عرض مشاركة واحدة
  #312  
قديم 16-01-2020, 02:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (311)
تفسير السعدى
سورة طه
من الأية(27) الى الأية(41)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة طه



" واحلل عقدة من لساني "(27)
" وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي " وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام, كما قال المفسرون, وكما قال الله عنه أنه قال: " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا " فسأل الله أن يحل منه عقدة, يفقهوا ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة, والمراجعة, والبيان عن المعاني.
" واجعل لي وزيرا من أهلي " (29)
" وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " أي: معينا يعاونني, ويؤازرني, ويساعدني على من أرسلت إليهم.
وسأل أن يكون من أهله, لأنه من باب البر, وأحق ببر الإنسان, قرابته.
ثم عينه بسؤاله فقال: " هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي " أي: قوني به: وشد به ظهري.
قال الله " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا " .

" وأشركه في أمري " (32)
" وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي " أي: في النبوة, بأن تجعله نبيا رسولا, كما جعلتني.
" كي نسبحك كثيرا " (33)
ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال: " كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " علم, عليه الصلاة والسلام, أن مدار العبادات كلها والدين, على ذكر الله, فسأل الله أن يجعل أخاه معه, يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى, فيكثر منهما ذكر الله, من التسبيح, والتهليل, وغيره من أنواع العبادات.
" إنك كنت بنا بصيرا " (35)
" إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا " تعلم حالنا, وضعفنا, وعجزنا, وافتقارنا إليك في كل الأمور.
وأنت أبصر بنا, من أنفسنا وأرحم, فمن علينا بما سألناك, وأجب لنا فيما دعوناك.

" قال قد أوتيت سؤلك يا موسى " (36)
فقال الله: " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى " أي: أعطيت جميع ما طلبت.
فسنشرح صدرك, ونيسر أمرك, ونحل عقدة من لسانك, يفقهوا قولك, ونشد عضدك, بأخيك هارون, " ونجعل لكما سلطانا, فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " .
وهذا السؤال من موسى عليه السلام, يدل على كمال معرفته بالله, وكمال فطنته ومعرفته للأمور, وكمال نصحه.
وذلك أن الداعي إلى الله, المرشد للخلق, خصوصا إذا كان المدعو من أهل العناد, والتكبر, والطغيان, يحتاج إلى سعة صدر, وحلم تام, على ما يصيبه من الأذى, ولسان فصيح, يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده.
بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام, من ألزم ما يكون, لكثرة المراجعات والمراوضات, ولحاجته لتحسين الحق, وتزيينه بما يقدر عليه, ليحببه إلى النفوس, وإلى تقبيح الباطل وتهجينه, لينفر عنه.
ويحتاج مع ذلك أيضا, أن يتيسر له أمره, فيأتي البيوت من أبوابها, ويدعو إلى سبيل الله, بالحكمة والموعظة الحسنة, والمجادلة بالتي هي أحسن, يعامل الناس كلا بحسب حاله.
وتمام ذلك, أن يكون لمن هذه صفته, أعوان ووزراء, يساعدونه على مطلوبه.
لأن الأصوات إذا كثرت, لا بد أن تؤثر, فلذلك سأله عليه الصلاة والسلام هذه الأمور, فأعطيها.
وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق, رأيتهم بهذه الحال, بحسب أحوالهم.
خصوصا, خاتمهم وأفضلهم, محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه في الذروة العليا من كل صفة كمال.
وله من شرح الصدر, وتيسير الأمر, وفصاحة اللسان, وحسن التعبير والبيان, والأعوان على الحق, من الصحابة, فمن بعدهم, ما ليس لغيره.

" ولقد مننا عليك مرة أخرى " (37)
لما ذكر منته على عبده ورسوله, موسى بن عمران, في الدين, والوحي, والرسالة, وإجابة سؤله, ذكر نعمته عليه, وقت التربية, والتنقلات في أطواره فقال: " وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى " حيث ألهمنا أمك, أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع, خوفا من فرعون, لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل.
فأخفته أمه, وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت, ثم قذفته في اليم, أي: شط نيل مصر.
فأمر الله اليم, أن يلقيه في الساحل, وقيض الله أن يأخذه, أعدى الأعداء لله ولموسى, ويتربى في أولاده, ويكون قرة عين لمن رآه: ولهذا قال: " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " فكل من رآه أحبه " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " أي ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي.
وأي نظر وكفالة, أجل وأكمل, من ولاية البر الرحيم, القادر على إيصال مصالح عبده, ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة, إلا, والله تعالى هو الذي في بر ذلك لمصلحة موسى.
ومن حسن تدبيره, أن موسى لما وقع في يد عدوه, قلقت أمه قلقا شديدا, وأصبح فؤادها فارغا, وكادت تخبر به, لولا أن الله ثبتها, وربط على قلبها.
" إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى "
ففي هذه الحالة, حرم الله على موسى المراضع, فلا يقبل ثدي امرأة قط, ليكون مآله إلى أمه, فترضعه, ويكون عندها, مطمئنة ساكنة, قريرة العين.
فجعلوا يعرضون عليه المراضع, فلا يقبل ثديا.
فجاءت أخت موسى, فقالت لهم " هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون " .
" فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا " وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة من أهلها, وجد رجلين يقتتلان, واحد من شيعة موسى, والآخر من عدوه قبطي " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه " .
فدعا الله وسأله المغفرة, فغفر له, ثم فر هاربا, لما سمع أن الملأ طلبوه, يريدون قتله.
" فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ " من عقوبة الذنب, ومن القتل.
" وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " أي: اختبرناك, وبلوناك, فوجدناك مستقيما في أحوالك.
أو نقلناك في أحوالك, وأطوارك, حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
" فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ " حين فر هاربا من فرعون وملأه, حين أرادو قتله.
فتوجه إلى مدين, ووصل إليها, وتزوج هناك, ومكث عشر سنين, أو ثمان سنين.
" ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى " أي: جئت مجيئا, ليس اتفاقا من غير قصد, ولا تدبير منا, بل بقدر ولطف منا.
وهذا يدل على كمال اعتناء الله, بكليمه, موسى عليه السلام, ولهذا قال:

" واصطنعتك لنفسي " (41)
" وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " أي: أجريت عليك صنائعي ونعمي, وحسن عوائدي, وتربيتي, لتكون لنفسي حبيبا مختصا, وتبلغ في ذلك, مبلغا لا يناله أحد من الخلق, إلا النادر منهم.
وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين, وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ, يبذل غاية جهده, ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك.
فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم, وما تحسبه يفعل, بمن أراده لنفسه, واصطفاه من خلقه؟!!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]