عرض مشاركة واحدة
  #693  
قديم 27-06-2008, 05:43 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم

الفعلالأول( دخل )
قال الدكتور الأنصاري:الفعل ( دخل ) تنوعّت دلالاته، تبعًا لتعدد تعديته بحروفالجر، التي يكتسـب معهـا الفعل من معانيها الأصلية من الدلالات الموحية، التي يعينعلى إبرازها السياق والمقام. وقد جاء في القرآن الكريم متعديًا بنفسه؛ كما في قولهتعالى:
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾(لكهــف: 35)
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا(النمل: 34(
وورد متعديا بـ( على ) و( في ) و( من ) و( الباء ) و( مع )، فدلعلى معان متباينة، طبقًا للحرف المتعدى به.
والدخول نقيض الخروج، ويستعمل ذلكفي المكان والزمان، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور: نفوذ الجسم في جسم. أو مكانمَحوط كالبيت والمسجد..
وحين تعدى فعل الدخول بـ( على )، دلّ حرف الاستعلاء علىارتفـاع المكان وإشـرافه وعلوه، وأن الداخل، أو المأمور بالدخول فيه، مطالب بمزيد منالتحمل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقة، وإن بقي لكل سياق مزيد خصوصية بماتشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض، التي لا تجدها في السياق الآخر...
وبتأملمواطن تعدية الدخول بـ( على ) في القرآن الكريم، نجد له الدلالة، التي ذكرناها آنفا،في قوله تعالى:
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاالْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ﴾(آل عمران: 37)
فـ( على ) بدلالته علىالاستعلاء، يشير إلى ارتفاع المكان، الذي فيه مريم- عليها السلام- وعلوه، وقد نصّالمفسرون على أن زكريا- عليه السلام- بنى لها محرابا في المسجد. أي: غرفة يصعد إليهـابسلم.
أو أن ( على ) توحي بمشقة زكريا عليه السلام، وهو شيخ كبير في الوصولإليها، ومعاناته في كفالته لها، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه.
ولنفس الغرض جاءت ( على ) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام فيأربعة مواطن؛ منها قوله تعالى:
﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِفَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾(يوسف: 58)﴿ وَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾(يوسف: 69)
فهي تدل على ارتفاعمكان يوسف وعلوه، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه،والدخول عليه.
ومن الأمثلة التي ذكرها على تعدي( دخل ) بـ( مع ) قوله تعالى:
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾(يوسف: 36)
قال :فدلت كلمة المصاحبة ( مع )على أن دخول هذين الفتيين السجن كان بمعية يوسف، مصاحبين له، ملحقين به. ولو رمت حذف ( مع ) من هذه الآية الكريمة، فلن تجد هذه المعاني، التي أومأت إليها كلمة المصاحبـةمـن أن دخـول الثلاثة السجن في آن واحد.
ونشرت الباء بدلالتها على الإلصاقوالملابسة على فعل الدخول، حين تعدَّى بها معنى الجماع في قوله تعالى:
﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمبِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)النساء: 23)
يقال: دخل بعروسه: جامعهـا. ومعنى دخلتم بهن: جامعتوهن، وهو كناية عنالجماع.. وقد أعانت الباء على تحقيق الكنايـة في قوله:
﴿ دَخَلْتُمبِهِنَّ ﴾
بما لا يمكن أنتنهض به الحقيقة؛ كما قدرها الزمخشري بقوله: يعني: أدخلتموهن الستر.. مما يدل علىقدرة هذه اللغة على الوفاء بآداب الإســلام، ومــا يوجبـه مـن الترفـع عن التصريحبما يستحسن الكناية عنه، إلى جانب ما جسدته الباء بما فيها من اللصوق والملابسة منالدلالة على شدة الارتباط، والقرب الروحي، والمخالطة النفسية بين الزوجين، بما يحققالغاية من قوله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْأَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْها ﴾(الروم: 21)..
هذا ما ذكره الدكتورالأنصاري عن تعدي الفعل ( دخل ).
والمعروف في اللغة والنحو: أنالفعل( دخل ) يستعمل لازمًاتارة . ومتعديًا تارة أخرى . ومتعديًا ولازمًاتارةثالثة .
أما كونه لازمًافلأن مصدره على: فعول ، وهو غالب في الأفعال اللازمة؛ولأن نظيره ونقيضه كذلك( عبر ) و( خرج )، وكلاهما لازم.
