عرض مشاركة واحدة
  #1207  
قديم 25-11-2013, 04:15 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبـــــــع الموضوع السابق (6)
حقيقة الحياة الدنيا

موت الإنسان

هل انتم تدركون بأنكم في كل يوم تقتربون شيئاً فشيئاً من الموت ؟

هل تعلمون بأن الموت قريب جدا منكم كباقي البشر ؟
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( سورة العنكبوت 57 )

هذه الآية التي تذكر بأن الذين عاشوا على وجه الأرض والذين يعيشون الآن والذين سيعيشون في الغد دون استثناء قد ماتوا أو سيموتون. ولكن رغم هذه الحقيقة الواضحة، فالغريب أن أكثر الناس يرون أنفسهم بمنأى عن هذه الحقيقة الثابتة.
دعونا نتأمل هذا المثال لشخصين:الأول يولد ويفتح عينيه ويستقبل الدنيا، والثاني يغمض عينيه للمرة الأخيرة ليودع هذه الدنيا. فلا الوليد الذي ولد استطاع أن يتدخل في ولادته، ولا الشخص الذي مات استطاع التدخل في موته. لأن الله وحده الذي يملك هذه المقدرة والقوة، يخلق من يشاء ويقبض روح من يشاء. فكل البشر خلقوا ليعيشوا لزمن معين، وبعدها سيموتون. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله:
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فإنه ملَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(سورة الجمعة 8 )
فأكثر من الناس لا يرغبون في التفكير في الموت كثيراً، في نفس الوقت نرى انشغال الإنسان بأعماله اليومية يلهيه ويدفعه للتفكير بأشياء أخرى. فأمور مثل: في أي مدرسة سيدرس، وفي أي عمل سيشتغل، ماذا سيلبس، ماذا سيأكل. . . الخ. كل هذه الأشياء تعتبر من أهم القضايا عند معظم الناس، لأنهم يحسبون أن الحياة عبارة عن مثل هذه الأشياء فقط، وعند ذكر الموت أمامهم يحاولون التهرب والاختباء خلف كلمات لا تحمل أي معنى ولا تستطيع منع الموت أو تأخيره فيقولون مثلا: ( ما هذا ؟.. لماذا لا تبدأ كلامك بالخير؟) وهم يقدرون أنهم لن يموتوا إلا بعد وقت طويل من الشيخوخة، أي يحسبون أن هناك مدة لا تقل عن خمسين أو ستين سنة أو حتى أكثر، لذا نراهم لا يشغلون أنفسهم بمثل هذه المواضيع الكئيبة التي تنفر منها نفوسهم، بينما لا يملك أي أحد أي ضمان بأنه سيعيش بعد ثانية واحدة فقط.
في كل يوم يمكن لكل شخص أن يقرأ كل شخص في الصحف ويرى من خلال شاشات التلفزيون العديد من حوادث الموت وبشكل كثيف, ويشاهد وفاة الأقرباء, ولكنه لا يفكر أنه في يوم ما سيشهد الناس موته ونهاية حياته. وعندما يواجه الإنسان الموت فإن جميع الحقائق والأمور المرتبطة بالحياة ستنهار، ولا يبقى منها شيء. فكروا الآن في حالكم. . . . فتح وغلق أعينكم، القدرة على الحركة في أجسامكم، تكلمكم، ضحككم وبإختصار كل فعالياتكم الحيوية، ولكن حاولوا أن تجسدوا أمام أعينكم منظركم وبأي حال ستكونون عقب وفاتكم.
