عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-02-2019, 04:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- المقدمة
- ترجمة الإمام النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
(2)

أشهر تلامذة النسائي الذين تلقوا عنه
النسائي أخذ عنه التلاميذ الذين كانوا في زمنه وتلقوا عنه في بلده وغير بلده، وممن اشتهر بالأخذ عنه: ابن السني ، وكذلك أبو جعفر العقيلي, وأبو جعفر الطحاوي, وغيرهم كثير، والطبراني أخذ عنه وهو من أصحاب الإسناد العالي؛ لأنه ولد سنة مائتين وستين, وتوفي سنة ثلاثمائة وستين, وعاش مائة سنة، وأدرك من حياة النسائي ثلاثاً وأربعين سنة، وعاش بعده سبعاً وخمسين سنة، فأخذ عنه وعُمِّر بعده، فصار الإسناد من طريقه من الأسانيد العالية، ولهذا يقال عن الطبراني : إنه عالي الإسناد بالإطلاق؛ لأنه عُمِّر وأخذ عن المعمرين كـالنسائي وغيره.
مكانة النسائي ومنزلته عند العلماء
يعتبر النسائي رحمة الله عليه من الحفاظ، ومن أئمة المسلمين، والذي وصفه بعض العلماء بالإمامة، وأنه من أئمة المسلمين، ووصفوه بأنه أحد الحفاظ، وأنه أحد الأعلام، وأنه إمام في الجرح والتعديل، وأنه ممن يقبل قوله في الجرح والتعديل، وأثنى عليه العلماء ثناءً عظيماً، بل إن من العلماء من قال: إن شرطه أقوى من شرط مسلم وشرط البخاري ؛ من حيث إنه تجنب الرواية عن أشخاص, أو لين أشخاصاً روى عنهم البخاري، ومسلم ، لكن كما هو معلوم أن البخاري، ومسلم التزما الصحة وهو لم يلتزم الصحة، لكن هذا يدل على إتقانه، وعلى تحريه، وعلى أنه متمكن في علم الحديث، وعلى أنه ينتقي، فهو يدل على علو منزلته، وعلى فضله، وعلى نبله، وإن كان ما في البخاري ومسلم مقدم على ما عنده كما معروف عند العلماء، لكن مثل هذه العبارة التي جاءت عن بعض العلماء: أن له شرطاً أشد من شرط البخاري، ومسلم تدل على قيمته وعلى علو منزلته, وإن كان هذا لا يسلم به مطلقاً، وإنما قد يسلم به في الجملة، وذلك من جهة أن بعض الأشخاص الذين لينهم النسائي ولم يرو عنهم روى عنهم البخاري، ومسلم ، إلا أن هذا لا يقدح في البخاري ومسلم، أو في رجال البخاري ومسلم ، لكن يدل على قيمة منزلة النسائي وقيمة كتابه وقيمة سننه، وأنه كتاب عظيم، وأنه له شأناً كبيراً.
تأليف النسائي كتاب الخصائص في فضائل علي بن أبي طالب
الإمام النسائي رحمة الله عليه -كما قلت- عاش في مصر, وفي آخر الأمر ارتحل منها إلى الشام وجاء إلى دمشق، وحصل له فيها محنة كما ذكر ذلك بعض العلماء، وألف فيها كتاب (الخصائص), أي: خصائص علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجاء عنه أن سبب تأليفه إياه: أنه وجد أن أهل الشام عندهم حب شديد لبني أمية، ولم يجد عندهم ذكراً كبيراً لـعلي رضي الله عنه وأرضاه، فألف هذا الكتاب ليبين لهم فضل ذلك الإمام، وليبين الأحاديث التي وردت في فضله رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فأراد بذلك الخير، وأراد بذلك بيان فضل أهل الفضل, وميزة أهل التقدم؛ وهو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فألف ذلك الكتاب.ثم ألف كتاب (فضائل الصحابة)، وبدأ بفضائل أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عن الجميع، ولكنه ألف كتاب (الخصائص) في دمشق ليبين فضل ذلك الإمام العظيم الذي شُغل كثير من الناس في تلك البلاد بغيره؛ وهم بنو أمية، وفي مقدمتهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فألف هذا الكتاب يريد الخير.
