عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26-06-2019, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إسهامات علماء التعمية في اللسانيات العربية

إسهامات علماء التعمية في اللسانيات العربية


د. يحيى مير علم





4 - أبرز إسهامات أعلام التعمية في اللسانيات العربية :
مضت الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين علوم التعمية وعلوم اللغة العربية كالنحو والصرف والأصوات والعروض والمعاجم وغيرها من الدراسات اللغوية اللسانية مثل إحصاء دوران الحروف ومراتبها وقوانين الائتلاف والتنافر فيما بينها. ولما كان استخراج المعميات يعتمد على الدراية الجيدة بجميع ما تقدم، فقد عُني أصحاب التعمية بجوانب من الدراسات اللغوية، وأغنوها بنتائج مهمة، وأوضح ما ظهر ذلك في المجالات التالية :

الدراسات الإحصائية للحروف :
تعود نشأة الإحصاء اللغوي إلى الصدر الأول من العلماء اللذين عُنوا بالقرآن الكريم فأحصوا حروفه وكلماته وآياته وسوره مستعينين بما رأوه مناسباً في ضبط حسابهم آنذاك، وانتهوا إلى معرفة دوران الحروف فيه ومراتبها. وطبيعي أن تكون نتائج تلك الإحصاءات من التباين بمكان، وذلك لجملة من الأسباب لا مجال لذكرها[17]. أمّا ما عني به أصحاب المعاجم من حساب مَبْلَغ ما يرتفع من أبنية كلام العرب : الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية، مهملها ومستعملها، وصحيحها ومعتلها، ومضاعفها فذلك قديم مبسوط في مقدمات كثير من المعاجم وغيرها[18]. بيد أنه على أهميته لا يندرج فيما نحن بصدده.

غير أن ما نريده هنا هو إحصاء دوران الحروف أو تواترها في نصوص مكتوبة ومعرفة مراتبها تبعاً لاستعمالها في النص. وهذا قد وجدناه لدى أعلام التعمية دون غيرهم، لأهمية ذلك في استخراج المعمى إمّا طال النص، ولعل أول إحصاء من هذا النوع في تاريخ الدراسات الكمّيّة اللسانية على اللغة العربية كان إحصاءَ الكندي (ت260هـ) في رسالته في استخراج المعمى، فقد تحدث في صدرها عن مراتب الحروف في الاستعمال، وضرورة معرفتها لاستنباط المعمى، وأنها تختلف من لسان لآخر، ثم ذكر مراتبها وفق إحصائية قام بها بنفسه[19] قال: ((فإذ قد أنبأنا عن ذلك فلنذكر الآن مراتب الحروف في الكثرة والقلة في اللسان العربي، فنقول :

إنّ الألف أكثر ما استعمل في اللسان العربي من الحروف. ثم ل، ثم م، ثم هـ، ثم و، ثم ي، ثم ن، ثم ر، ثم ع، ثم ف، ثم ت، ثم ب، ثم ك، جميعاً فإنهما سواء، ثم د، ثم س، ثم ق، ثم ح، ثم ج، ثم ذ، ثم ص، ثم ش، ثم ض، ثم خ، ثم ث، ثم ز، ثم ط، والغين سواء، ثم ظ.

فإذا أصبنا في سبع ورقات من العربي :
600 ألفاً، 437 لاماً، 320 ميماً، 273 هاء، 262 واواً، 252 ياءً، 222 نوناً، 155 راء، 131 عيناً، 122 فاء، 120 تاء، 112 باء، 112 كافاً، 92 دالاً، 91 سيناً، 63 قافاً، 57 حاء، 46 جيماً، 35 ذالاً، 32 صاداً، 20 خاء، 17 ثاء، 15 طاء، 15 غيناً، وثماني ظاءات))[20].

وجاء ابنُ دنينير بعد أكثر من ثلاثة قرون (ت 627هـ) فأفاد من إحصاء الكندي، وعمد إلى إجراء إحصاء للحروف في نصّ ما، فانتهى منه إلى إثبات صحة ما صنعه الكندي، قال في كتابه (مقاصد الفصول المترجمة عن حل الترجمة) : ((وقد اعتبرت مراتب الحروف على ما ذكره يعقوب الكندي رحمه الله، يقول : إنه عمد إلى سبعة أجلاد، فعدّ جميع مراتب الحروف منها، وذكر أنه وجد حرف الألف ستة آلاف، واللام ألفين وثلاثمئة وسبعة وتسعين، والميم ثلاثمئة وعشرين ثم على ما ذكر. فهجس في نفسي أن أعمد إلى أوراق وأعدها وأعلم مراتب الحروف منها.

