عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-10-2019, 06:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,593
الدولة : Egypt
افتراضي عند الطلاق..الأبناء يدفعون الثمن

عند الطلاق..الأبناء يدفعون الثمن
رشا عرفة


"بعد طلاق والدتي رفض أبي تحمُّل مسئولية الإنفاق علينا"، "صِرْتُ بلا أهل بعد انفصال والدَيَّ وزواج كلٍ منهما"، "رفض والدِي استقبالي؛ فعملت بأحد وُرَشِ السيَّارات لأنفق على نفسي، ولم أستطع إكمال دراستي".
هؤلاء أبناء وقعوا ضحية انفصال والديهم، القاسم المشترك بينهم: هو المشاعر السلبيَّة، والمعاناة بمختلف أعمارهم ومستوياتهم المادية والاجتماعية، فطلاق والديهم وانفراط عقد الأسرة كان السبب وراء شقائهم، الذي جعلهم يحاولون البحث عن سُبُلِ الخلاص مما هم فيه، فإما أن يتقبلوا الوضع ويتعايشوا معه، وإما أن يكون الشارع ورفقاء السوء ملاذَهم الوحيد.
فإن كان الطلاق في بعض الأحيان هو حلٌّ لزوجين وصلت بهما السبل لطريق مسدود؛ فإنه في كثير من الأحيان يكون وبالاً على الأبناء، الذين يتحملون بشكل أكبر عواقب الأمر؛ لذا فديننا الحنيف لم يشرع الطلاق إلا في حالة الضرورة، والعجز عن إقامة المصالح بين الزوجين.
وإذا كان الطلاق هو الحلُّ؛ كان التفاهم بين الزوجين المطلَّقين بشأن الأبناء أمر ضروري؛ حتى لا يُدَمَّرالأبناء، ويصابوا بالعُقَدِ النفسية، ويكونوا أشخاصاً ناقمين على أنفسهم ومجتمعهم.
ولكن! يا تُرى كيف يتعايش الأبناء مع الطلاق؟ وما هي الآثار السلبية للطلاق عليهم؟ وكيف يستطيع أولياء الأمور التخفيف من وطْأَة الطلاق على أبنائهم؟
"رسالة المرأة" التقت ببعض الأبناء الذين وقعوا ضحية الطلاق؛ لتتعرف على كيفية تعايشهم في تلك الظروف، وهل أثَّرت على شخصيتهم أم لا؟
كرهت الارتباط:
هنية. أ "35" عاماً تقول: طفولتي كانت دائماً ما تُنغِّصها الخلافات التي لا تنتهي بين والدِيْ ووالدتي، والتي قد تصل إلى الضرب، فوالدي كان يحلم بأن تنجب له أمي ولد يحمل اسمه، وهو ما لم تستطع والدتي تحقيقه له، وبالتالي كانت المشاكل تندلع بينهما لأبسط الأسباب، وكانت النهاية طلاق والدتي والزواج من أخرى، وانتقلنا أنا ووالدتي للعيش مع جدي الذي تولَّى رعايتنا، وهذا أثَّر عليَّ؛ فأنا كرهت الارتباط ولم أفكِّر فيه، فلن أرضى أن يعاملني أي رجل مثلما كانت تُعامَل والدتي.
وتروي منى، ط "22" عاماً تجربتها مع طلاق والديها فتقول: تجاوزتُ بالفعل محنة طلاق والدَيَّ، فطلاقهما مرَّ عليه عامين بعد مشاجرات طويلة لم تنهِ إلا بالطلاق.
وتابعت: في البداية تمنَّيت أن تستمر المشاجرات بين والدَيَّ ونعيش كلنا في أسرة واحدة، ولكن بعد مرور الوقت اكتشفت أنَّ قرار الطلاق كان صائباً، فنحن نعيش مع والدتنا في هدوءٍ دون مشاحنات، وأبي يحرص على رؤيتنا باستمرار، ولكن يبقى بداخلي شعور بعدم الأمان، وهذا يجعلني دائماً ما أسأل نفسي: ماذا لو تزوج والدي أو تزوجت والدتي؟ هل سنصبح أيتام؟
ورأى عُمَرُ (12 سنة) أنَّ انفصال والديه حقَّق له منافع عديدة -من وجهة نظره - منها: محاولة إرضاء والديه له بشتى السبل؛ نتيجة شعورهما بالذنب تجاهه، وكذلك لم يعد هناك أحد يوجه إليه اللوم بسبب تأخره الدراسي.