موقف النسائي من معاوية رضي الله عنه
سئل النسائي عن معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فجاء عنه ما يدل على الثناء عليه, وما يدل على فضله، وجاء عنه عبارة فيها شيء من الحط من شأنه، وأوذي بسببها إن صح ذلك النقل، وأنه أوذي بسبب ما أجاب به لما سئل عن معاوية، وأنه طلب منه أن يؤلف في فضائل معاوية فقال: وأي فضائل له؟ أي: ما هي الفضائل التي لـمعاوية فيؤلف فيها؟ وذكر حديث: (لا أشبع الله بطنه) وهو حديث في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وإن صحت عنه هذه الرواية فقد جاءت عنه أيضاً رواية أخرى تدل على فضل معاوية ، وتدل على أنه واحد من الصحابة، وأن القدح في الصحابة قدح في الدين.بل إن هذا الحديث -أي: حديث: (لا أشبع الله بطنه)- يدل على فضل معاوية كما ذكر ذلك بعض العلماء.والإمام مسلم رحمه الله لما أورد هذا الحديث أورده بعدما أورد الأحاديث التي فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم ما دعوت على إنسان, ولم يكن أهلاً لتلك الدعوة, أن يجعلها الله تعالى له طهراً وزكاءً وفضلاً).
فلما أورد الإمام مسلم رحمه الله تلك الأحاديث, عقبها بهذا الحديث ليبين أن معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه لا تضيره هذه الدعوة، وإنما هي تنقلب دعاءً له, وتنقلب ثناءً عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنني اشترطت على ربي أنني ما دعوت على إنسان ليس بأهل لتلك الدعوة أن يجعل الله تعالى له ذلك طهراً ونقاءً).
والحديث الذي قبل هذا الحديث هو في قصة أم سليم مع اليتيمة التي كانت عندها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف البنت أنها صغيرة, ثم أتت إليه وقال لها: (من أنتِ) وأخبرته: بأنها يتيمة أم سليم ، فقال: (كبرت لا كبرت سنك) فلما أورد مسلم هذا الحديث, أورد بعده حديث: (لا أشبع الله بطنه) وهو حديث ابن عباس في قصة معاوية .ثم إن معاوية رضي الله عنه كان من كتبة الوحي، وهذا من فضائله، وهو مؤتمن ائتمنه الرسول صلى الله عليه وسلم على كتابة وحي رب العالمين، فهذا من فضائله وهذا من نبله رضي الله عنه وأرضاه.إذاً: هذه الكلمة لا تضر معاوية رضي الله عنه وإنما تنقلب مدحاً عليه، وما جاء عن النسائي جاء عنه ما يقابل تلك الكلمة، ولعله قالها ليلفت الأنظار إلى عدم الغلو في الأشخاص، وأن أهل الشام لما صار له منزلة عندهم؛ ولأنهم نشأوا لا يعرفون إلا هو, وقد مكث أربعين سنة في دمشق. عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، فنشأوا وعاشوا لا يعرفون إلا معاوية بن أبي سفيان؛ فأراد أن يأتي بهذه الكلمة حتى يقلل من الإطراء, أو من التجاوز الذي حصل من بعضهم.ثم أيضاً ذلك الحديث الذي ذكره عن معاوية هو في الحقيقة ثناء عليه، ولا يعتبر قدحاً فيه؛ لأن مسلماً رحمه الله لم يورده إلا في موطن, وأورده لبيان أن هذا مما ينفع معاوية ولا يضره، ومن قبيل ما هو منقبة لـمعاوية وليس مثلبة له رضي الله تعالى عنه وأرضاه.ومن المعلوم أن الصحابة جميعاً يجب أن تمتلئ القلوب من محبتهم، وأن تنطق الألسنة بذكرهم والثناء عليهم، وألا يذكروا إلا بالجميل.
