عرض مشاركة واحدة
  #304  
قديم 12-01-2020, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (303)
تفسير السعدى
سورة مريم
من الأية(51) الى الأية(58)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة مريم



" واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا " (51)
أي: واذكر في هذا القرآن العظيم, موسى بن عمران, على وجه التبجيل له والتعظيم, والتعريف بمقامه الكريم, وأخلاقه الكاملة.
" إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا " وقرئ بفتح اللام, على معنى أن الله تعالى اختاره واستخلصه, واصطفاه على العالمين.
وقرئ بكسرها, على معنى أنه كان مخلصا لله تعالى, في جميع أعماله, وأقواله, ونياته.
فوصفه الإخلاص في جميع أحواله, والمعنيان متلازمان.
فإن الله أخلصه, لإخلاصه, وإخلاصه, موجب لاستخلاصه.
وأجل حالة يوصف بها العبد, الإخلاص منه, والاستخلاص من ربه.
" وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا " أي: جمع الله له بين الرسالة والنبوة, فالرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل, وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع, دقه وجله.
والنبوة, تقتضي إيحاء الله إليه وتخصيصه بإنزال الوحي إليه.
فالنبوة, بينه وبين ربه, والرسالة, بينه وبين الخلق, بل خصه الله من أنواع الوحي, بأجل أنواعه وأفضلها, وهو: تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى, وبهذا اختص من بين الأنبياء, بأنه كليم الرحمن, ولهذا قال:

" وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا " (52)
" وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ " أي: الأيمن من موسى في وقت.
مسيرة, أو الأيمن أي: الأبرك من " اليمين " والبركة.
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: " أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا " .
" وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا " والفرق بين النداء والنجاء, أن النداء هو: الصوت الرفيع, والنجاء, ما دون ذلك.
وفي هذا إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه, من النداء, والنجاء, كما هو مذهب أهل السنة والجماعة, خلافا لمن أنكر ذلك, من الجهمية, والمعتزلة, ومن نحا نحوهم.

" ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " (53)
وقوله: " وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا " هذا من أكبر فضائل موسى وإحسانه, ونصحه لأخيه هارون, أنه سأل ربه أن يشركه في أمره, وأن يجعله رسولا مثله.
فاستجاب الله له ذلك, ووهب له من رحمته, أخاه هارون نبيا.
فنبوة هارون, تابعة لنبوة موسى عليهما السلام, فساعده على أمره, وأعانه عليه.

" واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " (54)
أي: واذكر في القرآن الكريم, هذا النبي العظيم, الذي خرج منه الشعب العربي, أفضل الشعوب وأجلها, الذين منهم سيد ولد آدم.
" إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ " أي: لا يعد وعدا, إلا وفى به.
وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد.
ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له قال " سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " وفى بذلك ومكن أباه من الذبح, الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان.
ثم وصفه بالرسالة والنبوة, التى هي أكبر منن الله على عبده, وجعله من الطبقة العليا من الخلق.

" وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا " (55)
" وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ " أي: كان مقيما لأمر الله على أهله فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود, وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد, فكمل نفسه وكمل غيره وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله لأنهم أحق بدعوته من غيرهم.
" وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا " وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه, ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين, فرضى الله عنه, ورضي هو عن ربه.

" واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا " (56)
أي: اذكر في الكتاب على وجه التعظيم والإجلال, والوصف بصفات الكمال.
" إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا " جمع الله له بين الصديقية, الجامعة للتصديق التام, والعلم الكامل, واليقين الثابت, والعمل الصالح, وبين اصطفائه لوحيه, واختياره لرسالته.

" ورفعناه مكانا عليا " (57)
" وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا " أي: رفع الله ذكره في العالمين, ومنزلته بين المقربين, فكان عالي الذكر, عالي المنزلة.
" أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا " (58)
لما ذكر هؤلاء الأنبياء المكرمين, وخواص المرسلين, وذكر فضائلهم ومراتبهم فقال: " أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ " .
أي: أنعم الله عليهم نعمة لا تلحق, ومنة لا تسبق, من النبوة والرسالة.
وهم الذين أمرنا أن ندعو الله أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم, وأن من أطاع الله, كان " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ " الآية.
وأن بعضهم " مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ " أي: من ذريته " وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ " , فهذه خير بيوت العالم, اصطفاهم الله, واختارهم, واجتباهم.
وكان حالهم عند تلاوة آيات الرحمن عليهم, المتضمنة للإخبار بالغيوب وصفات علام الغيوب والإخبار باليوم الآخر, والوعد والوعيد.
" خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا " أي: خضعوا لآيات الله, وخشعوا لها, وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة, ما أوجب لهم البكاء والإنابة, والسجود لربهم.
ولم يكونوا من الذين إذا سمعوا آيات الله " لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا " .
وفي إضافة الآيات إلى اسمه " الرحمن " دلالة على أن آياته, من رحمته بعباده, وإحسانه إليهم حيث هداهم بها إلى الحق, وبصرهم من العمى, وأنقذهم من الضلالة, وعلمهم من الجهالة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]