عرض مشاركة واحدة
  #150  
قديم 27-03-2008, 03:30 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

تركيب الجلد بينة علمية

The Skin Structure
A Scientific Evidence
د. محمد دودح
الباحث العلمي بالهيئة العالمية
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
([email protected])
إن دلائل الوحي في القرآن الكريم متعددة الوجوه وتختص بحديثه الجامع الفريد السامي الأغراض الداعي لكل فضيلة والناهي عن كل رزيلة والمحكم البيان الموافق للحق في كل نبأ, وفي جملة من روائع المشاهد التصويرية يجسد القرآن حال المكابرين أمام الآيات الناطقة بالحق كاشفا ستر حقائق علمية حبلت بها الأيام أدخرت لذوي النظر الباحثين عن الحق.

والجلد هو أكبر عضو في الجسم, وإذا عاينا قطاعا مجهريا في الجلد سنجد أن أهم تكويناته هي: الغدد العرقية وتقوم بإفراز العرق ليلطف درجة الحرارة عند إرتفاعها, والنهايات العصبية وتقوم بنقل الأحاسيس إلى المخ, والعضلة الناصبة للشعرة وتتقلص في بعض الأحوال مثل البرد والخشية والوجل والهلع والفزع والمفاجآت, ولا يتوقع قبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر أن يتضمن أي مصدر الحديث تصريحا أو تلميحا عن تلك التكوينات المجهرية, ولكن القرآن الكريم منذ القرن السابع الميلادي خلال مهمته الأولى في لفت الانتباه إلى مصير الإنسان والإنذار بيوم الحساب يعرض لها مبينا وظائفها في بساطة بلا تكلف وفي تلطف لا يلفت عن الغرض وعمق أغوار بعيدة لا تفوت المحققين عند اكتشاف الحقيقة, ويحافظ على تمايز المكونات في الترتيب وفق مكانتها وأهميتها نظمًا ويتفق مع الحقيقة الخفية وصفًا؛ ناهيك عن بلاغة تجسد المعنويات بحسيات ترسخ المضمون في الأذهان وروائع تصويرية في البيان توقظ الشعور وتهز الوجدان, فضلاً عن استيعاب مجموع القرآن الكريم لكل تلك التكوينات قبل أن تشاهدها عين بينة تشهد بنزوله بعلم الله القدير علام الغيوب.
(أولا) الغدد العرقية
Eccrine Sweat Glands
يقول العلي القدير: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ. سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ. مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" الأعراف 175-178, والتمثيل يجسد عناد متجرد من فطرة الإيمان إلى حد اختيار الموت على الحياة, والعناد حالة معنوية شخصتها مشاهد حسية تصدق على كل متعامي عن دلائل الوحي, واللهاث في المثل تسارع الأنفاس لبالغ الجهد والإجهاد, ويستقيم أن يعود الوصف على من يفر مبتعدا عن الهدى سواء وعظته أو تركته بيانا لبالغ العناد؛ وفي التعقيب (ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ)؛تصريح بالتَرَفُّع عن معتاد القصة إلى تمثيل يشخص بالغ العناد وسوء المصير ويُعَرِّض بالسامع ليتجنب نفس المصير.
وقد اشتمل العرض على جملة من بدائع التصوير وروائع التمثيل تكشف خفايا النفوس, فمشهد المنسلخ الجلد المتعري بلا وقاية يجسد فقدان الإيمان, والفعل (انْسَلَخَ)يصف الساعي لهلاك نفسه بجيفة هالك تعددت مشاهد مهلكه, كأنه قد تردي من شاهق بلا مستند يبقيه ساميا فهلك, فمع تعريه طمع الشيطان في غوايته كأسد أطمعته فريسة فافترسها, والغافل أسير هواه أصم لا يستجيب كجيفة حيوان يمزقه سبع لاصق بالأرض بلا حركة تنم عن حياة, ولكن: أيسلخ عاقل جلده الواقي ليهلك!؛ هكذا المتجرد من فطرة الإيمان متعري الباطن مبالغ في الإعراض إن قامت عليه حجة لا يستجيب وإن غفل عنها لا يتوقف عن الفرار ساعيا لمهلكه من شدة العناد, قال ابن عاشور: ”الانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده“[1], وقال العيني: "(فَانْسَلَخَ مِنْهَا)اتبع هواه فانسلخ من الإيمان"[2], وقال ابن القيم: "أي خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها.. ولم يقل فسلخناه منها لأنه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها بإتباع هواه.. فلما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته"[3].
