عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-11-2019, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي الأبوة والبنوة في الإنجيل

الأبوة والبنوة في الإنجيل


اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي






إننا نفهم قول المسيح لتلاميذه وهو يعلمهم الصلاة؛ ليقولوا: "أبانا الذي في السماوات"، ولما جاء ليندِّد باليهود نسَب أبوتهم إلى إبليس؛ لأنهم كانوا ذريَّة إبراهيم حسب الجسد، إلا أنهم بسلوكهم وأفكارهم الشريرة، كلُّ هذا جعلهم كأبناءٍ لإبليس، لكن المؤمنين الذين آمنوا بالله الواحد الأحد، وبالمسيح إنسانًا ورسولاً ونبيًّا، فهؤلاء نسبهم الإنجيل كأنهم أبناء الله.

وكل حديث في الكتاب المقدس عن هذا النوع من البنوة إنما هي بنوَّة مَجازية، ولا يمكن أن تكون حقيقةً على الإطلاق.
كذلك نجد في إنجيل (يوحنا 7: 16 - 18): "أجابهم يسوع وقال: تعليمي ليس لي؛ بل للذي أرسلني، إن شاء أحدٌ أن يعمل مشيئتَه يعرف التَّعليم؛ هل هو من الله، أم أتكلم أنا من نفسي؟ من يتكلم مِن نفسه يطلب مجدَ نفسِه، وأما من يطلب مجدَ الذي أرسله فهو صادقٌ، وليس فيه ظلم".
وفي إنجيل (يوحنا 17: 44): "الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي؛ بل يؤمن بالذي أرسلني".

وفي معجزة إقامة الميت التي يذكرها إنجيل (يوحنا 11: 38 - 44): "فانزعج يسوع أيضًا في نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر، قال يسوع: ارفعوا الحجر، قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد، قد أنتَن؛ لأن له أربعةَ أيام، قال لها يسوع: ألم أقل لك: إن آمنتِ ترَين مجد الله؟! فرفعوا الحجَر حيث كان الميت موضوعًا، ورفَع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت؛ ليؤمنوا أنك أرسلتني، ولما قال هذا صرخَ بصوت عظيم لعازر: هلمَّ خارجًا، فخرج الميت".
لقد كان المسيح دائمًا يصلي ويَضرع إلى الله قبل أن تجري المعجزة على يديه.

هذا، ولقد كانوا ينادون المسيح بالمعلِّم؛ لأن المعلم هو الإنسان الذي يحيطه التلاميذ، فعندما ظهر المسيح اتخَذ لنفسه اثنا عشَر تلميذًا؛ ونجد في إنجيل (متى 8: 23 - 26): "ولما دخل السفينة تبِعَه تلاميذُه، وإذا اضطرابٌ عظيم قد حدَث في البحر حتى غطَّت الأمواج السفينة، وكان هو نائمًا، فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: يا سيد، نجِّنا فإننا نهلِك! فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟! ثم قام وانتهر الرياح والبحر، فصار هدوءٌ عظيم"!
كيف ينام الإله ويغفل عن الكون؟! لقد كان المسيح بشرًا يَجري عليه ما يجري على سائر البشر؛ من نوم ويقظة، وتعب وراحة، وخوف وطُمأنينة، لكن الله سبحانه وتعالى - كما يقول القرآن بحقِّه - ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].

المسيح يدعو إلى التوحيد:
وفي إنجيل (لوقا 18: 18 - 19): "سأله رئيس قائلاً: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا؟! ليس أحد صالحًا إلا واحد هو الله".
ولقد بيَّن الدكتور محمد جميل غازي حديث الرسول الذي قال فيه: ((لا تُطروني كما أطرَتِ النَّصارى المسيح عيسى ابنَ مريم))[1]؛ ذلك أنَّ الإطراء بابٌ من أبواب الضياع والمتاهات، لقد حرَص المسيح على أن ينفيَ عن نفسه صفةَ الصَّلاح ويردَّها إلى الله وحدَه، فكيف يُقال بعد ذلك: إن المسيح إلهٌ أو ابن الله؟!

