عرض مشاركة واحدة
  #1451  
قديم 14-12-2013, 09:12 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي رد: موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشو

يتبــــع الموضوع السابق

شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة



والواقع أني لم أكتف بهذا، بل ذهبتُ فقلّبت كل ما أتيح لي من "معاجم البلدان" وقرأت ما كُتِب فيها عن "البصرة" ونَهْرَيْها لعلي أعثر على ما يمكن أن يُفْهَم منه، ولو على سبيل التأويل والتمحُّل البعيد، أن أجدادنا قد لاحظوا هذه الظاهرة التي يصرّ الكاتب في جرأة عجيبة على أنها مما تراه العين العادية للرجل العادي ، فلم أجد شيئا بالمرة. ومن الكتب التي راجعتُها لهذا الغرض: "المسالك والممالك" لابن خرداذبة (من أهل القرن الثالث الهجري )، و"الأعلاق النفيسة" لابن رستة (من أهل القرن الثالث الهجري أيضا)، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي (من أهل القرنين الساس والسابع)، و"أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي (من أهل القرن السابع)، و"آثار البلاد وأخبار العباد" للقزويني (من أهل القرن السابع أيضا)، و"الروض المعطار في خبر الأقطار" لمحمد بن عبد المنعم الحِمْيَري (من أهل القرنين السابع والثامن)، و"مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العُمَري (من أهل القرن الثامن الهجري ) و"Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia" لــJ. G. Lorimer(من أهل القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين). ولقد تناول كلامُ هؤلاء الكتاب عن البصرة موقعَها وتاريخَها وجوّها وأنهارَها وأطعمتها وسكانها ومشاهيرَها وحيوانها وطيورَها ومَدّها وجَزْرها وما قيل في مدحها وذمها، لكني لم أقرأ كلمة واحدة، كلمة واحدة يتيمة، عن تلك الظاهرة التي ادَّعى الكاتب أنها مما لوحظ من قديم الزمان قبل القرآن ببضعة آلاف من السنين، رغم أن بعض هؤلاء الكتاب قد أورد في الحديث عن مدّها وجَزْرها الخرافات والأساطير مثل المقدسي ، الذي نقل ما سمعه من أن ثمة مَلَكًا إذا وضع إصبعه في النهر حدث المدّ، وإذا رفعه جاء الجَزْر، أو أن الحوت إذا أخذ نفَسا سحب الماء إلى منخريه فكان الجَزْر، فإذا أخرجه كان المدّ" (المقدسي / أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ ط2/ بِرِيل/ 1906م/ 3)! بل لقد تحدث القزويني عن ملوحة ماء البصرة قائلا: "وماء دجلة والفرات إذا انتهى إلى البصرة خالطه ماء البحر فيصير ملحا" (القزويني / آثار البلاد وأخبار العباد/ دار صادر ودار بيروت/ 1389هــ- 1969م/ 309)، أي أنه قد اقترب تماما من النقطة التي نتحدث عنها الآن، ورغم هذا فإنه لم ينبس بأي شيء مما يزعم الكاتب أنه ظاهرة طبيعية بسيطة لاحظها القدماء بكل سهولة، وليس فيها ما يمكن أن يُعَدّ إعجازا بحال! إن الزعم أمرٌ هيّن الشأن لا يكلف صاحبه شيئا، بخلاف البناء والتثبت، فإنه يتعب من يرومه ويجشّمه من أمره جهدا ومشقّة ونَصَبا. إن كاتبنا لم يكلف نفسه أكثر من أنه تركها تزعم ما يحلو لها دون أن تقدِّم على ما تقول أي برهان، وهو أمر لا يعجز عنه أي شخص مهما يكن حظه من العلم، أو فلنقل بالأحرى: مهما يكن حظه من الجهل. كل ما هنالك أنه ينبغي أن يتدرع بالاندفاع واللامبالاة، ثم لا عليه بعد ذلك من شيء! أما الذين يحرصون على سمعتهم ويلتزمون بقِيَم الدين والعلم والخلق الكريم فلا يستطيعون أن يخطّوا حرفا إلا بعد اللَّتَيّا والتي خشيةَ الخطإ وتحرُّزًا من الوقوع في التدليس. وصدق المثل القائل إنّ رَمْى حجر في بئر لا يحتاج إلى أكثر من مجنون واحد، أما إخراج الحَجَر من البئر فيحتاج إلى ألف عاقل!