قال ابن الجوزي: "قوله تعالى(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث)معناه أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر وإن تركته لم يهتد فالحالتان عنده سواء.. والتشبيه (وقع) بالكلب اللاهث خاصة.. فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته"[4], وقال الكلبي: "(و)اللهث.. تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان"[5], وقال السيوطي: "عن قتادة.. قال هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه"[6], وقال البغوي: "نظيره قوله تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىَ لاَ يَتّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) الأعراف 193"[7], وقال الرازي: "هو عام فيمن عرض عليه الهدى فأعرض عنه.. وهو قول قتادة وعكرمة وأبي مسلم.. وهذا يقع على كل كافر لم يؤمن بالأدلة وأقام على الكفر.. واللهث هو أن الكلب إذا ناله الإعياء عند شدة العدو وعند شدة الحر فإنه يدلع لسانه.. واعلم أن هذا التمثيل ما وقع بجميع (أحوال) الكلاب وإنما وقع بالكلب اللاهث.. قال تعالى (ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا)فعم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله.. فحصل التمثيل بينهم وبين الكلب.. لأنهم.. بقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال.. (أي) صاروا في التمثيل.. بمنزلة الكلب اللاهث"[8].
وينقلك التمثيل إلى القفار في يوم قائظ تلهث فيه الكلاب لتعاين في مخيلتك هارب يتصبب عرقا تتلاحق أنفاسه قد ناله الإعياء من العدو والحر فارا من أمان العشيرة ساعيا للضلال والتعرض للضواري والموت كمن تردي من شاهق لا يستجيب لواعظ ولا يسترد رشده ويرتدع, يتمسك بالحطام ويلتصق بالرغام متهالك هالك كجيفة لم يتبق فيها علامة حياة, ولا يقف التمثيل عند تصوير تلاحق أنفاسه باللهاث بيانا للفرار من الحق وإنما لا يُبقي له بعد سلخه لجلده إلا اللهاث فحسب على كل حال بغير عرق فيشبهه بالكلب في الطبيعة كما في اللهاث, قال أبو السعود: "(إنما هو) تشبيه.. ما اعتراه بعد الانسلاخ"[9], وليس عند الكلب غدد عرق لتنظيم درجة الحرارة كما في جلد الإنسان ولذا لا يملك إلا اللهاث على الدوام سواء أهجته فبذل جهدا أو تركته.
وهكذا اشتمل العرض على جملة مشاهد يجسد كل منها هلاك ذلك المعرض عن الحقيقة بعد معاينة الدليل بيانا لهلاكه يوم الحساب؛ أولها مشهد المنسلخ الجلد المتعري بلا وقاية تصويرا لفاقد الإيمان والسلخ لا يكون إلا لجلد الذبائح, ومشهده كفريسة أطمعت الشيطان بغوايته فأتبعها كالأسد وافترسه, ومشهد المتردي من شاهق بلا مستند يبقيه ساميا فهلك, ومشهد الأسير هواه كميت لاصق بالأرض بلا حركة تنم عن حياة, أيفر عاقل من الطريق البين ليضل ويهلك!, إنه ليس مجرد فرار فحسب وإنما هو مشهد تلمح فيه كذلك إيغالا في الإعراض عن الحقيقة بإطالة اللسان نيلا من الحقيقة, وكأنه تعالى يقول: "أَشِحّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَىَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أوْلَـَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً" الأحزاب 19،وهكذا المكابر نافر دائما من البينات يفر كالحمر رهبة من الأسد وحتى لو طاردته حجة عقلها سيظل دوما لاهثا من الفرار ولن يضر النبوة الخاتمة علو نباحه, وهكذا في خضم هذه الروائع التي تجسد طوية هذا المسلوخ الجلد يتألق القرآن الكريم ويشبهه بالكلب خاصة الذي فاقه ببقائه على فطرته لم يفقد جلده وعلى طبيعته لا يملك إلا اللُهاث سواء بذل جهدا أو سكن, ولا تخرج الحرارة الزائدة عند الكلب إلا باللهاث حتى ولو لم يخرج لسانه لأن جلده يخلو من الغدد العرقية, وبهذا قد كشفت الأيام مغزى تشبيه المسلوخ الفاقد لجلده بالكلب, وإبطال الإنسان لتفكيره كأنه بلا عقل وفقده للإيمان الواقي يجسده فقده لجلده الواقي ليصبح تماما كالكلب لا يملك إلا اللُهاث في كل الأحوال ناهيك عن كونه حيوانا بلا عقل.