أخطاء الآباء:
ومن تجارب هؤلاء الأبناء يتضح لنا أن الآباءَ والأمهاتِ مسئولون عن تعرُّض أبنائهم للإصابة ببعض الأمراض النفسية؛ نتيجة ارتكابهما بعض الأخطاء، فهناك بعض الآباء الذين يمتنعون عن زيارة أبنائهم، والسؤال عليهم بمجرد الطلاق، ويُلقُون بالمسئولية كاملة على الأم، ويرفضون تحمُّل مسئولية الإنفاق عليهم، والبعض قد يلجأ إلى التضييق المادي على أبنائه؛ كوسيلة عقابٍ للأم، وهناك من يرفض استقبال أبنائه بمنزله؛ خشية اندلاع المشاحنات مع زوجته الجديدة.
كذلك قد ترتكب النساء بعض الأخطاء في حق الأبناء، من أبرزها: تذكيرهم دائماً أنها رفضت الزواج من أجلهم، ولم تقم بالخلاص منهم.
مشاكل نفسيَّة:
هذه الأخطاء قد تكون عاملاً أساسياً وراء عدم قدرة الأبناء على تخطِّي الأزمة؛ فيصابوا بأمراض كثيرة، منها: اضطرابات النوم، والأحلام المفزعة، والتبول اللاإرادي -إذا كانوا أطفال - وهو ما أكَّدت عليه الدكتوره سعيدة أبو سوسو أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر، حيث أشارت إلى أنَّ أغلب أبناء المطلقين يُعانون من مشاكل نفسيَّة جمَّة، تحتاج إلى علاج نفسي؛ فالقلق النفسي، والمخاوف، والشعور بعدم الأمان؛ سمة غالبة عليهم، كما أنهم يظهر عليهم الشرود الذهني، والعصبية، وضعف التحصيل الدراسي، وعدم الثقة بالنفس.
وناشدت الآباء أن يضعوا مصلحةَ أبنائهم فوق كل اعتبارٍ، وألَّا يُقحموا هؤلاء الصغار في مشاكلِ الكبار، ولايَصُبُّوا نقمتهم عليهم، أو يُشعروهم أنهم سبب معاناتهم؛ لأنَّ هؤلاءِ الأبناء إذا لم يجدوا الأمن والأمان في ظل الأسرة، فقد ينضمُّون إلى رفقاءِ السوء، ويُصبحون وبالاً على أُسَرِهِم ومجتمعهم.
نظرة المجتمع:
وأوضح الدكتور عماد مخيمر -أستاذ علم النفس- أنَّ شعور أبناء المطلقين بأن نظرة المجتمع إليهم تختلف عن الأبناء الذين يعيشون مع أولياءِ أمورهم؛ يجعلهم يشعرون بالدونِيَّة، ويصبحون أشخاصاً عدوانيين تجاه المجتمع، وقد يصابوا بالاكتئاب، فكل زملائهم في المدرسة لديهم أب وأم، وهم لا يمتلكون الأب والأم؛ مما يجعلهم يرفضون الارتباط في المستقبل؛ لأنه مرتبطٌ عندهم -لا شعوريًّا- بالاضطرابِ وليس الاستقرار، وإذا تزوجت الفتاة يظل لديها شعورٌ بالتوجس تجاه الزوج، ودائماً ما تسأل نفسها: متى سيطلقني؟!!
وبيَّن أن مساعدة الجد أو المدرس، وحرص الأب على رؤية الأبناء، والتزامه بالإنفاق عليهم؛ يقلِّل من معاناتهم من وقع الطلاق عليهم، ويعينهم على تجاوز المحنة.
للعمر دور:
ويتوقف مدى تقبُّل الطفل للطلاق على عمره، وشخصيته، ومدى استيعابه، والظروف التي صَاحَبَتْ قرار انفصال والديه.