فعمدت إلى ثلاث أوراق من كلام منثور مشتمل على رسائل، فعددت ألفاتها فوجدتها خمسمئة وخمسة وسبعين ألفاً، وثلاثمئة وستين لاماً، ومئتين وخمسة وستين ميماً، وستين هاءً، ومئتين وخمسين واواً، ومئتين وثلاثين ياءً، ومئتين وخمسة وعشرين نوناً، ومئة وخمسة وتسعين راءً، ومئة وسبعين عيناً، ومئة وخمساً وأربعين فاءً، ومئة وخمسة عشر تاءً، ومئة وخمس باءات، وخمساً وتسعين كافاً، وثمانين دالاً، وخمسة وسبعين سيناً، واثنين وستين قافاً، وخمسين حاءً، وثلاثاً وأربعين جيماً، واثنين وثلاثين ذالاً، وثمانية وعشرين صاداً، وسبعة عشر شيناً، وثلاث عشر خاءً، وأحد عشر ثاءً، وتسع راءات، وثماني طاءات، وسبع ظاءات، وخمس غينات. فعلمت صحة ما قاله يعقوب بن إسحاق رحمه الله))[21].

وتبعه ابنُ عدلان (ت666هـ) الذي تحدث في القاعدة الأولى من مصنفه (المُؤَلّف للملك الأشرف) عن مراتب الحروف، وجعلها ثلاثة أقسام : كثيرة ومتوسطة وقليلة، وذكر مَبْلَغ دوران كلّ حرف منها ضمن مجموعته، وذلك وفق استعماله في نص قام بإحصائه، قال :

((اعلم أن المراتب إمّا كثيرة، وهي سبعة يجمعها : (الموهين). فالألف إذا وقعت في كتابة ستمئة، كانت اللام أربعمئة ناقصاً أحرفاً يسيرة أو زائداً ذلك، والميم ثلاثمئة وعشرين كذلك، والهاء مئتين وسبعين كذلك، والواو مئتين وستين كذلك، والياء مئتين وخمسين كذلك، والنون مئتين وعشرين كذلك، هذا هو الغالب، وقد تتقلب المراتب.

وإمّا متوسطة، وهي أحد عشر يجمعها : (رعفت بكدس قحج)، فالراء أولها، فإذا وقعت الراء تبعاً لما ذكرنا تكون مئة وخمسة وخمسين ناقصاً فزائداً، والعين مئة وثمانية وثلاثين كذلك، والفاء مئة واثنين وعشرين، والتاء مئة وثماني عشرة، والباء مئة واثنتي عشرة، وكذلك الكاف، واثنين وتسعين دالاً، وستة وثمانين سيناً، وثلاثة وستين قافاً، وسبعة وخمسين حاء، وستة وأربعين جيماً.

والقليلة عشرة، يجمعها بيت من الشعر، كلّ حرف منها في أول كل كلمة منه، وهو :

ظلمٌ غزا طاب زوراً ثاويا خَوْفَ ضَنىً شِبْتَ صَبّاً ذاويا


فالظاء إذا وقعت تبعاً لما ذكرنا كانت ثماني ظاءات، واثنتي عشرة غيناً، وخمسة عشر طاء، وستة عشر زاياً، وسبع عشرة ثاء، وعشرين خاء، وثلاثة وعشرين ضاداً، وثمانية وعشرين شيناً، واثنتين وثلاثين صاداً، وخمسة وثلاثين ذالاً))[22].