تفصيل الجانب العلمي:
لماذا يعرق الإنسان؟؛ لغرض حكيم مقصود لا تصنعه صدفة يشهد بحكمة الله تعالى وقدرته, ينتج الجسم حرارة نتيجة للعمليات الحيوية بالجسم واستهلاك طاقة الغذاء, ومع بذل الجهد والنشاط العضلي خاصة في القيظ تتولد حرارة زائدة فتنشط غدد لتفرز العرق فتنخفض درجة الحرارة مع تبخره؛ وكأنها على علم مسبق بحقائق علم الفيزياء, ولكن قيامها بالمهمات بلا وعي منها وعقل يوجه للصواب يشي بالقدرة المبدعة الهادية, ولك أن توقن بقدرة الله تعالى وعلمه وحكمته في خلقه عندما تدرك أن تنظيم درجة الحرارة وظيفة مكلف بها جهاز كامل من العاملين وليست غدد العرق فحسب, فلا تملك أن توجه نفسها فضلا عن توجيه غيرها وإنما هي مهمة مسبقة الإعداد يشترك فيها جملة عاملين موجَّهين والكون كله يشهد على الدوام بحكمة الله تعالى وقدرته وهدايته لكل شيء نحو الأصوب بحكمة وقصد, قال تعالى: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3، وقال تعالى: "قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ" طه 50.
وجهاز تنظيم درجة الحرارة في جسم الإنسان على أعلى درجة من الإتقان بحيث يحافظ على ثبات درجة حرارة الجسم نسبيا, فإذا ارتفعت نشطت آليات لتخفيضها وإذا انخفضت نشطت آليات أخرى لرفعها للمستوى المقدر, والنرد لا يأتي دوما بنفس النتيجة ولكن جهاز تنظيم الحرارة مقدر الوظيفة سلفا فكيف إذن يرد مجرد هاجس أن يُصنع ويعمل هكذا صدفة!, وتتراوح درجة حرارة جسم الإنسان بين 36.1 درجة مئوية و37.8 درجة مئوية (97–100 درجة بمقياس فهرنهيت), وعند فرط زيادة الحرارة Hyperthermiaبتجاوز تلك الحدود الطبيعية تنشط مستقبلات حسية Thermoreceptorsمعدة خصيصا لتنقل إشارات كهربية إلى مركز المراقبة الحرارية في المخ ويقع تحديدا في منطقة تحت المهاد Hypothalamus, وعلى الفور يستنفر مركز المراقبة جهاته التابعة في الجسم للعمل وبدورها تتجاوب بلا تدبير منها أو وعي ذاتي بالحكمة, فتتوسع الأوعية الدموية بالجلد والنتيجة العملية ترشدك للحكمة وهي زيادة الحرارة المفقودة مباشرة عن طريق الجلد, ناهيك أن يُعد الجلد كله مسبقا لتلك المهمة فيزداد نشاط غدد العرق لتفرز كميات أكبر ومع تبخر العرق تنخفض الحرارة, وعند فرط نقص الحرارة Hypothermiaتعمل آليات أخرى على المحافظة على الحرارة ورفعها, فتنقبض الأوعية الدموية في الجلد ويقل تعريض الدم لمزيد من فقد الحرارة, وترتجف العضلات الإرادية لا إراديا بالقشعريرة Shiveringوتتسارع عملية احتراق المواد الغذائية داخلها فتنتج كميات أكبر من الحرارة, أرأيت بديع صنع الله وسبق الإعداد بعلم واقتدار!.

يحتوي جلد الإنسان على غدد عرقية تختص بتنظيم درجة حرارة الجسم.
لا يحتوي جلد الكلب على غدد عرقية مثل الإنسان ولذا لا يملك إلا اللهاث.
