عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 27-03-2024, 02:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,699
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني

الدَّرْسُ الرَّابِعَ عَشَرَ

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾

محمد بن سند الزهراني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.

وَمِنْ الْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة:255]؛ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ تَتَضَمَّنُ أَصْلًا عَظِيمًا مِنْ أُصُولِ التَّوْحِيدِ فِي الْإِسْلَامِ؛ أَلَا وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.


وَمَعْنَاهُ: رَاجِعٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَسْمَاءٍ حُسْنَى وَصِفَاتٍ عُليا، وَكَذَا مَا أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؛ مِمَّا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، ثُمَّ نَفْيِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْ ذَاتِهِ -جَلَّ جَلَالُهُ- مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالْمِثَالِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّنْزِيهِ وَالتَّسْبِيحِ.

فَالْجُمَلُ الْمَنْفِيَّةُ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ نَفْيٌ لِمَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ وَجْهِهِ وَكَمَالِ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾، وَأَمَّا الْجُمَلُ الْمُثْبَتَةُ فَفِيهَا إِثْبَاتٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، وقوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾.

فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكِبَارِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ الْمُتَّبِعِينَ؛ عَقِيدَةٌ سَالِمَةٌ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالتَّعْطِيلِ وَمِنْ التَّكْيِيفِ وَالتَّمْثِيلِ، فَالْكُرْسِيُّ وَالْعَرْشُ مَثَلًا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِوَجْودِهِمَا، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[طه:5]، ثُمَّ الْإِيمَانُ بِاسْتِوَاءِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ اسْتِحْضَارُ الذِّهْنِ لِحَقِيقَةِ الْكُرْسِيِّ وَلَا لِجَوْهَرِ الْكُرْسِيِّ وَهَيْئَتِهِ، وَلَا لِكَيْفِيَّةِ اسْتِوَاءِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَرْشِهِ.

تَمَامًا كَمَا نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ - جَلَّ جَلَالُهُ - وَبِوُجُودِهِ وَذَاتِهِ، وَلَا نَسْتَحْضِرُ لَهُ هَيْئَةً وَلَا صُورَةً، فَعِلْمُ ذَلِكَ كُلَّهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى:11]، وَبِهَذَا الْمَنْهَجِ السَّدِيدِ يَسِيرُ الْعَبْدُ مَعَ الدَّلِيلِ، وَيَتَعَامَلُ مَعَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَخْذِهَا بِظَاهِرِهَا، أَمَّا مَنْ يَتَجَرَّأُ عَلَى اللَّهِ فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَيَصِفُ اللَّهُ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ؛ تَعْطِيلًا وَتَشْبِيهًا وَتَمْثِيلًا وَتَكْيِيفًا؛ فَذَاكَ ظُلْمٌ وَافْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ.

وَمِنْ أَجْمَلِ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ فِي تَقْرِيرِ تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: (آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ، وَآمَنْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اَللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).


وَبِهَذَا يَمْتَلِئُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَحَّدِ بِأَنْوَارِ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ يَسْتَشْعِرُ عَظَمَةَ اللَّهِ، وَجَلَالُ اللَّهِ - جَلَّ جَلَالُهُ - فَالْكُرْسِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُوَ مَوْضِعُ قَدم الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى).


قال الله عنه: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة:255]؛ فسبحانك الله وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.51%)]