ستكونون في وضع لا تقدرون فيه على الحركة حيث ستتمددون وانتم لا تدركون ماذا يجري من حولكم، أما جسدكم الذي هو عبارة عن كتلة من اللحم والعظم فسيحمل من قبل أشخاص آخرين. فبينما يقوم أحدهم بغسل جسدكم لكي يكفن بالكفن الأبيض فإن المقبرة التي سيوضع فيها تابوتكم يتم حفرها وإعدادها لكم، حيث يوضع جسدكم في تابوت خشبي, وبعد الانتهاء من المراسيم في الجامع سيذهبون بكم إلى المقبرة، وسيكتب على لوح حجري أسمكم وتاريخ ولادتكم ووفاتكم، بعدها تخرجون من التابوت وتوضعون مع الكفن داخل تلك الحفرة، وبعدها ينهال التراب على الحفرة وتنتهي المراسيم بعدما يغطيكم التراب بشكل كامل. في البداية تكون الزيارات متعددة لقبركم, ثم تصبح زيارة واحدة في السنة، ومن بعدها ستنقطع هذه الزيارات. وعلاوة على هذا لن يكون لديكم خبرٌ أو أي علم عن هذه الزيارات.
سيغدو فراشكم وغرفتكم التي استعملتموها لسنين عديدة فارغة، وكذلك سيتم توزيع ممتلكاتكم الشخصية والخاصة لجهات مختلفة. سيذهب أقرباؤكم إلى دائرة الأحوال المدنية للتبليغ عن وفاتكم، وبالتالي مسح أسمكم من هذه الدنيا. سيكون هناك من سيبكي من خلفكم وستكونون في ذاكرتهم، ولكن مع تقدم الأيام والسنين فإن عامل النسيان يزداد تأثيره, لذلك فبعد مرور عشر سنين فلن يظل هناك من يتذكركم على الرغم من هذه السنين الطويلة التي عشتموها معاً. ومع هذا يجب إدراك حقيقة أن الذين تركتموهم من ورائكم من أقرباء وأصدقاء سيبدأون في ترك هذه الدنيا تدريجيا, لهذا فإن بقاء ذكراكم أو عدم بقائه لا يشكل أي معنى أو أي أهمية .
وبينما يتم كل هذا في الدنيا، فإن جسدكم سيمر وبشكل سريع بمرحلة التفسخ والانحلال. فعند دفنكم في التراب تبدأ البكتيريا والحشرات الأرضية مباشرة بمهامها. وتؤدي الغازات المتراكمة في البطن إلى انتفاخ الجسم، وينتشر هذا الانتفاخ إلى سائر أجزاء الجسم حتى يصل الجسم إلى حالة يصعب معها التعرف عليه. ونتيجة للضغط المتولد من هذه الغازات سيندفع الدم من فمك وأنفك بشكل رغوة دموية, ومع تقدم عملية تفسخ الجسد فإن كلا من الأظافر والشعر وراحة اليد وباطن القدم ينفصلون شيئا فشيئا عن أماكنهم. وبالإضافة إلى التغيرات التي تطرأ على المظهر الخارجي للجسد فإن الأعضاء الداخلية تمر أيضاً بعملية التفسخ و الانحلال.
نأتي الآن إلى النقطة التي تعتبر أفظع حادثة: إن البطن سينفجر من إحدى المناطق الأكثر ضعفاً نتيجة لامتلائه بالغازات، حيث ستنبعث رائحة كريهة يصعب تحملها. وخلال هذه الفترة أيضاً تبدأ عملية انفصال أجزاء الجسم الأخرى ابتداءًً من منطقة الرأس، حيث تبدأ العضلات بالانفصال من أماكنها، ويبدأ الجلد والمناطق الهشة من الجسد بالتساقط, ونتيجة لهذا يبدأ الهيكل العظمي بالظهور تدريجياً, ويأخذ الدماغ بعد تفسخه تماما منظر التراب أو الصلصال، وتبدأ مناطق اتصال العظام بالتفكك والانفصال, ويتبعها انفصال أجزاء الهيكل العظمي, وهكذا تستمر هذه العملياث حيث يتحول الجسد بكامله إلى كومة من العظام والتراب. وهكذا لا يمكن الرجوع ولو لثانية واحدة للحياة قبل الموت ومشاهدة العائلة، أو أي لقاء مع الأصدقاء والأحبة من أجل التسامر. ولن يبقى أمامه فرصة اعتلاء المناصب العليا، لأن جسده سيتفسخ ويتحول إلى هيكل عظمي. والخلاصة أن الجسد الذي نحسب أنه هو جوهرنا ينتظره مصير مرعب وهو الفناء، ولكن الروح يبقى، وهذا الروح سيكون قد ترك ورحل عن هذا الجسد. أما هذا الجسد الذي تركته وراءك فسيتحلل ويتفسخ بشكل مخيف.