وفيما يلي جدول يشتمل على دوران الحروف ومراتبها لدى كُلّ من : الكندي وابن دُنَيْنير وابن عَدْلان، تيسيراً للمقارنة، وجمعاً لشتات ما تفرّق آنفاً :


دوران الحروف ومراتبها لدى الكندي وابن دُنَيْنير وابن عَدْلان

الكندي
ابن دنينير
ابن عدلان
الحروف
مراتبها
دورانها
نسبتها
مراتبها
دورانها
نسبتها
مراتبها
دورانها
نسبتها
1
الألف
600
16.63
الألف
575
16.76
الألف
600
16.54
2
اللام
437
12.11
اللام
360
10.50
اللام
400
11.02
3
الميم
320
8.87
الميم
265
7.73
الميم
320
8.82
4
الهاء
273
7.57
الهاء
260
7.58
الهاء
270
7.44
5
الواو
262
7.26
الواو
250
7.29
الواو
260
7.17
6
الياء
252
6.98
الياء
230
6.71
الياء
250
6.89
7
النون
221
6.13
النون
225
6.56
النون
220
6.07
8
الراء
155
4.30
الراء
195
5.69
الراء
155
4.27
9
العين
131
3.63
العين
170
4.96
العين
138
3.80
10
الفاء
122
3.38
الفاء
145
4.23
الفاء
122
3.36
11
التاء
120
3.33
التاء
115
3.35
التاء
118
3.25
12
الباء
112
3.10
الباء
105
3.06
الباء
112
3.09
13
الكاف
112
3.10
الكاف
095
2.77
الكاف
112
3.09
14
الدال
092
2.55
الدال
080
2.33
الدال
092
2.54
15
السين
091
2.52
السين
075
2.19
السين
086
2.37
16
القاف
063
1.75
القاف
062
1.81
القاف
063
1.74
17
الحاء
057
1.58
الحاء
050
1.46
الحاء
057
1.57
18
الجيم
046
1.27
الجيم
043
1.25
الجيم
046
1.27
19
الذال
035
0.97
الذال
032
0.93
الذال
035
0.96
20
الصاد
032
0.89
الصاد
028
0.82
الصاد
032
0.88
21
الخاء
020
0.55
الشين
017
0.50
الشين
028
0.77
22
الثاء
017
0.47
الخاء
013
0.38
الضاد
023
0.63
23
الطاء
015
0.41
الثاء
011
0.32
الخاء
020
0.55
24
الغين
015
0.41
الزاي
009
0.26
الثاء
017
0.47
25
الظاء
008
0.22
الطاء
008
0.23
الزاي
016
0.44
26
الزاي
000
000
الظاء
007
0.20
الطاء
015
0.41
27
الشين
000
000
الغين
005
0.15
الغين
012
0.33
28
الضاد
000
000
الضاد
000
000
الظاء
008
0.22
المجموع
3608
100%
المجموع
3430
100%
المجموع
3627
100%


ب- ائتلاف الحروف وتنافرها في نسج الكلمة العربية :
سبق الأقدمون من علماء العربية إلى دراسة أحكام نسج الكلمة العربية[23]، وذكروا قدراً متفاوتاً من قوانين اقتران الحروف وتنافرها في الثنائيات، وأرجعوا علة ائتلاف الحروف أو اقترانها أو مزجها إلى تباعد مخارج الحروف، وعلة تنافر الحروف إلى قرب مخارجها[24]، فالأولى تجعل التأليف حسناً، والثانية تجعله قبيحاً أو ممتنعاً. بيد أن أعلام التعمية لم يقتصروا في مؤلفاتهم على جهود من سبقهم، بل تعمقوا في دراسة القوانين الصوتية واللسانية التي تحكم بناء أو نسج الكلمة العربية، وعُنُوا باستقصائها، على نحوٍ لم نجده عند مَنْ سبقهم، وذلك لأن استخراج المعمى يتوقف على معرفتها إن كان النص قصيراً، لا يسمح بدوران الحروف مرات عدة، ولا ينفع في استخراجه استعمال الحيل الكمّيّة القائمة على معرفة دوران الحروف ومراتبها، بل يحتاج إلى معرفة بالحيل الكيفية القائمة على الدراية بالقوانين الصوتية الناظمة لائتلاف الحروف وتنافرها، ولكن استعمال هذه القوانين يكون مجدياً إن كان النصّ المعمى معروف الفواصل، أي فيه رمز للفراغ بين الكلمات، فإن كان النصّ المعمى مُدْمَجاً لا فاصل فيه فلا تكون هذه القوانين مجديةً في الاستخراج، لأن احتمال ورود حرفين متنافرين يكون وارداً في ثنائية حرفها الأول نهاية ثنائية، وحرفها الثاني بداية ثنائية. لذلك كان استخراج التعمية المُدْمَجَة (بلا فاصل) من أصعب أنواع التعمية البسيطة، لأن كثيراً من منهجيات الاستخراج لا تنفع قبل معرفة الفاصل[25].