ثم يضيف الكاتب أن من المسلمين من يقول بوجود بحارٍ ذات ماء عذب صالح للشرب ( eau de mer potable)، قائلا إن الاعتقاد بهذا والشرب بناء عليه من ماء البحر المالح يؤدي إلى الجنون. ولست أدري من أين أتى الكاتب بهذا الكلام الذي ينسبه لبعض المفسرين المسلمين. لقد كان ينبغي أن يذكر لنا أسماء من قالوا بذلك ويحدد السياق الذي ورد كلامهم فيه، وعلى أي أساس قالوه. أما أن يتركنا في عماية من الأمر متصورا أننا ينبغي أن نلقي إليه بمقاليد طاعتنا ونصغي إليه أسماعنا وأفئدتنا دون دليل أو توضيح فأمر لا يصحّ، ومن شأنه أن يدفعنا إلى تكذيبه فيما يقول نظرا لغرابته البالغة، إذ لا يعقل أن يكون بين المفسرين المسلمين في العصر الحديث ولا في أي عصر آخر من يُقْدِم على كتابة هذا الكلام المضحك مهما تبلغ قلة بضاعته من المعرفة. إن هذا الكلام يعرف كذبَه أي عامي فَدْم، فما بالنا بمن يتصدى لتفسير كتاب الله المجيد؟ ولقد رجعتُ إلى ما نشره "موقع الإيمان على شبكة الإنترنت" في هذا الموضوع فوجدت ما أورده الكاتب المذكور وعمل على تفنيده من تفسير علماء المسلمين المعاصرين للآيات القرآنية التي نحن بصددها، لكني لم أعثر البتة على أي شيء يومئ من قريب أو من بعيد ولو على سبيل التوهم إلى ما يمكن أن يُفْهَم منه أنهم يقولون بوجود بحارٍ (بحارٍ كالبحر المتوسط أو البحر الأحمر أو بحر قزوين أو خليج المكسيك أو المحيط الهندى أو الأطلسي مثلا) ذات مياه عذبة، بل الذي قالوه، وهو صحيح مائة في المائة على ما سنوضّح لاحقا، هو أن كلمة "البحر" قد تُطْلَق في لسان العرب على ما نسميه عادة: "النهر". وهذا غير ذاك كما هو واضح، لكن الكاتب إما أنه لم يفهم كلامهم، وهو ما أستبعده لأنه قد فهم بقية ما قالوه فهما سليما يدل على أنه يعرف ماذا قالوا بالضبط سواء اطّلع عليه مباشرة في لغته الأصلية أو ترجمه له مترجم، وإما أنه فهم هذا الكلام لكنه أراد السخرية والتشكيك فيما قالوه برُمّته لينعكس ذلك على نظرة قارئ كلامه للقرآن أيضا، وهذا ما أرجّحه.