حسنا!. . . ما سبب كل هذا ؟
لو أراد الله ما جعل جسد الإنسان بعد موته يصل إلى هذه الحالة المزرية, ولكن هناك معنى كبيرا ومغزى عميقا لهذا الأمر. قبل كل شي على الإنسان أن يعلم أنه ليس عبارة عن جسد فقط, وأن هذا الجسد قد أعطى له كهيكل خارجي, فعليه أن يفهم هذا عندما ينظر إلى هذا المصير المرعب, ويعلم أن له وجوداً يتجاوز هذا البدن. وأن ينظر الإنسان ويتدبر مصير موت جسده الذي طالما انحنى أمام شهواته ونزواته، وكأنه سيعيش ببدنه هذا إلى الأبد. وأن هذا الجسد لا بد له في يوم ما أن يدفن تحت التراب، ويتفسخ ويتحلل، وتأكله الديدان، ويتحول إلى هيكل عظمي, ولربما لا يكون هذا اليوم ببعيد، بل قد يكون على بعد خطوة واحدة قادمة فقط.
على الرغم من كل هذه الحقائق فإن هناك ميلا في روح الإنسان للرفض وعدم التفكير في القضايا التي تنفر منها نفسه ولاتميل إليها. وتتوضح هذه الحقيقة بصورة جلية عندما يتعلق الأمر في موضوع الموت. وكما ذكرنا سابقا فإن الموت يتذكر عند مرور الذكرى السنوية الأولى لأحدهم إن كان من الأقرباء أو الأصدقاء، ولكن الأغلبية من الناس ترى الموت شيئاً بعيداً عنهم على الدوام. فهل للإنسان الذي يستبعد الموت وضع يختلف عن الذي يموت وهو يمشي في الطريق؟ أو من الذي يموت وهو نائم في فراشه ؟ أم يحسب نفسه أكثر شباباً وأنه سيعيش لسنين طويلة ؟ نفس هذه الأفكار نفسها ستكون قد وردت إلى ذهن أحدهم وهو يمشي في الطريق لكي يصل إلى مدرسته, أو شخص تأخر في الوصول إلى اجتماع مهم في شركة فاضطر إلى قيادة السيارة بسرعة عالية مما تسبب في وقوع حادث مروري له, أو شخص أصيب بمرض لم يكن ينتظره وفي وقت غير متوقع. وسيصاب قراء الجرائد بذهول وهم يطالعون خبر وفاة شخص كان بالأمس فقط برفقتهم. ومن الغريب أنه قد لا يخطر على بال أحدهم احتمال تعرضه للموت بعد فترة قصيرة من قراءته هذا الخبر على الرغم من وجود الكثير من الأعمال التي يجب إنجازها وإكمالها من قبله والتي بسببها قد يعتقد أن الموت مازال مبكرا ولم يحن وقته بعد. قد يكون نمط تفكيرهم هذا هو السبب. ولكن هذا يعني الهروب من الحقيقة. ويذكر الله تعالى عدم جدوى هذا الهروب :
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أو الْقَتْلِ وَ إذا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (سورة الأحزاب 16)
ويجب ألا يغيب عن بالنا بأن الإنسان جاء إلى الدنيا عارياً وسيغادرها عارياً، ولكن بعد ولادته فإنه من أجل قضاء حاجاته يقوم باستعمال هذه النعم المسخّرة له بشكل مسرف وجاهل، وينقلب موضوع الظفر بهذه الحاجات إلى أهم غاية في حياته. بينما من المعروف أنه لا يأخذ معه عند موته ما كان يملكه من ثروات ونقود، بل مجرد قطعة قماش بيضاء طولها بضعة أمتار حتى يدفن فيها.
( ولد الإنسان عاريا وسيغادرها عاريا)، فالشيء الوحيد الذي سيرافقه في الآخرة هو عمله وإيمانه أو عدم إيمانه.