والشاهد أن في جلد الإنسان مجهريا غدد عرق تختص بتنظيم درجة حرارة الجسم Eccrine Sweat Glands, ولا يوجد منها في جلد الكلب سوى القليل في أقدامه وتوجد بدلا عنها غدد تختص بالترطيب وتمييز رائحة الكلاب Apocrine Sweat Glands, ولا يوجد للكلب إذن غدد عرق كالإنسان وإنما يماثله فحسب بسلخ جلد الإنسان وبهذا قد كشفت المجاهر مغزى التشبيه في القرآن الكريم, فبفقد الإنسان لجلده الواقي تجسيدا لفقده الإيمان وإبطاله التفكير الواعي كأنه بلا عقل يصبح كالكلب تماما الذي يفتقر للعرق ولا يملك إلا اللُهاث فضلا عن كونه حيوانا بلا عقل, والتعريف في لفظ (الكلب) للجنس ولا تملك بالفعل كل أنواع الكلاب إلا اللهاث Panting, فالكلب الدانماركي العملاق Great Dane هو أطول الأنواع ويبلغ ارتفاعه حوالي 100 سنتيمتر ولا يكاد اللهاث أن يفارقه, وكذلك أقصرها وهو الكلب الإنجليزي القزم Yorkshire Terrierحيث يبلغ إرتفاعه حوالي 6.5 سنتيمتر فقط, وكذلك كل أنواع الحيوانات الكلبية Canine Animalsمثل الذئب والنمر والأسد فهي تلهث جميعا من حين لآخر وعند العدو, واللهاث أنفاس سريعة ضحلة تنتقل فجأة من حوالي 30-40 مرة في الدقيقة إلى حوالي 300-400 مرة في الدقيقة وتتجدد النوبات تباعا حتى عند الراحة مع فتح الفم وإخراج اللسان لتخرج الحرارة الزائدة مع بخار الماء في النفس, وأثناء الراحة يلهث الكلب من حين لآخر فتخرج الحرارة الزائدة ومع العدو يشتد لهاث الكلب فهو في أغلب الأحوال لاهث, ولم يقل القرآن (فمثله كالكلب) وإنما قال (فمثله كمثل الكلب) للمباعدة بينهما تنزيها للكلب عن الكافر المتنكر لفطرة الإيمان, فأي حديث يداني القرآن في دقة التعبير وروعة البيان!.
والفارق الجوهري إذن بين جلد الإنسان وجلد الكلب هو وجود الغدد العرقية المختصة بتنظيم درجة الحرارة ولن يشابه الإنسان الكلب حتى يفقد تلك الغدد بسلخ جلده, والعجيب أن تشبيهه بالكلب لم يقم في القرآن حتى سلخ عنه جلده تمثيلا بتجرده من فطرة الإيمان فأصبح كالكلب تماما لا يملك سوى اللهاث سواء طاردته فبذل جهدا أو تركته, وكذا المتجرد من فطرته سواء أقمت عليه حجة أو غفل عنها باقي دوما على العناد والإعراض والتكذيب.
قال الطبري: "إنما هو (لجميع الناس) مثل ضربه الله.. لسائر المكذبين بآيات الله.. ليتفكروا.. فيعلموا حقيقة أمرك وصحة نبوتك.. في علمك بذلك.. (لأنه يتضمن) الحجة البينة لك عليهم بأنك لله رسول وأنك لم تعلم ما علمت من ذلك.. إلا بوحي.. لعلهم يتفكرون فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر.. إلا نبي.. ساء مثلا القوم الذين كذبوا بحجج الله وأدلته"[10], وقال سيد قطب: ”قد كانت آيات الهدي.. متلبسة بفطرتهم.. ثم إذا هم ينسلخون منها‏..‏ هابطون من مكان الإنسان إلي مكان الحيوان‏..‏ وكانوا من فطرتهم.. في أحسن تقويم‏ فإذا هم ينحطون منها إلي أسفل سافلين‏..‏ وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدي مثلا؟.. وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟.. يعريها من الغطاء الواقي والدرع الحامية‏‏ ويدعها غرضا للشيطان.. وبعد‏..‏ فهل هو نبأ يتلي أم.. مثل يضرب في صورة النبأ..؟ (وحتى لو لم يكن هذا النبأ مثلا فالحكمة تقتضي منا) أن نأخذ من النبأ ما وراءه.. وما أكثر ما يتكرر هذا النبأ في حياة البشر‏“[11],‏ وقد كان نصيب المعرض عن دلائل التنزيل أن أعرض عنه البيان المعجز فتحدث عنه بالغيبة والإبهام, فلم يستحق في ساحة المحاكمة بتهمة التجرد من الفطرة أن يذكر له اسما وهو منزوي في طرف قفص الاتهام في ركن المخيلة خجلا لا يستطيع أن يداري سوأته ولا يملك دفاعا عن جريمته, واستسلم راغما إلى الحكم بإعدامة عدة مرات بطرق متنوعة ليكون مثلا لأمثاله, يقول العلي القدير: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ) العنكبوت 43.