مدى صحة نسبة الإمام النسائي للتشيع وأنها سبب وفاته
وقد نسب النسائي إلى التشيع، وقيل عنه: إن عنده تشيعاً، ولعل هذا بسبب هذه الكلمة التي سمعت منه في حق معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ثم إن التشيع في بعض سلف هذه الأمة لا يؤثِّر؛ لأنه أحياناً يكون من قبيل تقديم شخص على شخص في الفضل على حسب ما يراه، كما يجري عند تفضيل عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فإن المشهور عن العلماء تقديم عثمان على علي في الفضل، وبعض العلماء يقدم علياً على عثمان في الفضل، أما التقديم عليه في الخلافة فلا يقدم عليه, ولا يقدمه سلف هذه الأمة عليه، وقد قال بعض العلماء: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وتقديمه عليه بالخلافة هو اعتراض على ما أجمع عليه سلف هذه الأمة، وأما التقديم بالفضل فهذا هو الذي لا يبدع من قال به، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، فإنه قال: تقديم علي على عثمان في الفضل لا يبدع قائله، وإنما الذي يبدع تقديمه عليه بالخلافة، هذا هو الذي يبدع من قال به، أي: من قال: إن علياً أولى من عثمان بالخلافة فهو مبتدع؛ لأنه قال قولاً يخالف ما أجمع عليه الصحابة وما اتفق عليه سلف الأمة.وأما من ناحية الفضل فإن هذا لا يؤثِّر؛ لأنه قد يقدم المفضول مع وجود الفاضل في الولاية، أي: أن الولاية قد يقدم فيها المفضول مع وجود الأفضل، وهذا لا يؤثر ولا يقدح في الفاضل كون غيره يقدم عليه. وبعض العلماء نسب إلى التشيع بسبب تقديمه علياً على عثمان، ومن هؤلاء الذين وصفوا بهذا: ابن أبي حاتم صاحب الجرح والتعديل، وكذلك الأعمش، وابن جرير، وعبد الرزاق ، وجماعة جاء عنهم تقديم علي على عثمان في الفضل، وهذا لا يقدح، والتشيع الذي سببه هذا لا يؤثر.وبعض ما ينسب إلى بعض الأئمة الفضلاء والعلماء المحدثين الثقات المتقنين من التشيع هذا من أسبابه، أي: تقديم علي على عثمان في الفضل، رضي الله تعالى عن الجميع، وهذا لا يؤثر، ولا يعتبر صاحبه مغموزاً ولا مقدوحاً به؛ لأن جماعة من العلماء على هذا المنوال، ولا يؤثر هذا على فضلهم وعلى نبلهم، وهذه مسألة خلافية، وإن كان المعروف والمشهور عن العلماء هو تقديم عثمان على علي في الفضل، كما أنه مقدم في الخلافة، والذين قالوا بخلاف ذلك قلة، لكن قولهم لا يقدح فيهم ولا يحط من شأنهم، ولا يؤثر على نبلهم وعلى فضلهم، فهم جهابذة وحفاظ ومتقنون وعُمَد في الجرح والتعديل, ومع ذلك جاء عنهم هذا القول فنسبوا إلى التشيع بسببه، وذلك لا يقدح فيهم ولا يؤثر. والذي جاء عن النسائي من كونه تكلم بهذه الكلمة في معاوية ، فقد بين فضله في موضع آخر، وكونه ألف خصائص علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لا يؤثر فيه ولا أن ننسبه إلى التشيع؛ لأن هذا لا يدل على قدح فيه، ولا يدل على غمز فيه، وإنما هذا شأنه شأن غيره ممن نسبوا إلى التشيع, ونسبتهم إلى التشيع لا تؤثر فيهم.وقيل: إن وفاته كانت بسبب إيذائه الذي حصل له في دمشق، وأنه لما قال ما قال في حق معاوية ضرب, وأنه أوذي, وأنه مرض على إثر ذلك, وأنه انتقل بعد ذلك إلى الرملة، وقيل: إلى مكة ومات بها, وأنه توفي بسبب ذلك.
وقيل: إنه توفي بسبب الإيذاء الذي حصل له من بعض الناس الذين آلمهم ولم يعجبهم ما قاله في معاوية، إن صح هذا الكلام عن الإمام النسائي رحمة الله عليه. وكانت وفاته في أوائل سنة ثلاث بعد الثلاثمائة ؛ أي: في أول القرن الرابع الهجري.
