عرض مشاركة واحدة
  #365  
قديم 10-03-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (364)
تفسير السعدى
سورة الفرقان
من الأية(24) الى الأية(31)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الفرقان




" أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " (24)
أي: في ذلك اليوم الهائل, كثير البلابل " أَصْحَابُ الْجَنَّةِ " الذين آمنوا بالله, وعملوا صالحا, واتقوا ربهم " خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا " من أهل النار " وَأَحْسَنُ مَقِيلًا " أي: مستقرهم في الجنة, وراحتهم التي هي القيلولة, هو المستقر النافع, والراحة التامة, لاشتمال ذلك, على تمام النعيم, الذي لا يشوبه كدر.
بخلاف أصحاب النار, فإن جهنم مستقرهم " سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا " وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل, فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء, لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم, كقوله " آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ " .

" ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا " (25)
يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة, وما فيه من الشدة والكروب, ومزعجات القلوب فقال: " وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ " وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه, من فوق السماوات, فتنفطر له السماوات, وتشقق, وتنزل الملائكة كل سماء, فيقفون صفا صفا, إما صفا واحدا محيطا بالخلائق, وإما كل سماء, يكونون صفا, ثم السماء التي تليها صفا وهكذا.
القصد أن الملائكه - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق, مدعنين لأمر ربهم, لا يتكلم منهم أحد, إلا بإذن من الله.
فما ظنك بالآدمي الضعيف, خصوصا, الذي بارز مالكه بالعظائم, وأقدم على مساخطه, ثم قدم عليه بذنوب وخطايا, لم يتب منها, فيحكم فيه الملك الخلاق, بالحكم الذي لا يجور, ولا يظلم مثقال ذرة, ولهذا قال: " وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا " لصعوبته الشديدة, وتعسر أموره عليه.
بخلاف المؤمن, فإنه يسير عليه, خفيف الحمل.
" يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا "

" الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا " (26)
وقوله " الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ " أي: يوم القيامة " الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ " لا يبقى لأحد من المخلوقين, ملك ولا صورة ملك, كما كانوا في الدنيا.
بل قد تساوت الملوك ورعاياهم, والأحرار, والعبيد, والأشراف وغيرهم.
ومما يرتاح له القلب, وتطمئن به النفس, وينشرح له الصدر, أنه أضاف الملك في يوم القيامة, لاسمه " الرحمن " الذي وسعت رحمته كل شيء, وعمت كل حي, وملأت الكائنات, وعمرت بها الدنيا والآخرة, وتم بها كل ناقص, وزال بها كل نقص.
وغلبت الأسماء الدالة عليه, الأسماء الدالة على الغضب, وسبقت رحمته غضبه وغلبته, فلها السبق والغلبة.
وخلق هذا الآدمي الضعيف, وشرفه, وكرمه, ليتم عليه نعمته, وليتغمده برحمته.
وقد حضروا في موقف الذل, والخضوع, والاستكانة بين يديه, ينتظرون ما يحكم فيهم, وما يجري عليهم, وهو أرحم بهم من أنفسهم, ووالديهم, فما ظنك بما يعاملهم به.
ولا يهلك على الله, إلا هالك, ولا يخرج من رحمته, إلا من غلبت عليه الشقاوة, وحقت عليه كلمة العذاب.

" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " (27)
" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ " بشركه وكفره, وتكذيبه للرسل " عَلَى يَدَيْهِ " تأسفا, وتحسرا, وحزنا, وأسفا.
" يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا " أي طريقا بالإيمان به, وتصديقه واتباعه.

" يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " (28)
" يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا " وهو الشيطان الإنسي, أو الجني.
" خَلِيلًا " أي, حبيبا مصافيا, عاديت أنصح الناس لي, وأبرهم بي, وأرفقهم بي.
وواليت أعدى عدو لي, الذي لم تفدني ولايته, إلا الشقاء والخسار والخزي, والبوار.

" لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " (29)
" لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي " حيث زين له, ما هو عليه من الضلال, بخدعه وتسويله.
" وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا " يزين له الباطل, ويقبح له الحق, ويعده الأماني, ثم يتخلى عنه, ويتبرأ منه, كما قال لجميع أتباعه, حين قضي الأمر, وفرغ الله من حساب الخلق " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ ي مِنْ قَبْلُ " الآية.
فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان, وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن.
وليوال من ولايته, فيها سعادته, وليعاد من تنفعه عداوته, وتضره صداقته.
والله الموفق.

" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " (30)
" وَقَالَ الرَّسُولُ " مناديا لربه, وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به, ومتأسفا على ذلك منهم: " يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي " الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم.
" اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " أي قد أعرضوا عنه, وهجروه, وتركوه, مع أن الواجب عليهم, الانقياد لحكمه, والإقبال على أحكامه, والمشي خلفه.
قال الله مسليا لرسوله, ومخبرا, أن هؤلاء الخلق, لهم سلف, صنعوا.
كصنيعهم, فقال:

" وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا " (31)
" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ " أي من الذين لا يصلحون للخير, ولا يزكون عليه, يعارضونهم, ويردون عليهم, ويجادلونهم بالباطل.
من بعض فوائد ذلك, أن يعلو الحق على الباطل, وأن يتبين الحق, ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق, مما تزيده وضوحا وبيانا, وكمال استدلال, وأن نتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة, وبأهل الباطل من العقوبة.
فلا تحزن عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.
" وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا " يهديك, فيحصل لك المطلوب, ومصالح دينك ودنياك.
" وَنَصِيرًا " ينصرك على أعدائك, ويدفع عنك كل مكروه, في أمر الدين والدنيا, فاكتف به, وتوكل عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]