بعد الموت مباشرة
صورة لجسم الإنسان قبل تفت أجزاء جسده
صورة توضح تآكل وجه إنسان ميت من قبل الحشرات الأرضية في القبر
زينة الحياة الدنيا

يسعى الإنسان طوال حياته لتحقيق أهداف وغايات منها ماهو مادي ومنها ماهو معنوي. مثل الغنى والمال والمركز الاجتماعي وزوجة وأولاد. وهي تعتبر من الزينات التي لا يستطيع الإنسان التخلي عنها في هذه الحياة, فجميع الطاقات والجهود توجه من أجل الحصول على هذه الأشياء.
وعلى الرغم من معرفة الإنسان أن كل هذه الأشياء تأتى وتذهب، وأن كل شئ على وجه الأرض يفقد قيمته ويبلى مع الزمن، بل ويفنى. . . على الرغم من كل هذا فإن الإنسان يظل مرتبطاً بشدة بهذه الأشياء، ولا يستطيع التخلي عنها بسهولة. فعلى الرغم من معرفتهم إن أغراضهم وممتلكاتهم ستبلى وأن مزارعهم لن تبقى دائما بنفس الخصوبة, وأن زوجته التي طالما كأن يوليها كل الاهتمام سيأتي يوم تفقد فيه جمالها وحسنها، والأهم من كل هذا وعلى الرغم من كل هذا فهو يعرف أنه سيأتي يوم يترك فيه كل ما كان يملكه وسيرحل إلى غير رجعة،. . . مع كل هذا فإنه يظل مرتبطاً بزينة الحياة بهذا الشكل القوي.
سيدرك هؤلاء بعد موتهم أنهم قضوا حياتهم في سبيل الحصول على شئ واحد فقط, وأنهم خدعوا بهذه الدنيا التي سحرتهم وبهرتهم بزينتها وجاذبيتها الزائلة, وأنهم قد أعطوا للأشياء الفانية قيمةً أكبر مما تستحق. وسيدركون أن ما كان يجب عليهم أن يعملوه في الدنيا هو إظهار العبودية لله تعالى وليس الانشغال عنه واللهث وراء ماكانوا يظنونه ملكا وحاجة من حاجاتهم, بينما الله تعالى هو المالك الحقيقي لهذه الأشياء, والقرآن الكريم يشير إلى هذه الرغبة الملحة في تملك زينة الحياة الدنيا بقوله :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الأنعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران 14 )
فجميع القيم الدنيوية من ثروة وزوجة وأولاد وتجارة تحاول أن تلهي الإنسان عن الله عز وجل وعن الآخرة, وتغريه كي يعيش فقط من أجل الدنيا. لكن الذين يدركون عظمة الله ويقدرونها حق قدرها يعلمون أن كل شيء في الدنيا متاع زائل، وما هو إلا وسيلة امتحان للإنسان وأختبار له, ويعلمون بأن واجبهم هو القيام بوظيفة العبودية والحمد والشكر لربهم الذي وهب لهم جميع هذه النعم والخيرات, بينما الذين لا يؤمنون بالله حق الإيمان يتعلقون بأهداب الدنيا تعلقاً شديداً يؤدي بهم إلى ضعف إدراكهم وتمييزهم للأمور، وهذا يؤدي بهم إلى اعتبار أن هذه الدنيا -بكل ما فيها من نواقص - وكل القيم المتعلقة بها أشياء مهمة, رغم أن الله تعالى وعد الإنسان بإعطائه أشياء أفضل وأثمن وأجمل وأحسن في دار الآخرة, ونبهه إلى أنه لكي يحصل على هذه النعم والعطايا الأخروية فما عليه سوى القيام بوظيفة العبودية كما يجب والعمل على كسب رضاه. لكن الغريب أن الإنسان يحول نظره إلى الدنيا ويركز اهتمامه عليها قانعاً بما تحويها من نعم زائلة! وحتى لو كان ذلك الشخص لا يؤمن بتاتاً بأي دين, وحتى لو كان ملحداً فإن عليه -على الأقل- أن يضع في حسبانه احتمال أن يبعث بعد الموت, وهذا الأمر ينبغي أن يدفعه كي يتصرف بطريقة عقلانية أكثر. أمّا المؤمنون فهم على قناعة كاملة بأن ذلك البعث ليس مجرد احتمال، بل هو حقيقة ثابتة لا شك فيها. ولكونهم يعُون هذه الحقيقة ويدركونها حق الإدراك فهم يجتهدون طوال حياتهم للابتعاد عن الأعمال التي توصلهم إلى جهنم, وفي الوقت نفسه يسعون بكل جهدهم في سبيل الظفر بالجنة. فهم يعلمون بأن الذين يقضون حياتهم في سبيل مصالحهم ومتعهم الدنيوية ويضعون جل جهدهم في هذا السبيل سوف يصابون يوم القيامة بخيبة أمل شديدة تبعث على ندم كبير وحسرة أليمة.