ويُعَدُّ الكنديُّ أسبقَ أهل التعمية في ذلك، وأكثرهم استقصاء، فقد شرح في رسالته[26] القواعد الأساسية في تحديد ما يقترن من الحروف وما لا يقترن، فقسم الحروف إلى أصلية (16 حرفاً) ومتغيرة زائدة (12 حرفاً) ثم يشرح قوانين التنافر مقصورةً على الحروف الأصلية مع السين من المتغيرة، ويستعرضها حرفاً حرفاً على الترتيب الهجائي، فيذكر مع كل حرف ما لا يقارنه من الحروف، فاجتمع له من حالات التنافر أو قوانينه (94 حالة) ولا نعلم أحداً سبقه إلى مثل ذلك. وفيما يلي خلاصة لما أورده الكندي في جدول يمثل ما لا يقترن من الحروف لديه[27].


جدول يمثل مالا يقترن من الحروف عند الكندي
الحرف
الرمز
مالا يأتلف معه
الثنائيات – عديمة الائتلاف
س
ث
ذ
ص
ض
ظ
س ث
س ذ
س ص
س ض
س ظ
ث س
ذ س
ص س
ض س
ظ س
ث
ذ
ز
ص
ض
ظ
س
ث ذ
ث ز
ث ص
ث ض
ث ظ
ث س
ذ ث
ز ث
ص ث
ض ث
ظ ث
س ث
ث
ش
ث ش
ذ
ز
ص
ض
ط
ظ
س
ذ ز
ذ ص
ذ ض
ذ ط
ذ ظ
ذ س
ز ذ
ص ذ
ض ذ
ط ذ
ظ ذ
س ذ
ذ
ش
غ
ذ ش
ذ غ
ز
ص
ظ
س
ز ص
ص ز
ز ط
ظ ز
ز س
س ز
ز
ش
ض
ز ش
ز ض
ز
ط
ط ز
ص
ض
ط
ظ
ص ض
ض ص
ص ط
ط ص
ص ظ
ظ ص
ص
ج
ش
ص ج
ص ش
ص
د
د ص
ض
ط
ظ
ش
ض ط
ط ض
ض ظ
ظ ض
ض ش
ش ض
ض
ق
ض ق
ض
د
د ض
ظ
ط
ج
د
ظ ط
ط ظ
ظ ج
ج ظ
ظ د
د ظ
ظ
ح
ق
ش
خ
ظ ح
ظ ق
ظ ش
ظ خ
ج
ط
غ
ق
ج ط
ج غ
ج ق
ط ج
غ ج
ق ج
ح
خ
ع
غ
ح خ
خ ح
ح ع
ع ح
ح غ
غ ح
خ
غ
خ غ
غ خ
خ
ع
ع خ
د
ز
ط
د ز
د ط
ش
س
س ش
ع
غ
ع غ
غ ع
غ
ق
ق غ


وجاء ابنُ دنينير (ت627 هـ) بعد أربعة قرون من الكندي فأفاد من صنيعه، وعقد فصلين في كتابه لأقسام الحروف على اختلاف أوصافها، ولما يأتلف من الحروف وما يتباين، وقسم الحروف إلى أربعة أقسام هي : ما يأتلف بالتقدير والتأخير، وما لا يأتلف لا بالتقديم ولا بالتأخير، وما يأتلف بالتقديم دون التأخير، وما يأتلف بالتأخير دون التقديم. وفصّل في قسمة الحروف إلى أصلية ومتغيرة، ثم أتبع ذلك بإيراد جدول ضمنه أقسام الحروف المتقدمة : ما يقترن وما لا يقترن، والمتغير والأصلي، والمعمل والمهمل[28]. وفيما يلي خلاصة ما أورده ابن دُنَيْنير في كتابه :

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]