تأليف الإمام النسائي للسنن الصغرى ومنهجه فيه
النسائي له كتابان في السنن: أحدهما موسع, ويقال له: السنن الكبرى، والثاني مختصر ويقال له: السنن الصغرى، ويقال له: المجتبى، ويقال له: المجتنى.والكتاب الذي عول عليه العلماء واعتبروه أحد الكتب الستة هو: المجتبى الذي هو السنن الصغرى، والتي انتقاها واختارها من كتابه السنن الكبرى.وهذا الكتاب لقي - كما لقي غيره من الكتب المعتمدة الأصول- عناية فائقة من العلماء.وهذا الكتاب أي: (السنن الصغرى) -الذي هو المجتبى- أو المجتنى اختلف من الذي اجتباه أو اختصره أو انتخبه من السنن الكبرى, هل هو النسائي نفسه, أو أنه أبو بكر بن السني تلميذه وأحد رواة الكتاب عنه؟ على قولين للعلماء: القول الأول وهو المشهور:أن الذي انتخبه والذي اختاره واجتباه هو نفس المؤلف.
القول الثاني: من العلماء من قال: بأن الذي اختاره أو انتخبه واستخرجه من السنن الكبرى هو تلميذه ابن السني. ولكن المشهور هو الأول.
وقد جاء أنه لما ألف كتاب السنن الكبرى أهدى منه نسخة إلى ملك الرملة أو أمير الرملة فقال له: أكل ما فيه صحيح؟ فقال: لا، فاختار له منه السنن الصغرى الذي هو المجتبى. ويمكن أن يكون القول الثاني له حظ من النظر لا على سبيل الاستقلال، بل يحتمل أن يكون قام ابن السني بتوجيه من النسائي بأن يستخرج منه أحاديث عينها، فيكون ذلك الذي أضيف إلى ابن السني له وجه، لا على سبيل الاستقلال بل على سبيل التوجيه من الإمام النسائي.
لكن المشهور -كما عرفنا- هو أن النسائي نفسه هو الذي اختاره، وإذا كان اختاره وانتقاه بنفسه واستخرجه بنفسه, أو علم على بعض الأحاديث وأرشد بعض تلاميذه إلى استخراجها منه فيمكن أن يكون منسوباً إلى المستخرج الذي حصل بالتوجيه، ويمكن أن يكون حصل منه بنفسه، ولكن المشهور أن الذي انتخبه والذي اختاره هو الإمام النسائي نفسه.وقد جاء مكتوباً على بعض النسخ أنه من عمل النسائي، وأنه اختصار النسائي أو انتخاب النسائي نفسه. ومهما يكن من شيء فإن الكتاب اشتهر، وسواءً قام به النسائي نفسه، أو قام به تلميذه بتوجيه منه، أو بغير توجيه منه، فهو منتخب من كتاب سنن النسائي الكبرى، لكن هناك أحاديث موجودة في الصغرى وليست في الكبرى، وهذا يؤيد أن الذي قام بوضعه النسائي نفسه؛ لأن فيه أحاديث هي للنسائي يقول فيها: أخبرنا فلان عن فلان إلى آخره، وهي ليست موجودة في سنن النسائي الكبرى؛ وهذا يؤيد ويوضح أن النسائي نفسه هو الذي وضع هذا الكتاب، وهو الذي ألف هذا الكتاب؛ لأنه لو كان مجرد اختصار وانتخاب من كتاب معين ما كان يحصل فيه الزيادة -أي: في المختصر أو المنتخب- على ما كان في الأصل؛ لأن الذي يأتي إلى كتاب مؤلف وينتخب منه لا يتعدى الكتاب الذي انتخب منه ما دام أنه مجتبى منه ومجتنى منه ومنتخب منه، فهذا يؤيد أنه عمل النسائي نفسه.وقد ذكر هذا الشيخ عبد الصمد شرف الدين في مقدمته لكتاب (تحفة الأشراف)، وذكر بعض الأبواب الموجودة في نفس الكتاب الذي هو السنن الصغرى: باب كذا وكذا مما لم يكن في الكبرى، وأنه في الصغرى دون الكبرى.وأما كون الكبرى يكون فيها أشياء ليست في الصغرى فهذا ليس بغريب؛ لأنه هو الأصل المنتخب منه، لكن الذي يحتاج إلى أن يعرف ويحتاج إلى التنصيص عليه هو كون الصغرى فيها أشياء لا توجد في الكبرى، وهذا ما هو موجود في نفس السنن في بعض الأبواب، أنه في الصغرى وليس في الكبرى، وقد نص عليه الشيخ عبد الصمد شرف الدين في مقدمته لكتاب المزي (تحفة الأشراف) الذي قام بتحقيقه وبإخراجه ونشره.