فما جمعه من مال وما كنزه من ذهب ونقود في البنوك, وما اشتراه من بيوت وأراض وسيارات لن تكون له طوق نجاة يوم القيامة, ولن تحميه ولن تحمي عائلته ولا عشيرته التي كانت دوما مصدر ثقته, بل إن جميع هؤلاء سوف يديرون وجوههم عنه. لكن ورغم كل هذه الحقائق يظل الكثير من البشر يرون أنه لا بديل عن هذا النّوع من الحياة، ويستمرون في ارتباطهم الأعمى بالدنيا متجاهلين الآخرة. ولقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله تعالى:
أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُر حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (سورة التكاثر 1 – 2)

ما تم استعراضه حتى الآن من وسائل الزينة والإغراء ما هي إلا إحدى خفايا الامتحان, فلقد خلق الله الإنسان ومنحه جميع الخيرات التي يحتاج إليها، وهي خيرات مغرية وجذابة. ولكن هذه الحياة الدنيا مؤقتة وقصيرة في الآن نفسه، وهي تمكن الإنسان من عقد مقارنة بين الحياتين (بين حياة الدنيا وبين حياة الجنة)، وهنا يكمن السر. فالحقيقة أن حياة الدنيا جميلة جداً، وعظيمة ومتنوعة تليق بعظمة الله. فالعيش فيها والتمتع بها من النعم التي ترجى من الله, لكنها لن تكون بحال من الأحوال أهم من الآخرة وأهمّ من كسب رضى الله تعالى, ولهذا يجب على البشر ألا ينسوا الغاية من هذه النعم وهم يتمتعون بها, والله تعالى يحذر الإنسان في القرآن الكريم بقوله:
وَمَا أوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ
( سورة القصاص 60 )
أجل!… نرى البشر متعلقين بالقيم الدنيوية وغافلين عن الآخرة، ولكن ثمة حقيقة أخرى مهمة يتناسونها وهي أن ارتباطهم بالمباهج الدّنوية وسعيهم المستمر من أجل الحصول على هذه المتع لا يمنحهم في هذه الدنيا السعادة الحقيقية. ويرجع السبب في هذا إلى النفس البشرية التي لا تقنع بما لديها أبدا، بل تحاول باستمرار وبمختلف الوسائل الحصول على الأفضل والأحسن, فالإنسان يحاول باستمرار أن يحصل على الأفضل، ولكنه لا يمكن أن يحصل على جميع مايريد نظراً لطبيعة هذه الدنيا. لأنه مهما امتلك من أشياء, فإن هناك بالتأكيد أشياء أفضل وأحسن وأجمل مما يملكه، لذا فالإنسان في هذه الدنيا لا يستطيع الحصول على الطمأنينة وراحة البال التامة.