فالأطفال من عمر (2-5) سنوات عادة ما يظهر عليهم علامات العودة إلى مرحلة نمو سابقة، مثل: تبليل الفراش أثناء الليل، أو المعاناة من الكوابيس وقلق النوم، وقد يشعر الطفل بالتشتُّت، أو يكون سريع الانفعال.
أما الأطفال في عمر (6-9) سنوات فيكونون أكثر عرضة للتأثر، فهم لا يزالون غيرَ قادرين على الفهم، وما زالوا يعتمدون على والديهم، وقد لا يجدوا من السهل التعبير عن مشاعرهم؛ لذلك من المحتمل أن يعبِّر الطفل عن أحاسيسه بالغضب، أو بالتأثير في أداء دروسه المدرسيَّة، أو عدم التركيز.
وبالرغم من كون الأطفال في عمر (9-13) سنة أكثراستقلالًا عن والديهم، إلَّا أنهم ما زالوا بحاجة إلى التعبيرعن مشاعرهم، فقد يعانون من الاكتئاب وضعف الأداء في دراستهم، كما أنَّ فترة الطلاق تُعَدُّ فترةً حرجةً بالنسبة لهم؛ لأنَّهم مُقبلون على فترة المراهقة، مما يجعلهم أكثر عرضة للأذى.
أما رَدُّ فعل المراهقين فيكون قويًّا عادة؛ من خلال السعي إلى التصرُّف بطريقة خاطئة لجذب الاهتمام، أو الإعراب عن غضبهم عن طريق تصرُّفات وسلوكيات غير مرغوب فيها.
رعاية نفسية واجتماعية:
ولكي يحافظ الآباء على أبنائهم أسوياء يجب عليهم احتواؤهم، وإشعارهم بالأمان، علاوة على ضرورة تأهيلهم لتقبل الوضع الجديد، ليس فقط بعد الطلاق، ولكن قبل حدوثه، وهو ما أكَّد عليه الدكتور محمد مهدي استشاري نفسي، حيث أشار إلى أنَّ هؤلاء الأبناء في حاجة ماسَّة وضروريَّة إلى الرعاية النفسية والاجتماعية؛ ليستطيعوا تخطي الأزمة، بحيث تبدأ قبل الطلاق وليس بعده.
قبل الطلاق:
وأوضح الدكتور مهدي أنه يجب على الآباء قبل حدوث الطلاق الحرص على عدم إظهار خلافاتهم أمام الأطفال، وعدم لجوء أي من الطرفين إلى استخدام الأطفال كوسيلة للضغط، أو استقطابه نحو أي طرف.
وأضاف: عندما يقرِّر الوالدين الانفصال يجب عليهم: إخبار الأبناء بقدر ما يحتمل إدراكهم، ويتمُّ ذلك دون قيام أحد الطرفين بتشويه صورة الآخر أمام الأبناء، وإذا كان الأبناء في سنٍ يستطيعون فيه تَفَهُّم الأمر؛ فيجب عليهم توضيح الأمر لهم، وأنَّ الانفصال لن يفرقهم عنهم، وقد ينجح الأبناء في رأب الصدع، أو في تحسين العلاقة، وإذا فشلوا؛ تصبح لديهم قناعة أنَّ الطلاق لا يمكن تفاديه، ويُعِدُّون أنفسهم لهذه الخطوة.
أثناء الطلاق:
وتابع الدكتور مهدي قائلاً: أما لحظة الطلاق فعليهم: ألا يعتبروا الطلاق صفقة يحاولان الحصول من خلالها على أكبر المكاسب، وقد يتنازل أحد الأطراف عن بعض حقوقه للطرف الآخر؛ حتى لا يسببوا لأبنائهم جروح نفسية لا تلتئم، وعليهم التمتع بهدوء الأعصاب قدر الإمكان.
