عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-02-2021, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,026
الدولة : Egypt
افتراضي من نابه شيء في صلاته فليسبح

من نابه شيء في صلاته فليسبح


الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح



عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ. فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذٰلِكَ، ثُمَّ استَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتْ إِذْ أَمَرْتُكَ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «مَالِي أَرَاكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ». وعن أبي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ».
تخريج الحديثين:
حديث سهل بن سعد أخرجه مسلم (421)، وأخرجه البخاري في "كتاب الأذان" "باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته" (684)، وأخرجه النسائي في" كتاب الإمامة" "باب إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر" (783).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم(422)، وأخرجه البخاري في "كتاب العمل في الصلاة" "باب التصفيق للنساء" (1203)، وأخرجه أبو داود في "كتاب الصلاة" "باب التصفيق في الصلاة" (939)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء" (1034)، وأخرجه النسائي في "كتاب السهو" "باب التصفيق في الصلاة" (1206).
شرح ألفاظ الحديثين:
"فَحَانَتِ الصَّلاَةُ": المراد بها صلاة العصر، ففي رواية البخاري: "فلما حضرت صلاة العصر".
"فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ": هو بلال، ففي رواية البخاري: "فلما حضرت صلاة العصر أذن بلال ثم أقام".
"فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ": أي تجاوز الصفوف برفق حتى وصل إلى الصف الأول، ففي رواية مسلم الأخرى: "فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المقدم".
"فَصَفَّقَ النَّاسُ": التصفيق والتصفيح بمعنى واحد؛ [انظر شرح النووي لمسلم (4 /366)، والمفهم (2 /55)].
والتصفيق: ضرب إحدى اليدين بظاهر الأخرى.
قال النووي:" ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا علي وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة"؛ [شرح مسلم (4 /466)].
والأظهر أن التصفيق سواء كان ببطن إحدى اليدين على ظاهر الأخرى، أو ببطن اليد على بطن الأخرى، أو بظهر يد على بطن الأخرى، كلها جائز ما لم يرد بذلك اللعب، لأن الأمر واسع والنصوص لم تحدد صفة معينة.
"فَحَمِدَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم": فعل ذلك أبو بكر رضي الله عنه لتكريم النبي صلى الله عليه وسلم له وطلبه بقائه.
"وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ": انصرف من الصلاة وانتهى منها بالتسليم.
"مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم": أبو قحافة: بضم القاف وفتح الحاء، واسمه عثمان بن عامر القرشي، أسلم عام الفتح وعاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه، وقصته معروفة حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه اشتد بياضًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير لون شعره، مات سنة أربع عشرة من الهجرة؛ [انظر الإصابة (4 /374)].
واختار أبو بكر رضي الله عنه هذه العبارة في حديث الباب ولم يقل: (ما كان لأبي بكر....) تواضعًا وهضمًا لنفسه، واستصغارًا لمرتبته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ": أي من أصابه أو عرض له شيء في الصلاة، فليقل: سبحان الله.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث فيه فضل الإصلاح بين الناس، وسعي كبار القوم في ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع بني عمرو بن عوف، وفي ذلك مراعاة لمصلحة العامة، وهي الإصلاح على المصلحة الخاصة؛ لأن في ذلك دفعَ المفسدة؛ ولذا جعل الشارع الحكيم لهذه المصلحة الإصلاح بين الناس حظًّا من الزكاة تدفع للغارم الذي يصلح ذات البين.
الفائدة الثانية: الحديث فيه فضيلة أبي بكر رضي الله عنه ومكانته بين الصحابة، ورجحانه عليهم، ولذا كان أولاهم بالإمامة؛ لأن المؤذن جاء ليستأذنه بالصلاة خلفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الثالثة: الحديث دليل علي جواز خرق الصفوف والمشي بينها إذا كان لحاجة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم"، فتخلص صلى الله عليه وسلم حتى وقف في الصف".
الفائدة الرابعة: الحديث دليل على جواز الالتفات للحاجة إذا كان يسيرًا، أما من غير حاجة فجمهور العلماء على كراهته.
الفائدة الخامسة: الحديث دليل على جواز الحركة اليسيرة في الصلاة، فإن الصحابة رضي الله عنهم صفقوا لينبهوا أبا بكر رضي الله عنه.
الفائدة السادسة: في الحديث دلالة على جواز رفع اليدين عند حمد الله تعالى إذا تجددت نعمة أو اندفعت نقمة؛ لفعل أبي بكر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، خلافًا لمن قال ببدعية ذلك.
الفائدة السابعة: الحديث فيه جواز إمامة المفضول بالفاضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه بالثبات إمامًا له.
