الموضوع: غزوة الطائف
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-09-2019, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزوة الطائف



غزوة الطائف (2)


د. أمين بن عبدالله الشقاوي




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

فاستكمالًا للحديث عن غزوة الطائف، روى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاءٍ بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: أي قوم أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر.



قال أنس رضي الله عنه: «إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يُسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها»[1].



ولما انتهت هذه الغزوة العظيمة، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية، وقال له: «إِنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا[2]، فَهَلْ نَغْرَمُ[3] لَكَ؟»، قال: لا يا رسول الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ[4].



«لا تُوطَأُ الحُبْلَى[5]حَتَّى تَضَعَ»:

ولما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا، نادى مناديه: «لا تُوطَأُ الحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً»[6].



روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهم من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 24]، أي فهن لكم حلال إذا انقضت[7] عدتهن[8].



شأن ذي الخويصرة التميمي:

ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، هو ذو الخويصرة التميمي، واسمه حُرقُوصُ[9] بن زهير السعدي، يعترض على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها، يعطي الناس، فقال: يا محمد! اعدل.



فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلْ؟ لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلْ».



فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَعَاذَ اللَّهِأَنْ تَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»[10].



وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا، دَعُوهُ فَإِنَّهُسَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ[11] يَتَعَمَّقُونَ[12] فِي الدِّينِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ[13]، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ[14] فَلا يَجِدُ شَيْئًا، ثُمَّ فِي الْقَدَحِ[15] فَلا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الفَوْقِ[16] فَلا يُوجَدُ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ[17] وَالدَّمَ»[18].



عَتْبُ الأنصار وخطبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم:

أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الناس من الغنائم إلا الأنصار رضي الله عنهم أجمعين، فوجدوا[19] على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم، وقال أحداثهم[20]: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم[21].



وفي رواية أخرى قالوا: إذا كانت الشدة فنحن نُدعى، وتُعطى الغنائم غيرنا[22]، وكثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه[23].



فانطلق سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الأنصار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، وقال: يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، فقسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء.



فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟». قال: يا رسول الله! ما أنا إلا امرؤ من قومي[24]. فقال رسول الله: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ».



فخرج سعد، فجمع الأنصار في قبة من أدم، فلما اجتمعوا أتاه سعد، فقال: يا رسول الله! قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار.



فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً[25] فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟»، قالوا: بل الله ورسوله أَمَنُّ وأفضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟»، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، وَلَصَدَقْتُمْ، وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلا فَأَغْنَيْنَاكَ»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ[26] مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا أَقْوَامًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَّلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ[27]، وَالنَّاسُ دِثَارٌ[28]، اللَّهُمَّ ارحَمِ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ»، فبكى الأنصار رضي الله عنهم حتى أخضلوا[29] لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا[30].



ترتيب عجيب:

قال الحافظ في الفتح: وقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبًا بالغًا، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة، وهي أعظم من نعمة المال؛ لأن الأموال تُبذل في تحصيلها، وقد لا تُحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع، فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63][31].



نذر عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، بعد أن رجع من الطائف[32]، فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية[33] أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام، فكيف ترى؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا».



وقال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية[34] من الخُمس، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصواتهم يقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.



فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا؟ قالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها[35].



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]