الفرق بين حدثنا وأخبرنا عند النسائي
الإمام النسائي رحمة الله عليه في كتابه (السنن الصغرى) يستعمل عبارة (أخبرنا)، وهي التي يستعملها في هذا الكتاب، فتعبيره (بأخبرنا) يعني: لا يأتي بحدثنا وإنما يأتي بأخبرنا، و(أخبرنا) و(حدثنا) بعض العلماء يسوي بينهما ولا يفرق بينهما.
ومن العلماء من يفرق بينهما؛ فيجعل (حدثنا) فيما سمع من لفظ الشيخ، فإذا كان الشيخ يقرأ والتلاميذ يسمعون, فيعبر التلاميذ (بحدثنا)، أما إذا كان الشيخ لا يقرأ ولكنه يقرأ عليه أحد الطلاب وهو يسمع، والباقون يسمعون وهم يقرءون عليه ليأخذوا عنه؛ فإنهم يعبرون (بأخبرنا)، وهذا يسمى عرض: وهي القراءة على الشيخ، يعني: يعبرون بما قرئ على الشيخ بـ(أخبرنا)، وبما سمع من لفظ الشيخ بـ(حدثنا).
وبعض العلماء لا يفرق بين (حدثنا) و(أخبرنا)، فيستعمل (حدثنا) و(أخبرنا) فيما سمع من لفظ الشيخ وفيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، فلا يفرقون بين هذا وهذا.ومن المعلوم أن النسائي لم يكن دوماً على هذه الطريقة، أي: أنه لم يحصل منه أنه قرأ على الشيخ وهو يسمع، وأن هؤلاء الذين يروي عنهم قد قرئ عليهم وهو يسمع، ليس كذلك، بل بنى على القاعدة أو على الطريقة التي هي عدم التفريق بين (حدثنا، وأخبرنا)، وأن (أخبرنا) تستعمل فيما تستعمل فيه (حدثنا)، وأنها ليست مقصورة على ما قرئ على الشيخ وهو يسمع وهذا ما يسمى عرضاً: وهو القراءة على الشيخ. فصنيع النسائي هو ليس على طريقة التفريق بين (حدثنا، وأخبرنا)، وإنما هو على طريقة التسوية بين (حدثنا، وأخبرنا). وممن اشتهر عنه التعبير بأخبرنا: إسحاق بن راهويه الإمام المشهور المعروف، فإنه عرف عنه أنه غالباً وكثيراً ما يستعمل أخبرنا فيما يرويه عن شيوخه، ولا يستعمل حدثنا إلا قليلاً، وهذا هو المشهور عنه، ولهذا الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري عندما يأتي ذكر إسحاق في شيوخ البخاري غير منسوب، ثم يلتبس ويحتمل هل هو إسحاق بن راهويه أو إسحاق بن منصور, أو غيرهم ممن يسمى إسحاق؟ يستشهد أو يستأنس بتعبيره -أي: إسحاق - بأخبرنا، إذا جاء غير منسوب وفيه: (أخبرنا) فإنه يعتبرها قرينة تدل على أنه إسحاق بن راهويه؛ لأنه عرف من عادته أنه يأتي بأخبرنا، وإن أتى بحدثنا فهو قليل ونادر بالنسبة لتعبيره بأخبرنا.إذاً: الإمام النسائي رحمة الله عليه يستعمل لفظ (أخبرنا) في الرواية عن شيوخه في هذا الكتاب -الذي هو السنن الصغرى- والذي يقال له: المجبتى, ويقال له: المجتنى.
