة والسلوك التي ورثوها من أسلافهم الغابرين. وشرعوا، مدفوعين بروح مجردة من الوعي بالموت، في جعل اتباع الشهوات والتخطيط للمستقبل غايات سامية لحياتهم. ويصدق هذا الوصف على كل الناس على اختلاف مشاربهم وشياتهم الثقافية والاجتماعية. فقد أصبح الحصول على تعليم راق وشغل منصب مرموق وتحقيق مستوى عال من العيش وبناء أسرة سعيدة وغير ذلك مما لا يحصى من الأهداف المماثلة، غايات ثابتة للحياة.

كل شيء حي سيفارق الحياة في وقت محدد وسيقف بمفرده أمام الله
ليحاسبه على ما قدم في حياته وهذه حقيقة يؤكدها القرآن.

يمكن للمرء أن يفيض في ذكر هذه الأهداف فيسوّد بها صحائف كثيرة، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الناس قد عشوا عن الغاية الوحيدة لوجودهم، وأنفقوا حياتهم كلها والتي هي فرصة فريدة أعطوها لتحقيق غاية وجودهم الكبرى، في الباطل والسفه. وهذا الهدف النهائي هو أن يغدوا عبيدا لله الخالق. وهذا الأمر مبسوط في القرآن في قوله تعالى : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات: 56).
إن السبيل إلى تحقيق العبودية الحقة مبين كذلك في القرآن. والعبودية لله تعني القبول بوجود ووحدانية الله، ومعرفة صفاته العليا وأسمائه الحسنى والإقرار بجلاله وعظمته والالتفات عن عبادة كل معبود سواه وصرف العمر سعياً لنيل رضاه. وقد اشتمل القرآن على وصف مفصل ودقيق لنمط الحياة والقيم الخلقية التي يرضها الله للناس. والشخص الذي يعيش في كنف هذه القيم وفي إطار هذه الحدود مبشر بحياة طيبة يحوزها في الدنيا وفي الآخرة. ولمن تنكب سبيل الله مآل سيئ ينتظره.
إن لنمط حياة المرء في هذه الدنيا دور في تشكيل مستقبله الأخروي وحياته السرمدية بعد الموت. والموت حد فاصل تنتهي عنده فترة الاختبار ولا يسمح للإنسان بعده بإصلاح ما أفسده إبان إقامته في الحياة الدنيا، ولهذا فإن تصرف الإنسان كما لو أنه جاء إلى الوجود بمحض المصادفة أو أنه حر طليق من أي قيد أو أنه قد جاء إلى هذه الحياة ليقضي أيامه في إشباع رغبات مستحقرة، سبيل ستفضي به إلى درك الخسران. إن الذين يستهترون بخالقهم ولا يبالون بأمره ولا يقيمون وزنا للغاية من خلقهم ولا يأبهون لما سيئول إليه أمرهم في الحياة الآخرة، سيقال لهم يوم القيامة على وجه التوبيخ: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون: 115).
هؤلاء الناس هم في واقع الأمر غير مدركين للغاية من وجودهم. وقد أوضح الله هذه الغاية من خلال كتبه ورسله وأرشد الناس إلى الطريق القويم، وفوق ذلك، أعطى الله الإنسان فسحة من العمر ليتعظ. ولن ينفع الذين عموا وصموا عن هذه الفرص وآثروا الشهوات واتبعوها كلها وتنكبوا الطريق الصحيح التي ارتضاها لهم بارئهم، لن ينفعهم الاعتذار يوم القيامة ولن يستعتبون: "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ" (فاطر: 37).
القــرآن يرشــد إلى سبــل تحــقيق العبـــودية للـــه