وقد استخدم القرآن كلمة "البحرين" للدلالة على ما نعرفه الآن بــ"النهر والبحر"،إذ "البحر" في اللغة العربية "هو الماءُ الكثيرُ، مِلْحًا كان أو عَذْبًا، وهو خلافُ البَرِّ، أو هو المِلْحُ فَقَطْ، وقد غَلَب عليه حتى قَلَّ في العَذْب" حسبما نقرأ في "لسان العرب" و"تاج العروس" وغيرهما من المعاجم. وقد يكون الكتاب المجيد استخدمها على سبيل التغليب كقولنا مثلا: "العُمَران" لأبي بكر وعمر، و"الحَسَنان" للحسن والحسين، و"القَمَران" للشمس والقمر، و"الأَبَوان" للأب والأم. فقول علمائنا إن البحر قد يكون عذب الماء كما قد يكون مالحها هو كلام لا خطأ فيه، ولا يمكن أن يتوهم متوهم أنهم يقصدون أن الماء الملح يطفئ الظمأ حتى يخاف كاتبنا على البشر من هذا أن يصيبهم الجنون جرَّاءَ تصديقهم لذلك الكلام وكَرْعهم من ثَمّ من هذا الماء، بل المقصود هو ما نعرفه الآن بــ"النهر"، وهذا كل ما هنالك. ونحن في مصر كثيرا ما نطلق على "النهر" اسم الــ"بحر" كقولنا: "بحر النيل"، وفي قريتنا "كتامة الغابة" بمحافظة الغربية نسمي الترعة الواصلة بين بلدنا وطنطا: "بحر عاص"، كما نسمى الترعة الأخرى التي تمر بالقرب من "شفاقرون" المجاورة لنا: "بحر شفاقرون". وبالمثل نسمع الناس يقولون لفرع النيل القريب من "بسيون": "بحر القُضّابة" على اسم قرية "القُضّابة" التي تقع عليه، ولفرع النيل المارّ بدسوق: "بحر سيدي إبراهيم" على اسم إبراهيم الدسوقي الولي المعروف المدفون بالمدينة المذكورة، وللترعة التي تقوم على شاطئها قرية "سديمة": "بحر سيدي أبو اليزيد" على اسم "أبو اليزيد البسطامي "، إذ في اعتقاد أهل المنطقة أن الضريح الموجود في تلك البلدة هو لذلك الصوفي المشهور. ويوجد في القاهرة شارع اسمه "شارع البحر الأعظم"، كما يوجد في طنطا شارع يسمَّى: "شارع البحر" إشارة إلى ما كان يوجد في كل من المكانين من مجرًى للنيل. ولهذه الحكمة ذاتها كان العامة في مصر يسمّون "البحر المتوسط": "البحر المالح"، وهو دليل آخر على أن هناك في أذهانهم "بحرا عذبا" مثلما أن هناك "بحرا مالحا". بل لقد وجدت بدر الدين العيني يستخدم هذه التسمية في كتابه: "عِقْد الجُمان في تاريخ أهل الزمان" عدة مرات، ومرة واحدة على الأقل تسمية "البحر المِلْح". كذلك استعمل نشوان الحميري هذه التسمية الأخيرة في "الروض المعطار في خير الأقطار" عند تعريفه بمدينة "الإسكندرية"، وذلك في قوله: "مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح". وبالمثل نقرأ في "ثمرات الأوراق" لابن حجة الحموي أن ملك بحر الأردن خاف على ابنته من أردشير حين أرسل يخطبها منه فــ" أرسلها إلى بعض الجزائر في البحر الملح". وهذه مجرد أمثلة قليلة. وإذا كانت كلمة "mer" الفرنسية لا تعني إلا البحر الملح، فينبغي ألا نحمّل لغة الضاد هذه المسؤولية، فلكلّ لغةٍ أوضاعها التي كثيرا ما تختلف فيها وبها عن غيرها من اللغات كما هو معروف.
