عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-07-2019, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,590
الدولة : Egypt
افتراضي ومن ضيعها؛ فهو لما سواها أضيع

ومن ضيعها؛ فهو لما سواها أضيع


الشيخ عبدالله بن محمد البصري



أمَّا بعدُ:


فأوصيكم - أيُّها النَّاس - ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فاتَّقوه وأطيعوه، وأَوْفوا بالعهد ولا تنقضوه؛ {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].

أيُّها المسلمون:

لقد علم الموفَّقون مِن عباد الله أنَّ ما أصابهم مِن مصيبة، وما ظَهَر في الأرض مِن فساد، فإنَّما هو بما كَسَبَتْ أيديهم، وأنَّ أوَّل خُطوة في طريق الإصلاح، إنَّما هي تحديد ما لديهم مِن أَوْجُه الزَّلل والقُصُور، واعترافهم بِخَطَئِهم، وظُلْمهم أنفسهم، ومِن ثَمَّ العمل على تلافِي القُصُور، والسَّعْي في تصحيح الخطأ، وتعديل المَسَار.

وبعدُ - أيَّها المسلمون - ونحن نشكو قلَّة الأمطار، وغور الآبار، وغلاء الأسعار، ونحن نرى تعقَّد الأمور، ونعيش ضيقًا في الصُّدور، ونحن نتجرَّع مرارة الأمراض والأدواء، وترزح أمَّتُنا تحت تسلُّط الأعداء، فيجب علينا ألاَّ نذهبَ بعيدًا في تلمُّس أسباب ذلك البَلاء، أو نجهد أنفسنا بالبحث عنها باستِقصاء، قبل أن نقفَ مع عماد أمرِنا، ورُكن ديننا، فإذا رأيناه مُستَقيمًا، والأمر فيه على ما يريده ربُّنا، فلْنُحاسِبْ أنفسنا على سائر الأعمال بعده، وإن نحن وَجَدْنا العمود مكسورًا، والرُّكْن مَهْصورًا، فلماذا نشدّ الطنب مِن حولنا، ونستنكر أن يسقطَ علينا السَّقْف مِن فوقنا؟!

أيُّها المسلمون:

لقد عَلِمْتُم أنَّ الصَّلاةَ هي عمود الدِّين، ورُكنه الرَّكين، وأنّها قُرَّة عيون المؤمنين، ومعراج أفئدة المتَّقين، وأنَّها كانت مفزع المضطرِّين، وملاذ المكروبين، يتقرَّبون بها إلى ربِّهم، وينطرحون بين يديه، ويرفعون فيها حاجاتهم وضروراتهم إليه، ويشكون له في ثناياها ما يُصيبهم، فيجدون منه إجابةَ الدُّعاء، وكَشْف البلاء، ورَفْع اللأْوَاء، وكانتِ الخيرات عليهم نازلةً، والأرزاق واسعةً، والبركات فيهم دارَّة، والخيرات وافرةً، حتى خلف منَّا قومٌ، أَلْهَتْهُمُ المادَّة عما يغذِّي الأرواح، وشَغَلَتْهم دنياهم عن زاد قلوبهم، فهدموا رُكن الدِّين، وكسروا عموده، وقطعوا الصِّلة، وضعف منهم الاتِّصال، وفرَّطوا في فواتح الخير، وقصَّروا في خواتمه، وغفلوا عن أنَّه ((ليس بين الرَّجل والكفر والشَّرك، إلاَّ ترك الصلاة))، وأنَّ ((مَنْ تَرَكَ الصلاة متعمِّدًا، فقد برئتْ منه ذمَّة الله))، وأنَّه ((لا حَظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصَّلاة))، وأنَّ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يَرَون شيئًا منَ الأعمال تركه كُفر، غير الصَّلاة.

أيُّها المسلمون:

ألم تروا أنَّ ربَّكم لمَّا أراد أن يفرضَ على نبيِّكم الصلاة، فَرَضَهَا عليه في السَّموات العُلى، حين أسرى به منَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم رَفَعَه إليه وقرَّبه، فأوحى إليه ما أوحى، وأعطاه منَ الخير حتى رضيَ، ثم فرض عليه وعلى أمَّته الصَّلوات الخمس؟

ثم أَلَمْ تروا إلى نبيِّكم بعد ذلك كيف ظلَّ مُتمسِّكًا بهذه الصَّلاة، مُحافظًا عليها، مهتمًّا بأمرها، معظِّمًا لشأنها، حتى كانت هي آخرَ ما أوصى به، وهو على فراش الموت، حيث صاح مناديًا : ((الصّلاةَ الصَّلاة، وما ملكتْ أيمانكم))؟

أَلَمْ تعلموا أنَّ الصَّلاة هي أكثر الفرائض في القرآن ذِكرًا، وأنَّها ما ذُكرت مع فريضة غيرها، إلا قدِّمتْ عليها؟