لأن الإنسان خلق ليكون عبدا لله فهو مطالب بمعرفة كيفية هذه العبادة. جاءت الإشارة إلى هذا في القرآن: "لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ" (الحج: 67).
ففي القرآن وصف مفصل لنوع العبادة التي يريدها الله من عباده. وإن المرء لواجد في القرآن كل الإجابات على الأسئلة المتعلقة بإقامة الصلاة والعبادة الراتبة والزكاة الواجبة إلى جانب الصفات التي يمتدحها الله في عباده المؤمنين وأنماط السلوك التي يتعين على العبد اجتنابها والقيم الخلقية التي ينبغي للعبد اكتسابها، كل هذا مبسوط ومصرح في القرآن. إن التواضع والاستعداد للتضحية والبذل في سبيل الله والأمانة والعدل والتسامح والثبات على المبدأ ونحو ذلك من السمات الخلقية، مشار إليها ومحمودة في القرآن. كما تحدث القرآن باستفاضة عن الأعمال الشريرة وسيئات السلوك والتعامل الفج مع الناس وحذر المؤمنين من الاقتراب منها.
لقد خلق الله الكون والإنسان من لا شيء. وخص الإنسان من بين سائر المخلوقات بفضائل جمّة حباه إياها منها الروح وهي أبرز وأعظم ما يميّز الإنسان، وهي التي تجعل الإنسان كائنا واعيا مدركا. وأفضال الله ونعمه على الإنسان كثيرة يأتي دونها الحصر (18-النحل) لهذا يتعين على الإنسان التأمل في سبب استحقاقه لهذه النعم والمكرمات وما هو المطلوب منه مقابل ذلك.
لقد أودع الله في الإنسان القدرة على إدراك حقيقة أن كل النعم التي يستمتع بها قد جاءته من قبل الله، وبالتالي يسهل عليه إدراك ما يتعين عليه من واجب الشكر لهذه النعم. لكنه قد تنبهم أمامه طرق التعبير عن هذا الشكر والامتنان، وهنا يأتي القرآن ليهديه السبيل. فقد أمر الله عباده في القرآن أن يستشعروا الحاجة إلى نيل رضاه على امتداد حياتهم. ولتحقيق هذه الغاية يتعين على الإنسان وفي كل لحظة من وجوده أن يؤثر رضا ربه على إشباع رغباته وأهوائه، لأن المرء يغدو بدون ذلك عبدا للشهوات تستهويه فينقاد لها: "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا" (الفرقان: 43)
وعليه يكون نهج المسلم في كل أطوار حياته قائما على النظر في كل الخيارات والبدائل التي تعرض له، سواء تعلقت هذه البدائل بحادثة أو بفكرة أو بموقف، ثم يختار أقربها إلى رضا الله. وبالتالي يحق للمؤمن الذي قضى حياته في طلب رضا خالقه، أن يتطلع إلى إكرام الله له بالجزاء الأوفى والإنعام الأبدي. وعليه فإن نفع عبادة المؤمن يعود إليه هو لا إلى الله، لأن الله غير محتاج لصلاة العبد أو عبادته أو أعماله الصالحة، وقد عبر القرآن عن هذه الحقيقة في قوله تعالى: "وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (العنكبوت: 6).
القرآن يعلم الإنسان التفريق بين الحق والباطل

في البيئات التي لا تقيم وزنا لمبادئ القرآن يجري تطبيق معايير متنوعة لا يعوّل عليها للتفريق بين الخير والشر. ويتمخض عن الاعتماد على مثل هذه المعايير المتنوعة سلوك خاطئ ونتائج مؤذية. فالشخص الذي حاول اقتراف جريمة مرة واحدة مثلا يعتبر أكثر براءة من الآخرين الذين ارتكبوا عدداً من الجرائم. فاللص الذي يسطو على البيوت يعد نفسه أقل ضرراً من مرتكب جريمة القتل، في حين يظن مرتكب جريمة القتل بنفسه خيراً لأنه لم يرتكب في حياته سوى جريمة قتل واحدة. فحسب رأيه، فإن من يتكسبون بسفك دماء الآخرين هم الأشرار. ومن الناحية الأخرى يرسم قاتل محترف خطاً فاصلاً بينه وبين شخص مختل العقل، و يعد نفسه بريئا تماماً. وينطبق هذا الوصف على من تجردوا من الوازع الخلقي وإن لم يكونوا في عداد المجرمين. فمن يغتاب الناس لا يرى بفعلته بأساً لأنه إنما فعلها بحسن نيّة، ومن يحمل حقداً على آخر يستصغر ذنبه لأنه لا يحقد إلا بوجه حق. ويمكن للمرء أن يسترسل في سرد حجج مماثلة كثيرة. صفوة القول أن جميع هؤلاء الناس يظنون أنهم أبرياء ولا يقرون ببشاعة جرائمهم، إلا أن الحجج والذرائع التي يسوقونها باطلة وموغلة في الخطأ، وذلك لأن الشخص البريء هو من يستمسك بكتاب الله، في حين يكون الشخص آثما إذا تعارضت تصرفاته مع دستور الأخلاق الذي جاء به القرآن، مهما انتحل من مزاعم.
وكما نعلم جميعا فإن للنفس البشرية وجهان: الضمير والنفس الأمارة بالسوء. يلهم الضمير المرء ويحفزه دائما إلى فعل الخير والصواب في حين تدفعه النفس الأمارة بالسوء إلى سيئ السلوك وكل ما يغضب الله. وانتفاع المرء بضميره، من الناحية الأخرى، لا يتسنى إلا إذا قوي إيمانه بالله وتحلى بالخوف منه.
يهب الدين الإنسان وعيا يميز به بين الخير والشر. ولن تكون للمرء آلية لاتخاذ القرارات ولا ملكة تفكير سليمة إلا إذا صدّق بما أنزل الله من هدى وسيّر حياته وفق مقررات هذا الهدى. فالشخص الذي يخاف الله مثلا يجعل له ربه فرقانا يفرق به بين الحق والباطل: "يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الأنفال: 29)فالقرآن فيصل فريد بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " (الفرقان: 1). ويشتمل القرآن على تفصيل دقيق لمفهوم الحق والباطل ويرشد الناس إلى أفضل السبل لاستخدام ضمائرهم ووعيهم. وفي الآية التالية نرى تفصيلا شاملا لمفهوم الحق والباطل: "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة: 177).
إن كل معتقد يرثه المرء من أسرته أو من أسلافه أو يكتسبه من بيئته الاجتماعية لا يستحق أن يعول عليه طالما تعارض مع مبادئ القرآن. وشاهدنا على ذلك تلك العبارات المعينة التي يشيع استخدامها لوصف شخص ما بأنه خيّر، ومنها قولهم "إن فلان لا يؤذي ذبابة". إلا أن كف الإنسان عن إلحاق الأذى حتى بالذباب مع تنكبه سبيل الهدى التي رسمها القرآن لا تجعله رجل خير. فالمهم أن يحجز الإنسان نفسه عن الأعمال الشريرة التي أشار إليها القرآن وأن يأتي أفعال الخير التي امتدحها القرآن. يعتقد البعض أن تحلي الشخص بصفة الرأفة بالمساكين والشفقة بالأطفال وتقديم العون لهم لا يسبغ عليهم صفة التدين. فالقرآن يبين لنا أن هذه الأعمال لا تجعل صاحبها أهلا لصفة الإيمان الحق، إنما المؤمن الحق هو الشخص الذي يجهد في اقتفاء أثر القرآن ويقف نفسه لنيل مرضاة الله.
القرآن يرشد الإنسان إلى طبيعة العالم الحقيقية

