عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-10-2020, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي أخطار تهدد الأدب الإسلامي

أخطار تهدد الأدب الإسلامي
نجيب الكيلاني


هي أخطار ليست بسيطة ولا يمكن تجاهلها، والتصدي لها لا يكون بالحماس المجرد، أو النوايا الطيبة فقط، ولكن بالفهم العميق لما تمثله تلك الأخطار من تيارات، وخاصة بعد أن تغلغلت في البنية الأدبية لشعوب العالم العربي خاصة، والإسلامي عامة، بل وأصبح لمن يحملون راياتها مكانة الأستاذية والقيادة، وقد حدث هذا الخلل لأسباب عدة، منها أننا ـ كإسلاميين ـ لم نعط الأمر حقه من الاهتمام، ولم ندرك أبعاد الآثار الفعالة للأدب بصورة صحيحة، فأغفلنا سلاحاً من أهم الأسلحة في المعركة، ومنها عدم الحرص على بسط مفهوم الأدب الإسلامي وإشاعته، وعدم تقديم نماذج كافية مقنعة منه، وإغفال الجوانب النقدية وفق المنظور الحديث، وجهود النقاد في أنحاء العالم، كما لا نستطيع أن نغفل أيضاً الظروف السيئة التي كبلت حركة الأمة الإسلامية داخلياً وخارجياً وضياع الحرية في الممارسات الحياتية، لكن أخطر العوامل التي عطلت مسيرتنا كانت نابعة من تلك الفلسفات الحارة أو الجانحة التي غزت عالمنا، واستطاعت أن تخطف أبصاره وتوازنه ببريقها وصيغها الساحرة الفاتنة.

ومن البديهي أن تعرف عدوك، كي تحكم له أو عليه، ولكي تستطيع تجنب ما يسدده إليك من سهام قاتلة، وتنتخب الأسلوب الأمثل لردعه أو رده على عقبيه، وسوف نحاول في الصفحات التالية أن نشير إلى أهم التيارات التي يجب التنبه إليها والحرص منها.



اللامعقول:
لقد أكد (مالرو) على أن العبثية تسيطر على اللحظات الجوهرية في حياة الأوربي، أي ذات سمة أوربية ترتبط بزمان ومكان وطبيعة خاصة، كما أشار (تاينن) إلى أن رنة اليأس المتميز تشيع في نبرة العبثيين، ولقد استطاع بعضهم أن يلخص مأساة العبثية أو اللامعقول في جملة صغيرة حينما قال: (وجوب غياب الإله، لكي يوجد اللامعقول)، والمعنى القاموسي لكلمة (لا معقول): غير منسجم مع العقل أو اللياقة = أو التضاد مع العقل = أو مضحك أو سخيف، وفي قاموس المسرح جاء عن اللامعقول ما نصه: (مصطلح يطلق على جماعة من الدراميين في حقبة 1950 لم يعدوا أنفسهم مدرسة، ولكن يبدو أنهم كانوا يشتركون في مواقف بعينها نحو (ورطة) الإنسان في الكون.. وتشخيص الدراسة التي قدمها الوجودي (البير كامي) مصير الإنسانية على أنه انعدام هدف، في وجود غير منسجم مع ما حوله.. والوعي بهذا العوز للهدف في جميع ما نفعل، يؤدي إلى حالة الكرب الميتا فيزيقي (الماوراء طبيعي)، وذلك هو الموضوع الرئيس لدى كتاب مسرح اللامعقول مثل (بيكيت) و (أو نيسكو) و(بنتر) وغيرهم، وبحلول عام 1962 استنفدت الحركة قوتها، برغم أن آثارها في تحرير المسرح التقليدي ما تزال ماثلة(1).