بل أكثرَ مِن هذا نجد في إنجيل (مرقس 12: 28 - 29): "فجاء واحدٌ من الكتَبة وسمِعَهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسنًا سأله: أية وصية هي أوَّل الكل؟ فأجابه يسوع أن أول كلِّ الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا ربٌّ واحد".
فلم يدَّع المسيح أنَّه إله يُعبد، لكن موقفه أمام الله كموقف كلِّ بني إسرائيل، ولقد نادى المسيحُ بالتوحيد صراحةً فقال في إنجيل (يوحنا 17: 3): "وهذه هي الحياة الأبديَّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته".
وفي حديثه مع مريم المجدليَّة الذي ذكره إنجيل (يوحنا 20: 17 - 18): "قال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعدُ إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم"، فعلاقة المسيح بالله كعلاقة التلاميذ بالله؛ كلهم عبيده.
وحينما نتأمَّل تاريخ الأنبياء نجد أنَّ موسى عليه السلام بعد أن قتل المصريَّ هرب إلى البرِّية، وبقي بها أربعين سنة يرعى الغنم، ويتأمَّل صنع الله في الأرض وفي السَّماء، وكان ذلك تحت رعاية الله؛ حتى يتأهل لحمل الرسالة بمشاقِّها ومتاعبها، وكذلك تعرَّض يوسفُ لمحنٍ كثيرة؛ بدأت بتآمر إخوته عليه، ثم بيعه إلى عزيز مصر ليخدم في بيته، ثم اتهامه بمداعبة امرأة العزيز، وأخيرًا برَّأه الله سبحانه، وصار بعد ذلك الوزير الأولَ لملك مصر.

وكذلك كان أمر المسيح، فقبل أن يَبدأ دعوته في سنِّ الثلاثين - حسب كلام لوقا - نجده قد ذهَب من بلدته الناصرة إلى البرِّية، وبقي هناك أربعين يومًا بلا طعام، ثم جاءه إبليسُ ليجربه بثلاث تجارِبَ، نجح فيها جميعًا، وانتصر على إبليس، وأصبح بذلك مُعدًّا ليكون رسول الله.
ثم يقول إنجيل (لوقا 4: 14 - 15): "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل، وخرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة، وكان يعلِّم في مجامعهم، ممجَّدًا من الجميع".
ونجد في إنجيل (متى 4: 11): "ثم تركه إبليسُ، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدُمه".

لقد أُعدَّ المسيح للرِّسالة كما أُعد سائر الأنبياء قبله، وهذه شهادة أقرب الناس إلى المسيح، وأعني به بطرس، رئيس التلاميذ، الذي يقول في (سفر أعمال الرسل 2: 22): "أيها الرجال الإسرائيليون، اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصريُّ رجل قد تبرهنَ لكم من قِبل الله بقوات الله وعجائبَ وآياتٍ صنَعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون".
لم يقل بطرسُ: إن المسيح هو الله، لكنه قال: إنه رجل إنسان أجرى الله على يديه معجزاتٍ وآيات، وكذلك يقول بطرسُ في (سفر أعمال الرسل 10: 38): "يسوع الذي مِن الناصرة كيف مسَحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرًا، ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليسُ؛ لأن الله كان معه".

لم يقل بطرس: إن المسيح هو الله؛ بل قال: لأن الله كان معه، كما كان مع كل الأنبياء والمرسَلين، كل هذا يبيِّن لنا أن المسيح إنسانٌ بشر، وأنه رسول الله، وأنه نبيٌّ ظهر في بني إسرائيل كما ظهر أنبياءُ آخرون قبله.


[1] البخاري؛ أحاديث الأنبياء (3261)، أحمد (1 / 47).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.87 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]