الفائدة الثامنة: الحديث دليل على جواز المشي خطوة أو خطوتين في الصلاة لحاجة، ويكون المشي للخلف من غير استدبار القبلة، ولا انحراف عنها، وإنما يرجع مع استقباله القبلة؛ لفعل أبي بكر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة التاسعة: في الحديث دليل على أن المخالفة للآمر وصاحب الحق بقصد الإكرام لا العصيان، لا تعد عصيانًا ومخالفة للأمر، بل تكون أدبًا وتواضعًا، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، حين أمره بالثبات في مكانه بالصلاة ولم يفعل، وقد جمع أبو بكر رضي الله عنه في هذا الحديث التواضع بفعله كما تقدم وبقوله حين صغَّر نفسه بقوله: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول صلى الله عليه وسلم".
الفائدة العاشرة: في الحديث دليل على مشروعية إنكار المنكر ولو فعله الإنسان اجتهادًا لا قصدًا، لكنه لا يُوبخ إلا إذا كان قاصدًا المنكر، ووجه ذلك أن الصحابة حين أكثروا التصفيق مجتهدين في تنبيه أبي بكر لمجيء النبي صلى الله عليه وسلم، أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بلا توبيخ بقوله: "مَا لِي أَرَاكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟"، وهذا من فقه الإنكار التفريق بين المجتهد والقاصد للمنكر، ومثله إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي بال في المسجد، والمجامع في نهار رمضان، وحديثهما في الصحيحين فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهما بلا توبيخ، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
الفائدة الحادية عشرة: الحديث دليل على أن الرجل إذا نابه شيء وهو يصلي كتنبيه إمام، أو تنبيه مار، أو من يناديه ويريد منه أمرًا وهو لا يدري أنه يصلي، فإنه يُسبح فيقول: سبحان الله، وأما المرأة فإنها تصفق، وصفة ذلك: أن تضرب ببطن كفها على ظهر الأخرى أو العكس، أو تضرب ببطن الكف على بطن الأخرى، أو على فخِذها، والأمر واسع، والقصد في ذلك حصول التنبيه؛ [انظر تعليق شيخنا العثيمين على مسلم (3 /127)]، وإذا انتبه المقصود بالتنبيه بالتسبيح أو التصفيق من مرة واحدة، فلا يعود المصلي للتنبيه مرة أخرى لحصول المقصود؛ لأنه شيء شُرع لسبب، فيزول بزوال سببه، وإن لم ينتبه كرَّره حتى يحصل المقصود.
وحكمة التفريق بين الرجال والنساء في التنبيه أثناء الصلاة ظاهرة، فالمرأة مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقًا؛ خشية الافتتان بها بحضرة الرجال الأجانب، فناسبه مشروعية التصفيق في حقها لا التسبيح، واختُلف إذا لم تكن بحضرة رجال أجانب فهل تسبح؟ قيل تسبح؛ لأن التسبيح ذكر مشروع في الصلاة، ولانتفاء العلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد التفريق بقوله:" التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" إذا كانت بحضرة الأجانب، وهو وجيه؛ [انظر فتح الباري لابن رجب (9 /310)]، وقيل: تصفق مطلقًا لعموم النص، ولا دلالة فيه على التفريق بين حال وجود رجال أجانب من عدمه، وهذا القول أقوى لظاهر الحديث، وهو اختيار شيخنا العثيمين رحمه الله؛ [انظر تعليقه على مسلم (3 /127)].
الفائدة الثانية عشرة:الحديث دليل على أفضلية تقديم الصلاة أول الوقت؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم، وعدم انتظارهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مشروط بكون الإمام الراتب رضي بهذا، أما مع عدم رضاه، فإنهم لا يصلون إلا إذا خافوا فوات الوقت، ويجوز لمن يلحقه حرج أن يصلي وحده، وينصرف لشغله، استدلالًا بقصة الرجل الذي انفرد وصلى وحده؛ لأن معاذ بن جبل أطال بهم الصلاة، وأقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم انفراد الرجل، والحديث في الصحيحين؛ [انظر شرح النووي لمسلم (3 /127)، وتعليق شيخنا العثيمين على مسلم (3 /130)].
الفائدة الثالثة عشرة:الحديث دليل على جواز الصلاة الواحدة بإمامين على هذه الصورة الواردة في الحديث، وفيه دلالة على أنه إذا حضر الإمام الراتب والناس في الصلاة، فهو مخير بين دخوله مأمومًا، أو يؤم بالناس؛ ليصير نائبه مأمومًا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه، من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل أحد شيئًا منها، وهذا القول هو المشهور عند الشافعية خلافًا للجمهور، وذكر ابن عبدالبر أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل الإجماع على ذلك، وفي هذا الإجماع نظر، فهو مردود بخلاف الشافعية؛ [انظر عمدة القاري (5 /210)، وفتح المنعم (2 /577)].
قال شيخنا العثيمين:" مسألة: إذا جاء الإمام الراتب في أثناء صلاة نائبه، فله أن يتقدم ليُكمل بهم، ولكن إذا قد فاته شيء من الصلاة، فماذا يصنع؟
نقول: يقوم فيُكمل صلاته؛ وأما المأمومون فيجلسون في انتظاره، ولا يقومون معه؛ لأنهم لو قاموا إلى زيادة، والزيادة لا تجوز، بل ينتظرونه، فلو فرضنا أنه فاته اثنان من الرباعية، نقول: إذا تشهد التشهد الأول، قام ثم هم يبقون منتظرين له، ولا يسلمون، هذا هو الأفضل؛ [التعليق على مسلم (3 /128)].

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة)


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]