هل الغنى الحقيقي في هذه الدنيا؟

يعتقد الكثير من الناس بأنه يمكنهم أن يؤمنوا لأنفسهم حياةً مثالية رائعة خالية من النواقص، تلبي احتياجاتهم إذا صرفوا جهداً أكبر، وحاولوا تحقيق أهدافهم بشكل جدي، وهم يتصورون أن الثروات والإمكانيات المادية تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق هذا, وبذلك يمكنهم أن ينشئوا عائلة سعيدة، ويعيشوا حياة مريحة, ويكسبوا مركزاً اجتماعياً جيداً ومكانة عالية بين الناس. وفي الحقيقة فإن إهدار الإنسان لعمره، وصرفه أكثر وقته في سبيل تحقيق هذه الأهداف هو خطاً كبير. فالناس يتناسون تماماً الحياة الأبدية الحقيقية ألا وهي الآخرة، لأنهم قضوا أعمارهم في هذه الحياة الدنيا وهم يفكرون فقط في راحتهم وسعادتهم.
فعلى الرغم من أن أهم وظائفهم هي العبودية التامة لله تعالى, نراهم وقد أنشغلوا بهذه الدنيا, ونراهم يغفلون عن شكر الله تعالى -الذي خلقهم ومنحهم هذا الغنى والمال - على هذه النعم ويجعلون جل هدفهم كسب رضى الآخرين واستحسانهم. بينما بيٌن الله في قرآنه الكريم بأن القيم الدنيوية زائلة وخادعة وليست لها أهمية كبيرة:
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَ الأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(سورة الحديد 20)
فالخطأ الذي يقع فيه الكثير من البشر هو اعتقادهم بأن الآخرة شيء بعيد, أو عدم إيمانهم أصلاً بوجودها مما يجعلهم يعتبرون أنّ الدنيا "أرفع مكانة ً وأسمى من الآخرة, وهؤلاء الأشخاص يتوهّمون عدم فناء الثراء الذي حصلوا عليه, وهم بذلك يعرضون صورة واضحة للجهل والتكبر عند تحويل وجوههم عن النعم التي وعدها الله تعالى لهم في الآخرة مكتفين بما لديهم من متاع زائل. ولقد عرفّ الله تعالى في قرآنه الكريم أحوال مثل هؤلاء الناس ومصيرهم بقوله :
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أولئك مَأْوَاهم النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(سورة يونس 7-8 )
لقد ظهرت أمثال هذه الحالة النفسية طوال التاريخ، فمنذ القدم كان الملوك و الأمراء والحكام والفراعنة يحسبون بأن الغنى سيجعلهم يعيشون مخلدين، حتى أن البعض منهم كان يدفن جزءً من ماله في قبره، وذلك لعدم إعطائهم أي احتمال لوجود قيمة أعلى من قيمة النقود والأموال التي يملكونها, وقد توهّم بعض الناس بأن هؤلاء الأشخاص هم في الطريق الصحيح وظنوا بأنهم هم الفائزون.
والحقيقة أن أمثال هؤلاء الناس الذين يبدو أنهم قضوا حياتهم وهم يتمتعون بها قد واجهتهم نهاية غير النهاية التي كانوا يتوقعونها, والقرآن الكريم يخبرنا عن أمثال هؤلاء فيقول:
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (سورة المؤمنون 55-56)
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أولادهم إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أنفسهم وَهُمْ كَافِرُونَ (سورة توبة 55 )
لكن هناك شيئا مهما يجب ألا يغيب في أي وقت عن أذهان هؤلاء الأشخاص، وهي أن الغنى كله ملك لله تعالى وحده، وأن صاحب الملك الحقيقي هو الله تعالى وهو يوزع حصصاً من ملكه على من يشاء من عباده. وفي مقابل هذه النعم يريد من عباده أن يشكروه، وأن يؤدوا له فروض العبودية على الوجه الصحيح, لذا فإن الشخص الذي منحه الله الغنى لا يستطيع أحد أن يسلبه منه, كما لا يستطيع أي أحد أن يعاونه ويساعده على استعادة ثروته إلا هو، وكل هذا عبارة عن جزء من طبيعة الابتلاء الذي جعله الله للعباد في هذه الدنيا. والمؤمن الواعي والعاقل يدرك هذا الأمر، بينما الشخص الغافل هو الذي ينسى أنه سيأتي يوم يقدم فيه حسابه للذي خلقه :
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخرة إِلَّا مَتَاعٌ (سورة الرعد 26 )
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.53 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]