يخبرنا الله في القرآن—أحدث الكتب عهدا بالسماء وهادي البشرية إلى الصراط المستقيم—أننا خلقنا لنعبد الله وحده. كما يلفت أنظارنا إلى حقيقة أن هذا العالم دار اختبار وابتلاء للمؤمنين، يمتحنهم ربهم ليميز الخبيث من الطيب. وبناء عليه، وكشرط من شروط هذا الاختبار، يحذر الله الإنسان من مغبة الاستجابة للعوامل التي خلقت لتغريه وتبعده عن الصراط المستقيم، مشيرا إلى الطبيعة الخداعة المغوية لهذه العوامل: ".وثمة آيات كثيرة في القرآن تصف حقيقة الحياة في هذا العالم نورد فيما يلي بعضا منها: " إِنَّمَاأَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم"(التغابن: 15)، "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ"(آل عمران: 14)، "وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُون" (القصص: 60)
إن المكانة الاجتماعية والمال والأولاد ورغد العيش والفقر وضنك العيش كل أولئك أشياء يبتلى بها الإنسان في الدنيا، يقول الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (الأنعام: 165).أما الدليل على أن خلق الحياة والموت ليس سوى اختبار وابتلاء للإنسان ففي قوله تعالى: " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُالْغَفُور "(الملك: 2). وكل النعيم الذي يحوزه الإنسان أو يُسلبه في الدنيا إنما هو اختبار له: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (الأنبياء: 35)،"وَأَمَّا إِذَا مَاابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ"(الفجر: 15-16)، هذه الآية تتضمن وصفا جليا لموقف شخص ليس له من الوعي ما يجعله يستوعب طبيعة هذا الابتلاء. وقد حذر الله المؤمنين من هذا الصنيع وذكرهم مرارا بالغرض الحقيقي من خلقهم: "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" (طه: 131).
ومع ذلك فإن أمثال هؤلاء الناس الذين عجزوا عن إدراك هذه الحقائق، ينخدعون بالمظهر الخداع لهذه النعم، إذ يدفعهم ولعهم بالحياة واغترارهم بها إلى بذل الغالي والرخيص في سبيل تحصيل هذه المكاسب الدنيوية، وينتابهم شعور بالخيبة ويتملكهم الإحباط إذا واجهوا أزمة أو مصاعب. وفي القرآن إشارة إلى هذه الحالة العقلية: "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" (هود: 9-10)
أما المؤمنون الذين يفهمون كل الحوادث التي تعترض سبيلهم في ضوء هدى القرآن كائنا ما كانت الظروف، فلا يذهلون عن ذكر الله واليوم الآخر ويدأبون في السعي للفوز بدار الخلود. فهم يعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" (البخاري) فيدركون أن إقامتهم في الدنيا محدودة وأن أيامهم فيها معدودة وأن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية.وهذا هو سر نجاة المؤمنين من غوائل الضلال والتيه والعجب حين تهبط عليهم النعم تترى ومن مشاعر الحزن والغم والهم إذا ابتلوا بشيء من الخوف والحرمان ونقص من الثمرات. ولأنهم علموا أن الله مبتليهم بالنعم وبالحرمان فلا يبدر منهم إلا ما يرضي الرب. استجابتهم للأحداث يحكيها قوله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (الأنبياء: 35)
بهذا يدرك المرء أن القرآن تتجلى فيه رحمة الله الواسعة المحيطة وذلك لأن المؤمنين يتعلمون أصدق الحقائق عن طريق القرآن.
القرآن يعلمنا أن الدار الآخرة لهي الحيوان(أي الحياة الحقيقة)
لا يستطيع الإنسان أن يحيط بأي شئ من مسائل الغيب. والمستقبل منأمور الغيب المستورة عن إدراك الإنسان. فلا يستطيع أحد أن يقطع بما سيقع في الثواني القليلة القادمة. وبسبب قصور التصور هذا ينظر الناس في كل العصور بفضول وحيرة إلى كل شئ مرهون بذمة المستقبل وبخاصة طبيعة الحياة التي تعقب الموت.
لا جرم أن الله، خالق الكون والإنسان والموت والساعة والجنة والنار والماضي والمستقبل، هو وحده القادر على إعطاء أدق وأصدق الإجابات عن هذه الأسئلة. فهو الذي خلق الكون وما حوى من كائنات حية من عدم ولا يزال يخلقها لحظة بعد أخرى. كما خلق اللهالزمان، أحد الأبعاد الكونية والذي يلف كل كائن حي. لكن الله لا يحده زمان فهو بلا ريب خارج حدود مفاهيم الزمان والمكان. فالله خلق كل شيء خارج إطار الزمن. فقد خَلق الله وعلم بكل شيء مما نعده نحن ماضياً أو حاضراً في لحظة واحدة.
يطلق وصف الغيب على كل شيء تعجز حواسنا عن إدراكه بما في ذلك المستقبل. واليوم الآخر هو أيضا جزء من الغيب بالنسبة للإنسان طالما ظل على قيد الحياة. والقرآن يحدث الناس عن اليوم الآخر ويتحفهم بوصف مفصل له. ولقد وضع الفلاسفة في كل العصور افتراضات شتى فيما يتعلق بالحياة بعد الموت بالإضافة إلى الثقافات المتعددة التي تزخر بالمعتقدات الأسطورية عن الدار الآخرة. إلا أن الدين الحق هو الذي يعطي أدق وصف لليوم الآخر.
إن الدين الحق هو وحده الذي ينبئ الإنسان بالطبيعة المحدودة للحياة الدنيا وبما ينتظر الإنسان من حياة سرمدية في الدار الآخرة. يخبرنا القرآن أنه سيأتي يوم يعاقب فيه المسيء ويثاب المحسن. فالقرآن هو المصدر الفريد الذي نستقي منه المعلومات عن لحظة الموت وعن يوم الحساب وعن الجنة والنار. يذكرنا القرآن، آخر وحي تنزل من رب العالمين، وفي آيات عديدة أن المقر الحقيقي الإنسان سيكون في الدار الآخرة. يقول الله تعالى: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُون" (الأنعام: 32)
أثر الدين على الحياة الاجتماعية