ويتعين كونه لازمًا، إذاكان المدخول فيه مكانًا غير مختص؛ كقوله تعالى:
﴿ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْمِن قَبْلِكُم ﴾(الأعراف: 38)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْادْخُلُواْ فِي السَّّلْمِ كَآفَّةً ﴾ (البقرة: 208)
فإذا كان المدخول فيهمكانًا مختصًّا، فإما أن يكون ذلك المكان متسعًا جدًّا، بحيث يكون كالبلد العظيم. أويكون ضيِّقًا جدًّا، بحيث يكون الدخول فيه ولوجًا وتقحمًا. أو يكون وسطًابينهما.
فإذا كان الأول، وهو ( أن يكون المكان متسعًا جدًّا)، لم يكن من نصبه بدٌّ؛ كقول العرب: دخلت الكوفة والحجاز والعراق. ويقبُح أن يقال: دخلت في الكوفة، وفي الحجاز، وفي العراق، ومنه قوله تعالى:
﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِيكَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾(المائدة: 21)
﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل: 32)
وإذا كان الثاني، وهو( أن يكون المكانضيِّقًا جدًّا)، لم يكن من جره بدٌّ؛كقولهم( دخلت في البئر ).
وإذا كان الثالث، وهو ( أن يكون المكان وسطًا بينهما)، جاز فيه النصب، والجر؛ كقولهم: دخلتالمسجد، وفي المسجد. ونصبه أبلغ من جره.
(( ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، الذي رواه عنه أبو سعيد الخدري:لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّتَبِعْتُمُوهُمْ...
هذا في صحيح البخاري. وفي صحيح مسلم:
لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّلَاتَّبَعْتُمُوهُمْ...
وفي سنن ابن ماجة:
لَتَتَّبِعُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بَاعًا بِبَاعٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ.. )).
فجاء ( دخل ) متعديًا إلى ( الجحر ) تارة بنفسه، وتارة أخرى بـ( في )؛ لأنه من الأماكن المختصَّة، التي تكون وسطًا بين المتسعة جدًّا، والضيقة جدًّا. وقد وهم بعضهم حين ظن أن الجحر من الأماكن الضيقة، وهو ليس منها؛ لأن الدخول فيه لا يكون ولوجًا وتقحُّمًا؛ كالدخول في البئر.
أما انتصابه فعلى المفعول به، لا على نزعالخافض؛ لأن الأصل في الفعل ( دخل ) المتعدي إلى المكان المختص أن يتعدى بنفسه، ومنه قوله تعالى :
﴿يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾(النمل: 18)
وأما ما ذهب إليه الدكتور الأنصاري من القول بأن ( دخل ) يتعدي بالحرف ( على )، وأنه يدل على ارتفاع المكان، وعلوه، فليس كذلك؛ لأن ( دخل ) لا يتعدَّى بـ( على ) أصلاً.
وقد يكون ما ذكره فضيلته من تعليل مقبولاً، لو أن( دخل ) من الأفعال، التي تتعدى إلى مفعولها بحرفين، أو أكثر. أو كان منالأفعال، التي تتعدى إلى مفعولين أحدهما بأنفسها، والثاني بوساطة حرف الجر. فحينذفقط يمكن أن نختار من هذه الأحرف أنسبها للسياق، ونعدِّي الفعل به؛ كما كان الشأن فيغيره من الأفعال، التي تقدم ذكرها، من نحو قولهم: مررت به، ومررت عليه.
ولو افترضنا جدلاً أن ( دخل ) يتعدى بـ( على ) ، وأنه يدل على علو المكان وارتفاعه، فماذا يمكن أن نقول، إذا كان المدخول عليه في كهف تحتالأرض، وطلب منا الدخول عليه ؟ أنقول: دخلت فيه، أو: دخلت معه، أو دخلتبه، أو دخلت عليه...؟ من البدهي أننا سنقول: دخلت عليه. فهل يشير( على ) هنا معفعل الدخول إلى ارتفاع المكان، وعلوه ؟
ولهذا أقول: ينبغي أن نفرق بين قولنا: أشرفتعلى القوم، ومررت على القوم، وبين قولنا: دخلت على القوم، وألا نخلط بينها. فالقومفي الأول والثاني مفعول في المعنى، تعدى إليه الفعل بوساطة ( على )، خلافًا للقومفي القولالثالث؛ فإنه اسم مجرور، والمفعول به محذوف تقديره: دخلت المجلس على القوم ، ومثله قوله تعالى:
﴿ وَجَاءإِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾( يوسف: 58)
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِأَخَاهُ ﴾(يوسف: 69)
أي: دخلوا القصر عليه. وليس هذا؛ لأن يوسف عليه السلام في مكانعال شريف. أو لأن الداخل عليه يلقى من المشقة ما يلقاه؛ لأنك تقول: دخلت على المجرمفي سجنه.. ودخلت على أخي في مكتبه.. ودخلت على والدي في حجرته.. ونحو ذلك مما ليسفيه علو، أو مشقة.

يتبــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.03 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]