عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-03-2024, 02:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... }

ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (1)
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي

الجزء الأول: (1-2)

ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]


إن الحديث عن تعظيم الله تعالى حق تعظيمه، وتقديره حق قدره بحر لا ساحل له، وخطى في طريق لا منتهى لمداه، ولا يساورني أدنى شك البتة أني لن أوفي الموضوع حقه من عرض وبيان الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال، وشرف لي وفخر لا يدانيه فخر أن قدح في ذهني البدء في كتابة هذا المقال، ووجدت معونة منه سبحانه وعزمًا وتوفيقًا في الكتابة فيه، فاللهم لك الحمد كما تحب وترضى، وأسأله بمنه وكرمه وإحسانه أن يسددني ويجعله خالصًا لوجهه وابتغاء مرضاته.

هناك آيتان أخريان تتشابهان مع موضوع آية المقال: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وهما:
الأولى: قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91].

قال ابن باز رحمه الله: والآية عامَّة، تُعمُّ قريشًا وغيرهم، كل مَن قال هذه المقالة: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ تُعمُّ جميع الكفرة الذين قالوا هذه المقالة من قريشٍ وغيرهم، ما عظَّموا الله حقَّ تعظيمه، وما قدروه حقَّ قدره إذ اتَّهموه بأنَّه أهمل الناس، وترك الناسَ على ضلالهم وعماهم من غير رسلٍ ولا كتبٍ، بل هذا من ظن السوء؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾.

الثانية: قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 73، 74].

قال البغوي رحمه الله: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ ما عظموه حق عظمته، وما عرفوه حق معرفته، ولا وصفوه حق صفته إن أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.

أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حقَّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حقَّ قدره؛ (الطبري، التفسير، الزمر:67).

وقال ابن كثير رحمه الله: وما قدر المشركون الله حق قدره، حين عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته.

وقال ابن باز رحمه الله: هذه الآية العظيمة تبين عِظَم قدرته، وأنه الخلاق العليم، وأنه يطوي السماوات ويقبض الأرض، فدلَّ ذلك على عِظَم قدرته، ومن كان بهذه المثابة فهو حريٌّ بأن يعبد ويطاع ويعظم، وهو الذي له الكمال في أسمائه وصفاته وأفعاله، لا شبيه له، ولا نِدَّ له، ولا يقاس بخلقه، فالله جل وعلا له الصفات العليا والأسماء الحسنى، وهو سبحانه الخلاق الرزاق، وهو سبحانه أيضًا المستحق للعبادة.

الملامح التربوية التي تُسهم بعون الله تعالى في تعظيم الله تعالى:
أولًا: الجهل بوحدانية الله عز وجل وقدرته وعظمته من أعظم الجهل، حتى لو كان أعلم أهل الأرض بعلوم الدنيا وفنونها، ولم يتعرف على الله تعالى، فلا ينفعه ذلك، فالإنسان بجهله لمعرفة الله يصبح تائهًا حائرًا، وقد يجد الشيطان فرصةً سانحةً لإغوائه بالكلية حتى يؤدي به للكفر والعياذ بالله، وهذا هو الهدف الأساس الذي يسعى إليه شياطين الجن والإنس، فالحذر ثم الحذر من الجهل بعظمة الله وقدرته، فهي طريق ممهد للضلال والإضلال، والبدار ثم البدار في العناية التامة بأخذ الوسائل المتاحة، وما أكثرها! لمعرفة عظمة الله تعالى وتقديره حق قدره من أهل العلم الثقات المعروفين بالصلاح والتقوى.

ولابن القيم رحمه الله كلام مهم عن معرفة الله تعالى إذ قال: فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب سبحانه في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حقَّ عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؛ قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير رحمه الله: ما لكم لا تعظمون الله حقَّ عظمته، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت (مدارج السالكين، 2/459).

وهناك مثال واضح يردده الدعاة في محاضراتهم ودروسهم لأبيات شعرية منسوبة للشاعر: "إليا أبي ماضي" توضح مدى الضياع والحيرة التي عاشها، ولا شك أن مرد ذلك الجهل المطبق بمعرفة الله عز وجل، إذ قال:
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقًا فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِيًا إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري

(إليا أبو ماضي؛ شاعر لبناني من شعراء المهجر، ت:1957م).

وهذه الأبيات تصور مدى ضياع الإنسان عندما يجهل عظمة الله تعالى، فإنه يعيش حالة من التيه والشقاء، فمن لم يهتدِ بنور الله فما له من نور، وصدق الله العظيم: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]، قال ابن كثير رحمه الله: من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأعراف: 186]، وجميل مقولة: "من وجد الله فماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد"، وكذلك مقولة: "من عرف الله تفانى في عبادته، ومن لم يعرف الله تفنن في عصيانه".