إن للكفر آثاراً وانعكاسات سلبية شتى على الناس والمجتمعات، فالظلم والأنانية وانعدام الثقة هي أبرز سمات المجتمعات اللادينية. وهذه هي طبيعة المجتمعات الكافرة، لأنه لا شيء غير الدين يحقق الاستقامة الأخلاقية للأفراد والمجتمعات. فالأشخاص الذين يؤمنون بالله وباليوم الآخر يتصرفون بمسئولية وذلك لأنهم يقضون حياتهم في طاعة الله. فالخوف من الله يحملهم على اجتناب الشرور. وما سادت هذه الروح في مجتمع إلا تلاشت منه العلل الاجتماعية أو انحسرت إلى أبعد الحدود. لكن الكافر وبسبب غفلته عما ينتظره في اليوم الآخر من عقاب أو ثواب، لا يراعي حدود الله. لأن تكذيبه بيوم الدين يدفعه إلى الظن باستحالة الكف عن الشرور. ولا يتردد كثير من الناس رغم تحاشيهم لأنماط معينة من السلوك المنبوذ اجتماعيا، في ارتكاب شرور أخرى إذا تولد فيهم دافع إلى ذلك أو حفزوا إليها أو واتتهم الفرصة لارتكابها.

يتبـــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.66 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]