عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 03-03-2021, 08:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (22)

الأحكام الفقهية من قصة ابني آدم -عليه السلام

د.وليد خالد الربيع





قال -تعالى-:{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (سورة المائدة:31)، لا نزال مع الأحكام الفقهية المستفادة من قصة ابني آدم -عليه السلام-، ويستفاد من هذه الآية الكريمة مشروعية دفن الموتى، قال القرطبي: «وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم؛ ولذلك جهلت سنة المواراة». وقال: «بعث الله الغراب حكمة؛ ليرى ابن آدم كيفية المواراة، فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق».
فدفن الموتى إكرام من الله -تعالى- للبشرية كما قال -سبحانه-: {ثم أماته فأقبره} (سورة عبس:21)، قال الشيخ ابن سعدي: «أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض»، والدفن فرض كفاية بالإجماع كما قال القرطبي: «أصبح فرضا على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين».
صفة حفر اللحد
وذكر العلماء صفتين لحفر القبر، اللحد والشق: وَمَعْنَى اللَّحْدِ، كما قال ابن قدامة: «أَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَرْضَ الْقَبْرِ حَفَرَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ مَكَانًا يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً جَعَلَ لَهُ مِنْ الْحِجَارَةِ شِبْهَ اللَّحْدِ.
وَمَعْنَى الشَّقِّ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَرْضِ الْقَبْرِ شَقًّا يَضَعُ الْمَيِّتَ فِيهِ، وَيَسْقُفَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ».
ونقل النووي إجماع العلماء على أن الدفن في اللحد أو الشق جائزان، وذهب الجمهور إلى أن اللحد هو السنة وأنه أفضل من الشق، وقيدوا ذلك بما إذا كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها لقول سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي مات فيه: «ألحدوا لي لحدا، وانصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه مسلم، قال النووي: «فيه استحباب اللحد ونصب اللبن، وأنه فعل ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد نقلوا أن عدد لبناته تسع».
استحباب إعماق القبر
وذهب الجمهور إلى استحباب إعماق القبر لحديث هشام بن عامر أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ أحُدٍ: «احفُروا، وأَوْسِعُوا، وأَعْمِقُوا، وأَحْسِنُوا، وادفِنوا الاثنينِ والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ، وقدِّموا أكثرَهم قُرْآنًا». أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني. ويستحب توسيع القبر في عرضه وطوله بما يسع من ينزل القبر ومن يدفن الميت، ولا يزيد حتى لا يضيق على الآخرين، وتكون التوسعة من جهة الرأس والقدمين لقوله - صلى الله عليه وسلم - للحافر: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين» أخرجه أبو داود.
كراهة الدفن في تابوت
واتفق الفقهاء على كراهة الدفن في تابوت بغير حاجة، قال النووي: «كراهة التابوت مذهبنا ومذهب العلماء كافة، أظنه إجماعا».
الرجال أحق بدفن الرجال
وذهب عامة الفقهاء إلى أن الرجال أحق بدفن الرجال، وأولى الرجال بالتقديم هم أولياء الميت لقوله -تعالى-:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (سورة الأنفال:75)، وقول علي - رضي الله عنه - قال: «غسَّلْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبتُ أنظر ما يكون من الميت فلم أرَ شيئاً، وكان طيبا - صلى الله عليه وسلم - حياً وميتا، وولي دفنه وإجنانَه (ستره) دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» رواه الحاكم.
أولى الناس بإدخال المرأة قبرها
وذهب عامة الفقهاء إلى أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها هو محرمها في حياتها إن لم تكن متزوجة، فإن كانت متزوجة فزوجها أولى من محرمها إذا تزاحموا؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: رجع إلىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه، قال: بل أنا وارأساه. قال: «ما ضرك لو متِّ قبلي فغسلتُكِ وكفنْتكِ ثم صليت عليك ودفنتك» رواه أحمد.
وقت الدفن
أما وقت الدفن: فيجوز الدفن في كل وقت إلا أوقات النهي عن الصلاة، فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نُصلِّي فيهن، أو أنْ نَقْبُـرَ فِيهِنَّ موتانا: حين تطلع الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرب». أخرجه مسلم، فدل الحديث على أنه يمنع الدفن في هذه الأوقات الثلاثة، إلا عند الضرورة، فأما إذا كان هناك ضرر، بأن خيف تغيُّر الميت، ونحو ذلك، فلا حرج في دفنه في هذه الأوقات.
المراد بالقَبْر
قال النووي: «قال بعضهم: إن المراد بالقَبْر (يعني المذكور في الحديث) صلاة الجنازة، وهذا القول ضعيف؛ لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع؛ بل الصواب أن معناه تَعمُّد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات، كما يُكره تَعمُّد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذرٍ، وهي صلاة المنافقين؛ كما في الحديث الصحيح: «قام فنقرها أربعًا»، فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تَعمُّد فلا يكره».
الدفن ليلاً
ويجوز الدفن ليلا بلا كراهة؛ لما رواه أبو داود عن جابر - رضي الله عنه - قال: رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، ‏وإذا هو يقول: «ناولني صاحبكم» قال ابن القيم: هذه النار كانت للإضاءة، ولهذا ترجم عليه أبو داود: الدفن بالليل، ‏قال الإمام أحمد: لا بأس بذلك، وقال: أبو بكر دفن ليلاً، وعليّ دفن فاطمة ليلاً، وحديث ‏عائشة: «سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وممن ‏دفن ليلاً: عثمان، وعائشة وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر، وابن المسيب، ‏وعطاء، والثوري، والشافعي، وإسحاق.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة الدفن ليلاً لحديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً ‏من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً، فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك رواه مسلم.
قال النووي: «وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - وَجَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ دُفِنُوا لَيْلًا مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَبِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا وَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ فَقَالُوا: تُوُفِّيَ لَيْلًا فَدَفَنَّاهُ فِي اللَّيْلِ فَقَالَ: أَلَا آذَنْتُمُونِي؟ قَالُوا: كَانَتْ ظُلْمَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ.
وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَرَّدِ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا نَهَى لِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ لِقِلَّةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ عَنْ إِسَاءَةِ الْكَفَنِ أَوْ عَنِ الْمَجْمُوعِ كَمَا سَبَقَ».

وذكر ابن القيم تفصيلا حسنا فقال: «والذي ينبغي أن يقال في ‏ذلك: إنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة ‏عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة ‏عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر».








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]