كيفية رواية النسائي عمن روى عنه ولم يقصده بالرواية
ومن مشايخه الذين روى عنهم ولكنه ما قصده في الرواية: الحارث بن مسكين ، كان بينه وبينه وحشة، وكان لا يأذن له أن يأتي لأخذ الحديث عنه، فكان يأتي ويجلس من وراء ستار ويسمع الحارث بن مسكين وهو يحدث تلاميذه، فكان النسائي يسمع منه ويحدث عنه, ولكن لا يقول: أخبرنا، ولا يقول: حدثنا؛ لأنه ما قصده بالتحديث، ولكنه سمع منه، فيأتي فيقول: الحارث بن مسكين قال: أخبرنا، وأحياناً يقول: أخبرنا، فيحتمل أن يكون هذا الذي عبر عنه في بعض المواضع بأخبرنا أنه حصل ذلك قبل أن يمنعه من الأخذ عنه، أو أن يكون أذن له فيما بعد، فيكون هذا التنويع الذي عند النسائي في كونه أحياناً يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين ، وأحياناً ابن مسكين قال: أخبرنا، فلا يأتي بصيغة عنه؛ لا أخبرنا ولا حدثنا؛ فيحتمل أن يكون سماعه منه على حالين: حال فيها إذن، وحال فيها عدم إذن، فالذي فيها إذن هو الذي فيه التعبير بأخبرنا، والذي فيها عدم إذن وعدم سماح له بالأخذ عنه هو الذي يكون غفلاً من الصيغة التي هي: أخبرنا أو حدثنا، وإنما يقول: الحارث بن مسكين قال: أخبرنا فلان، قال: أخبرنا فلان، ويسوق الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا من دقة النسائي ومن تحريه ومن تورعه؛ لأنه في الحال التي منعه من الرواية لم يكن يمتنع، بل يأخذ الحديث، ولكنه لا يعبر بحدثنا ولا أخبرنا، إلا ما جاء عنه في بعض المواضع ويحمل على ما ذكرت: من أنه قد يكون ذلك قبل المنع، ويمكن أن يكون في بعض الأحوال أذن له، وأنه روى على الحالين: مرة غفلاً لا يأتي بكلمة حدثنا، ولا يأتي بأخبرنا، وفي بعض الأحيان القليلة يأتي بأخبرنا، لكن هذا -كما ذكرت- يدل على ورعه وعلى دقته، وأنه في هذه الأحوال التي منع فيها من الرواية لم يمتنع من أخذ الحديث.والعلماء قد ذكروا من جملة مسائل المصطلح: من خص قوماً بالحديث فإن لغيرهم ممن لم يخص أن يروي إذا سمع, فإذا حصل منه السماع, فإنه يروي وإن لم يقصد؛ لأن الرواية مبنية على السماع وعلى تحقق الرواية سواءٌ حصل الإذن أو لم يحصل الإذن، ما دام الإذن قد حصل في الجملة لغيره من الطلاب بأن يأخذوا عنه, فإن لغيرهم أن يأخذ وإن منعه هو من الأخذ؛ لأن التحديث قد وجد، لكن العبارة التي يعبر بها هي التي يكون فيها التحرز، ويكون فيها الدقة، ويكون فيها التورع من الإتيان بلفظ يوهم خلاف الواقع. ثم إن النسائي رحمة الله عليه يأتي أحياناً بتعليقات بعد ذكر الحديث إما لبيان اسم، أو لبيان حال رجل، أو ما إلى غير ذلك، مما سيمر بنا إن شاء الله في هذا الكتاب، فهذا من عمله الذي يقوم به في كتابه زائداً على ما يورده من الأحاديث.
إيراد كلمة: (قال) قبل (حدثنا) أثناء الإسناد في سنن النسائي
أيضاً الموجود في كتاب النسائي غالباً التعبير بـ(قال) قبل (حدثنا) و(أخبرنا) في أثناء الإسناد، وهذه لا ندري هل هي من الأصل -من كتابة النسائي- أو أنها من بعض النساخ؟ لأن المعروف عند المحدثين أن كلمة (قال) تحذف قبل الصيغة في أثناء الإسناد, تحذف كتابة وينطق بها عند القراءة، كأن يقول: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان، وإن لم يكن فيه قال في أثناء الإسناد، لكن كتاب النسائي فيه ذكر كلمة قال قبل الصيغة، فيحتمل أن تكون هذه من النسائي ، ويحتمل أن تكون هذه من النساخ فيأتون بكلمة (قال) ويثبتونها، والتي اشتهر عند العلماء أنها تحذف خطاً للاختصار والتخفيف من الكتابة، وينطق بها عند القراءة وإن لم تكن موجودة؛ لأن هذا مما شاع في الاصطلاح عند العلماء، بحيث تحذف كلمة (قال) قبل الصيغة خطاً وينطق بها عند القراءة وإن لم تكن موجودة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]