(ثانيا) النهايات العصبية الحسية
Sensory Nerve endings
قد تناول كثيرون بالدراسة دلالة القرآن الكريم على وجود تركيبات دقيقة في الجلد تقوم بوظيفة الإحساس Sensation, وإذا تدمرت تلك التركيبات عند حريق الجلد يتعطل نقل الإحساس ولا سبيل لإعادته سوى بتجديد الجلد وتبديل التالف, يقول العلي القدير: "إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً" النساء 56، ولكنها هنا ضميمة تبين استيعاب القرآن الكريم لتلك الدقائق المجهرية بالجلد والعلم بوظائفها.
يقول الدكتور سالم عبد الله المحمود: " توجد (في الجلد).. خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية، وهي مخصصة لحاسة اللمس وتشتمل على جسيمات مايسنر MEISSNERS CORPUSCLES وجسيمات ميرگل MERKELS CORPUSCLES, (وجسيمات باتشيني Pacinian corpuscles وتنقل الإحساس بالضغط إلى المخ), وبصيلات كروز KRAUSE END BULBESوهي مخصصة للإحساس بالبرودة, واسطوانات روفيني RUFFINI CYLINDERS وهي مخصصة للإحساس بالحرارة, ونهايات الأعصاب الحرة وهي مخصصة للإحساس بالألم..,(و)الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة.. (و)لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى وحروقاً من الدرجة الثانية.. ثم حروقا من الدرجة الثالثة.. ولو ألقينا نظرة إلى ما يصيب الجلد نتيجة لهذه الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة الأولى تصيب طبقة البشرة القرنية وتظهر على هيئة التهاب جلدي.. وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية, ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام.. وإذا طالت الإصابة ما تحت الطبقة السطحية من الجلد صنفت من الدرجة الثانية.. وهي تنقسم إلى قسمين: سطحي وعميق,(و)يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج وكذلك الأدمة - طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة, ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة ، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات مابين هاتين الطبقتين.. ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة, ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد, ولو انتقلنا إلى حروق الدرجةالثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسياً وجافاً.. وفي هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيراً لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق.., ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارة وآلام الحريق لا توجد بكثافة إلا في الجلد, وما كان بوسع أحد من البشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً مضت"[12].
(ثالثا) تباين مناطق الجلد في الإحساس
Skin Regional Variation in Sensation
لوحظ أن ترتيب الأعضاء في نظم القرآن الكريم يتفق مع الواقع فتعطى العناية الأكبر بتقديم الأهم وظيفةً والممنوح أكبر مساحة بالدماغ أو المتقدم وظيفيا وتشريحيا تبعا للمقام, فالعين نحو الأمام تليها الأذن وفي النظم تسبق العين الأذن, ومركز الإبصار يسبقه مركز السمع وفي النظم يسبق السمع البصر, ويقع بينهما مركز الكلام وهو تماما كذلك في النظم, ويغلب التصوير الدلالي في الكتاب العزيز فترد الوظائف العقلية مسلوبة واصفة من لا ينتفعون بها بالصمم والبكم والعمى, وإذا انقلبت الهيئة كما في مشاهد خزي المعذبين في الآخرة ينقلب الترتيب في النظم محافظا على ترتيب أصل الخلقة, وفي المنطقة الحركية في المخ أبرز الأعضاء هم الوجه تليه اليد يليها القدم وهو نفس الترتيب تماما في النظم, ولا يختلف الترتيب عنها في المنطقة الحسية سوى بزيادة منطقة الرأس قبل القدم والعجيب أنه نفس الترتيب تماما في النظم, ويكتفي الكتاب الكريم بالأهم في مقام بيان أهم المناطق في الجلد إحساسا فيتخير الوجه واليد والبنان خاصة الأنامل ويحفظ الترتيب وفق درجة الإحساس وعدد المستقبلات والمساحة الممنوحة بالدماغ فيقدم الجباه والجنوب على الظهور.

يتـــــــــــــــــبع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.00 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]