عرض مشاركة واحدة
  #159  
قديم 27-03-2008, 03:55 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبع موضوع .....نشأة الذرية معجزة علمية

وقال الشوكاني: "قوله ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾.. يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدره الله على ما هو دون ذلك من البعث, قال مقاتل يعني المكذب بالبعث, ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ من أي شيء خلقه الله, والمعنى فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته"(37), وقال الثعالبي: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة الدال على أن البعث جائز ممكن ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة فقال ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾"(38), فكما ترى يتعلق الحديث بالإنسان, والخلق من ماء والإخراج من بين الصلب والترائب بدايتان؛ آيتان منفصلتان, حجتان, وحملهما على سعة النقلة بياناً لقدرة الله تعالى أولى لأن المقام يتضمن وجوب الامتنان لسعة الفضل والإنعام, ولم يوصف المني في القرآن كثمرة يتجلى بها الاقتدار بل وُصف بالقلة والمهانة, وعود الضمير في (يخرج) على الماء سيجعل الوصف تشريحياً في البالغ وسيناقض الواقع لأن المني يخرج فعلياً من الخصية وليس من بين العمود الفقري والضلوع, والتعبير بالخروج لا يجمعه مع خبر الخلق من ماء اتصال في آية واحدة ليتعلق به وإنما ورد مستقلاً عنه متصلاً بأصل الحديث عن الإنسان, وحينئذ يتسع بيان سبق التقدير ليشمل سلسلة الأجيال, وبهذا تكون النقلة أكبر والمفارقة أعظم وبيان سبق التقدير أتم والدلالة على قدرة الله أظهر.
وفي قوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق فجعلكم بشرا سويا.. ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾, واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ على ما هي عائدة؟, فقال بعضهم هي عائدة على الماء, وقالوا معنى الكلام إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه لقادر.., عن عكرمة.. قال إنه على رده في صلبه لقادر.., (و) عن عكرمة.. قال للصلب.., (و) عن مجاهد.. قال على أن يرد الماء في الإحليل..,(وفي رواية) قال على رد النطفة في الإحليل.., (وفي رواية أخرى) قال في الإحليل.., وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على رد الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه.., (عن) الضحاك يقول.. إن شئت رددته كما خلقته من ماء, وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على حبس ذلك الماء لقادر.., قال ابن زيد.. على رجع ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه, وقال آخرون بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.. عن الضحاك.. يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ من ذكر الإنسان, وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائهبعد مماته لقادر.., عن قتادة..(قال) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر, وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك إن الله على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا كهيئته قبل مماته لقادر, وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ فكان في إتباعه قوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ نبأ من أنباء القيامة دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه.., يقول تعالى ذكره إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تبلى السرائر, فاليوم من صفة الرجع لأن المعنى إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر, وعني بقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ يوم تختبر سرائر العباد فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً"(39).
وقال ابن كثير: "وقوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ فيه قولان؛ أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك, قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما, والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر, لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير, ولهذا قال تعالى ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر, أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا.., وقوله تعالى ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي الإنسان يوم القيامة ﴿مِنقُوّةٍ﴾ أي في نفسه ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك(40).
وقال أبو السعود: "﴿إِنّهُ﴾:الضمير للخالق تعالى فإن قوله ﴿خُلِق﴾ يدل عليه, أي أن ذلك الذي خلقه ابتداء مما ذكر على رجعه, أي على إعادته بعد موته, لقادر.. ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي للإنسان ﴿مِن قُوّةٍ﴾ في نفسه يمتنع بها ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ ينتصر به"(41), وقال الشوكاني: "الضمير في ﴿إِنّهُ﴾ يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله ﴿خُلِق﴾ عليه, فإن الذي خلقه هو الله سبحانه والضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد إلى الإنسان, والمعنى أن الله سبحانه على رجع الإنسان أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر, هكذا قال جماعة من المفسرين, وقال مجاهد على أن يرد الماء في الإحليل, وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب, وقال مقاتل ابن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر, والأول أظهر ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي.., ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾ أي فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به"(42), وقال البغوي: "قال قتادة إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر, وهذا أولى الأقاويل لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ﴾ وذلك يوم القيامة.., فما له من قوة ولا ناصر أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله"(43), والحاصل كما ترى بجلاء هو إجماع المحققين على إعادة الضمائر إلى الإنسان وإن كان هو المذكور الأبعد ذكراً من الماء, وليس عود الضمير إذاً في الفعل (يخرج) إلى الماء بأولى من عوده للإنسان مثلها, ولا توجد قرينه لتشتيت مرجع الضمائر, قال السيوطي: "الأصل توافق الضمائر في المرجعحذرا من التشتيت ولهذا لما جوز بعضهم في ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ﴾ طه 39 أن الضمير في الثاني للتابوت وفي الأول لموسى عابه الزمخشري وجعله تنافرا مخرجا للقرآن عن إعجازه, فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ومراعاته أهم ما يجب على المفسر, وقال في﴿لّتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ الفتح 9: الضمائر لله تعالى والمراد بتعزيره تعزير دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فقد أبعد"(44).