بعد الطلاق:
وأكَّد على أنَّ الأبناء يفقدون فرصتهم في النمو النفسي والتربوي بعد وقوع الطلاق، موضِّحاً أنَّ الولد يحتاج لأبيه كي يتوحد معه كنموذج للرجل، ويحتاج لأمه كي ينشأ في نسيجه النفسي، ذلك الجزء الأنثوي الذي يشعره بالأنثى، ويُنجحه في التعامل معها، وكذلك البنت تحتاج لأمها كي تتوحد معها كنموذج للمرأة، وتحتاج لأبيها كي ينشأ في نسيجها النفسي ذلك الجزء الذكوري الذي يشعرها بالرجل، ويُنجحها في التعامل معه.
وبناءً على هذا نَصَحَ د. مهدي الآباء والأمهات بالحرص على متابعة أبنائهم، وضرورة إشعارهم بالأمان، وبيَّن أن إبقاء الأطفال في مسكنهم الذي اعتادوا عليه، وفي نفس مدارسهم، وكذلك أن يعيشوا في نفس المستوى المادي الذين اعتادوا عليه، واستمرار مرعاة الأب لأبنائه؛ من الأمور التي تساهم في تحسين حالتهم النفسية.
التدليل مرفوض:
وفي السياق ذاته حذَّر الدكتور عبد الله الورديني - باحث في علم النفس الاجتماعي - من مغبَّة السعي لإغراق طفل الطلاق في الحب المفرط؛ من خلال تدليله دون حدود؛ في محاولة لتعويضه عن افتراق والديه؛ لأن ذلك يجعل منه شخصية غير متوازنة، ويُولَدُ لديه شعور بالنقص وإحساس دائم بأنه كبش فداء.
ويضيف الورديني أن طفل الطلاق - في هذه الحالة - حتى بعد أن يصير رجلاً، إذا استمرَّت أمه في معاملته كما لو أنه ما زال طفلاً صغيراً؛ سينشأ "ولد أمه"، وكذلك بالنسبة للبنت ستنشأ "بنت أمها"، وأبرز ميزاتهما: ضعف الشخصية، والاعتماد المُطْلَقِ على الغير، وبالتالي يصعب استقرار هذه الشخصية في حياتها الزوجية.
وأوصى الورديني بمعاملة هذا الطفل على أنه شخص عاقل؛ من خلال الردِّ على استفساراته بوضوح، وأن نقدِّم له صورة الواقع دون مغالاة، وألا نحاول استغفاله أو مراوغته؛ لأنه سيدرك الحقيقة عاجلاً أو آجلاً، والأهمُّ أن نركز على إقناعه بأنَّ ما حدث لهما كان مجرد قضاء وقدر.
وتابع: قد يكون الطلاق بالنسبة للأبناء أفضل من حياة لا تطاق بين زوجين متنافرين متعاركين.
أخطر الأنواع:
وأشار كاظم أبل - استشاري نفسي واجتماعي - إلى أن أخطر أنواع الطلاق الذي يهدِّد حياة الأبناء، فهناك طلاق مدمِّر وطلاق ناجح، فالطلاق يصبح مدمِّراً عندما تكثر المشاكل، ويصل التنازع إلى المحاكم، ويشتدُّ الصراع على حضانة الأبناء، مما يترك أثراً نفسيَّاً واجتماعياً خطيراً ومدمراً على الأبناء، بخلاف الطلاق الناجح الذي لا يهدم الأسرة، بل يحافظ على قِوامِها، ويحميها من الضياع، وفيه يكون الزوجان لديهم وعي كبير وإحساس بالمسؤولية.
وأشار إلى أنَّ الطلاق الناجح له شروط تطرحها العديد من علامات الاستفهام، مثل: هل ستنتهي الحياة الزوجية بالود والحوار والتفاهم، أم باللجوء إلى المحامين والمحاكم؟
مع من سيبقى الأبناء بعد الطلاق؟ وكيف سيرى الطرف الآخر الأبناء؟
من سينفق على الأبناء بعد الطلاق؟ من ستقع عليه مسؤولية متابعة الأبناء دراسياً؟
كيف ستكون العلاقة بين الزوجين المطلقين إن تزوج أحدهما؟ هل سيحافظ كل طرف على صورة الآخر طيبة أمام الأبناء؟
وبذلك يكون الآباء قد حافظوا على مستقبل أبنائهم، ووفَّروا لهم الأمن والأمان



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.66 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]