عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 31-10-2020, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

وقد علا تاريخُهُ
فوق النّجوم الزَّاهره[18]




ومن الشّعر الاجتماعي إلى السّياسي المؤيد للسلطان في الحد مِن عبث العربان بالأمن وتهديده، يقف شاعرنا ضد العابثين واصفًا إحدى الوقعات مع عربان غزالة في شوال في يوم عيد الفطر سنة 94 حيث ثاروا على الكاشف بالبحيرة فحاربهم وأخرج إليهم قانصوه البرجي وغيره[19]، وقتل الكثير من المماليك السّلطانية وهرب العرب إلى بلاد الصَّعيد:
ألا قولوا لعرب قد تجروا
على حرب هل يخشوا عقيبه

سهام مليكنا أضحت نفوذًا
ونرجو أن تكون لكم مصيبه[20]





ولم يكتف الشّاعر بتأييد السّلطان في سياسته وحفاظه على الأمن، بل راح يلاحقه بعين الرّضا والحب مُعاينًا إيّاهُ، متفحّصًا مواكبه الملوكية، ناقلاً الصُّورة الزَّاهية الّتي يبدو الشّعب فرحًا بها وراضيًا فنراه وقد نظم قصيدة قال عنها إنها "لم ينسج مثلها على منوال" قالها في "احتفال كبير سار فيه السّلطان قانصوه الغوري في موكب حافل مِن الاسكندرية إلى القاهرة سنة 920 للهجرة"[21]:
وتضاحكَ الميدانُ مذ غنَّتْ به
أطيارُه سحرًا على العيدان

عاينته لما بدا في موكبٍ
يزْهو على كسرى أنوشروان

ما زالَ أهل الثَّغر[22] مِن فرح به
بتباشرٍ في السِّرِ والإعلان




وهو يدعو له بألا يُحسد لما نال مِن عطايا يستحقها، كما يدعو له بطول العمر دعاء لا بد وأن يجب السّلطان، دعاء فيه الكثير من جمالات الطبيعة الّتي كان السّلطان مفتونًا بها ومحبًّا لها ومهتمًّا بأن تكون محيطة به:
فالله يكفيه مؤونةَ حاسدٍ
ويطيل أيامًا له بتهان

ما ماس غصنٌ في الرِّياض وكللت
أيدي الغمام شقائق النّعمان[23]






هذا، ولم يبعد الشّاعر نفسَه عن هموم السّلطان الحميمة والخاصة، بل شارك فيها، فتألم معه بالدّرجة نفسها الّتي فرح بها معه، ما يدل على ارتباط ابن إياس بالسّلطان ارتباطًا إنسانيًّا وثيقًا وصادقًا أكبرَ وأعمقَ من ارتباط محكوم بحاكم، وهاهوذا يرثي ابن السّلطان الّذي توفي صغيرًا بقوله:
لهفي على مَن كان ظنِّي أنني
أفني المدائح في الثَّناءِ قوافيا

فمضى وأثكلني، فها أنا ناظمٌ
تلك المعاني الغرّ فيه مراثيا[24]





من الهجاء إلى المدح إلى الرِّثاء، أحب ابن إياس السّلطان، فداعبه حينًا وأعجب به حينًا، وتألم حين وجب الألم.


[1] محمود رزق سليم، عصر سلاطين المماليك 1/58.

[2] من فتن في بلاد الحجاز، واعتداء على حجاج مصر والشّام وشذود بعض أمراء الشّام عن طاعته وعبث عربان البلاد في نواحيها إلى جانب عبث الفرنجة وسلطان الفرس والعثمانيين وقد أدى كشف البرتغاليين لطريق جنوب أفريقيا والعبث بالسفن والشواطئ والمتاجر المصرية في الشّمال والشّرق إلى نقص إيرادات مصر مما جعل البلاد تعاني اقتصادياً. [نفسه، ص59].

[3] نفسه، ص59.

[4] قاسم عبده قاسم، ع.س، ص214.

[5] الإقطاع: مساحة من الأرض تكون مصدر دخل سنوي للأمير بما يعادل رتبته الحربية، ولم تكن قريبة من مسكن صاحبها، بل إنها كثيراً ما كانت بعيدة عنه، وكان على الأمير أن يدفع سنوياً مبلغاً من المال مقابلها إلى ديوان الجيش وكان الإقطاع في عهدهم ينتهي بوفاة صاحبه أو إدانته أو نقله عكس الإقطاع أيام الأيوبيين الّذي يقر بتوريث الإقطاعات [إحسان فخري القاس: الأوضاع الاقتصادية في عصر سلاطين الشّراكسة، (دمشق: النشرة الثّقافية جمعية المقاصد الخيرية الشّركسية، 1992)، ع: 6، ص61].

[6] بدائع الزّهور، 4/136.

[7] محمد رجب النجار، ع.س، ص84.

[8] نفسه، ص118.

[9] نفسه، ص119.

[10] محمد رجب النجار، ع.س، ص119.

[11] نفسه، ص124 _ 125.

[12] يصفه بأنه كان "ملكًا مهيبًا جليلاً في المواكب، ملء العيون في المنظر" ويصف مدرسته الّتي حاز فيها "أشياء غريبة عزيزة الوجوه" وكيف أنشأ القلاع والجسور والترع والسبل ودور اليتامى، وكيف كان برًّا بالفقراء كثير الصدقات شديد المحافظة على الدّين والأخلاق وقد أمر بالمواظبة على الصلوات الخمس في الجوامع [ابن إياس، ع.س، حوادث رجب سنة 915هـ].

[13] نفسه، حوادث رمضان سنة 922هـ.

[14] ابن إياس، ع.س، حوادث جمادى الآخرة، سنة 914هـ.

[15] ابن إياس، ع. س، 4/173 _ 175.

[16] ابن إياس، ع.س، 4/203 - 204.

[17] لم يخل عصر السّلاطين من أزمات اقتصادية ذلك أن انحباس المطر في بلاد الشّام، أو توقف زيادة النيل في مصر، كان يؤدي بشكل حتمي إلى ارتفاع الأسعار، إلى جانب غزو الجراد، كذلك تعرض البلاد لحالة عدم الاستقرار السياسي أو لاضطرابات أمنية. إلا أن السّلاطين الشّراكسة كانوا يمدون يد العون إلى المحتاجين أوقات الأزمات حيث يتم توزيعهم على الأمراء فيتكلفون بهم حتى انتهاء الأزمة كذلك تتكفل الدواوين وكبار التجار بعدد من المحتاجين، ويلزم السّلاطين الأمراء والأغنياء بيع الغلال حسب الأسعار الحكومية المقررة ليحصل النّاس على حاجاتهم وكان هناك جهاز إداري يعتني بقيد أسماء مستحقي الصدقة ويعطيهم رتبًا حسب حاجتهم. (انظر: إحسان فخري القاس، ع.س، ص80 - 81).


[18] النّجوم الزاهرة كتاب تاريخ وضعه المؤرخ الشهير ابن تغري بردي. ابن إياس، 5/18.

[19] ابن إياس، 3/414.

[20] نفسه، 3/415.

[21] عمر فروخ، ع. س، 936.

[22] الثغر: الاسكندرية.

[23] عمر فروخ، ع.س، 3/937.

[24] نفسه، ص: 937.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]