ومن الشواهد التي تجري هذا المجرى قوله تعالى: " أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا" (المائدة/ 96)، ومعروف أن السمك يخرج من البحر والنهر كليهما لا من البحر فقط، وكذلك قوله عز شأنه: " قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ...؟ " (الأنعام/ 63)، حيث وُضِع البحر مقابل البرّ مما يدل على أن المقصود به النهر والبحر معا. وقرأت في "الحيوان" للجاحظ هذه العبارة: "ومررتُ به وهو جالسٌ في يوم غِمق حارٍّ ومِدٍ، على باب داره في شروع نهر الجُوبار بأردية، وإذا ذلك البحر يبخر في أنفه". فانظر كيف ذكر أولا "النهر"، ثم كيف سماه بعد ذلك: ""بحرا". وجاء في "كتاب الصناعتين" لأبي هلال العسكري : "ولولا كراهةُ الإطالة وتخوف الإملال لَزِدْتُ من هذا النوع، ولكن يكفي من البحر جرعة". والبحر هنا لا يمكن أن يكون إلا الماء العذب، فالإنسان لا يجرع إلا من النهر. وفي "الفرج بعد الشدة" للقاضي التنوخي نقرأ هذه العبارة: "فلا شدة أعظم من أن يُبْتَلَي الناس بمَلِكٍ يذبّح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر مع طفوليته، ولا شدة أعظم من حصول طِفْل في البحر". ويقول الشابشتي في وصف دير القصير بمصر من كتاب "الدِّيَارات": "وهو مطل على القرية المعروفة بشهران وعلى الصحراء والبحر. وهذه القرية المذكورة قرية كبيرة عامرة على شاطىء البحر، ويذكرون أن موسى uولد فيها، ومنها ألقته أمه إلى البحر في التابوت". ويقول أيضا عن "دير طمويه": "وطمويه في الغرب بإزاء حلوان. والدير راكب البحر، وحوله الكروم والبساتين والنخل والشجر. فهو نَزِهٌ عامرٌ آهل. وله في النيل منظر حسن. وحين تخضر الأرض، فإنه يكون بين بساطين من البحر والزرع". وفي "فوات الوَفَيَات" لابن شاكر الكتبي أن توران شاه لمّا حاصرته مماليك أبيه في البرج عند المنصورة رمى بنفسه وهرب إلى النيل "ونزل في البحر إلى حلقه" فقتلوه. والمقصود بــ"البحر" في هذا كله: "النيل" كما هو واضح. وعندنا من الشواهد الشعرية الكثير، ومنها قول أبي الشيص الخزاعي : بَحرٌ يَلوذ المُعتَفونَ بِنَيْله فَعْمُ الجَداول مُتْرَع الأَحواضِ
وقول ابن الرومي : هو بحرٌ مِنَ البحورِ فُرَاتٌ ليس مِلْحًا وليس حاشاه ضَحْلا
وقول ابن حَيّوس: وَمَنْ جادَ بِالآمالِ عَنكَ فَإِنَّني أَرى كُلَّ بَحرٍ مُذ رَأَيتُكَ جَدْوَلا
وقول ابن درّاج القسطلي : وإِن أَرْفَهَتْ فِي بَحْرِ جُودِكَ شِرْبَها فَمِنْ ظِمْءِ عَشْرٍ فِي الهجيرِ إِلَى تِسْعِ
وقول البحتري : بَحْرٌ مَتى تَقِف الظِماءُ بِمَورِدٍ مِنهُ يَطيبُ لَهُم جَداهُ وَيَعذُبِ
وقول الحيص بيص: ولكنهُ بَحْرٌ يَلَذُّ لشارِبٍ ويُكرِمُ مَثْوىً من مُسِيفٍ ومُرْمِلِ
وقول ظافر الحداد الشاعر المصري : تأمَّلْتُ بحرَ النيلِ طولا، وخَلْفَه من البركةِ الغَنّاء شكلٌ مُدَوَّرُ
وقول البوصيري : وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ غَرْفًا مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
وقول المتنبي : قَوَاصِدُ كافورٍ تَوَارِكُ غيره ومن قَصَدَ البحرَ استقلّ السواقيا
ثم كيف يمكن أن يتوهم متوهِّم هذا الذي يخشاه الكاتب (أو بالأحرى: هذا الذي يزعم أنه يخشاه)، ويذهب فيَعُبّ من الماء الملح عَبًّا؟ ويبقى تأكيده أن شرب هذا الماء يصيب الشخص بالجنون، ولا أعرف مدى صحة هذا الكلام من الناحية الطبية، وإن كنت أستغربه غاية الاستغراب، وبخاصة أنه من غير المعقول أو المتصوَّر أن يستمر أي إنسان في شرب ذلك الماء بمجرَّد أن يذوقه ويحس ملوحته! لكن الذي أنا متأكد منه أن الذي يَعُبّ من الماء الملح يكون قد أُصِيبَ بالجنون فعلا، وانتهى أمره والعياذ بالله، لا أنه سيصاب به بعد الشرب، إذ لا يفعل ذلك عاقل بحال من الأحوال!