لقد جعلوا من المسرح مركز تجمع لصراع الخيال البشري السقيم الدائم ضد القناعة الدينية، وعدم الاكتراث الأخلاقي والانعزالية الاجتماعية، وهذا نابع من إيمانهم بأن الشقاء دائم، وأن العالم كابوس وجودي، يغيب عنه العقل والسماح والأمل، ولهذا نرى مسرحهم ينطق بالآتي:
ـ خيبة الأمل.
ـ ضياع اليقين.
ـ انعدام المعنى في الحياة.
ـ ضياع المثل العليا.
ـ غياب أي تفريق واضح بين الوهم والحقيقة.
ـ التهريج والهراء اللفظي.
ـ تغليب عناصر الحكاية المجازية.
ـ الاهتمام بموضوعات الموت والعزلة والتغريب والرؤية الفردية للعالم، والقلق والخيبة، والشعور تجاه غياب الحلول، بعد أن رفضوا الأنظمة القائمة والأديان والفلسفات التقليدية (1).
ولقد حاول المحللون دراسة هذه الظاهرة في الأدب والفكر، فعزوها إلى طبيعة الحياة الآلية الجافة في الغرب، واضطرار الإنسان لأن يركع أمام الحاجة، ويستسلم لسلطان الآلة وحركتها المنضبطة بلا عواطف أو شعور، بل استطاعت الآلة أن تتبوأ مكانة أسمى وأهم من مكانة الإنسان في عالم الصناعة الرهيب، مما دفع بالإنسان يتساءل عن قيمة وجوده، في هذا العالم الآلي المادي الذي لا يحفل بالأرقام والإنتاج والوفرة وتحقيق الربح، والنمو السريع، والانتصار في معركة المنافسة الضاربة.. لم يعد الإنسان مخلوقاً مكرماً مشرفاً، بل أصبح جسداً وعملاً وطعاماً ومخلفات، وأصبحت الساعة (الزمن) تحدد حركاته وسكناته، حتى أصبح يعتبر الزمن قوة تدمير هائلة بخالقه، وفقد التواصل مع الآخرين، أن يرتمي في أحضان العزلة والتغريب، ويلوك الأسى والشقاء، ويفسر أحد الدارسين آراء ألبير كامي بقوله: (إن كان في الحياة خطيئة، فهي ليست في اليأس من الحياة، قدر ما هي الأمل في حياة أخرى.. ) أي أن الخطيئة في رأيه هي الإيمان بالعالم الآخر، وهي محاولة منه لقتل الأمل نهائياً في نفوس التعساء والمعذبين والمقهورين في عالم المدنية الأوروبية الحديثة.
ومع ذلك فإن الأدب المسرحي في اللامعقول لا يجادل بل يعرض فقط تلك التصورات المريضة، والكوابيس المخيفة، والهرطقات المحزنة، ولم لا وقد أصبح الإنسان بلا هدف، أصبح (شيئاً) بعد أن كان (كائناً) ـ حسب قولهم ـ وأصبحت اللغة أيضاً شيئاً ميتاً، يحد من التواصل، ويؤكد العزلة.



لقد حدث العالم والفلسفة في أوروبا فراغاً هائلاً، وانعكس ذلك على فكر الإنسان وسلوكه وعلى الآداب التي يفزها، تلك الآداب التي لا تحمل رسالة واضحة يمكن الاتفاق أو الاختلاف معها، ولا تقدم شخصيات تحب أو تكره فضلاً عما يلتصق بأدب اللامعقول من فقر في الأفكار، وملل في التكرار، ولهذا نرى أن المنصفين من مفكري الغرب يقولون: إنَّ العبثية لا يمكن الدفاع عنها، في عالم تثبت الأرقام أن غالبية سكانه يعتقدون بدياتة تجعل الحياة ذات نظام وهدف ومع الكفر بالله عند العبثيين غالباً إلاَّ أن عبثية (بيكيت) و(كافكا) تدرك أن الحياة البشرية بدون الإيمان با لله تواجهه الخيبة، ومع ذلك فإنهما ـ عدا هذه النقطة ـ يدمرون اٍلكثير م ن القيم الخلاقة المتألقة التي جاء بها رسل الله وأنبياؤه، ولهذا يقول (مار وفتز): (اللامعقول مرادف للتافه والمضطرب) ويقول آخر: (إنها مرادف لكلمة الفوضى).
لكن هل نقول(اللامعقول) عندما نتحدث عن الأدب.
ونقول (العبثية) عندما نتحدث عن الفلسفة..
أي أنهما وجهان لعملة واحدة..
ثم إن هذه وتلك تتداخلان مع الوجودية، برغم وجود بعض الاختلافات، ولم لا ونحن نرى كتاباً مثل (البير كامي) وجوديَّا وعبثياً في الوقت نفسه، وإن غلبت عليه الصفة الأولى، والأمر غاية في البساطة، لأن الحدود القاطعة بين مذهب وآخر لا وجود لها، بل إن أصحاب المذهب الواحد ـ كما قلنا ـ قد يختلفون أشد الاختلاف في الرؤية والتفسير والتعبير.



بقي أن نمعن النظر في تلك العبارة الهامة التي قالها أحد الأوروبيين:
(إنَّ المرض يستشري نحو الشرق).
وهذا ما ألمحنا إليه في بداية هذا الفصل، إن التحذير من الغزو الثقافي يجعل بعض المتحررين وأدعياء التطور والحداثة، ويرفعون عقيرتهم منددين معترضين وينكرون كلية مقولة الغزو الثقافي والفكري، ويفلسفون ذلك بأن عالم اليوم أصبح وحدة واحدة، بعد أن ذابت الحدود إزاء التطور الإعلامي الهائل، وأننا في حاجة إلى كل جديد، وأن معاداة التيارات الفكرية الغربية جمود ورجعية، أليس غريباً أن نسمع هذا القول من أخوة يعيشون بيننا في الوقت الذي يحذرنا فيه الأوروبيون المنصفون من ذلك (المرض الذي يستشري نحو الشرق)؟ أليس مرضاً أن يقول سارتر: (الإنسان عندما يقبل فكرة الحرية، لا تعود الآلهة قادرة على التدخل) في شأنه؟؟ أليس مرضاً أيضاً أن يقول: (اللغة والعالم منفصلاً دونما أمل في رجعه، ولا يمكن تجنب هذا الانفصال، إلاّ بوضع الكاتب في وضع متطرف)؟؟.
ثم ما هذا التناقض بين القول وآخره؟


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]