وقال ابن القيم: "وقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ الصحيح أن الضمير يرجع على الإنسان, أي أن الله على رده إليه لقادر يوم القيامة وهو اليوم الذي تبلى فيه السرائر, ومن قال أن الضمير يرجع على الماء؛ أي إن الله على رجعه في الإحليل أو في الصدر أو حبسه عن الخروج لقادر فقد أبعد, وإن كان الله سبحانه قادرا على ذلك, ولكن السياق يأباه, وطريقة القرآن وهي الاستدلال بالمبدأ والنشأة الأولى على المعاد والرجوع إليه, وأيضا فإنه قيده بالظرف وهو ﴿يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ﴾, والمقصود أنه سبحانه دعا الإنسان أن ينظر في مبدأ خلقه ورزقه فإن ذلك يدله دلالة ظاهرة على معاده ورجوعه إلى ربه, وقال تعالى ﴿فَلْيَنظُرِالإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ. أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً. ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَآئِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ عبس 24-31, فجعل سبحانه نظره في إخراج طعامه من الأرض دليلا على إخراجه هو منها بعد موته, استدلالا بالنظير على النظير, ومن ذلك قوله سبحانه ردا على الذين قالوا "أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا": ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ الإسراء 99, أي مثل هؤلاء المكذبين, والمراد به النشأة الثانية وهي الخلق الجديد, وهي المثل المذكور في غير موضع, وهم هم بأعيانهم فلا تنافي في شيء من ذلك بل هو الحق الذي دل عليه العقل والسمع ومن لم يفهم ذلك حق فهمه تخبط عليه أمر المعاد وبقي منه في أمر مريج, والمقصود أنه دلهم سبحانه بخلق السموات والأرض على الإعادة والبعث وأكد هذا القياس بضرب من الأولى وهو أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس فالقادر على خلق ما هو أكبر وأعظم منكم أقدر على خلقكم, وليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته, فليس مع المكذبين بالقيامة إلا مجرد تكذيب الله ورسوله وتعجيز قدرته ونسبة علمه إلى القصور والقدح في حكمته, ولهذا يخبر الله سبحانه عمن أنكر ذلك بأنه كافر بربه جاحد له لم يقر برب العالمين فاطر السموات والأرض, كما قال تعالى ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ﴾ الرعد 5, وقال المؤمن للكافر الذي قال ﴿وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً﴾ الكهف 36, فقال له ﴿أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً﴾ الكهف 37, فمنكر المعاد كافر برب العالمين وإن زعم أنه مقر به, ومنه قوله تعالى ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ﴾ العنكبوت 20, يقول تعالى انظروا كيف بدأت الخلق فاعتبروا الإعادة بالابتداء, ومنه قوله تعالى ﴿يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ الروم 19, وقوله تعالى ﴿فَانظُرْ إِلَىَ آثَارِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الروم 50, وقوله ﴿وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ. وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ. رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ ق 9-11, وقال تعالى ﴿يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ﴾ الأنبياء 104, والسجل الورق المكتوب فيه, والكتاب نفس المكتوب, واللام بمنزلة على, أي نطوي السماء كطي الدرج على ما فيه من السطور المكتوبة, ثم استدل على النظير بالنظير فقال ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ﴾"(45).