والآن نأتي لتفسير الآيات المذكورة لنرى أفيها ما لم تكن العرب بل ما لم تكن البشرية كلها تعرفه أو لا، ونبدأ بقوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا " (الفرقان/ 53)،إذ هو من الوضوح بمكان بحيث لا يثير مشاكل وخلافات حول المقصود بالبحرين هنا: أهما بحران مِلْحان أم بحرٌ عَذْبٌ وآخر مِلْح؟ وقد فسره بوكاي قائلا: "معروفةٌ تلك الظاهرة التي كثيرا ما نشاهدها عند عدم الاختلاط الفوري لمياه البحر الملحة بالمياه العذبة للأنهار الكبيرة. ويرى البعضُ أن القرآن يشير إليها لعلاقتها بمصبّ نَهْرَي دجلة والفرات، اللذين يشكلان بالتقائهمابحرًا، إذا جاز القول، طوله 150 كم هو شط العرب. وفي الخليج ينتج تأثيرُ المدّ ظاهرةً طبيعيةً هي انحسار الماء العذب إلى داخل الأراضي ، وذلك يضمن رِيًّا طيبا" (موريس بوكاي / القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم/ 205).
والحق أن هذا التفسير، رغم احترامي الكامل للدكتور بوكاي ، هو تفسير غير مقنع: فمن الناحية اللغوية يصعب علي أن أوافق العالم الفرنسي على أن أداة التعريف في كلمة "البحرين" هنا للعهد، الذي قيل على أساسه إن "البحرين" المذكورين هما شط العرب والخليج الذي يصب فيه. ذلك أن الآيات السابقة تتحدث عن الظل والرياح والماء والأنعام والأناسي ، وهي مفاهيم عامة لا تشير إلى ظلٍّ بعينه ولا رياحٍ محدَّدة ولا أنعامٍ وأنَاسِي مخصوصة، فلِمَ يقال إذن إن "البحرين" هنا هما بحران معينان (الخليج وشط العرب)؟ إن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة هو سياق عام، ومن ثم فإن بلاغة الكلام تقتضي أن يكون "البحران" أيضا هنا هما "النهر والبحر" بإطلاق، أي أن "أل" فيهما هي "أل" الجنسية لا العهدية. وقد يظن قوم أن كلمة "فُرَات" الواردة في النص القرآني هنا تشير إلى نهر الفرات، ومن ثم يستغربون قولي بعدم وجود قرينة تدل على أن السياق هنا سياق خاص لا عام، لكن لا بد أن نعرف أن كلمة "فُرَات" في النص ليست عَلَمًا على النهر المعروف في بلاد الرافدين، بل صفة للبحر الأول من البحرين المذكورين معناها "الشديد العذوبة". كذلك فماء النهر، مهما توغَّل بقوة اندفاعه إلى مدًى بعيد في داخل البحر أو المحيط واحتفظ أثناء ذلك بخصائصة وعذوبته، يختلط في النهاية بمائهما ويتحول من ثم إلى ماءٍ ملحٍ أُجَاج. فظاهر الأمر إذن أن النهر يبغي في البداية على البحر (حين يشق ماءه الملح ويزيحه عن طريقه) ليعود البحر فيبغي في النهاية عليه (حين يختلط ماؤه العذب بماء البحر الملح الذي يُفْقِده خاصة العذوبة ويعطيه بدلا منها ملوحته)، فأين البرزخ يا ترى والحِجْر المحجور؟



يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.56 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]