ثانيًا: التعرف على الله من أقوى مداخل معرفة الله تعالى؛ التعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العليا، قال ابن القيم رحمه الله: "وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلَمَ، كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر، كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد"؛ (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، ج1، ص 6-7).

ثالثًا: توجد نصوص شرعية ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما ورد من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وقد تناولها العلماء بالشرح والبيان، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180] وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"؛ (صحيح البخاري، حديث رقم: 2736، صحيح مسلم، حديث رقم: 2677). قال ابن باز رحمه الله: هذا من أحاديث الوعد، من أحاديث الفضائل، وفيه حث على العناية بأسماء الله، وتدبرها حفظًا وإحصاء؛ حتى يستفيد من هذه المعاني العظيمة، وحتى يكون هذا من أسباب خشوعه لله، وطاعته له، والقيام بحقه سبحانه وتعالى، وهي من أسباب دخول الجنة لمن حفظها، وأدى حق الله، ولم يغش الكبائر، أما من غشي الكبائر من المعاصي؛ فهو معرض لوعيد الله، وتحت مشيئة الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة.

رابعًا: إن من توفيق الله تعالى للعبد دلالته للخير مطلقًا، ومن أعظم التوفيق دلالته على التعرف عليه جل جلاله؛ لأن ذلك مدعاة للقرب منه ومناجاته في كل وقت وحين، وليعلم المسلم أنه كلما ازداد عناية ومعرفة بالله تعالى زاد إيمانه وارتقى، وكلما زاد إيمانه وارتقى زاد تعظيمه لله، وكلما زاد تعظيمه لله زادت عبوديته، وهذا هو الشرف الأعظم والمقصد الأسنى من خلق الإنسان، أن يوحده حق توحيده، ويخلص العبادة له وحده سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

خامسًا:إذا تمكن تعظيم الله تعالى في قلب العبد امتلأ قلبه خشية منه ومهابة له، فهناك تلازم قوي بين تعظيم الله تعالى وبين خشيته سبحانه، فمن عَظَّم الله حق عظمته كانت خشيته في السر كخشيته علانية، بل قد يكون في سره متذللًا منكسرًا من شدة خشيته ولا يُظهر ذلك أمام الناس خشية الرياء؛ ولذلك ذم الله تعالى الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون منه سبحانه عند ارتكاب المحرمات، فهم أشد خشية للناس من الله تعالى المطلع على سرائرهم وعلانيتهم، قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].

قال السعدي رحمه الله: وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطِّلاعه عليهم، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم.

سادسًا: من فضل الله وكرمه وإحسانه بعباده أنهم إذا حققوا الخشية له سبحانه، فقد أعدَّ لهم ما لا يُحصى من الخير والفضل العظيم، قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 31 - 35].

قال ابن عثيمين رحمه الله: وقوله: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33] ﴿ مَنْ ﴾ هذه بدل مما سبقها، ﴿ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ﴾؛ أي: خَافَهُ عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، الدليل قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] فهي خشية؛ أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم، والخشية لها معنيان؛ المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يَرَهُ، لكن رأى آياته الدالة عليه، والمعنى الثاني: خَشِيَهُ بالغيب؛ أي: بغَيْبَتِه عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس مَن يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله.

سابعًا: من مظاهر تعظيم الله تعالى؛ العناية التامة باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وكلما كان الإنسان مُعَظِّمًا لله تعالى زاد تعظيمًا لأوامره وشعائره التعبدية، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32] قال ابن كثير رحمه الله: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾؛ أي: أوامره، ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، وقال السعدي رحمه الله: تعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.

ثامنًا: من أعظم العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه عز وجل ويحرص الشيطان على صده عنها؛ الصلاة، فهي الركن العملي لأركان الإسلام، وهي صلة بين العبد وخالقه جل جلاله، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91] وقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة ببيان الوسائل المناسبة لصد كيد الشيطان ووسوسته في سائر العبادات وفي الصلاة تحديدًا، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] قال البغوي رحمه الله: وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 108]، فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى، وقال السعدي رحمه الله: إن الخشوع، وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحًا صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.

وكلما زاد الإنسان تعظيمًا لله تعالى زاد خشوعًا في صلاته وانصرف الشيطان عنه، وكانت له نورًا في حياته كلها، وعاش معها وبها راحة واطمئنانًا، وصدق الله العظيم: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40] قال الشنقيطي رحمه الله: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما توعَّد بأنه سيضل أكثر بني آدم، استثنى من ذلك عباد الله المخلصين، معترفًا بأنه لا قدرة له على إضلالهم.

يتبع الجزء الثاني (2-2).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]