وقال ابن القيمأيضاً: "ذكر الأمر المستدل عليه و(هو) المعاد بقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ أي على رجعه (يعني الإنسان) إليه يوم القيامة كما هو قادر على خلقه.. هذا هو الصحيح في معنى الآية, وفيها قولان ضعيفان أحدهما قول مجاهد على رد الماء في الإحليل لقادر, والثاني قول عكرمة والضحاك على رد الماء في الصلب, وفيه قول ثالث قال مقاتل إن شئت رددته (يعني الإنسان) من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا إلى النطفة, والقول الصواب هو الأول لوجوه: (أحدهما) أنه هو المعهود من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد, (الثاني) أن ذلك أدل على المطلوب من القدرة على رد الماء في الإحليل, (الثالث) أنه لم يأت لهذا المعنى في القرآن نظير في موضع واحد ولا أنكره أحد حتى يقيم سبحانه الدليل عليه, (الرابع) أنه قيد الفعل بالظرف وهو قوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ وهو يوم القيامة أي أن الله قادر على رجعه إليه حيا في ذلك اليوم, (الخامس) أن الضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ هو الضمير في قوله ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾ وهذا للإنسان قطعا لا للماء, (السادس) أنه لا ذكر للاحليل حتى يتعين كون المرجع إليه, فلو قال قائل على رجعه إلى الفرج الذي صب فيه لم يكن فرق بينه وبين هذا القول ولم يكن أولى منه, (السابع) أن رد الماء إلى الأحليل أو الصلب بعد خروجه منه غير معروف ولا هو أمر معتاد جرت به القدرة وإن كان مقدورا للرب تعالى, ولكن هو لم يجره ولم تجر به العادة ولا هو مما تكلم الناس فيه نفيا أو إثباتا, ومثل هذا لا يقرره الرب ولا يستدل عليه وينبه على منكريه, وهو سبحانه إنما يستدل على أمر واقع ولا بد إما قد وقع ووجد أو سيقع,.. (الثامن) أنه سبحانه دعا الإنسان إلى النظر فيما خُلق منه ليرده عن تكذيبه بما أخبر به وهو لم يخبره بقدرة خالقه على رد الماء في إحليله بعد مفارقته له حتى يدعوه إلى النظر فيما خلق منه ليستقبح منه صحة إمكان رد الماء, (التاسع) أنه لا ارتباط بين النظر في مبدأ خلقه ورد الماء في الإحليل بعد خروجه ولا تلازم بينهما حتى يجعل أحدهما دليلا على إمكان الآخر بخلاف الارتباط الذي بين المبدأ والمعاد والخلق الأول والخلق الثاني والنشأة الأولى والنشأة الثانية فإنه ارتباط من وجوه عديدة ويلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر ومن وقوعه صحة وقوع الآخر فحسن الاستدلال بأحدهما على الآخر, (العاشر) أنه سبحانه.. نبه بقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ على بعثه لجزائه على العمل الذي حفظ وأحصى عليه فذكر شأن مبدأعمله ونهايته فمبدؤه محفوظ عليه ونهايته الجزاء عليه ونبه على هذا بقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ أي تختبر.. والسرائر جمع سريرة"(46).
وبغض النظر عن الاجتهادات الواسعة لتفهم الكيفيات قبل أن يكشفها العلم لا صارف عن عود ضمير ﴿يخرج﴾ إلى الأصل وهو﴿الإنسان﴾ وإن شاركه (الماء) في الاحتمال, قال ابن عطية: "والضمير في يخرج يحتمل أن يكون للإنسان ويحتمل أن يكون للماء"(47), وقال القرطبي: "من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه فالضمير في يخرج للماء ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة فالضمير للإنسان"(48), ولك أن تستفظع القول بخروج المني من بين صلب الرجل وترائبه وأنت تعلم بتكونه في الخصيةإلا إذا اعتبرت تكون أصل الأصل عند النشأة, ولكن لا تتوهم أنهم يعتقدون بخروج مني الرجل من ترائب المرأة, لأنهم يعلمون كما لو كانوا أبناءعصر العلم مثلي ومثلك باحتياجه لنظير أنثوي ليتخلق الجنين, فجعلوا للمرأة دوراً وقدموا فروضاً لأصل المني النظير مجتهدين في استمداد المعرفة من القرآن في غياب حقائق العلم, يقول العلي القدير: ﴿إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ الإنسان 2, قال الشوكاني: "وأمشاج صفة لنطفة وهي جمع مشج أو مشيج وهي الأخلاط والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما"(49), وقال ابن القيم: "الجنين يخلق من ماء الرجل وماء المرأة خلافا لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده"(50),ويقول عز وجل: ﴿يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ﴾ الحجرات 13, قال القرطبي: "بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكروالأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية فإنها نص لا يحتمل التأويل"(51)والاقتصارإذاً على جنس الذكر بقرينة الماء الدافق يفسره اعتبار المعلوم وسبق المني للنطفة الأمشاج التي يبدأ منها الخلق, ولكن ها أنت ترى أنهم يعرفون بتكون الجنين من الأبوين ويدخلونهما في تفسير الإخراج مما يجعل الأولوية في عود ضمير (يخرج) إلى الإنسان فيصدق الوصف على الجنسين, وبإغفال دلالة السياق على أن ﴿الإِنسَانُ﴾ محور الحديث والموضوع الرئيس؛ يستقيم عود الضمير في ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ إلى الماء, وباعتبار الأصلهو علمياً معنى صحيح لخروج الخصية من ذلك الموضع, ومن الأعلام من احتمله وإن قصر ذلك الاجتهاد الوصف على الذكر واستبعد الأنثى معارضاً دلالة لفظ ﴿الإِنسَانُ﴾ على الجنس بنوعيه من الذكر والأنثى.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.64 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]