أَلَم تعلموا أنَّها أصلٌ وغيرها فرع، لا يقبل الله من تاركها زكاةً، ولا صومًا، ولا حجًّا، ولا يأجره على صدقة، ولا دعوة، ولا جهاد، ولا يُثيبه على أمر بمعروف، ولا نهي عَنْ منكر، ولا يشفع له عنده حُسن خُلُق، أو طيب تعامُل؟

أَلَم تروا كيف افتتحت بها صفات المؤمنين المفلحين، وبها خُتمت؛ قال - سبحانه - : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]، ثم قال في آخر صفاتهم: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9 - 11]؟

إنَّ هذه الصلاة هي صِلتكم بربكم، إنَّها نور وجوهكم، وسعة أرزاقكم؛ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

إنَّها صلاح أبدانكم وأوطانكم، وزكاء أرواحكم، ومصدر فلاحكم، إنَّها المنهاة لكم عنِ الفحشاء والمنكر، إنَّها عونكم على الشَّدائد، وقوَّتكم في النَّوازل؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

إنَّها المفزع لكم إذا حزبتِ الأمور، والملجأ إذا مسَّ اللغوب، إنّها طمأنينة قلوبكم، وشرح صدوركم، كان نبيكم إذا حَزَبَه أمرٌ صلَّى، وكان يقول : ((يا بلالُ، أرحنا بها)).

أيُّها المسلمون:

الصَّلاة لم يرخَّص في تَرْكها، لا في مرض، ولا في خوف، ولا في شديد منَ المواقف، أو حالِك منَ الظُّروف، بل أمر بالمُحافظة عليها حتى في حالات القتال، وتراصِّ الصَّف، وأكَّد عليها حتى في أوقات المرض، ولَحَظات الضَّعف؛ قال - سبحانه -: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239]، وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كانت بي بواسِير، فسألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عنِ الصلاة، فقال: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تَسْتطِع فقاعِدًا، فإن لم تستطِع فعلى جنب)).

الله أكبر!! يصلِّي المسلمون رجالاً أو ركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، والمريض يصلِّي قائمًا، فإن لم يستطِع فقاعدًا، فإن لم يستطِع فعلى جنبه، فماذا بقي بعدُ؟

لم يبق إلاَّ التشاغُل عنِ الصلاة، والسَّهو عنها، وأصحاب ذلك هم المتَوَعَّدون بقول الله - جلَّ وعلا -: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].

لَمْ يبقَ إلا التكاسُل، وقلة الذِّكر، وندرة الفِكر، وتلك مِن صفات المُنافِقين، الذين قال فيهم - سبحانه -: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 142].

لم يبقَ إلا ترك الصلاة وإضاعتها، وتلك هي مصيبة أهل النار، وقاصِمة ظهورهم؛ فإنَّهم حين يُسْأَلون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 48، 49]، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

ألا فاتَّقوا الله، وحافظوا على الصلاة، واعرفوا قدرها ولا تضيعوها، فإنَّ مَن ضَيَّعَها، فهو لما سواها أضيع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45، 46].



الخطبة الثانية

أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه ولا تعصوه؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].

أيُّها المسلمون:

للصَّلاةِ في الدِّين المنزلة العليَّة، والرُّتبة السَّنيَّة، فمن أتى بها كما أمر، وأدَّى حقَّها، وأتمَّ رُكُوعها وسجودها، وأكمل خشوعها، كانت قرَّة عينه، وحلاوة قلبه، وانشراح صدره، وتيسير أموره، وتفريج كُرُوبه، وانفتاح الرِّزق عليه، ومَن تهاوَنَ بها أو تركها وضيَّعها، فقد وقف على شفا جرف منَ العذاب، ومشى على حافَّة جسر منَ الضَّياع؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد، فمَن جاء بهنَّ، ولم يضيِّع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ، كان له عند الله عهدٌ أن يدخلَه الجنَّة، ومَن لم يأتِ بهنَّ، فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنَّة)).

ألا وإنَّ منَ المُحَافظة عليها: أمر الأهل بها والأقربين، وبخاصَّة مَن تحت اليد منَ البنات والبنين؛ قال - سبحانه -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، بل إنَّه حتى الصبي الذي لم يبلغ الحُلُم، له حقٌّ أن يؤمَرَ بها، ويُعَوَّد عليها ويُؤَدَّب؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مُروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)).

ألا فاتَّقوا الله - رحمكم الله - و((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمنٌ))، و((أحب الأعمال إلى الله الصَّلاة على وقتها))، والله الغني وأنتم الفقراء، وما عنده منَ الرِّزق والتّوفيق لا ينال إلاَّ بالطّاعة، والذُّنوب والمعاصي هي أسباب كلِّ بلاء، ومنشأ كلِّ قلَّة وذلة، و((لن يهلكَ النَّاس حتى يعذروا من أنفسهم))، والمؤمنون الشاكرون موعودون بالزيادة، مُؤَمَّنون منَ العذاب؛ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]، ومَن تَرَكَ الصلاة أو تهاوَنَ بها فما عَرَف الشُّكر، فاتَّقوا الله وتوبوا إليه، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.24 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]